المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أفريقية والمغرب وبعض أخباره رحمة الله عليه - البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب - جـ ١

[ابن عذاري المراكشي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه

- ‌ذكر حد المغرب وأفريقية

- ‌وما اتصل بهما وعد معهما

- ‌ذكر فضل المغرب

- ‌وما ورد من الأخبار والآثار

- ‌ابتداء التاريخ

- ‌سنة إحدى وعشرين من الهجرة

- ‌فتح أفريقية للإسلام

- ‌بعض أخبار عبد الله بن سعد وإمرته

- ‌ذكر قتل عبد الله بن الزبير لجرجير

- ‌ملك أفريقية والمغرب كله

- ‌أخبار معاوية بن حديج الكندي بأفريقية

- ‌ذكر ولاية عقبة بن نافع أفريقية

- ‌وغزواته فيها واختطاطه مدينة القيروان

- ‌ولاية أبي المهاجر أفريقية وعزل عقبة

- ‌ذكر فتح المغرب الأقصى على يد عقبة وغزواته

- ‌ولاية حسان بن النعمان أفريقية والمغرب

- ‌بعض أخبار حسان بن النعمان

- ‌خبر حسان مع الملكة الكاهنة وهزيمتها له

- ‌ذكر مقتل الكاهنة الملكة

- ‌ذكر ولاية أبي عبد الرحمن موسى بن نصير

- ‌أفريقية والمغرب وبعض أخباره رحمة الله عليه

- ‌ولاية محمد بن يزيد أفريقية والمغرب

- ‌ولاية بشر بن صفوان أفريقية

- ‌ولاية عبيدة بن عبد الرحمن السلمي أفريقية والمغرب

- ‌ولاية عبيد الله بن الحبحاب أفريقية والمغرب كله

- ‌ولاية كلثوم بن عياض إفريقية

- ‌ومقاتلته مع أمير المغرب خالد بن حُميد الزّناني

- ‌ذكر برغواطة وارتدادهم عن الإسلام

- ‌ولاية حنظلة بن صفوان أفريقية والمغرب كله

- ‌انتزاء عبد الرحمن بن حبيب الفهري بإفريقية

- ‌وبعض أخباره

- ‌بقية أخبار عبد الرحمن بن حبيب بأفريقية

- ‌مقتل عبد الرحمن

- ‌ولاية الياس بن حبيب أفريقية

- ‌ذكر قيام حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب على عمه

- ‌الياس وتغلبه على بلاد أفريقية

- ‌ذكر ولاية محمد بن الأشعث الخزاعي أفريقيا

- ‌ثورة عيسى بن موسى بالقيروان وببعض بلاد أفريقية

- ‌ولاية الأغلب بن سالم التميمي

- ‌ولاية عمرو بن حفص بن قبيصة أفريقية

- ‌ولاية يزيد بن حاتم أفريقية والمغرب

- ‌ولاية داود بن يزيد بن حاتم أفريقية

- ‌ذكر ابتداء الدولة الهاشمية بالبلاد الغربية

- ‌وهم الأدارسة رحمهم الله

- ‌ولاية روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب أفريقية

- ‌ولاية نصر بن حبيب المهلبي أفريقية

- ‌ولاية هرثمة بن أعين أفريقية

- ‌ولاية محمد بن مقاتل العكي أفريقية

- ‌ثورة تمام بن تميم التميمي على محمد بن مقاتل العكي

- ‌ولاية إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي أفريقية

- ‌ولاية عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب أفريقية

- ‌ذكر ولاية زيادة الله بن الأغلب أفريقية وبعض أخباره

- ‌ولاية أبي عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية أبي العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم ابن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية العباس بن الفضل جزيرة صقلية

- ‌ولاية أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية زيادة الله بن محمد بن الأغلب

- ‌ابن إبراهيم بن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية أبي الغرانيق محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب

