المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة - شرح سنن النسائي المسمى شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية - جـ ٥

[محمد المختار الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب المساجد

- ‌الْفَضْلِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

- ‌الْمُبَاهَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ

- ‌ذِكْرِ أَيِّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلًا

- ‌فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

- ‌الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌فَضْلِ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَالصَّلَاةِ فِيهِ

- ‌فَضْلِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّلَاةِ فِيهِ

- ‌ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى

- ‌فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَالصَّلَاةِ فِيهِ

- ‌مَا تُشَدُّ إِلَيْهِ الرِّحَالُ مِنَ الْمَسَاجِدِ

- ‌اتِّخَاذِ الْبِيَعِ مَسَاجِدَ

- ‌نَبْشِ الْقُبُورِ وَاتِّخَاذِ أَرْضِهَا مَسْجِدًا

- ‌النَّهْي عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ

- ‌الْفَضْلِ فِي إِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ

- ‌النَّهْي عَنْ مَنْعِ النِّسَاءِ مَنْ إِتْيَانِهِنَّ الْمَسَاجِدَ

- ‌مَنْ يُمْنَعُ مِنَ الْمَسْجِدِ

- ‌مَنْ يُخْرَجُ مِنَ الْمَسْجِدِ

- ‌ضَرْبِ الْخِبَاءِ فِي الْمَسجِدِ

- ‌إِدْخَالِ الصِّبْيَانِ في الْمَسَاجِدَ

- ‌رَبْطِ الأَسِيرِ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ

- ‌إِدْخَالِ الْبَعِيرِ في الْمَسْجِدَ

- ‌النَّهْي عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَعَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ الْحَسَنِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌النَّهْي عَنْ إِنْشَادِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌إِظْهَارِ السِّلَاحِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌الإسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌النَّهْي عَنْ أَنْ يَتَنَخَّمَ الرَّجُلُ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ

- ‌ذِكْرِ نَهْي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْ يَبْصُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ

- ‌الرُّخْصَةِ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَبْصُقَ خَلْفَهُ أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِهِ

- ‌بِأَيِّ الرِّجْلَيْنِ يَدْلُكُ بُصَاقَهُ

- ‌تَخْلِيقِ الْمَسجِدِ

- ‌الْقَوْلِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ

- ‌الأَمْرِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُلُوسِ فِيهِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي الْجُلُوسِ فِيهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ

- ‌صَلَاةِ الَّذِي يَمُرُّ عَلَى الْمَسْجِدِ

- ‌التَّرْغِيبِ فِي الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ فيه

- ‌ذِكْرِ نَهْي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ

- ‌الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ

- ‌الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ

- ‌الصَّلَاةِ عَلَى الْحِمَارِ

- ‌كتاب القبلة

- ‌باب اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ

- ‌باب الْحَالة الَّتِي عَلَيْهَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ

- ‌باب اسْتِبَانَةِ الْخَطَأ بَعْدَ الاِجْتِهَادِ

- ‌سُتْرَ الْمُصَلِّي

- ‌الأَمْرِ بِالدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌مِقْدَارِ ذَلِكَ

- ‌مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَمَا لَا يَقْطَعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلِّي سُتْرَةٌ

- ‌التَّشْدِيدِ فِي الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلِّي وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّائِمِ

- ‌النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى الْمقبرة

- ‌الصَّلَاةِ إِلَى ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ

- ‌الْمُصَلِّي يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ سُتْرَةٌ

- ‌الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ

- ‌الصَّلَاةِ فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ

- ‌صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ بَعْضُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ

- ‌صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ

- ‌الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ

- ‌الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ

- ‌الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ الْحُمُرِ

- ‌الصَّلَاةِ فِي الشِّعَارِ

- ‌الصَّلَاةِ فِي الْخُفَّيْنِ

- ‌الصَّلَاةِ فِي النَّعْلَيْنِ

- ‌أَيْنَ يَضَعُ الإِمَامُ نَعْلَيْهِ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ

- ‌كتاب الإمامة

- ‌ذِكْرِ الإِمَامَةِ وَالْجَمَاعَةِ إِمَامَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ

- ‌الصَّلَاةِ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ

- ‌مَنْ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ

- ‌تَقْدِيمِ ذَوِي السِّنِّ

- ‌اجْتِمَاعِ الْقَوْمِ فِي مَوْضِعٍ هُمْ فِيهِ سَوَاءٌ

- ‌اجْتِمَاعِ الْقَوْمِ وَفِيهِمُ الْوَالِي

- ‌إِذَا تَقَدَّمَ رَّجُلُ مِنَ الرَّعِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الْوَالِي هَلْ يَتَأَخَّرُ

- ‌صَلَاةِ الإِمَامِ خَلْفَ رَجُلٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ

- ‌إِمَامَةِ الزَّائِرِ

- ‌إِمَامَةِ الأَعْمَى

- ‌إِمَامَةِ الْغُلَامِ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ

- ‌قِيَامِ النَّاسِ إِذَا رَأَوُا الإِمَامَ

- ‌الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌الإِمَامِ يَذْكُرُ بَعْدَ قِيَامِهِ فِي مُصَلَّاهُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ

- ‌اسْتِخْلَافِ الإِمَامِ إِذَا غَابَ

- ‌الاِئْتِمَامِ بِالإِمَامِ

- ‌الاِئْتِمَامِ بِمَنْ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ

- ‌مَوْقِفِ الإِمَامِ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَالاِخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ

- ‌إِذَا كَانُوا رَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ

- ‌مَوْقِفِ الإِمَامِ إِذَا كَانَ مَعَهُ صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ

- ‌مَوْقِفِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومُ صَبِيٌّ

- ‌مَنْ يَلِي الإِمَامَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ

- ‌إِقَامَةِ الصُّفُوفِ قَبْلَ خُرُوجِ الإِمَامِ

- ‌كَيْفَ يُقَوِّمُ الإِمَامُ في الصُّفُوفَ

- ‌مَا يَقُولُ الإِمَامُ إِذَا تَقَدَّمَ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

- ‌كَمْ مَرَّةٍ يَقُولُ اسْتَوُوا

- ‌حَثِّ الإِمَامِ عَلَى رَصِّ الصُّفُوفِ وَالْمُقَارَبَةِ بَيْنَهَا

- ‌فَضْلِ الصَّفِّ الأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي

- ‌الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ

- ‌مَنْ وَصَلَ صَفًّا

- ‌ذِكْرِ خَيْرِ صُفُوفِ النِّسَاءِ وَشَرِّ صُفُوفِ الرِّجَالِ

- ‌الصَّفِّ بَيْنَ السَّوَارِي

- ‌الْمَكَانِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ مِنَ الصَّفِّ

- ‌مَا عَلَى الإِمَامِ مِنَ التَّخْفِيفِ

- ‌الرُّخْصَةِ لِلإِمَامِ فِي التَّطْوِيلِ

- ‌مَا يَجُوزُ لِلإِمَامِ مِنَ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌مُبَادَرَةِ الإِمَامِ

- ‌خُرُوجِ الرَّجُلِ مِنْ صَلَاةِ الإِمَامِ وَفَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ

- ‌الاِئْتِمَامِ بِالإِمَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا

- ‌اخْتِلَافِ نِيَّةِ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ

- ‌فَضْلِ الْجَمَاعَةِ

- ‌الْجَمَاعَةُ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً

- ‌الْجَمَاعَةُ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً: رَجُلٌ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ

- ‌الْجَمَاعَةُ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ

- ‌الْجَمَاعَةُ لِلنَّافِلَةِ

- ‌الْجَمَاعَةُ لِلْفَائِتِ مِنَ الصَّلَاةِ

- ‌التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌التَّشْدِيدِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ

- ‌الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ

- ‌الرخصة فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌حَدِّ إِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ

- ‌إِعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ

- ‌إِعَادَةِ الْفَجْرِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ

- ‌إِعَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ

- ‌سُقُوطِ الصَّلَاةِ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ الإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً

- ‌السَّعْي إِلَى الصَّلَاةِ

- ‌الإِسْرَاعِ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ سَعْي

- ‌التَّهْجِيرِ إِلَى الصَّلَاةِ

- ‌مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الإِقَامَةِ

- ‌فِيمَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَي الْفَجْرِ وَالإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ

