الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
الحمد الله مصرف الأقدار ومحيي الآثار والمتعالي عن الأشباه والأنظار، المتنزه عن تمثيل الأوهام وتكييف الأذكار الذي احتجب بحجاب عزته وقدرته فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار الذي خضعت لهيبته وعظمته رقاب الأكاسرة والجبابرة والأشرار، العالم بالكونين على اختلافها والحوادث مع تشتيت أوصافها، وكل شيء عنده بمقدار، مكور الليل على النهار، والنهار على الليل ما جرى الفلك الدوار وجعلهما آيتين بينتين للمتفكر في العظة والاعتبار وخص الإنسان بفضل النظر والاستبصار فقال جل وتعالى " فاعتبروا يا أولي الأبصار " وعلمه ما لم يكن يعلم وكرر عليه ما لم يلحق من انباء القرون الماضية في الأزمان والأعصار وأراه متقلبهم في هذه الدنيا الفنية التي جعلها لهم دار انتقال، ومفر وزوال، وجعل الأيام بينهم دولا والأقوام بعضهم من بعض بدلا ذلك تقدير العزيز القهار نحمده على ما نعم به علينا من الهداية للنظر في مواقع الأدلة بأن هو الله الملك الغفار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، الذي اختار لرسالته وختم به الرسل الكرام الأبرار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحبه الأكرمين الأخيار، وسلم كثيراً.
وبعد جعلنا الله ممن نظر فاعتبره، ووعظ فازدجره فإن خير ما شغلت به الأذكار والأفكار، وتحدثت معه الليل والنهار، حفظ ما فاد من العلوم والأخبار وأن أولى ما ريضنا به النفوس البشرية مجالسة العلماء والأخيار، ومذاكرة الأدباء ذوي الهمم وعلو المقدار، ففي مجالستهم ومذاكرتهم
ما يسحر الذهن وينور الأفكار فان فقدت مجالستهم فلا عوض منها غير كتاب يتخذه جليسه ويجده في كل وقت أنيسه ويتنسمه روضا يانع الأزهار وإذا نظر اللهيب بفطنته إلى أصناف العباد ومختلف الآباد أغناه ذلك عن المشاهدة وقام له الاستماع مقام المعاينة والاستخبار.
قال المؤلف: ولما كنت كلفت بأخبار الخلفاء والأئمة والأمراء بالبلاد الشرقية والمغربية وما والاهما من الأقطار، وولعت بالمناظرة في ذلك مع الفضلاء والأخلاء ذوي الأقدار والأخطار، طلب بعضهم إلي، ممن يجب إكرامه على، أن أجمع له كتابا مفردا في أخبار ملوك البلاد الغربية على سبيل الإيجاز والاختصار، ولازمني في طلبه مرارا، فلم يمكنني التوقف في ذلك ولا الاعتذار وحملني على جمعه وتأليفه حمل اضطرار لا اختيار، فجمعت له في هذا الكتاب نبذا ولمعا من عيون التواريخ والأخبار، مما جرى الله به تصاريف الأقدار فيما مر من الأزمنة والأعصار في بلاد المغرب وما والاهما من الأقطار: جمعت ذلك من الكتب الجليلة مقتضيا من غير إسهاب ولا إكثار فاقتطفت عيونها واقتضبت فنونها ووصلت الحديث بالقديم والقديم بالحديث لأنه إذا اتصل يستظرف ويستحلى كما قال بعضهم:
وسئت كل مآربي
…
فكأن أطيبها خبيث
إلا الحديث فأنه
…
عند اسمه ابدأ حديث
فنقلت والله ولي التوفيق من تاريخ الطبري والبكري والرقيق والقضاعي ومن كتاب (الذيل) لابن شرف ومن كتاب ابن أبي الصلت ومن (المجموع المفترق) ومن كتاب (بهجة النفس وروضة الأنس) ومن كتاب (المقباس) و (القبس) ومن مختصري عريب وابن حبيب ومن (درر القلائد وغرر الفوائد) ومن (القلائد) و (المطمح) لابن خاقان ومن كتاب ابن حزم (ذخيرة) ابن بسام ومن (أخبار
الدولة العامرية) لابن حيان، ومن كتاب (تقصي الأنباء في سياسة الرؤساء) ومن كتاب (الأنوار الجلية في الدولة المرابطية) ومن (نظم الجمان في أخبار الزمان) لابن القطان، ومن كتابي (الاشيري) و (البيذق) وكتاب يوسف الكاتب وكتاب بن صاحب الصلاة أبي مروان، ومن كتاب بن رشيق ومن كتاب وجدته أو تعليق، ومن شيوخ أخذت الأخبار الوقتية عنهم بتحقيق والله الهادي إلى سواء الطريق.