- ‌ولاية إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب

- ‌ثورة الدراهم على إبراهيم بن أحمد

- ‌ابتداء الدولة العبيدية الشيعية

- ‌قصة ابن الأغلب مع الشيخ الصالح أبي الأحوص

- ‌أخبار إبراهيم بن أحمد على الجملة ووفاته

- ‌ولاية أبي العباس بن إبراهيم بن أحمد وسيرته

- ‌مقتل أبي العباس بن إبراهيم بن أحمد

- ‌ولاية زيادة الله بن أبي العباس

- ‌عبد الله ابن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب

- ‌ذكر خروج بن الأغلب من أفريقية

- ‌هروب زيادة الله من رقادة

- ‌ذكر دولة الشيعة

- ‌ذكر توجه الداعي إلى سجلمانة

- ‌واجتماعه بعبيد الله الشيعي بها

- ‌التعريف بأمر سلجماسة

- ‌من حين ابتدائها إلى هذه السنة المؤرخة

- ‌ذكر وصول عبيد الله الشيعي إلى رقادة

- ‌ونبذ من أخباره وما قيل في نسبه

- ‌ذكر قتل عبيد الله الشيعي لأبي عبد الله

- ‌الشيعي وأبي زاك

- ‌خروج أبا القاسم الشيعي لمحاربة مصر

- ‌تلخيص أخبار أمراء مدينة نكور

- ‌من حين بنائها على الجملة إلى هذه السنة المؤرخة

- ‌ذكر مدينة جراوة

- ‌ذكر مدينة تيهرت

- ‌ذكر من ملك مدينة تيهرت

- ‌من حين ابتدائها من بني رستم وغيرهم

- ‌ذكر مدينة تلمسان

- ‌ذكر افتتاح مدينة سبتة بالعدوة

- ‌ذكر من ولي سجلماسة من حين فتحها الشيعي

- ‌ذكر ولاية أبي القاسم بن عبيد الله بإفريقية

- ‌ذكر أخبار الأدارسة وسبب دخولهم إلى المغرب

- ‌وبنائهم مدينة فاس ومن وليها منهم ومن غيرهم إلى هذه السنة

- ‌أخبار أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفاني الزناتي

- ‌ولاية إسماعيل بن أبي القاسم عبيد الله الشيعي

- ‌خبر برغواطة

- ‌ابتداء الدولة الصنهاجية بأفريقية

- ‌ولاية أبي الفتوح يوسف بن زيري

- ‌ابن مناد الصنهاجي بإفريقية

- ‌ولاية العزيز بالله نزار

- ‌ذكر مدينة أصيلا

- ‌ذكر من ولى مدينة البصرة

- ‌ذكر وفاة أبي الفتوح يوسف بن زيري

- ‌ابن مناد الصنهاجي

- ‌ولاية أبي الفتوح المنصور بن أبي الفتوح إفريقية

- ‌مقتل الثائر أبي الفهم

- ‌إمارة أبي مناد باديس بن أبي الفتح

- ‌ابن أبي الفتوح يوسف بن زيري بن مناد

- ‌ذكر هزيمة عسكر أفريقية واستيلاء زيري بن عطية عليه

- ‌وظهور زناتة على صنهاجة

- ‌بعض أخبار زناتة ودولتهم بالغرب إلى حين ظهور المرابطين

- ‌ولاية المعز بن باديس أفريقية

- ‌ذكر قيام المعز شرف الدولة بالإمارة

- ‌وقطعه الدعوة العبيدية الشيعية من أفريقية

- ‌ذكر تبديل السكة عن أسماء بني عبيد

- ‌ذكر ولاية العهد لتميم بن المعز بن باديس

- ‌ذكر ما قيل من أخبار بني زيري

- ‌ذكر طرف الفتنة العظيمة ودمار القيروان

- ‌ذكر هزيمة العرب للمعز بن باديس

- ‌نبذ من وقعة باب تونس أحد أبواب القيروان

- ‌هزيمة صنهاجة أيضا بجبل حيدران

- ‌وهزيمة المعز بن باديس من وجه آخر

- ‌بعض أخبار المعز بن باديس

- ‌حكاية في ابتداء دولة صنهاجة

- ‌دولة الأمير تميم بن المعز

- ‌ونبذ من أخبارها

- ‌ذكر دخول النصارى مدينة المهدية

- ‌بعض أخبار تميم بن المعز

- ‌دولة يحيى بن تميم بن المعز

- ‌ونبذ من أخباره وسيرته

- ‌دولة علي بن يحيى بن تميم بن المعز

- ‌بالمهدية وبعض بلاد أفريقية

- ‌دولة الأمير الحسن بن علي

- ‌ابن يحيى بن المعز بأفريقية

- ‌ذكر من ولي تونس من الأمراء

- ‌من بعد زوال ملك المعز بن باديس منها

