الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل النجوم أمروه بذلك! وقال قوم: به وسوسة! وكتب إلى ابنه زيادة الله يستحثه في القدوم عليه من صقلية لأنه وشي به إليه إنه يريد الانتزاء عليه. فقدم زيادة الله على أبيه لعشر بقين من جمادى الأخيرة، فقبض أبو العباس ما كان معه من الأموال والعدة، وحبس زيادة الله ي بيت داخل داره وحبس ناسا من أصحابه.
مقتل أبي العباس بن إبراهيم بن أحمد
قتل يوم الأربعاء، ليوم بقى من شعبان فكانت ولايته بعد أبيه تسعة أشهر وأحد عشر يوما، ومن يوم أفضى إليه أبوه الأمر سنة واثنان وخمسون يوما. وكان قتله على ما أصفه: وذلك إنه خرج من الحمام إلى دار خالية واستلقى على سرير الخيزران، ووضع تحت رأسه سيفا ونام بعد أن خرج كل من كان في الدار غير فتيين كان يثق بهما فلما نام تآمرا على قتله وقالا:(هذه فرصة في تقديم اليد عند زيادة الله! فنطلقه من أسره ونستريح من أبيه ويلي مكانه ونفوز بالخطوة عنده.) فأستل السيف الذي كان تحت رأسه وضربه ضربة فقطع عنقه ولحيته حتى نفذ إلى السرير. ومضى الفت الأخر إلى ناحية من الدار فارتقى الحائط ونفذ إلى زيادة الله وأعلمه لأن أباه قتل فظن أنها مكيدة عليه فقال له (أن كنت صادقا فأريني الرأس فانطلق مسرعا ورمى إليه بالرأس فعند ذلك صدقه.
ولاية زيادة الله بن أبي العباس
عبد الله ابن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب
وذلك أن زيادة الله لما صح عنده قتل أبيه ورأى الرأس بين يديه
كسر قيوده وبادر خوفا أن يشعر بالأمر أحد من أعمامه فيسبقه. فلما صار زيادة الله في الدار أرسل في عبد الله بن الصائغ وفي أبي مسلم منصور بن إسماعيل، (وهما ممن كان سجن معه تهمة،) وفي عبد الله بن أبي طالب.
فلما دخلوا عليه قال لهم: (انظروا لي ولأنفسكم!) فقالوا له: (أرسل في أعمامك في لسان أبيك، وفي جودة الرجال والقواد.) فأرسل فيهم ودفع إليهم الصلات، وأخذ عليهم البيعة وأمر أن ينادي بتونس:(من كان هاهنا من الجند فليوافوا باب الأمير!) فركعوا بأسلحتهم فأمر بإدخالهم واحداً واحدا: يدخل الرجال فيبايع ويعطي خمسين مثقالا ففعل ذلك بالجودة.
أو كتب ذلك كتاب بيعته، فقرأ بتونس على منبر جامعها. وأخذت له البيعة على العامة بها. وكتب إلى العمال (بالبلاد) بأن يأخذوا له البيعة على من قبلهم. فلما قرب العشاء، نودي في الجند (اصبحوا للأخذ عطاياكم) ومطل عمومته بالانصراف (عنه) إلى الليل ثم أكبلهم أجمعين وأخلهم في شيني، ووكل بهم ثقاته، وأمرهم أن يمضوا بهم إلى جزيرة الكراث، وهي على اثني عشر ميلا من مدينة تونس، فضربت هناك رقابهم ليلة السبت لثلاث خلون لرمضان. وأصبح الجند والموالي من غد ذلك اليوم لأخذ الصّلات. فلما مضى صدر من النهار قيل لهم: انصرفوا فإنه يوم شغل! ثم أتوا من الغد فدفعوا. فلم يزالوا يترددون إلى أن بردت قلوبهم وملوا الاختلاف. ولما كمل الأمر لزيادة الله دعا بالفتيين الذين قتلا أباه. فأمر بهما فقطعت أيديهما وأرجلهما وصلبا على باب القيروان وباب الجزيرة من
أبواب تونس. وقتل أيضا زيادة الله عمه أبا الأغلب الزاهد الساكن يسوسه وقتل أخاه أبا عبد الله الأحول بعد أن استقدمه من طبنة.