ولما كمل ما قيدته وجردته على ثلاثة أجزاء: كل جزء كتاب قائم بنفسه ليكون لمطالعه أوضح البيان وأسهل مرام لدى العيان وسميته بالبيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب. أما الجزء الأول فاختصرت فيه أخبار أفريقية من حين الفتح الأول في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم أخبار أمرائها من ولاة الخلفاء الأمويين ومن دخل الغرب منهم ومن قام بأفريقية من الصفرية والاباضية ثم قام فيها بالدولة العباسية ومن ملكها من بني الأغلب وأخبار بني عبيد الشيعة وأخبار زناته والصهاجيين وغيرهم وكل ما اشتهر من أمرهم إلى حين انتقال العبيدية إلى البلاد المصرية واستخلافهم صهاجة على أفريقية ثم خلع صهاجة لهم واستيلائهم على أفريقية ونذكر فتنة العرب وأسبابها ودخولهم إلى القيروان وخرابها وتنقل أمراء صهاجة إلى المهدية ومن ملكها منهم وما اشتهر في ذلك من الأخبار عنهم من ملوك المناديين والحماديين إلى حين ظهور الموحدين ولخصت في ذلك كله أخبار أمراء البلاد الغربية ومن دخلها من أخبار الدولة العبيدية وذكرت أخبار المدراريين السجلماسيين والأمراء الإدريسيين وأخبار البرغواطيين والزناتيين ومن ملك فاسا من زناتة المغراويين ومن ولاء الخلفاء الأمويين الأندلسيين
على أن أخبار المغرب الأقصى أكثر من أن تحصى لكني نسقتها نسق الأسلاك وسقت من كان فيه على الولاء من الأملاك من حين فتحه الأول إلى حين ابتداء الدولة اللمتونية المرابطية.
والجزء الثاني اختصرت فيه أخبار جزيرة الأندلس وأملاكها الغابرين الدرس من حين الفتح الأول ثم من وليها من الأمراء للخلفاء الأمويين بالمشرق ثم من قام بها من العرب الفهريين إلى حين دخول الخلفاء الأمويين في ابتداء أمرهم ومن قام عليهم من الثوار الأندلسيين وذكرت بعض أخبارهم وآثارهم في غزواتهم وحركاتهم إلى انقضاء مدتهم بعد ذكر حجابهم العامريين ومآثرهم إلى حين انقضاء الدولة العامرية وقيام الفتنة البربرية وذكرت فيه أخبار ملوك الطوائف بعد انقضاء دول الخلائف من الحموديين والهوديين والجهوريين والعباديين وفتيان العامريين والصمادحيين والزناتيين والبكريين والافطسيين والصهاجيين وغيرهم من الرؤساء الأندلسيين وكل ذلك إلى حين دخول لمتونة إلى الأندلس سنة 478.
والجزء الثالث: اختصرت فيه أخبار الدولة المرابطية اللمتونية وخروجهم من صحرائهم في ابتداء أمرهم واستيلائهم على مملكة أمراء المغرب والأندلس وخلعهم لجميعهم وتغلبهم على مملكة كل منهم وما تسنى لهم فيها من الفتوحات والمنوحات إلى حين ابتداء دولة الموحدين وظهورهم ونبذ من أحوالهم وأمورهم ثم ما كان بين أمراء الدولتين من مقاتلات ومنازلات وحصر من حصر ونصر من نصر - سمه الله لهم - وذلك إلى حين انقضاء الدولة المرابطية وابتداء دولة الموحدية ثم ما تخلل ذلك للموحدين من النصر والتأييد ومن فتوح ومنوح وصنع عجيب في البلاد الأفريقية والأندلسية إلى حين انقراض دولتهم وذلك بسبب أحداث حدثت عليهم وأحوال نسبت إليهم وذكرت الدولة الحفصية الموحدية الهتاتية في البلاد الأفريقية والدولة الهودية المتوكلية والنصرية الاحمرية في البلاد الأندلسية والدولة السعيدة