الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نبذ من وقعة باب تونس أحد أبواب القيروان
وذلك أن العرب دفعت إلى هذا الباب، فخرج إليهم العامة منهم بسلاح، ومنهم من بيده عصا لا يدفع بها أضعف الكلاب، فحملت عليهم فرسان العرب وتمكنت منهم سيوفهم ورماحهم، فتساقطوا على وجوههم وجنوبهم، وسطحوهم من حد أفران الآجر إلى هذا الباب ولم يبق منهم إلا من حصنه أجله، ولم يتركوا على حي ولا ميت خرقه تواريه. وخرج أهل القتلى عند انصراف العرب، فرفعوا قتلاهم، فقامت النوائح والنوادب بكل جهة ومكان من أزقة القيروان، تنصدع لمناظرهم وسماعها الجبال. وبقى خلق من الغرباء في المقتلة، وجرح من الناس خلق كثير، ورأى الناس ما أذهلهم من قبيح تلك الجراحات، فتفتتت الأكباد، وذابت القلوب والأجساد، لبنيات قد سودن وجوههن وحلقن ورؤوسهن على أبنائهن وإخوانهن. فكان هذا يوم مصائب وأنكاد ونوائب. ولم ير الناس مثله في سائر الأمصار، فيما مضى من الأعصار. وبات الناس في هم وغم. تم كلام ابن شرف مختصرا.
هزيمة صنهاجة أيضا بجبل حيدران
وهزيمة المعز بن باديس من وجه آخر
قال أبو الصلت: ثم برز المعز إلى لقاء العرب الواصلة من المشرق، وجرد عساكره، وقدم عليه أبو سلبون، وزكنون بن واعلان، وزيري الصنهاجي، وعاد هو إلى القيروان. فلما كان عيد النحر، انهزمت صنهاجة، وقتل منها كثير، فخرج هو بنفسه إليهم، وانتشبت الحرب بينه وبين العرب، فهزمته العرب، وثبت المعز طائفة من عبيده، ثم عاد إلى المنصورية. فأحصى من
قتل من صنهاجة في هذه الوقعة: فكانوا ثلاثة آلاف وثلاثمائة. ثم أقبلت العرب حتى نزلت على القيروان، ووقعت الحرب هنالك، فقتل بين رقادة والمنصورية خلق كثير.
وفي سنة 444، ذهب المعز بن باديس إلى رفع الحرب بينه وبين العرب، وأباح لهم دخول القيروان لما يحتاجون إليه من بيع وشراء. وبقى هو مستوطنا المنصورية من بقي من عسكره. فلما دخلوها، استطالت العامة عليهم، وأوسعتهم إهانة وشتما، فقتل العرب منهم خلقا كثيرا. وكان عدد العرب الواصلين من المشرق سبعة آلاف فارسا وخمسمائة. وقدر المعز أن العرب عائدون من حيث أتوا فخرج له الأمر بخلاف ظنه.
وفي هذه السنة، بنى المعز سور القيروان، وسور زويلة، وجعل السور مما يلي صبره كالفيل: حائطان متصلان إلى صبره، وبينهما نحو نصف ميل.
وأما القيروان، فهي في بسيط من الأرض، ممدودة في الجوف منها نحو تونس، وفي الشرق نحو سوسة والمهدية وفي القبلة نحو سفاقس، ويقرب منها البحر الشرقي: فبينها وبين البحر مسيرة يوم، وسائر جوانبها أرض طيبة. ولا سبيل الموارد أن تدخل القيروان إلا بعد جوازه على صبرة. وأما صبرة فبناها إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله الشيعي المتلقب بالمنصور وسماها المنصورية واستوطنها سنة 337 ثم كانت منزل الولاة بالقيروان إلى حين خرابها.
وفي سنة 445، ولى المعز بن باديس ابنه تميم مدينة المهدية. وفيها، نافق على المعز بن باديس أهل سوسة. وهي مدينة منيعة حاصرها أبو يزيد شهورا ثم انهزم عنها وكان عليها في ثمانين ألفا. وفي ذلك يقول سهل ابن إبراهيم كامل:
إن الخوارج صدها عن سوسة
…
أبدا طعان السمر والإقدام
وفي سنة 446 حاصرت العرب مدينة القيروان وضيقة عليها تضيقا
شديدا يطول ذكره. وفيها أخذ مؤنس بن يحيى سلطان العرب مدينة باجة وأطاعه أهلها.
وفي سنة 447 تولى بلقين الصنهاجي قلعة حماد. وفيها نافق ابن أب زمان على المعز بن باديس. وفيها، كانت بأفريقية مجاعة عظيمة وجهد مفرط.
وفي سنة 448، وقع بين عبيد المعز الساكنين بالمهدية وبين عبيد تميم أبنه منازعة أدت إلى الاقتتال والمحاربة فقامة عامة زولية وسائر من كان من البحريين وغيرهم معاضدة لعبيد تميم فهزموهم وأخرجوهم من المهدية وقتلوا منهم عددا كثيرا. وسار الذين بقوا منهم يردون اللحاق بالقيروان، فدس تميم خبرهم إلى العرب، فقتل منهم في الطريق خلق كثير، وسبب هذه المقاتلة قتل تميم عبيد أبيه بالمهدية، ويقال أن الذي قتله منهم سبعمائة. وذكر أن المحرك لقتلهم واستئصالهم قصيد محمد بن حبيب التي أولها (بسيط) :
السيف يسبق قبل الحادث العذلا
…
لا تغمد السيف حتى تقتل السفلى
نقل عداتك من دنيا لآخرة
…
فكلهم ظن هذا الملك منتقلا
وفي سنة 449، خرج المعز بن باديس من المنصورية منتقلا إلى المهدية، الميلتين بقيتا من شعبان. وفي أول يوم من رمضان، انتهبت العرب مدينة القيروان وخربتها. وكانت من أعظم مدن الدنيا. وذكر أبو عبيد أنه انتهى ما ذبح منها من البقر خاصة في اليوم الواحد سبعمائة رأس وخمسين رأسا. وقال: في سنة 52 بنيت القيروان وأخليت.
وفي سنة 450 خرج بلقين ومعه الأذبج ودعي لحرب زناتة، فكسرها وقتل منها عددا كثيرا.
وفي سنة 451 قتل منصور البرغواطي صاحب سفاقس قتله غدرا حمو ابن ومليل البرغواطي، وولى مكانه وذلك يوم السبت الثاني لشوال.
وفي سنة 452 وقعت بين العرب والقيروان وبين هوارة حرب كان الغلب فيها للعرب. وقتلت هوارة بباب الصوم أحد أبوابها.