الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تونس وإنما انخرق بعد ذلك وفي هذه المدينة آثار عظيمة وأبنية ضخمة وأعمدة ثابتة غليظة تدل علة عظم قدرة الأمم الدائرة وأهل تونس إلى الآن لا يزالون يطلعون في خرابها على أعاجيب ومصانع لا تنقطع بطول الأزمان لمتأمل. فلما قدم حسان إليها وقتل فرسانها ورجالها اجتمع رأي من بقي بها على الفرار منها وكانت لهم مراكب كثيرة فمنهم من مضى إلى صقلية ومنهم مضى إلى الأندلس فلما انصرف عنها حسان وعلم أهل بواديها وأقاليمها هروب الملك عنها بادروا إليها فدخلوها فرحل إليها حسان ونزل عليها فحاصرها حصاراً شديداً حتى دخلها بالسيف فقتلهم قتلاً ذريعاً وسباهم ونهيهم وأرسل لمن حواليها فاجتمعوا إليه مسارعين خوفاً من عظيم سطوته وشدة بأسه فلما أتوه ولم يبق منهم أحد أمرهم بتخريب قرطاجنة وهدمها فخربوها حتى صارت كأمس الغابر ثم بلغه أن النصارى اجتمعوا وأمدهم البربر بعسكر عظيم في بلاد صطفورة فرحل إليهم حسان حتى لقيهم وقاتلهم حتى هزمهم وقتل الروم والبربر قتلاً ذريعاً وحمل عليهم أعنة خيله فما ترك في بلادهم موضعاً إلا وطئه ولجأ الروم هاربين خائفين باجة فتحصنوا بها وهرب البربر إلى إقليم بونة وانصرف حسان إلى القيروان.
خبر حسان مع الملكة الكاهنة وهزيمتها له
لما دخل حسان القيروان أراح بها أياماً ثم سأل أهلها عمن بقي من أعظم ملوك أفريقية ليسير إليه فيبيده أو يسلم فدلوه على امرأة بجبل أوراس يقال لها الكاهنة وجميع من بأفريقية من الروم منها خائفون وجميع البربر لها مطيعون (فإن قتلتها دان لك المغرب كله ولم يبق لك مضاد ولا معانداً) فدخل بجيوشه إليها وبلغ الكاهنة خبره فرحلت من الجبل في عدد لا يحصى ولا يبلغ بالاستقصاء وسبقته إلى مدينة باغاية فأخرجت منها
الروم وهدمتها وظنت أن حسان يريد مدينة ليتحصن بها فبلغ خبرها حساناً فنزل بوادي مسكيانة فرجلت الكاهنة حتى نزلت على الوادي المذكور فكان هو يشرب من أعلى الوادي وهي من اسله فلما توافت الخيل دنا بعضهم من بعض فأبى حسان أن يقاتلها آخر النهار فبات الفريقان ليلتهم على سروجهم فلما أصبح الصباح التقى الجمعان فقاتلوا قتالاً لم يسمع بمثله وصبر الفريقان صبراً لم ينته أحد إليه إلى أن انهزم حسان بن النعمان ومن معه من المسلمين وقتلت الكاهنة العرب قتلاً ذريعاً وأسرت ثمانين رجلاً من أعيان أصحابه وسمي ذلك الوادي وادي العذارى واتبعته الكاهنة حتى خرج من عمل قابس فكتب حسان إلى أمير المؤمنين عبد الملك يخبره بذلك وإن أمم الغرب ليس لها غاية ولا يقف أحد منها على نهاية كلما بادت أمة خلفتها أمم وهي من الجهل والكثرة كسائمة النعم فعاد له جواب أمير المؤمنين يأمره أن يقيم حيثما وافاه الجواب فورد عليه في عمل برقة فأقام بها وبنى هنالك قصوراً تسمى إلى الآن بقصور حسان.
وملكت الكاهنة المغرب كله بعد حسان خمس سنين فلما رأت إبطاء العرب عنها قالت للبربر إن العرب إنما يطلبون من أفريقية المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييئس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر فوجهت قومها إلى كل ناحية يقطعون الشجر ويهدمون الحصون فذكروا أن أفريقية كانت ظلاً واحداً من طرابلس إلى طنجة وقرى متصلة ومدائن منظمة حتى لم يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات ولا أوصل بركات ولا أكثر مدائن حصوناً من إقليم أفريقيا والمغرب مسيرة ألف ميل في مثله فخربت الكاهنة ذلك كله وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق