الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثير يستغيثون بما نزل بهم من الكاهنة فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية. وكانت الكاهنة لما أسرت ثمانين رجلاً من أصحاب حسان أحسنت إليهم وأرسلت بهم إلى حسان وحبست عندها خالد بن يزيد فقالت له يوماً: (ما رأيت في الرجال أجمل منك ولا أشجع وأنا أريد أن أرضعك فتكون أخاً لولدي) وكان له ابنان أحدهما بربري والآخر يوناني وقالت له (نحن جماعة البربر لنا رضاع: إذا فعلناه نتوارث به) فعمدت إلى دقيق الشعير فلثته بزيت وجعلته على ثديها ودعت ولديها وقالت (كلا معه على ثديي) ففعلا فقالت (قد صرتم اخوة) .
ذكر مقتل الكاهنة الملكة
ثم إن حسان توافت عليه فرسان العرب ورجالها من قبل أمير المؤمنين عبد الملك فدعا حسان عند ذلك برجل يشق به وبعثه إلى خالد بن يزيد بكتاب. فقراه وكتب في ظهره (أن البربر متفرقون لا نظام لهم ولا رأى عندهم فأطو المراحل وجدوا في السير) وجعل الكتاب في خبزة وجعلها زاداً للرجل ووجهه بها إلى الأمير حسان فلم يغب عن خالد بن زيد إلا يسيراً حتى خرجت الكاهنة ناثرة شعرها تضرب صدرها وتقول (يا ويلكم يا معشر البربر ذهب ملككم فيما يأكله الناس) فافترقوا يميناً وشمالاً يطلبون الرجل فساره الله تعالى حتى وصل حساناً فكسر الخبزة وقرأ الكتاب الذي كتب إليه خالد فوجده قد أفسدته النار فقال له حسان: (ارجع إليه) فقال الرجل: (إن المرأة كاهنة: لا يخفى عليها شيء من هذا) فرحل حسان بجنوده إليه وبلغ الكاهنة خبره فرحلت من جبل أوراس في خلق عظيم ورحل إليها حسان فلما كان في الليل قالت لبنيها: (إني مقتولة) وأعلمتهم أن رأسها مقطوع موضوعاً بين يدي ملك العرب
الأعظم الذي بعث حساناً فقال لها خالد: (فارحلي بنا وخلي له عن البلاد) فامتنعت ورأته عاراً لقومها فقال لها خالد وأولادها (فما نحن صانعون بعدك؟) فقالت: (أما أنت يا خالد فستدرك ملكاً عظيماً عند الملك الأعظم وأما أولادي فيدركون سلطاناً مع هذا الرجل الذي يقتلني ويعقدون للبربر غرائم) ثم قالت: (اركبوا واستأمنوا إليه) فركب خالد وأولادها في الليل وتوجهوا إلى حسان فأخبرها خالد بخبرها وإنها عملت قتلها، وقد وجهت إليك بأولادها فوكل بهما من يحفظهما وقدم خالد على أعنة الخيل وخرجت الكاهنة ناشرة شعرها فقالت انظروا ما دهمكم فأني مقتولة ثم التحم القتال واشتد الحرب والنزال فانهزمت الكاهنة واتبعها حسان حتى قتلها. وكان مع حسان جماعة من البربر استأمنوا إليه فلم يقبل أمانهم إلا أن يعطوه من قبائلهم اثني عشر ألفا يجاهدون مع العرب فأجابوه وأسلموا على يديه فعقد لولدي الكاهنة لكل واحد منهما على ستة آلاف فارس وأخرجهم مع العرب يجولون في المغرب يقاتلون الروم ومن كفر من البربر وانصرف حسان إلى مدينة القيروان بعد ما حسن إسلام البربر وطاعتهم وذلك في شهر رمضان سنة 83 وفي هذه السنة استقامت بلاد أفريقية لحسان بن النعمان فدون الدواوين وصالح على الخراج وكتبه على عجم أفريقية وعلى من أقام معهم على دين النصرانية. وأقام حسان بعد قتل الكاهنة لا يغزو أحداً ولا ينازعه أحداً ثم عزله عبد العزيز بن مروان الوالي على مصر وكان الوالي على مصر يولي على أفريقية فعزل حساناً وأمره بالقدوم عليه فعلم حسان ما أراد عبد العزيز بن مروان أخو عبد الملك فعمد إلى الجوهر والذهب والفضة فجعله في قرب الماء وأظهر ما سوى ذلك من الأمتعة وأنواع الدواب والرقيق