- ‌الرُّكُوعِ دُونَ الصَّفِّ

- ‌الصَّلَاةِ بَعْدَ الظُّهْرِ

- ‌الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَذِكْرِ اخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ

- ‌كتاب الافتتاح

- ‌باب الْعَمَلِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ

- ‌باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ

- ‌رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ

- ‌رَفْعِ الْيَدَيْنِ حِيَالَ الأُذُنَيْنِ

- ‌باب مَوْضِعِ الإِبْهَامَيْنِ عِنْدَ الرَّفْعِ

- ‌رَفْعِ الْيَدَيْنِ مَدًّا

- ‌فَرْضِ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى

- ‌الْقَوْلِ الَّذِي يُفْتَتَحُ بِهِ الصَّلَاةُ

الفصل: ‌الرخصة في الجلوس فيه والخروج منه بغير صلاة

خوّات بن جبير وعنه أخوه عمر وابن أخيه مصعب بن ثابت وابن ابن عمه عمر بن عبد الله بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري. وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وابن جريج، وجامع بن شداد، وابن جريج، ومالك بن أنس ومحمد بن عجلان ومحرمة بن بكير، وجماعة غيرهم، قال أحمد: ثقة من أوثق الناس، وقال ابن معين والنسائي وقال أبو حاتم ثقة صالح، قال مالك: كان يغتسل كل يوم ويواصل صوم سبع عشرة يومين وليلة، قال ابن حبان "وذكره في الثقات": كان عالمًا فاضلًا مات سنة 121 قال العجلي: مدني تابعي ثقة، قال ابن سعد: كان عابدًا فاضلًا، وكان ثقة مأمونًا، وله أحاديث يسيرة، قال الخليلي: أحاديثه كلها يحتج بها، وذكر الواقدي: أنه مات قبل هشام، قلت: وموت هشام سنة 125.

4 -

عمرو بن سليم الزرقي: تقدم 708.

5 -

أبو قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه تقدم: 24.

• التخريج

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وعبد الرزاق وأبو عوانة ومالك في الموطأ.

الحديث فيه: تأكد صلاة ركعتين عند دخول المسجد، وتسمى عند الفقهاء تحية المسجد ولا خلاف في ذلك عند الفقهاء لكنه عند الجمهور مخصص بحديث النهي عن الصلاة في الأوقات المعلومة، وقد تقدم تفصيل ذلك في شرح حديث 557 - 559.

‌الرُّخْصَةِ فِي الْجُلُوسِ فِيهِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ

729 -

أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ بن مالك قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تُخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ: وَصَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ

ص: 1513

فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعًا وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ:"تَعَالَ"، فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي:"مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ"؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ لِتَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشَكُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُسْخِطُكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ"، فَقُمْتُ فَمَضَيْتُ. مُخْتَصَرٌ.

[رواته: 7]

1 -

سليمان بن داود المهري أبو الربيع المصري: تقدم.

2 -

عبد الله بن وهب المصري: تقدم 9.

3 -

يونس بن يزيد الأيلي: تقدم.

4 -

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري: تقدم 1.

5 -

عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي أبو الخطاب المدني روى عن أبيه وأخيه عبد الله بن كعب وأبي قتادة وجابر وعائشة وسلمة بن الأكوع على خلاف فيه وعنه ابنه كعب وأبو أمامة سهل بن حنيف وهو أكبر منه والزهري وسعد بن إبراهيم وأبو عامر الخزاز وروى عبد الرحمن بن سعد مولى الأسود بن سفيان عن عبد الله بن كعب أو عبد الرحمن بن كعب عن أبيه في لعق الأصابع، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الهيثم بن عدي: مات في خلافة سليمان، وقال الواقدي في خلافة هشام، قال ابن حجر: إنما قال الواقدي في عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وأما هذا فقال ابن سعد: كان ثقة وهو أكثر حديثًا من أخيه، وتوفي في خلافة سليمان وكذا قال خليفة، ويعقوب بن سفيان وغير واحد، وذكره العسكري فيمن ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 1514

ولم يرو عنه شيئًا، وقال أحمد بن صالح لم يسمع الزهري من عبد الرحمن بن كعب شيئًا إنما روى عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ولم يذكر النسائي في شيوخ الزهري وإنما ذكر ابن أخيه وحسب.

6 -

عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي المدني كان قائد أبيه حين عمي روى عنه وعن أبي أيوب وأبي لبابة، وأبي أمامة بن ثعلبة، وعثمان بن عفان وابن عباس وعبد الله بن أنيس الجهني، وجابر وغيرهم. وعنه ابناه عبد الرحمن وخارجه وإخوته عبد الرحمن ومحمد ومعبد بنو كعب، والأعرج والزهري وسعد بن إبراهيم وعبد الله بن أبي أمامة بن ثعلبة، وعبيد الله بن أبي يزيد وغيرهم قال أبو زرعة ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وقال مات في خلافة سليمان سنة سبع أو ثمان وتسعين، وقال ابن سعد سمع من عثمان وكان ثقة. قال ابن حجر وكناه أبو فضالة. قال العجلي: تابعي ثقة، وذكر البخاري أنه روى عن عمرو وذكره ابن العسكري فيمن لحق النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الواقدي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

7 -

كعب بن مالك بن أبي كعب واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سوادة بن غنم بن كعب بن سلمة المدني الأنصاري السلمي أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن، ويقال أبو محمد ويقال أبو بشير المدني الشاعر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أسيد بن حضير وعنه أولاده عبد الله وعبيد الله ومحمد ومعبد وعبد الرحمن وابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الله، وابن عباس وجابر وأبو أمامة الباهلي، وعمرو بن الحكم بن ثوبان، وعمر بن الحكم بن رافع، وعمر بن كثير بن أفلح، وعلي بن أبي طلحة وجعفر الباقر ولم يدركاه، قال ابن الكلبي إنه شهد بدرًا، وقد صح عن كعب أنه لم يشهد بدرًا كما في سياق حديث تخلفه في الصحاح توفي سنة 51 أو 50 وقيل قبل الأربعين قال ابن سيرين: كان ثلاثة من الأنصار يهاجون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان وابن رواحة وكعب، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم وأنزل فيهم:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة قال ابن حجر: (ذكر ابن حبان أنه مات أيام قتل علي، وقال ابن سعد: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الزبير وقيل طلحة بن عبيد الله). اهـ.

ص: 1515

• التخريج

هذا بعض من حديث الثلاثة الذين خلفوا، وقد أخرجه البخاري بتمامه في غزوة تبوك وأخرجه في عشرة مواضع من كتابه مطولًا ومختصرًا، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد وهو في كتب المغازي، وهو عند المصنف مختصرًا في مواضع، وها أنا أذكره إن شاء الله كاملًا كما في رواية البخاري في غزوة تبوك، وقد رواه هناك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب ورواية المصنف هنا عن عبد الرحمن بن كعب عن عبد الله بن كعب أخيه وعبد الرحمن بن كعب عمر الراوي عند البخاري، والأكثرين، ورواه الزهري أيضًا عن عبد الله بن كعب نفسه كما رواه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله، فتحصل من هذا للزهري فيه أربع طرق: الأول وهي رواية الأكثرين عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أنه عبد الله بن كعب، الثانية: عن عبد الله بن كعب نفسه، وقد حملها أحمد بن صالح على أنه الزهري مع بعض الحديث من عبد الله نفسه والباقي عن ابنه عبد الرحمن، الثالثة: رواية المصنف هنا عن عبد الرحمن بن كعب أن عبد الله بن كعب، الرابعة: عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه عبيد الله بن كعب مصغرًا، وهذا يعد اضطرابا لكن الجواب أن الزهري كان عنده الحديث بجميع هذه الطرق فحدث بكل واحدة منها، وقد اتفق الحفاظ على صحة الحديث وسلامته.