وولى زيادة اله الوزارة والبريد عبد الله بن الصائغ، وولى أبا مسلم منصور بن إسماعيل ديوان الخراج! وولى قضاء القيروان حماس بن مروان ابن سماك الهمداني، وكان ورعا عالما بمذهب مالك وأصحابه، فعدل في أحكامه، ولم يكن يهيب أحدا في ولايته (ونظره. وفيها مات محمد بن مجمد بن الفرج البغدادي مولى بني هاشم، وكانت له عناية وطلب، ومات محمد بن ابن المنهال، وكانت له رياسة بأفريقية. وفيها قتل بن الفياد إذ اتهمه زيادة الله بأنه أشار على أبيه يؤدبه وحبسه. وفيها مات محمد بن سليمان وكان ثقة الحديث والرواية وسمع أبوه من سفيان بن عيينة) .
وفي هذه السنة، أسست مدينة وهران، على يديّ محمد بن أبي عون بن عبدون وجماعة من الأندلسيين.
(وفيها مات علي بن الهيثم المحدث، وإبراهيم بن عثمان القرشي التونسي وكانا من أهل الرواية والعلم.) وفي سنة 291 ولي محمد بن زيادة الله العهد، وأخذت البيعة له بذلك. (وفيها قتل هذيل النفطي، صاحب ديوان الخراج، وقتل ابن المنبت الملقب بالعجل، وفيها توفي محمد بن زرزور الفقيه الفارسي وكان على مذهب أبي حنيفة، وكان حافظا لبيبا، ونظر في النجوم والحساب، وخولط في عقله، فكان إذا قيل له: (يا زواغي) يهيج وينشط) وولي على بن أبي الفوارس
(التميمي) عمالة القيروان ثم عزل عنها، ووليها أحمد بن مسرور. وولى إبراهيم بن حبشي التميمي قتال أبي عبد الله الشيعي.
وفيها مات أبو جعفر أحمد بن داود الصواف، مولى ربيعة، وكان فاضلا من رجال سحنون وكان في حداثته يقول الشعر ثم تركه. وفيها خرج الحسن بن حاتم إلى العراق رسولا من عند زيادة الله بهادايا وطرف. وولى الحسن بن أبي العيش بن إدريس بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن (أبن الحسن) بن علي بن أبي طالب (رضه) عمل جراوة لوفاة أبيه أبي العيش. ورفع زيادة الله فقهاء إفريقيا إلى مدينة تونس مستظهرا بهم على أبي عبد الله الشيعي فاجتمعوا عند عبد الله بن الصائغ صاحب البريد، وتفاوضا في أمره وقال لهم ابن الصائغ (أن الأمير يقول لكم هذا الصنعاني الخارج علينا مع كتامه يعلن أب بكر وعمر رضنهما ويزعم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا ويسمى أصحابه: المؤمنين ومن يخالفه في مذهبه: الكافرين ويبيح دم من خالف رأيه) فأظهر الفقهاء لعنه والبراءة منه، وحرضوا الناس على قتله وأفوتهم بمجاهدته. (وأرس زيادة الله هدية للعابس فيها عشرة آلاف مقال في كل مثقال منها عشرة مثاقيل وكتب في كل مثقال هذين البيتين (كامل) :
يا سائرا نحو الخليفة قل له
…
أن قد كفاك الله أمرك كله
بزيادة الله بن عبد الله سي
…
ف الله من دون الخليفة سله
وفي سنة 239 قد أبو مسلم بن إسماعيل بن يونس لإصلاح
مدينة رقادة ورقع ما وهي فيها وإنشاء مركبا على ماجل القيروان وسمى الزلاج. وقدم زيادة الله في تونس في شهر ربيع الأخر فنزل على الماجل الكبير بالقيروان. وفيها ضرب الخال طوف بمدينة القيروان مخسبا على بغل بأكاف.