- ‌ذكر الأمراء والولاة بأفريقية لخلفاء بني أمية

الفصل: ‌أفريقية والمغرب وبعض أخباره رحمة الله عليه

وسائر أنواع الأموال فلما قدم على أمير مصر عبد العزيز بن مروان أهدى إليه مائتي جارية من بنات ملوك الروم والبربر فسلبه عبد العزيز جميع ما كان معه من الخيل والأحمال والأمتعة والوصائف والوصفان ورحل حسان بالأثقال التي بقيت له حتى قدم على الوليد فشكا له ما صنع به عبد العزيز فغضب الوليد على عمه عبد العزيز ثم قال لحسان لمن معه: (ائتوني بقرب الماء) ففرغ منها من الذهب والفضة والجوهر والياقوت ما استعظمه الوليد وعجب من أمر حسان فقال له الوليد (جزاك الله خيراً يا حسان) فقال (يا أمير المؤمنين إنما خرجت مجاهداً في سبيل الله وليس مثلى يخون الله والخليفة) فقال له الوليد: (أنا أردك إلى عملك وأحسن إليك وأثق بك) فحلف حسان (لا أولي لبني أمية أبداً) فغضب الوليد بن عبد الملك على عمه عبد العزيز. وكان حسان يسمى الشيخ الأمين وغزوات حسان لم تنضبط بتاريخ محقق ولا فتحه لمدينة قرطاجنة وتونس ولا قتله للكاهنة وذكر ابن قطان أن عزل حسان وولاية موسى بن نصير كان من قبل عبد العزيز بن مروان دون أمر أخيه عبد الملك ولا مشورته.

‌ذكر ولاية أبي عبد الرحمن موسى بن نصير

‌أفريقية والمغرب وبعض أخباره رحمة الله عليه

نسبه: قيل إنه من لخم وقيل من بكر بن وائل وذكر ابن بشكوال في كتاب (الصلة) له إنه موسى بن نصير بن عبد الرحمن بن زيد وكان موسى على خراج البصرة قدمه عليها عبد الملك بن مروان فاحتجن الأموال على ما ذكره لنفسه فأوصى الحجاج به ألا يفوته فخافه موسى وقصد إلى عبد

ص: 39

العزيز بن مروان صاحب مصر لانقطاع كان منه إليه فتوجه عبد العزيز مع موسى إلى الشام فوفدا على عبد الملك فأغرمه عبد الملك مائة ألف دينار فغرم عنه عبد العزيز نصفها وعاد مع عبد العزيز إلى مصر فولاه منها أفريقية.

فأول فتوحه قلعة غزوان ونواحيها وبينها وبين القيروان مسيرة يوم كامل وبنواحي غزوان قبائل بربر بعث إليهم موسى خمسمائة فارس ففتحها الله فبلغ سببهم عشرة آلاف وهو أول سبي دخل القيروان في ولاية موسى ثم وجه ابناً له اسمه عبد الله إلى بعض نواحي أفريقية فأتى بمائة ألف رأس من السبي ثم وجه ابنه مروان فأتى بمثلها فكان الخمس يومئذ ستين ألفا فكتب موسى إلى عبد العزيز يعلمه بالفتح ويعلمه أن الخمس بلغ ثلاثين ألفا وكان ذلك وهماً من الكاتب: كتب ثلاثين ألفا بدلا من ستين ألفا فلما قرأ عبد العزيز بن مروان الكتاب وأن الخمس من السبي ثلاثون ألفا استكثر ذلك ورأى إنه وهم من الكاتب لكثرته فكتب إلى موسى يقول له: (إنه قد بلغني كتابك تذكر أن خمس ما فاء الله عليك ثلاثون ألف رأس فاستكثرت ذلك وظننته وهماً من الكاتب فاكتب بالحقيقة) فكتب إليه موسى (قد كان ذلك وهماً من الكاتب على ما ظنه الأمير والخمس أيها الأمير ستون ألف رأس ثابتاً بلا وهم) فلما بلغه الكتاب عجب كل العجب وامتلئ سروراً وقد كان عبد الملك كتب إلى أخيه عبد العزيز (قد بلغ أمير المؤمنين ما كان من رأيك في عزل حسان وتوليه موسى وقد أمضى لك أمير المؤمنين ما كان من رأيك وولاية من وليت) فكتب عبد العزيز إلى أخيه يعلمه بالفتح وكتاب موسى ثم وجه عبد الملك رجلاً إلى موسى ليقبضن ذلك منه على ما ذكر فدفع موسى إليه مثل ذلك وزاد ألفا وكان موسى عند وصوله إلى أفريقية لما صار في الجيش الأول أتى عصفور حتى نزل على صدره فاخذ به موسى وذبحه ولطخ بدمه صدره