وهذه رواية الحديث على ما في البخاري في الباب المشار إليه سابقًا قال عبد الله بن كعب سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإِسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر إن كانت بدر أذكر في الناس منها: كان من خبري إني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 1516

يريد غزوة إلا ورّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا، ومفازًا وعدوًا كثيرًا فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان، قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فارجع، ولم أقض شيئًا، فأقول في نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لا تجهز فرجعت ولم أقض شيئًا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئًا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاق أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكر في رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال: وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، ونظره في عطفيه فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال كعب: فلما بلغني أنه توجه قافلًا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادمًا زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ فقلت بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن

ص: 1517

سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلًا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر ووالله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما قالوا مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلّف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه يرد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلى، وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت، فعدت له، فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّ على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابًا من ملك غسان، فإذا فيه أما بعد: فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار

ص: 1518

هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك، فقلت لما قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء فيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا ولكن لا يقربك فقالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت والله: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب، فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جلس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر قال: فخررت ساجدًا وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسًا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاء الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلى رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، قال قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل

ص: 1519

من عند الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.

فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق، وأن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبًا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ، فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبت فأهلك كما هلك الذي كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ .. } إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} ، قال كعب: تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه" وسنشرحه إن شاء الله ونذكر أحكامه وفوائده حسب الإمكان والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

• اللغة والإعراب والمعنى

قوله: (سمعت كعب بن مالك) يعني أباه وقوله: (يحدث) جملة في موضع الحال كما تقدم في نظائره، وقوله:(حين) ظرف مضاف إلى الجملة بعده و (تخلف) أي غاب عن الغزوة المذكورة بعده وقوله: (عن قصة تبوك) الجار والمجرور متعلق بقوله يحدث، و (تبوك) بفتح التاء المثناة فوق بلدة معروفة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم في رجب سنة تسع وخرج يوم الخميس على ما قاله ابن سعد وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم، ويقال لهذه الغزوة: جيش العسرة، فأقام بها

ص: 1520

عشرين يومًا، وقيل: بضع عشرة ليلة، وكان يقصر الصلاة، ولحقه فيها أبو ذر، وأبو خيثمة، وكان معه ثلاثون ألفًا على قول ابن سعد، وعن أبي زرعة الرازي أربعون ألفًا، ولم يلق كيدًا ورجع إلى المدينة في رمضان وهي بلدة بين المدينة والشام، وقال بعضهم بين وادي القرى والشام، واختلفوا في اشتقاقها، قال الأزهري: فإن كانت التاء في تبوك أصلية، فلا أدري مما اشتقاق تبوك، وإن كانت للتأنيث في المضارع فهي من باكت تبوك، وقد تكون تبوك على تفعول، والبوك إدخال عود، ونحوه في العين ليثور ماؤه وباك الحمار الأتان. إذا نزا عليها، ويستعار للجماع، وأنشد أبو عمرو شاهدًا:

نباكها موثق النياط

ليس كبوك بعلها الوطواط

وباك الأمر: اختلط، قال ابن حجر رحمه الله:(ذكرها في المحكم في الثلاثي الصحيح، وكلام ابن قتيبة يقتضي أنها من المعتل). اهـ. وأما ما ذكره هو وغيره من أهل السير من أن الرجلين الذين سبقا إليها أي إلى عينها جعلا يدخلان فيها قدحًا واسمهما فقال: ما زلتما تبوكانها فسميت بذلك فمردود بما في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار" الحديث، وأخرجه أحمد، ومالك والبزار فسماها تبوك قبل أن نأتيها والأكثرون على عدم صرفها للتأنيث والعلمية، وقد وردت مصروفة في صحيح البخاري حتى بلغ تبوكا، وذلك على أنه أراد الموضع وكذلك ما ورد في قول بعض الصحابة في قصة خالد مع الأكيدر، والقائل بجير بن بجرة الطائي:

تبارك سائق البقرات إني

رأيت الله يهدي كل هادي

فمن يك حائدًا عن ذي تبوك

فإنا قد أمرنا بالجهاد

ويحتمل أنه لضرورة الشعر، وقوله:(غير أني تخلفت في غزوة بدر) غير منصوب على الاستثناء وقوله: (في غزوة بدر لأنه لم يخرج للقتال وقد شهدت) اللام للتوكيد، وقد للتحقيق وقوله:(ليلة العقبة) أي الليلة التي بايع الأنصار فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة عقبة مني التي كانت عند الجمرة التي تلي مكة، وبها سميت الجمرة جمرة العقبة، وكان لمن شهدها، ومن شهد التي قبلها أي البيعة الأولى عند العقبة فضل على من لم يشهدهما أو أحدهما وقوله: (حين

ص: 1521

تواثقنا) أي تعاهدنا عهدًا موثقًا أي مؤكدًا (على الإِسلام) يريد مبايعتهم النبي صلى الله عليه وسلم على الإِسلام والجهاد، وقوله:(ما أحب أن لي بها) أي بدلها، وقوله:(مشهد) أي شهود بدر، المعنى أنه لا يجب أن يكون حضر وقعة بدر بدلًا من أن يكون شهد بيعة العقبة، فهو يفضل شهود البيعة على شهود بدر وقوله:(اذكر في الناس) أي أكثر ذكرًا عند الناس وفضل أهلها مشهور بينهم كما في رواية لمسلم وإن كانت بدر أكثر ذكرًا في الناس، ولفظ اذكر جاء وزن افعل التفضيل فيقدر بعده منها، وقوله:(كان من خبري) من قصة حالي التي كنت عليها وقت الغزوة، وقوله:(لم أكن أقوى) أي على السفر ولا أيسر أي في المال والمعنى أنه قادر على السفر لقوته وتوفر ما يستعد به للسفر وأقوى وأيسر كل منهما أفعل تفضيل تجرد من الإضافة والألف واللام. فيلزم بعده تقدير من كما في رواية مسلم أقوى ولا أيسر مني فهي مقدرة في قوله: (أذكر وأقوى وأيسر بعد الثلاثة) كما هو الواجب في مثلها، قال ابن مالك رحمه الله:

وأفعل التفضيل صلة أبدا

تقديرًا أو لفظا بمن إن جردا

وقوله: (تلك الغزاة) يعني غزوة تبوك، وقوله:(والله ما اجتمعت عندي راحلتان) تثنية راحلة وهي البعير كما تقدم، وقوله:(قبل ذلك الوقت) الذي تخلفت وهو الحين في قوله (حين تخلفت)، وقوله:(قط) في الموضعين ظرف زمان لاستغراق ما مضى من زمن حياته، وهي في هذه الحالة تختص بالنفي في الغالب، والأفصح فيها، وقد تستعمل في الإثبات كما جاء في الحديث، ونحن أكثر ما كنا قط قال ابن مالك: وهو مما خفي على كثير من النحويين يعني استعمالها غير مسبوقة بنفي. اهـ. وهي في هذه الحالة أي استعمالها لاستغراق ما مضى من الزمن يكون مفتوحة القاف والطاء مضمومة مشددة من قططته قطعته لأن المعنى ما مضى وانقطع من الزمن، ولحنوا من لا أفعله قط كما يجري على ألسنة العوام لأن الزمن مستقبل، وقد تأتي بمعنى حسب، وهي ساكنة الطاء، وتكون اسم فعل بمعنى يكفي، وتلحقها نون الوقاية فيقال قطني كما يقال يكفيني، وقوله:(حتى جمعتهما) حتى بمعنى إلى أي إلى أن جمعهما في وقت تلك الغزوة، وقوله:(ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها)