وفيها، ظهر النجم ذو الذوابة في الجدي بجه الشمال، بقرب بنات نعش وذلك في رجب. وقفيها كانت وقعة على عسكر السلطان وذلك أن أبى عبد الله (الداعي) ، لما علم بخروج العسكر إليه وكثرة من معه من وجوه الرجال وأمجاد العرب والموالي، وما معه من العدة وآلات الحرب، وأرتاع لذلك، وأخذ في حشد كتامة وكان حشده بغير ديوان إنما كان يكتب إلى رؤساء القبائل، فيحشدوا من يليهم، طاعة له ورغبة فيه. وكان لا يزيدهم في كتابه إليهم على أن يقول:(أن الوعد يوم كذا في موضع كذا) ويصرخ صاروخ بين يديه: (حرام على من تخلف) فلا يتخلف عنه أحد من كتامة، فأجتمع منهم ما لا يحصى كثرة. وتأهب لملاقاة إبراهيم بن حبشي، فالتقى مع إبراهيم بن حبشي أمير العسكر بكينونة فكانت بينهما ملحمة عظيمة تطاعنوا فيها بالرماح حتى تحطمت وتجادلوا بالسيوف حتى تقطعت، من أول النهار إلى أخره ثم انهزم إبراهيم ووقع القتل على أصحابه فذهب كثير منهم ونجى باقيهم في ظلمة الليل واشتغلت عنهم كتامة بالغنيمة والأموال والسلاح والسروج واللجم وضروب الأمتعة. وهي أول غنيمة أصابها الشيعي وأصحابه، فلبسوا أثواب الحرير، وتقلدوا السيوف الموحلات، وركبوا بسروج الفضة واللجم الملهبة، وكثر عندهم السلاح، فشرفت أنفسهم، وتحققت آمالهم، وصح عندهم ما كان الشيعي يعدهم به من النصر، ويبسط له الآمال فيه من التأييد لهم والنصر والغلبة لعدوهم. ووقع الوهي على أهل إفريقيا، وداخلهم الوهن والجزع
وكتب أبو عبد الله الداعي إلى عبيد الله الشيعي، وهو يومئذ بسجلماسة يعلموا بالفتح ووجه إليه بمال كثير مع قومه من أهل كتامة سرا.
وذكر رجل من بني هاشم بن عبد المطلب يسمى بأحمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن علي بن زيد بن ركانة بن عبدون بن هاشم، كان مع عبيد الله بسجلمانة قال:(وصلني عبيد الله بمال كثير من دنانير لا توجد في ذلك البلد، فكثر تعجبي منها. فلما رأى مني ذلك، وعلم مني ما أوجبه ثقته بي واستنامته إلي. قرأ على كتاب أبي عبد الله بالفتحة، وأمرني بكتمان الخبر، وألا أبدل حالتي الأولى، ولا أغير حيلتي وملبسي؛ وقال لي: (عن علينا عيونا ورقابة؛ فلا يطلعوا منا على تبدل الحال، واستفادة مال) وفيها، مات أبو سهل فرات بن محمد العبدي الفقيه، سمع من سحنون، وعبد الله بن بي حسان، وموسى بن معاوية، وغيرهم بأفريقية، ورحل إلى المشرق فسمع كمن رؤساء أصحاب مالك وله لسان طويل ومعرفة بالأنساب، وكان أعلم الناس بالناي وأوقع الناس في الناس حتى نسب إلى الكذب. وفيها، ولد محمد بن يوسف الوراق بالقيروان.
وفي سنة 293، أخرج زيادة الله بن عبد الله بن الأغلب جيشا إلى الأربس لمحاربة أبي عبد الله الشيعي وولى عليهم مدلج بن زكرياء، وأحمد بن مسرور الخال، فخالفا عليه يوم الاثنين لعشر خلون من جمادى الأخيرة، ووافيا بالعسكر مدينة القيروان يوم الخميس لثلث عشرة ليلة خلت من جمادى الأخيرة، فخرج ألهم الغوغاء من القيروان ودافعوهما. وكبا بمبلج فرسه، فقتل من ساعته وقل مع ابن بربر، وصلب على باب رقادة وقد كان زيادة
الله برز لقتال مدلج، حتى أتاه الخبر بقتل العامة له، فكتب بذلك فتحا قرى بالقيروان وأعمالها. وكان سبب خلافه على زيادة الله إنه حكم عليه في منية له كا تعرف بالجليدية، وسجل عليه فيها القاضي حماس بن مروان فأضغن ذلك، وجعل سببا إلى الخلاف عليه.
وفيها، ورد كتاب المكتفي بالله، يحث أهل أفريقيا على نصرة زيادة الله، ومحاربة الشيعي. وقرأ كتابه على الناس. وفيها، كسفت الشمس كلها، وصلى القاضي حماسة بن مروان بالناس صلاة الكسوف في الجامع. وفيها خرج زيادة الله بن عبد الله إلى مدينة الأربس فنزل بغريبها، واجتمعت إليه عساكر كثير، وأعطى بها الأموال جزافا بالمصحاف كيلا بلا وزن، لكل رجل صحفة توضع له في كسائه دنانير ويحمل على فرس، ثم يخرج الرجل، فلا يرى بعدها. فأنفق فيها أموال جسيمة وبذل مجهوده في الإحسان إلى الرجال. والشيعي مع ذلك ازداد ظهورا. ووجه عساكر إلى بدعاية، وشك مدين طبنة وشحنها بالرجال وقد عليها حاجبه أبا المقارع حسن بن أحمد بن نافذ مع سبيب بن أبي شداد القمودي وخفاجة العيسي، وكانوا من أهل البسالة، وأمرهم بشن الغارات على كتامة، فكان بينهم وقائع قتل فيها كثير من الفريقين.