ص: 40

من فوق الثياب وطرحه على نفسه وقال (هو الفتح ورب الكعبة) . قال ابن قتيبة: فتح موسى بن نصير سجومه وقتل ملوكها وأمر أولاد عقبة: عياضاً وعثمان وأبا عبدة أن يأخذوا حقهم من قاتل أبيهم فقتلوا من أهل سجومه ستمائة رجل من كبارهم ثم قال لهم: (كفوا) فكفوا وذلك سنة 83 (على قول من قال أنه ولي فيها) . ثم فتح موسى هوارة وزناته وكتامه فأغار عليهم وقتلهم وسباهم فبلغ سبيهم خمسة آلاف رأس وكان عليهم رجل يقال له طامون فبعث به موسى إلى عبد العزيز بن مروان فقتله عند البركة التي عند قرية عقبة فسميت بركة طامون إلى اليوم وكانت قد قدمت على موسى فولى عليهم رجلاً منهم وأخذ منهم رهائن من خيارهم. وفي سنة 85 توفى عبد العزيز بن مروان صاحب ملك مصر من قبل أخيه عبد الملك بن مروان ووليها عبد الله بن مروان أخو عبد الملك وكان عبد الملك بن مروان أراد أن يخلع أخاه عن مصر في هذه السنة على ما فعل من عزل حسان بن النعمان وفيئه فنهاه قبيصة بن ذويب وقال (لعل الموت يأتيه فنستريح منه) فكف عبد الملك عنه وبقيت نفسه تنازعه أن يخلعه فبينا هو على ذلك وروح بن زنباع الجذامي يقول له يوماً: (لو خلعته ما انفطح فيه عنزان) إذ دخل عليهما قبيصة فقال) (آجرك الله يا أمير المؤمنين في أخيك فقال (وهل توفي؟) قال: (نعم) فقال عبد الملك: (كفانا الله يا أبا زرعة ما كنا أجمعنا عليه) وكانت وفاة عبد العزيز في جمادى الأول من السنة المؤرخة. وفي سنة 86 توفي عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين فكتب الوليد إلى عمه عبد الله بن مروان بولاية موسى بن نصير أفريقية والمغرب وقطعها عن عمه وكانت أكثر مدن أفريقية خالية باختلاف البرابر عليها.

ص: 41

فتح المغرب الأقصى على يد الأمير أبي عبد الرحمن موسى بن نصير

ثم خرج موسى رحمه الله غازياً من أفريقية إلى طنجة فوجد البربر قد هربوا إلى الغرب خوفاً من العرب فتبعهم وقتلهم قتلاً ذريعاً وسبى منهم سباً كثيراً حتى بلغ السوس الأدنى وهو بلاد درعة فلما رأى البربر ما نزل بهم استأمنوا وأطاعوا فولى عليهم والياً واستعمل مولاه طارقاً على طنجة وما والاها في سبعة عشر ألف من العرب واثني عشر ألف من البربر وأمر العرب أن يعلموا البربر القرآن وأن يفقهوهم في الدين ثم مضى موسى قافلاً إلى أفريقية. قال ابن القطان: وذكر أن موسى بن نصير بعث أثر بيعته للوليد في هذه السنة المؤرخة زرعة بن أبي مدرك إلى قبائل من البربر فلم يلق حرباً منهم فرغبوا في الصلح منه فوجه رؤساءهم إلى موسى بن نصير فقبض رهونهم ثم عقد لعياش بن اخيل على مراكب أفريقية فمشى في البحر إلى صقلية فأصاب مدينة يقال لها سرقوسة فغنمها وجميع ما بها وقفل سالماً غانماً. ولما حمل أبو مدرك زرعة بن أبي زرعة رهائن المصامدة جمعهم موسى مع رهائن البربر الذين أخذهم إلى أفريقية والمغرب وكانوا على طنجة وجعل عليهم مولاه طارقاً ودخل بهم جزيرة الأندلس وترك موسى بن نصير سبعة عشر رجلاً من العرب يعلمونهم القرآن وشرائع الإسلام وقد كان عقبة بن نافع ترك فيهم بعض من أصحابه يعلمونهم القرآن والإسلام: منهم شاكر صاحب الرباط وغيره ولم يدخل المغرب الأقصى أحد من ولاة خلفاء بني أمية بالمشرق إلا عقبة بن نافع الفهري ولم يعرف المصامدة غيره وقيل أن أكثرهم أسلموا طوعاً على يديه ووصل موسى بن نصير بعده.