ص: 1522

أي من عادته إذا أراد أن يغزو بلدًا أو جهة أوهم الناس أنه يريد خلافها وهذا يستحسن في حال الحرب، وقوله:(حتى كانت تلك الغزوة) حتى للغاية كالتي قبلها، وقوله:(غزاها) أي أراد غزوها في وقت حر شديد، والتورية: ذكر لفظ يحتمل معنين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم السامع إرادة القريب، وهو يريد البعيد، وزاد أبو داود:"وكان يقول الحرب خدعة" وقوله: (واستقبل) أي أراد، وقوله:(ومفازًا) أصله مفوز من الفوز، وأصل الكلمة أن العرب تسمي الأرض الخالية التي يتعرض سالكها للهلاك مفازة تفاؤلًا، كما يسمون اللديغ سليمًا لأن بين تبوك والمدينة أربع عشرة مرحلة، وفيها مواضع إذ ذاك لا ماء بها، وقوله:(عدوًا كثيرًا) وذلك لأن الروم ونصارى العرب كانوا مجمعين على حربه، فكفاه الله شرهم وتفرقوا عنه، وقوله:(فجلّى) أي أظهر بتشديد اللام، وتخفيفها أي بين وأوضح للناس ما يريده من غزو الروم وأشياعهم من نصارى من لخم، وجذام، وعاملة، وغسان وغيرهم، وقوله:(فجلى للمسلمين أمرهم أي أظهر لهم، والضمير في أمرهم يحتمل عوده على العدو ويحتمل عوده على المسلمين، أي الذي هم بصدده، وقوله: (ليتأهبوا) أي ليستعدوا الاستعداد الكافي لغزوهم قوله: (فأخبرهم بوجهه) أي بقصده، وما يريده، وقوله:(ولا يجمعهم كتاب حافظ) بتنوين كتاب، وحافظ صفة، وفسره بقوله:(ديوان) أي الذي تدون فيه أسماء الناس، ويحصون فيه، وهذا على سبيل المبالغة فقط، قيل إنهم كانوا ثلاثين ألفا وقيل كانوا أربعين وهذا قل أن يجتمع مثله في العرب في ذلك الزمان، وقوله:(فما رجل) الفاء سببية، وما نافية، وجملة يريد صفة لرجل، والمصدر المنسبك من أن وما دخلت عليه في محل نصب مفعول ليريد، وقوله:(يتغيب) أي عن تلك الغزوة، وقوله:(يخفى) أي يخفي تغيبه ولا يفتقد لكثرة الناس فيها، وفي رواية:(أنه سيخفى) والمصدر المنسبك على كلتا الروايتين في محل نصب سد مسد المفعولين بعد ظن، لأن رواية التخفيف على أن تكون مخففة من الثقيلة فهي على كل في تأويل مصدر، وقوله:(حين طابق الثمار والظلال) أي حين استلذ الناس المقام في الظلال. . . عند استواء الثمار، وقوله:(فطفقت) أي شرعت فهي من أفعال الشروع والمراد أنه خرج لذلك القصد، ولكنه لم يفعل شيئًا كما صرح به بقوله:(فارجع ولم أقض شيئًا)

ص: 1523

وقوله: (فلم يزل يتمادى بي) يعني ذلك من الغدو والرجوع والتسويف، وقوله (اشتد بالناس الجد) أي شرعوا في الخروج للسفر، قال ابن التين:(وضبط في بعض الكتب برفع الناس على أنه فاعل، والجد منصوب بسقاط الخافض: أو هو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجد، وعند ابن السكن اشتد بالناس الجد برفع الجد وزيادة الباء الموحدة في الناس، وهي رواية أحمد ومسلم. اهـ. قال ابن حجر: وهي رواية الكشميهني والجد مرفوع فاعل، وقوله: (فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه) أي اجتمعوا معه للخروج، وجملة:(لم أقض من جهازي شيئًا) بفتح الجيم وكسرها والجملة حالية، (فلم يزل بي) الفاء عاطفة، وقوله:(يزل) أي يزل ذلك الحال بي (حتى أسرعوا) أي خرجوا مسرعين في سيرهم و (تفارط الغزو) ورواية الكشميهني: (حتى شرحوا) ومعنى "تفارط الغزو" أي سبق وفات والفارط المتقدم، ومنه الحديث:(وأنا فرطكم على الحوض) وقوله: (هممت أن أرتحل) أي هممت بالارتحال بعدهم فأتبعهم حتى أدركهم، وقوله:(وليتني فعلت) تمنٍ منه أن يكون ارتحل ولحقهم، ولكن الله لم يرد ذلك، وقوله:(فكنت إذا خرجت) الفاء تحتمل العطف، ويحتمل تكون فصيحة، إذ التقدير فتخلفت عنهم، فكنت. . . إلخ، وقوله:(خرجت في الناس) أي فيمن بقي بالمدينة، (وطفت فيهم) أي مشيت بينهم، وقوله:(أحزنني) أي أوقعني في الحزن، وساءني، وقوله:(إني لا أرى. . . إلخ) عدم رؤيتي لأحد من أهل الفضل والقدرة على السفر (إلا أن يكون مغموصًا عليه النفاق) أي مستحقرًا لأنه مطعون في دينه بالنفاق والمغموص بالعين والصاد المطعون فيه المستحقر، وغمص كضرب هو الأكثر غمصًا وكسمع وفرح غمصًا احتقر، وصغر أمره، والمعنى رجلًا مستحقرًا لنفاقه معيبًا عليه نفاقه وقوله:(فمن عذر الله) أي من الضعفاء، والمرضى المذكورين في قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى .. } الآية وقوله: (ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لم يفتقدني، أو لم يذكرني للناس بالسؤال عني، (حتى) للغاية غاية عدم الذكر، وقوله:(بلغ تبوك) وصل إليها، وقوله:(فقال) أي فذكرني فقال، وقوله:(وهو جالس) جملة حالية، وقوله:(في القوم) أي مع القوم الذين معه وهم الصحابة، وقوله:(ما فعل كعب) أيْ أيُّ شيء صنعه

ص: 1524

كعب حتى تأخر عن السفر، أو هل خرج أو لم يخرج، والأول أظهر، وقوله:(فقال رجل من بني سلمة) وذكر العيني، وابن حجر عن الواقدي أنه عبد الله بن أنيس و (بني سلمة) قبيلة كعب من الخزرج، وسلِمة بكسر اللام، وفي رواية:(من قومي) وقوله: (حبسه برداه) تثنية برد، وقوله:(والنظر في عطفية) أي وحبسه النظر في عِطفيه بكسر العين تثنية عطف وهو الجانب، وقد يعبر به عن الرداء لأنه يكون عليه، والمراد أن تنعّمه وإعجابه بنفسه وثيابه شغله عن السفر، وقوله:(فقال معاذ) الفاء عاطفة (له) أي لذلك الرجل (بئس) فعل مبني غير منصرف يراد به الذم، أي بئس قولك فيه لأنه غيبة، وهو خلاف الواقع، ثم قال معاذ رضي الله عنه وقوله:(والله يا رسول الله ما علمنا عليه) أي على كعب من حاله في دينه وصدق إسلامه (إلا خيرًا) على خيرًا، وقوله:(فلما بلغني أنه توجه قافلًا) الفاء عاطفة، وتقدم الكلام على لما والضمير في أنه للنبي صلى الله عليه وسلم وقوله:(توجه قافلًا) أي توجه من تبوك راجعًا إلى المدينة، وقوله:(حضرني همي) وفي رواية: (بثي) بالثاء، أي شغل قلبي بالتفكر في طريق الاعتذار عن عدم الخروج وقوله:(طفقت) تقدم أنه من أفعال الشروع أي شرعت أعرض على نفي الكذب (وأقول) أي في نفسي، وقوله:(بماذا) أيْ بأيّ شيء أقول: (حتى أخرج من سخطه) أي من غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (غدا) أي في وقت مجيئه المنتظر، وقوله:(قد أظل) يعني قرب قدومه، كان ظله وقع، قال في التاج عند قول صاحب القاموس: أظلني الشيء غشيني، وأظلني فلان دنا مني حتى ألقى علي ظله من قربه مني، ثم قيل أظلك أمر ومنه الحديث:(قد أظلكم شهر عظيم) أي أقبل عليكم ودنا منكم كأنه ألقى عليكم ظله. اهـ، وقوله:(قادمًا) منصوب على الحال، وقوله:(زاح عني الباطل) بالزاي المعجمة، والحاء المهملة أي ذهب عني، وبعد مني، والباطل الزائل والمراد به الكذب لأنه ضد الحق، والحق ثابت، والباطل زائل، وقوله:(وعرفت أني لن أخرج منه) أي من سخط النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله:(أبدًا) أي على طول الزمن لو التمست فيه المخرج بالكذب وقوله: (فأجمعت على صدقه) أي عزمت على صدقه، ومعنى أجمعت عزمت وصممت، و (صدقه) إما منصوب بنزع الخافض، أو يكون أجمعت بمعنى أضمرت وهو أظهر الصدق في خطابي له عند السؤال من