وفيها، ولي قضاء مدينة رقادة محمد بن عبد الله المعروف بابن جيمال، وكان مولى لبني أمية، ولم يكن عنده علم ولا ورع وإنما عنيت به عبد الله بن الصائغ، وكانت فيه غفلة شديدة وضعف وقيل إنه باع نفسه في حداثته تين أيام الشدة، ثم أثبت بعد ذلك حريته، وأنطلق. وشهدت عنده بينه بأن امرأة وكلت ولدها، فقال لهم:(وكلته وهي بالغة؟) قالوا له (وهو أبنها! أصلحك الله! فكيف لا تكون بالغا!) وضحكوا عليه، فأستحي.
وفيها، قدم أبو يعقوب إسحاق بن سليمان الإسرائيلي المتطبب على زيادة الله من المشرق مع أبي الحسن بن حارث فوصل إليه وهو بالاربس. قال إسحاق:(فدخلت على زيادة الله ساعة وصولي، ورأيت مجلسه قليل الوقار، كثير اللهو. فابتدأني بالكلام ابن حبيش المعروف باليوناني، فقال لي: (تقول أن الملوحة تحلو؟) فقلت له: (نعم) قال (وتقول أن الحلاوة تحلو؟) قلت له: (نعم) فقال لي: (فلحلاوة هي الملوحة والملوحة هي الحلاوة!) فقلت له: (أن الحلاوة تحلو بلطافة وملائمة، والملوحة تحلو بعنف وقوة) فتمادى على المكابرة في ذلك، حتى قلت له (تقول أنك حي والكلب حي؟) قال (نعم) قلت له (فأنت الكلب والكلب أنت) فضحك زيادة الله ضحكا شديدا قال:(فعلمت أن رغبتك في الهزل أكثر من رغبتك في الجد) .
وفي هذه السنة تغلب أبو عبد الله الداعي على مدينة بالرمة وعلى مدينة طبنة، ودخلهما بالأمان في أخر ذي الحجة وبها أبو المقارع حسن بن أحمد والى زيادة الله وعامله عليهما مع صاحبيه المذكورين قبل هذا. وكان بهما جباة على ضروب المغارم، فأتوه بما في أيديهم من الجباية، فقال لأحدهم (من أين جمعتم هذا المال؟) فقالوا له (من العشر) فقال عبد الله:(إنما العشر حبوب وهذا عين) ثم قال لقوم من ثقاة طبنة: (أذهبوا بهذا المال فليرد على كل رجل ما أخذ منه، وأعلموا الناس أنهم إمناء على ما يخرج الله لمن أرضهم، وسنة العشور معروفة في أخذه وتفرقته وعلى ما ينصه كتاب الله عز وجل ثم قال لأخر (من أين هذا المال الذي بين يدك؟) قال: (جبيته من اليهود والنصارى جزية عن حول مضى لهم.) فقال (وكيف أخذته عينا، وإنما كان يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الملأ ثمانية وأربعين درهما، ومن المتوسط أربعة وعشرين درهما ومن الفقير أثنى عشر درهما!) فقال له: (أخذت العين عن الدراهم بالصرف الذي كان يأخذه عمر) فقال أبو عبد الله: (هذا مال طيب) ثم أمر أحد الدعاة بأن
يفرقه على أصحابه وقال لمن أتاه بمال الخرج: (هذا ما لا خير فيه ولا قابلة ولا خراج على المسلمين في أموالهم!) ثم أمر ثقاة أهل طبنة برده على أهله وقبض مال الصدقة من الإبل والبقر والغنم، بعد أن قيل له أنها قبضت الأنعام على الإنسان الواجبة في الصدقات، ثم بيعت وجمعت أثمانها. فرضي بذلك وجوزه. فلما نظر أهل طبنة إلى فعله، سروا به وجوا أن يستعمل فيهم الكتاب والسنة. وانتشر فعله في جميع نواحي إفريقيا فتاقت أنفسهم إليه، وكاتبوه ودخلوا في طاعته وبلغ ذلك زيادة الله فأغتنم به غما شديدا (وأخذ في حشد الرجال والاستكثار منهم) وأمر بلعنة الشيعي على المنابر.