ص: 1525

قولهم صَدَقه إذا خبرة بنفس الواقع، وقوله:(وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم) قادمًا أو وصل من سفره في صباح يوم وصوله، وذكر ابن سعد رحمه الله أنه وصل في رمضان وقادمًا هنا خبر أصبح وقوله:(بدأ بالمسجد) أي بدخوله المسجد فيركع فيه ركعتين، وهما المعروفتان عند الفقهاء بتحية المسجد، وهذا محل الشاهد عند المصنف هنا كما تقتضيه الترجمة، وقوله:(ثم يجلس للناس) أي ليسلموا عليه فإن ذلك أيسر لهم وله صلى الله عليه وسلم، وقوله:(فلما) الفاء عاطفة، وتقدم الكلام على لما وقوله:(فعل ذلك) الإشارة ترجع إلى بداءته بالمسجد وصلاة الركعتين فيه والجلوس للناس فيه، وقوله:(جاء المخلفون) أي القوم الذين تخلفوا عن الغزو من المنافقين وقوله: (فطفقوا) أي شرعوا (يعتذرون إليه) أي بالباطل، ويحلفون له بالكذب كما هي عادتهم، وقوله:(وكانوا) أي المتخلفون الذين هم بهذه الصفة (بضعة وثمانين) والبضع بكسر الضاد ما بين الثلاثة إلى التسعة، وقيل إلى العشرة و (رجلًا) تمييز العدد، وقوله:(فقبل منهم صلى الله عليه وسلم علانيتهم) أي ما تظاهروا به من الأعذار الكاذبة لأنه كان مأمورًا بذلك من معاملتهم بالظاهر إن لم ينزل عليه وحي بغير ذلك وقوله: (بايعهم) أي جددوا معه بيعة على أنهم مسلمون، وقوله:(استغفر لهم) أي طلب المغفرة لهم على حسب الظاهر لأن المسلمين كانوا إذا أذنب أحدهم طلب منه الاستغفار فتشبه هؤلاء بهم في ذلك، وقد أخبر الله عنهم أن ذلك لا ينفعهم لخراب قلوبهم، وخلوها من الإيمان، وقوله:(ووكل سرائرهم إلى الله) أي فوض الأمر إلى الله في معرفة صدقهم وكذبهم ففضح الله سرائرهم كما سيأتي، وقوله:(فجئته) الفاء عاطفة، وقوله:(فلما) الفاء فصيحة أي فسلمت عليه فلما سلمت عليه، وقوله:(تبسم كالمغضب) مصدر تشبيهي، أي كتبسم المغضب، وقوله:(ثم قال تعال) كلمة تعال تستعمل للنداء كأنه قول له ارتفع من المكان لغلبة استعمالها في طلب المجيء وهو يستلزم ذلك إذا كان الداعي في مكان أعلى من مكان المدعو، والأصح فيها أنها فعل أمر، وقوله:(فجئت أمشي) الفاء عاطفة، وقوله:(أمشي) في محل الحال و (حتى) للغاية، وقوله:(بين يديه) أي أمامه قريبًا منه، وتقدم الكلام على بين في حديث الإسراء وهي هنا ظرف مكان، وقوله:(فقال لي) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ما خلّفك) ما استفهامية أي ما الذي

ص: 1526

حملك على التخلف أي عن الغزو، وقوله:(ألم تكن) استفهام تقريري، هو حمل المخاطب على الاعتراف لأن همزة الاستفهام فيها معنى النفي، فإذا دخلت على أداة النفي كان نفيًا للنفي هو إثبات، وقوله:(ابتعت) أي اشتريت، وقوله:(ظهرك) أي مركوبك الذي تستطيع السفر عليه، أو تعده لذلك، ومعنى ذلك أنك قد قدرت على السفر لوجود ما تسافر عليه، وقوله:(فقلت) حرف إجاب بعد النفي وتقدم الكلام عليه وأنه لا يصلح محله نعم لأنها تقلب المعنى.

وقوله: (إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت) لظننت، أو علمت، وقوله:(أن) هي المخففة من الثقيلة وقوله: (سأخرج من سخطه) أي إلى رضاه بانتحال العذر الكاذب، وقوله:(ولقد أعطيت جدلًا) اللام للتوكيد وقد للتحقيق، وقوله (أعطيت جدلًا) أي قدرة على الجدال وهو الاحتجاج والمراجعة أصله من الجدل وهو الفتل، لأن المجادل يفتل الحجة ليغلب خصمه من قولهم حبل مجدول، وعنان مجدول أي محكم الفتل، قال البعيث المجاشعي:

ومجدولة جدل العنان خريدة

لها شعر جعد ووجه مقسم

وقيل: اشتقاقه من الجدالة، وهي الأرض من قولهم ضربه فجدله، أو جندله أي طرحه بالجدالة وهي الأرض، قال الراجز:

سأركب الحالة بعد الحالة

وأدع العاجز بالجدالة

وقال عنترة بن شداد العبسي:

وحليل غانية تركت مجدلًا

تمكو فريصته كشدق الأعلم

وجدلًا في الحديث منصوب لأنه المفعول الثاني لأعطيت، أي أعطاني الله قدرة على الجدل فحذف الفاعل في أعطيت به، وقوله:(ولكني رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف استدراك، وقوله: (لقد علمت) اللام في جواب القسم وقد للتحقيق، وقوله:(لئن) اللام في جواب القسم المقدر، وإن شرطية، و (حدثتك) فعل الشرط، وجواب الشرط حذف للاكتفاء بجواب القسم، وعلقت علم عن العمل في اللفظ وهي عاملة في المعنى، وقوله:(حديث كذب) مصدر مبين للنوع وجملة (ترضى به عني) صفة لحديث، وقوله:(ليوشكن) جواب القسم المقدر

ص: 1527

سد مسد جواب الشرط على حد قول ابن مالك رحمه الله تعالى: واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم و (يوشكن) مضارع مؤكد بالنون وهي من أفعال المقاربة، والأكثر في خبرها أن يكون مضارعًا مقرونًا بأن كما هو هنا في قوله:(أن يسخطك الله علي) لأن ارتكاب المعصية في الكذب لا تؤمن عاقبته أن تكون عاجلة على خلاف ما يريد لأن التماس رضى الناس بسخط الخالق يسبب سخط الخالق، وسخط الناس، والسخط هو الغضب والكراهية كما تقدم سخط الشيء كرهه، وسخط عليه غضب، وقوله:(لئن حدثتك حديث صدق) إعرابه كإعراب لئن حدثتك حديث كذب، وقوله:(تجد علي) من الموجدة وهي الغضب وقوله: (عليّ) متعلق بتجد، وفيه بمعنى بسعيه، وقوله:(إني لأرجو) اللام لام الابتداء وأرجو أي أطمع، وأؤمل فيه أي بسببه عفو الله عني لأن اتقاءه للكذب حسنة يتقرب بها إلى الله تعالى وقوله:(أما هذا فقد صدق) تقدم الكلام على أما في الطهارة هذا إشارة إلى الحاضر وقوله: (فقد صدق) الفاء في جواب أما وقد للتحقيق و (صدق) أي قال الصدق وأخبر بالواقع وهذا يفهم منه أن الذين قبله لم يكونوا صادقين وقوله: (فقم) أي اذهب لشأنك لا أحكم فيك بشيء (حتى يقضي الله فيك) أي ينزل فيك وحيه بحكمه فيك وحتى للغاية والمغيا هو عدم الحكم عليه بشيء قبل الوحي وقوله: (فقمت) أي من عنده و (ثار رجال) أي قاموا مسرعين إلي وقوله: (من بني سلمة) تقدم أنهم هم جماعته وقبيلته وقوله: (فقالوا) الفاء عاطفة وقوله: (والله ما علمناك أذنبت) أي ارتكبت ذنبًا قبل هذه وهذا على وجه العتاب له لظنهم أن اعتذاره خير له وقولهم لقد عجزت أي قصرت في الرأي وقوله: (أن لا تكون) أي عن أن تكون ولا زائدة والمصدر المنسبك من أن في محل جر بحرف محذوف أي عن كونك اعتذرت وقوله: (اعتذرت) أي ذكرت عذرًا بمثل ما اعتذر إليه أي الذي اعتذر به المتخلفون وهذا منهم على حسب ظنهم أن أولئك المتخلفون برئوا من البيعة وهيهات ما زادهم عذرهم إلا بعدًا من الله ولذا قالوا قد كان كافيك ذنبك أي لغفران ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك لأن الله قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} الآية لكن مع التوبة والاعتراف لا مع الكذب والإصرار عليه و (ذنبك) منصوب على

ص: 1528

المفعولية أو بنزع الخافض أي لذنبك واستغفار مرفوع لأنه فاعل كافيك لأنه اسم فاعل يعمل عمل فعله وقوله: (ما زالوا يؤنبونني) من زال التي تعمل عمل كان وجملة يؤنبونني في محل نصب خبرها وفي رواية يؤنبوني بنون واحدة من التأنيب وهو اللوم الشديد والعيب على الفعل وقوله: (هل لقي معي هذا أحد) أي هل قال أحد مثل قولي وقيل له كما قيل لي: (فقالوا نعم) حرف جواب وتصديق تقدم الكلام في الطهارة.

وقولهم: (رجلان) فاعل لفعل محذوف التقدير لقيه رجلان قالا مثل ما قلت أي قولًا مثل قولكم ممثل نعت للمصدر المحذوف وما مصدرية (فقيل لهما) أي قال لهما الرسول صلى الله عليه وسلم مثلما قال لك وقولهم: (مرارة به الربيع العمري) نسبة إلى بني عمرو بن عوف وقد يقال له ابن عامر وهو غلط وقولهم: (الواقفي) نسبة إلى بني واقف بن مالك بن امرئ القيس بن الأوس من الأنصار وقوله: (لي فيهما أسوة) يعني قدوة وهي بالضم والكسر للهمزة وبهما قرئ في السبع (قد كانت لكم أسوة حسنة) الآية وغيرها وقوله: (فمضيت) أي انتماديت على الذهاب وتركت ما هممت به من الرجوع وتكذيب النفس وقوله: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم) عقوبة وتأديبًا لهم وقوله: (أيها الثلاثة) أي من دون من تخلف عنه ولعل ذلك لعلمه أن هؤلاء سيكون هذا مكفِرًا لذنبهم بخلاف الباقين وقوله: (الثلاثة) الوجه النصب والرواية بالرفع وهو في محل نصب على الاختصاص أي مخصوصين بذلك دون سائر من تخلف وتقدم الكلام في حديث الإسراء على بين وقوله: (فاجتنبا الناس) أي تركوا لقاءنا وكلامنا لنهيه لهم والفاء سببية وقوله: (وتغيروا) أي ظهر لنا منهم غير ما كنا نعرف منهم وقوله: (حتى تنكرت في نفسي الأرض) أي تغير عندي حالها لتغير حال الناس على فيها فكأنها غير الأرض التي أعرفها وهذه حالة المحزون المكروب وقوله: (لبثنا على ذلك) أي على هجران الناس لنا (خمسين ليلة) قوله: (فأما صاحباي) الفاء تحتمل الاستئناف أو العطف وتقدم الكلام على أما وصاحباي المراد بهما المذكوران قبل مرارة وهلال وقوله: (فاستكانا) الفاء في جواب أما واستكانا أي لزم الاستكانة وهي الخضوع والانكسار وقوله: (فكنت أشب القوم وأجلدهم) أي أصغرهم سنًا وأظهر منهم للجلد وهو القوة (فكنت

ص: 1529

أخرج) الفاء سببية وقوله: (فأشهد الصلاة) أي في مسجد الرسول وهو بعيد من منازل بني سلمة بالشعب المنسوب إليهم والمزاد وما حول ذلك من الحرة وقوله: (وأطوف في الأسواق) أي أمشي في وسطها وقوله: (فأسلم عليه) أي بعد الصلاة وهو في مجلسه (فأقول في نفسي حرك شفتيه برد السلام) أي أشك هل رد علي سرًا أم لا (ثم أصلي قريبًا منه) أي تعرضا لكلامه وقوله: (فأسارقه النظر) أي أنظر إليه خفية بحيث لا يرى ذلك مني (فإذا أقبلت على صلاتي) أي اشتغلت بها (أقبل إلي) أي نظر إلي وقوله: (إذا التفت نحوه أعرض عني) أي فلم ينظر إلي وقوله: (حتى إذا طال علي ذلك) حتى للغاية استمر علي الخروج وشهود الصلاة مع جفاء الناس له حتى طال الأمر وتقدم الكلام على إذا أول الكتاب والإشارة في ذلك ترجع على ما وصفه من حاله وقوله: (من جفوة الناس) من بيانية وقوله: (تسورت جدار حائط أبي قتادة) أي علوت جدار سوره ودخلت في بستانه من غير محل الدخول ولعل ذلك لعلمه أنه لو استأذن لا يأذن له وقوله: (وهو ابن عمي) أي من بني سلمة وليس ابن عمه أخي أبيه ولكن مجتمعان في أحد أجدادهما.

وقوله: (فسلمت عليه فوالله ما رد علي أي السلام) وذلك لنهي الرسول عن كلامه فيكون مخصصًا لعموم الآية المقتضية للوجوب واسم أبي قتادة الحارث بن ربعي وقيل النعمان توفي بالكوفة في خلافة علي عن الجميع وصلى عليه علي رضي الله عنه وكان يلقب فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: (أنشدك الله) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألك بالله وقوله: (فسكت فعدت) إلخ ثلاث مرات وقوله: (الله ورسوله أعلم) لم يرد به كلامه عن العلماء ولكنه تكلم به ليفهم منه كعب أنه مستمر على الإعراض عنه فيكف وقوله: (ففاضت عيناي) أي بسبب ذلك بكيت حتى سالت دموع عيني وقوله: (حتى تسورت الجدار) أي علوت سوره فخرجت وقوله: (فبينا) بإشباع النون فتولد منهما الألف أي بين أوقات التي أمشي فيها كما تقدم في حديث الإسراء (إذا نبطي) إذا للمفاجأة ونبطي أي رجل نبطي وقد جاء في بعض الروايات أنه نصراني وهي رواية معمر إذا نصراني والنبطي بفتح النون الفلاح قيل إنه مشتق من استنباط الماء وهو استخراجه ولم يعرف وقيل إن الأنباط ينسبون إلى نبط بن هانب بن أميم بن

ص: 1530

لاود بن سام بن نوح وقوله: (من أنباط الشام) تخصيص له وتعريف له ببلاد لأن الأنباط كما تقدم الفلاحون وهم بالشام وبالعراق وغيرها من البلدان وقوله: (ممن قدم بالطعام) وقوله: (يقول من من يدل إلخ) أي يسأل عن كعب وقوله: (فطفق) أي شرع الناس يشيرون له أي على مكانه أو إلى شخص وقوله: (فدفع إلي كتابًا) أي سلمه إلي وأعطاني إياه من ملك غسان قيل كان إذ ذاك: جبلة بن الأيهم وقيل: الحارث بن أبي شمر وقيل: جندب بن الأيهم وذلك أن ملوك الغسانيين بالشام أصلهم من اليمن ونسبهم ونسب الأنصار واحد وهم جميعًا من الأزد يقال نزلوا على ماء يسمى بهذا الاسم فلقبوا به كما قال.

وقال حسان رضي الله عنه:

وغسان الحماة مؤارده

على الأعداء وهو لهم وزير

وقال النعمان بن بشير لمعاوية رضي الله عنه:

معاوي ألا تعطنا الحق تعترف

لحي الأزد مشدودا عليهما العمائم

وقوله: فإذا الفاء فصيحة أي فنظرت فيه أو فقرأته فإذا فيه وإذا فجائية وقوله: أما بعد هذا مما تستفتح به الكتب والخطب وقد قيل إنه فصل الخطاب ويقال: إن أول من قاله معد بن عدنان و (أما) تقدم الكلام عليها و (بعد) ظرف مقطوع عن الإضافة منوية فيه وهو مبني على الضم كأخواته من الظروف التي هي مثله كقبل وأول وقوله: (فإنه) الفاء في جواب وإن للتوكيد وقد للتحقيق وقوله: (صاحبك) يعني النبي صلى الله عليه وسلم وجفاك أي قطعك وقوله: (ولم يجعلك الله بدار هوان مضيعة) أي لم يجعل الله مقامك في دار تجفى وتضيع فيها لازمًا عليك و (مضيعة) بكسر الضاد وسكون الياء وفتح الميم وبسكون الضاد وفتح الميم والياء وهي من المضيعة بمعنى التلف والهلاك والهوان والهون الذل والاحتقار وقوله: (فالحق بنا) أي ائتنا نواسك جواب الأمر مجزوم بحذف من المواساة وهي العطية والإكرام وقوله: (فقلت لما قرأتها) أي قلت بعد قراءتي لها (وهذا أيضًا من البلاء) والإشارة ترجع إلى ما تضمنته الصحيفة من رغبة الغساني في تركه لدينه وإتيانه له ولهذا قال من البلاء لأنه نوع من الامتحان مع ما هو فيه وقوله: (فيمّمت) أي قصدت كما تقدم في الآية أو الكتاب والتنور