(وفيها قدم زيادة الله بن الطبني من بغداد وفيها توفي أبو جعفر محمد بن الحسين المروزي بجزيرة صقلية وكان فقيها وأتهم بالكذب وتوفي فيها محمد بن المنيب الأزدي الفقيه، وكان مذهبه مذهب أهل العراق وكان من أهل الخير، وعرض عليه القضاء فلم يقبله. مات محمد بن نصر المتعبد وكانت له رواية، ومحمد بن أبي الحميد السوسي، وزيدان بن إسماعيل الأزدي وكانا في الثقات في العلم) .
وفي سنة 294، (خرج إبراهيم بن حبشي بن عمر من الأندلس بالعسكر لملاقاة أبي عبد الله الشيعي بمدينة طبنة في النصف من المحرم. وفيها عزل عبد الله ابن محمد بن مفرج المعروف بابن الشاعر عن قضاء قسطيلية، ورفع إلى زيادة الله وهو بالأربس، مخشبا، فأمر بضربه وقيده وحبس بحبس الأربس، وذلك أن وجود قسيلية رفعوا عليه إلى زيادة الله، تظلموا منه، وكتب إلى عامله بعزله وتخشيبه ورفعه إلى بابه فقدم الكتاب والعامل غائب، وتبادر بعض القوم الذين رفعوا عليه إلى مجلس القضاء الذي كان فيه فسبوه وهموا بالبسط إليه فأمر غلمانه بأخذهم وضربهم وقيدهم وحبسهم، ثم قدم القدم العامل
وقد نفذ فيهم كلما أحب، فأوثقه حديدا، وخشبه، ووجه إلى زيادة الله فضربه بالدرة وحبسه، وذلك للنصف من محرم.
وفيها، أنصرف زيادة الله من الأربس إلى رقادة، واستخلف على الجيش بالأربس إبراهيم بن أحمد بن أبي عقال. وبنى زيادة الله سور مدينة رقادة بالطوب والطوابي، والتزم التنزه على البحر وغيره، واتباع اللذات، ومنادمة العيارين والشطار والزمامرة والضراطين. وكان إذا فكر في زوال ملكه وغلبت عدوه على أكثر مواضع عمله، يقول لندمائه (املأ اأسقني! من القرن يكفيني!) وأشتد كلفه بغلام له يسمى بخطاب فكتب اسمه في سكة الدنانير والدراهم، ثم وجد عليه فحبسه وقيده، فغنت له جارية تستعطف على الخطاب (بسيط) :
يا أيها الملك الميمون طائره
…
رفقا فأن يد المعشوق فوق يدك
كم ذا التجلد والأحشاء خافقة
…
أعيذ كفك أن تسطو على كبدك
فرض عن الخطاب وأعاده إلى منزلته. وكان إذا أظهر الغم بأمره الشيعي أخذوا له في التسلي فغنت جارية له يوم (كامل) :
أصبر لدهر نال م
…
نك فهكذا مضت الدهور
فرح وحزن مرة
…
ولا الحزن دام ولا السرور
فقال لها (صدقتني!) وأمر لها بصلة.
وفيها، استعفى حماس بن مروان عن القضاء بالقيروان، فعوفي، وولي زيادة الله مكانه محمد بن جيمال، فلم يزل قاضيا إلى أن هرب زيادة الله. وفيه، دخل أبو عبد الله الشيعي مدينة بغاية بالأمان، في شعبا، فعظم غم زيادة الله بذلك، وأستشار ابن الصائغ في أمره، فقال له (ارحل إلى مصر سرا وأستخلف على إفريقيا قائدا تجعل إليه أمر العساكر، وتترك له الأموال) فنظر في ذلك، وأمر بشراء خمسمائة جمل لرحيله. ثم ظهر له خطأ هذا الرأي، وخشي قيام الناس عليه وثورتهم به، فأمسك. وشعر إبراهيم بن حبشي
ابن عمر بما كان هم زيادة الله من الهرب فتعرض له حتى أدخله قصر البحر وأراه ما زخرفه له فيه وقال: (يا سيدي! أين البنية من قصر جدك القديم الذي صبر فيه على الحصار أعوام كثيرة وقد أبغضه جل أهل بلده! وقام عليه رؤساء جنده، فبقى مقيما فيه وضابطا له، حتى أظهره الله عليهم، ومكنه منهم! فكيف بك وقد كثر مالك وأحبك رجالك؟ وأهل إفريقيا معك! وإنما خرج عليك شيخ لا يعرف مكانه في البربر وأنت في حصن منيع! والله يدفع عنك! فدفع ما يقال لك! فإنك الظافر بحول الله وقوته، إن شاء الله) فأصغى زيادة الله غالى قوله، وسر بما سمع منه وجعل يرسل الرجال والأموال إلى الأربس وهو أقصى ثغوره. فكانت خيل أبي عبد الله الشيعي تغير على الأربس من باغاية من الأربس. وفيها قدم حبشي وابن حجر وابن عباس من بلد الروم ومعهم رسول صاحب القسطنطينية. وكساهم زيادة الله وأنزل الرسول في الملعب بقرب رقادة وجمع الناس للمباهاة بهم فكان جمعا عظيما. وفيها ضرب القباب والأخبية حوالي مدينة رقادة وأخذ أهل مدينة القيروان بالعسس حولها والمبيت في الأخبية المضروبة جوارها. وجدد زيادة الله الحشد ورغب الناس بالأموال وفيها توفي محمد بن أبي الهيثم اللؤلؤي الفقيه، ولي قهرب الحجارة في شعبان.
وفي سنة 295، خرج زيادة الله إلى مدينة تونس في شهر محرم (ليحاول أموره فيها.) . (وفيها استسقى القاضي أبو العباس بن جيمال بالناس يوم الاثنين لست خلون من شهر ربيع الآخر. وفيها عزل ابن الوليد عن الصلاة وولى
مكانه ابن يزيد للنصف من شهر ربيع الأخر. وفيها توفي أبو الحسن بن حاتم الرسول إلى بغداد، في شوال. وفيها توفي أبو موسى عيسى بن مسكين القاضي فصلى عليه أبو جعفر أحمد بن خالد السهمي في قريته بالساحل. و (فيها) توفي (أبو عياش) أحمد بن موسى بن مخلد (الفقيه وكان يحمي إلى غافق، وكان من أصحاب سحنون بن سعيد) ، وكان زاهدا ورعا متعبدا فاضلا (وعالما بما فيه كتبه، كثير لحكاية، سمع منه بشر كثير من أهل القيروان، ودف بباب سلم. وفيها، مات سعيد بن إسحاق الفقيه، مولى كلب وكان من رجال سحنون بن سعيد، وسمع من جماعة من إفريقية وكان كثير الرباط والرواية والجمع للحديث، وكان مولده سنة 212) .
وفقي سنة 296، وصل خليل (أبي عبد الله الشيعي)(الداعي) إلى قسطيلية، وانهزم أبو مسلم منصور بن إسماعيل، (وشبيب بن أبي الصارم، وانقبضا) إلى مدينة توزر، وانبسطت الخيل (هنالك واحترقت القرى) وأفسدت ما مرت به من النعم. وكان أبو عبد الله قبل ذلك قد أمر أصحابه بالكف عن الغارات وألا يرموا مكانه، فأقاموا نحو شهرين لم تظهر له حركة، حتى قيل فيه نأنه مريض وقيل: بل مات. ولما وصل الخبر بانبساط جيوش أبي عبد الله إلى زيادة الله هالة وراعه، وارتجت الحضارة واضطربت أحوال الجند ويئسوا من البلد وخافوا على ذراريهم وأهاليهم السبي والاسترقاق: وجعل عبد الله بن الصائغ يقول لزيادة الله (هذا ما تضيع الشيخ السوء أبي مسلم ومن سوء نظره!) وكان ابن الصائغ كاتبا لأبي مسلم في أيام إبراهيم بن أحمد، ففسدت الحال بينهما، ولم يزل يرفع على أبي مسلم يومئذ حتى عزل. ثم لما دارت هذه الدائرة بقسطيلية، نسب ذلك ابن الصائغ إليه وأوقد زيادة الله عليه وأغراه به حتى كتب إلى شبيب بن أبي الصارم يأمره بضرب عنق أبي مسلم وصلبه يوما وليلة ثم يدفنه. وبعث إليه من ثقاته من يحضر تنفيذ ذلك فيه فلما وصل الكتاب إلى شبيب اغتنم ولم يجد