ص: 1531

محل إيقاد للخبز وقوله: (فسجّرته) أي أوقدته بها وهذا دليل على قوة إيمانه وحبه لله ولرسوله وعناية الله عز وجل به وقوله: (حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين) يعني التي مكثوها قبل نزول الوحي فيهم وقوله: (يأمرك أن تعتزل) بأن تعتزل امرأتك أي تتجنبها ولا تتلذذ بها وقوله: (فقلت) أي لذلك الرسول أطلعتها بحذف همزة الاستفهام وقوله: (أما ماذا أفعل) أم هي المعادلة للاستفهام وماذا فيها وجهان في الإعراب وقد تقدم ذلك وهما أن تكون ماذا اسمًا واحدًا في محل نصب بالفعل أي فيها وقوله: (قال لا) أي لم يأمرك بطلاقها ولكن بعدم التلذذ بها واسمها: عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية وهي أم أولاده الثلاثة عبد الله وعبيد الله ومعبد ويقال: إن اسم التي كانت عنده خَبْره بفتح الخاء وسكون الباء وقال الذهبي: عميرة جبير صلت للقبلتين وهي زوجة كعب بن مالك وقال أيضًا خيرة امرأة كعب بن مالك لهما حديث غريب في الوحدان ويقال حير بالحاء وحديثها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لامرأة في مالها إلا بإذن زوجها وهو ضعيف لا تقوم به حجة وتقدم في شرح الآية أول الكتاب قول بعض أهل العربية: أن لا تقرب بفتح الراء لا تتلبس وبضمنها لا تدن وقوله: وأرسل أي النبي صلى الله عليه وسلم والرسول خزيمة بن ثابت إلى صاحبي مثل ذلك أي بمثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك أي اذهبي إليهم وقوله: (فتكوني عندهم) الفاء في جواب الأمر ولذا حذفت النون من تكونين وقوله: (حتى يقضي الله في هذا الأمر) حتى للغاية ويقضي منصوب بأن مضمرة أن ينزل حكمه وقضاؤه في شأن تخلفه وقوله: (فجاءت امرأة هلال بن أمية) هي خولة بنت عاصم قال الذهبي: التي لاعنها رسول الله (فقالت يا رسول الله: إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ فقال: لا) أي لا أكره ذلك (ولكن لا يقربك) أي لا يتلذذ بك وقوله: (فلبثت بعد ذلك) أي بعد اعتزاله لامرأته بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له عشر ليال وقوله: (حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا) أي ابتداء الخمسين من وقت نهي الرسول صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم وقوله: (فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين) أي من الحين المذكور والفاء في فلما عاطفة ولما هي الرابطة وتقدم الكلام عليهما وقوله: (صلاة الفجر) مفعول به

ص: 1532

لصليت وقوله: (وأنا على ظهر بيت من بيوتنا) جملة حالية وقوله: (فبينا أنا جلس) تقدم الكلام على بينا وأن الألف فيها لإشباع الفتحة وقوله: (على الحال التي ذكر الله) في قوله تعالى: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} الآية وذلك من طول هجران رسول الله له والمسلمون معه وتأخير نزول الحكم فيه وقوله: (سمعت صوت صارخ) أي إنسان صارخ أي رافع صوته وقوله: (أوفى) أي صعد على جبل سلع وهو جبل في شمال المدينة معروف وبيوت بني سلمة من ورائه وفي غربيه وشعب بني حرام فيه والمدينة منه في الناحية الجنوبية الشرقية وقوله: (بأعلى صوته) متعلق بقوله صارخ وقوله: (أبشر) أفعل من بشره وأبشره إذا أخبره بما يسره وقوله: (فخررت) أي سقطت ساجدًا منصوب على الحال وقوله: (أن قد جاء فرج من الله) أن مخففة من الثقيلة أي الأمر والشأن أن جاء فرج من الله كأنه قال: وعرفت مجيء الفرج من الله فالمصدر المنسبك من أن المخففة من الثقيلة ومعموليها في محل نصب بعرفت والفرج السعة ومنه الفرجة المدخل وقوله: (من الله) من لابتداء الغاية وقوله: (آذن بالمدأي) أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقوله: (بتوبة الله علينا) أي بنزول قبول الله لتوبتهم يقال: تاب إلى الله إذا رجع عن الذنب وتاب الله إذا قبل منه ذلك وعفا عن ذنبه قوله: (فذهب الناس يبشروننا) أي بعض الناس وقوله: (قبل صاحبي) هما هلال ومرارة ومبشرون فاعل ذهب وذكر الواقدي أن الذي بشر هلال بن أمية سعيد بن زيد والذي بشر مرارة سلكان بن سلامة بن وقش أو أخوه سلمة بن سلامة بن وقش وقوله: (ركض رجل إلى فرسًا) قيل هو الزبير بن العوام وقيل حمزة بن عمرو الأسلمي وقيل حمزة هو الذي سعى إليه وأسلم الذي ينسب إليه ابن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر وقوله: (وكان الصوت أسرع من الفرس) فسمع الصوت قبل وصول صاحب الفرس وقوله: (فلما جاءني) الفاء عاطفة ولما هي الرابطة تقدم الكلام عليها الذي سمعت صوته أي الرجل الذي سمعت صوته يبشرني جملة حالية من قوله سمعت صوته أو من قوله جاءني وقوله: (نزعت له ثوبي) أي خلعت له ثوبي فأعطيته إياهما وقوله: (ببشراه) أي بسبب بشارته لي أو بدلًا من بشراه وقوله: (والله ما أملك غيرهما) الظاهر أن المراد من الثياب لأنه كان له مال كما سيأتي يومئذ أي يوم كسوته إياهما

ص: 1533

فالتنوين عوض عن الجملة وقوله: (واستعرت) أي طلبت إعارة ثوبين غيرهما وقوله: (فلبستهما) الفاء فصيحة فأعرت ثوبين فلبستهما والظاهر أنه كان عليه ما يستر العورة إلا أنه لا يعد من الثياب التي يصلح للخروج لأنه لا يتأتى أن يكون جلس مكشوف العورة وقوله: (وانطلقت) أي ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: (فيتلقاني) أي فصار الناس يتلقونني فوجًا فوجًا أي جماعة بعد جماعة قوله: (يهنئوني بالتوبة) يقولون تفسير لكيفية تهنئتهم لتهنئك اللام لام الأمر وتوبة الله فاعل والهنئ اللذيذ المحمود العاقبة. وقوله: (حتى دخلت المسجد) أي لم يزل ذلك حالهم حتى دخلت المسجد فإذا الفاء عاطفة وإذا فجائية ورسول الله مرفوع بالابتداء وجالس خبره وقوله: (حوله الناس) جملة في محل نصب حال وقوله: (فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول) أي يسرع في مشيته حتى صافحني وهنأني وقوله: (ما قام إلى رجل من المهاجرين غيره) وذلك لعدم اعتيادهم القيام للداخل وإن كان جائزًا إذا كان الغرض فيه صحيحًا وقوله: (لا أنساها) أي تلك الفعلة التي هي قيام طلحة إلي وهو بيرق وجهه جملة منصوبة في محل الحال أي من النور والإشراق كما يلمع البرق مبالغة في سروره صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليكم وكان حصل ما يسره أشرق وجهه وقوله: (بخير يوم مر عليك منذ) أي من حين ولدتك أمك واستشكل بعض الشراح ذلك محتجًا بأن خير يوم مر عليه يوم إسلامه وأجيب بأن هذا هو علامة كمال الخير له بإسلامه فإسلامه أول ذلك وهذا آخره. وقوله: (أمن عندك) الهمزة للاستفهام وقوله: (أم من عند الله) أم هي المعادلة والمعنى ذلك بسبب منك أم هو محض منة من الله وقوله: (لا) أي ليس هو من عندي ولكنه من عند الله وقوله: (إذا سر) أي سمع ما يسره وقوله: (استنار وجهه) أي ظهر في وجهه كثرة النور زائدًا على ما هو عليه وقوله: (كأنه قطعة قمر) أي جزء من القمر أي في إضاءته وإشراقه وقوله: (وكنا نعرف ذلك) أي يظهر لنا ويتبين عند سروره وقوله: (قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي لأجل الصدقة) أي التصدق به وقوله: (صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك) إشارة منه إلى الأخذ بالأفضل خشية أن يتضرر بالفقر ولا يصبر ولهذا قالوا: إن أبا بكر تصدق بجميع ماله ولكنه كان واثقًا من نفسه رضي الله عنه وقوله: (فإني أمسك سهمي الذي

ص: 1534

بخيبر) أي ما يخصني منها لأنها كانت سهمًا لأهل الحديبية وفي رواية أبي داود أن أخرج من مالي كله قال: لا قلت: نصفه قال: لا قلت: فثلثه قال: نعم ولابن مردويه يجزئ عنك الثلث وورد نحوها عند أحمد في قصة أبي لبابة وقوله: (إن الله إنما نجاني بالصدق) أي بسبب صدقي في الحديث الذي أخبرتك به عن حالي حين تخلفت وقوله: (إن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت) أي إن من الواجب علي لما نجاني بالصدق أن ألزم الصدق ما بقيت حيًا وقوله: (ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله) أي أنعم عليه في صدق الحديث منذ أي من حين ذكرت ذلك يعني حاله التي كان عليها لما تخلف وقوله: (أحسن مما أبلاني) أي أعطاني ولا ينافي أن يكون أحد مثله لأن أحسن أفعل تفضيل ونفي الأفضلية لا يستلزم نفي المساواة وقوله: (ما تعمدت إلخ) تبيين لما هو عليه من الصدق وقوله: (وأنزل الله {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} إلى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}) وقوله: (ما أنعم علي) إلى آخره تبين المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: الأول وأن مراده بعد الإِسلام أعني قوله: بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك وأنه لا يريد تفضيله على يوم إسلامه وقوله: (قط) تقدم أنها في مثل هذا ظرف زمان للماضي منه وقوله: (أعظم في نفسي من نعمة صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأنه لو لم يصدقه لكان ذهب إسلامه لكونه دخل في زمرة المنافقين أن لا أكون كذبت فأهلك كما هلك الذين كذبوا فقوله: (أن أكون) بدل من قوله: (صدقي) ولا زائدة كما تقدم في قول أصحابه الذين لاموه على عدم الاعتذار أن لا تكون فهي في الموضعين زائدة كما في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} فأهلك بالنصب وكسر اللام على القياس وفيها الفتح إما لغة قال في التاج هو ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم أبي يأبى وحكى غيره قنط يقنط وسلا يسلى وجبا الماء يجباه وركن يركن وقلا يقلى وغسى الليل يغسى. اهـ. وقيل إن من تداخل اللغات أي الفتح في هذه الأفعال على أنه مسموع في ماضيها الكسر وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن أبي إسحاق يهلك الحرثُ بفتح اللام وضم الثاء وقوله: (كما هلك) الكاف في محل نصب لمصدر محذوف أي هلاكًا كهلاك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد أي ذمهم ذمًا عظيمًا وأوعدهم وعيدًا شديدًا

ص: 1535

فقال تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا} إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} قال: (تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا) أي أخر الحكم فينا حتى نزل عليه الوحي وقوله: (فبذلك) أي بسبب تأخيره لأمرنا وصفنا الله بقوله: (خلفوا) يعني أن كعبا رضي الله عنه يرى أن وصفهم بكونهم خلفوا المراد به إرجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخليفه لهم عن غيرهم ممن حلفوا له وقبل منهم.

• الأحكام والفوائد

تضمن هذا الحديث بتمام قصته فوائد كثيرة وأحكام شرعية ظاهرة ومستنبطة فمن فوائده: التحدث بنعمة الله على الإنسان وبيان سببها إن كان هناك وجواز ذكر الذنب الذي يكون ظاهرًا ويتوب منه صاحبه على سبيل الاعتراف بمنة الله عليه وفيه: ذكر الإنسان لسابق فضله عند الحاجة إلى ذلك وفيه: فضل الغزو مع رسول الله وذم التخلف عند من غير عذر وفيه: أن كعبًا شهد المشاهد كلها ما عدا بدرًا وفيه: بيان الفرق بين التخلف عن بدر والتخلف عن غيرها لأن بدرًا لم يستنفر فيها الناس بل لم يكونوا يظنون أنهم يلقون حربًا وفيه: فضل أهل بدر وأهل العقبة وفيه: جواز أخذ أموال الكفار الحربيين من غير قتال لأنه صلى الله عليه وسلم خرج من بدر لذلك وفيه: التصريح بأنهم ليلة العقبة واثقوه على الإِسلام وفيه: أن مراتب الصحابة تختلف باختلاف مراتب مشاهدهم وفيه: استنفار الإِمام للناس للجهاد وفيه: أن الإِمام أو الوالي على الغزو ينبغي له أن يوري بغيره إذا اقتضت ذلك المصلحة فإن رأى أن المصلحة في التصريح لهم ليستعدوا فيكون التصريح أولى وقد يستدل به على أن الإِمام إذا استنفر الناس وجب عليهم الخروج كما قال: وإذا استنفرتم فانفروا وبذلك يتبين سبب غضبه صلى الله عليه وسلم على من تخلف في هذه الغزوة مع أن حالة الأنصار في ذلك قد تكون أضيق من غيرهم بل قد صرح سبحانه في القرآن بعدم جواز تخلف أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب عنه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} الآية وهي نص على عدم جواز التخلف عنه وفيه: التأهب للسفر وللحرب بالزاد وآلة الحرب

ص: 1536

وهو من الأسباب فهو دليل على أن استعمال الأسباب لا ينافي التوكل على الله وفيه بيان ضرر التسويف لأنه مفوت لفرص الطاعة وفيه: أن الإنسان الفاضل يسوؤه أن يكون مع أهل الريب والتهم وهذا أمر معلوم عند الناس وفيه: تفقد الإِمام لأصحابه وسؤاله عنهم وفيه: ذب المسلم عن عرض أخيه ولو كان بحضرة الإِمام وذكره بأحسن ما يعلم من حاله وفيه: جواز الحلف من غير استحلاف وقد تكرر ههنا ذلك وفيه قوة إيمان كعب وفضله وفيه: أن الهم بالكذب لا يؤاخذ به الإنسان وفيه: استشارة الإنسان لأهله وذويه فيما ينزل به من الأمور وفيه: أن عناية الله إذا أدركت العبد لا يخلى بينه وبين نفسه وفيه: جلوس الإنسان بين يدي الكبير عند الحاجة وفيه: استحباب بداءة القادم من السفر بالمسجد والصلاة وإن كان من أهل الفضل يجلس للناس للسلام عليه وفيه: جواز الكلام في المسجد وفيه: تأنيب الإِمام لمن استحق ذلك لكن بالتي هي أحسن وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بإجراء حال المنافقين على الظاهر ما لم ينزل فيهم الوحي وفيه: قبول عذر من اعتذر ما لم تقم بينة على كذبه ولهذا قال الشاعر:

اقبل من أتاك معتذرًا

إن برّ عندك فيما قال أو فجرا

فقد أجلك من يرضيك ظاهره

وقد أطاعك من يعصيك مستترا

وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوقف عن الحكم ينتظر الوحي وفيه: هجران أهل المعاصي إذا كان في ذلك تأديبًا لهم أما إن علم أنه يزيدهم شرًا أو يفوت منهم أمرًا أعظم من ذنبهم فتركه أولى وفيه: التأسي بأهل الفضل والسابقة في الخير والظاهر أن نهيه عن كلامهم كان لمن لم يكن مضطرًا إلى ذلك كزوجاتهم ومن هو في حكمهن وإن كان ظاهر اللفظ العموم ففي السياق ما يدل على تخصيص من ذكرنا وفيه: أن كعبًا إذ ذاك كان شابًا وهو يرد قول من قال: إنه عاش ستين سنة قبل الإِسلام وفيه: جواز مسارقة النظر في الصلاة وفيه: عدم رد السلام على العاصي إذا كان الهجران من أجل المعصية بردعة كما قدمنا وفيه: جواز المناشدة بالله وقال بعض الشراح: إن قول أبي قتادة الله ورسوله أعلم يدل على أن مثل هذا لا يعد كلامًا للمخاطب وينبني على ذلك أن من حلف على عدم كلام شخص فقال له عند سؤاله: الله أعلم لا يحنث وفيه: قبول خبر

ص: 1537