ص: 42

وفي سنة 93 من الهجرة جاز طارق إلى الأندلس وافتتحها بمن كان معه من العرب والبرابر ورهائنهم الذين ترك موسى عنده والذين أخذهم حسان من المغرب الاوسط قبله. وكانت ولاية طارق على طنجة والمغرب الأقصى في سنة 85 وفي هذا التاريخ تم إسلام أهل المغرب الأقصى وحولوا المساجد التي كان بناها المشركون إلى القبلة وجعلوا المنابر في مساجد الجماعات وفيها صنع مسجد اغمات هيلانة. ونسب طارق: هو طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورنجوم بن نبرغاسن بن ولهاص بن بطوفت بن نفزاو فهو نفزي ذكر إنه من سبي البربر وكان مولى موسى بن نصير وفي سنة 92 جاز موسى بن نصير إلى الأندلس فعبر البحر غاضباً على طارق ومشى على غير طريقه وفتح فتوحاً كثيرة يقع ذكرها إن شاء الله في الجزء الثاني من هذا الكتاب في فتح الأندلس. وفيها ولى عبد الله بن موسى أفريقية عوضاً من أبيه حين توجه إلى الأندلس إلى أن وصل أبوه منها متوجهاً إلى المشرق فقدم مدينة قيروان في أواخر سنة 95. وفي سنة 95 انصرف موسى من الأندلس إلى أفريقية بما أفاء الله عليه فأجاز الأموال من الذهب والفضة والجوهر في المراكب إلى طنجة ثم حملها على العجلات.

قال الرفيق: كانت وسق مائة عجلة وأربع عشرة عجلة وفيها المائدة وكانت من ذهب يشوبه شيء من فضة مطوفة بثلاثة أطواق: طوق ياقوت وطوق زبرجد وطوق جوهر وحملت يوماً على بغل عظيم أفره وأقوى ما وجد فما بلغ المرحلة حتى تفسخت قوائمه. قال الليث بن سعد: لم يسمع بمثل سبايا موسى بن نصير في الإسلام.

ص: 43

ولما قدم عليه ابنه من السوس خرج للقائه مع وجوه الناس فلما التقيا قال مروان بن موسى لرجاله: (مروا لكل من خرج مع والدي بوصيف أو وصيفة) وقال موسى: (مروا أنتم لهم من عندي بمثل ذلك) فرجع الناس كلهم بوصيف أو وصيفة ومن أخبار موسى بن نصير أيضاً رحمه الله لما انصرف من الأندلس ولى عليها ابنه عبد العزيز وشخص قافلاً إلى أفريقية فقدم القيروان في آخر سنة 95 فلم يدخلها ونزل بقصر الماء ثم قعد في مجلسه وجاءته جيوش العرب من القيروان فمنهم من سافر معه ومنهم مع تخلف مع ابنه عبد الله بأفريقية فقال لأصحابه: (أصبحت اليوم في ثلاث نعم: منها كتاب أمير المؤمنين بالشكر والثناء ثم وصف ما جرى الله على يديه من الفتوحات ثم كتاب ابني عبد العزيز يصف ما فتح الله عليه في الأندلس بحمد الله تعالى. فقاموا إليه فهنئوه وما الثالثة فأنا أريكموها وقام فأمر برفع الستر فإذا فيه جوار مختلفات كأنهن البدور الطوالع من بنات ملوك الروم والبربر عليهن الحلي والحلل) فهنئ أيضاً بذلك فقال علي ابن رباح السلمي (أيها الأمير أنا انصح الناس إليك: ما من شيء انتهى إلا ورجع فارجع قبل أن يرجع إليك) قال: فانكسر موسى وفرق جواريه من حينه على الناس.

ثم رحل إلى المشرق وخلف على أفريقية ابنه عبد الله وعلى الأندلس ابنه عبد العزيز وعلى طنجة ابنه عبد الملك وقال ابن القطان: الأكثرون يقولون أن مستقر طارق قبل محاولة الأندلس كان طنجة ومنهم من يقول كان بموضع سجلماسة وإن سلا وما ورائها من أرض فاس وطنجة وسبتة كانت للنصارى قال: واختلف الناس هل دخل موسى القيروان في هذه الوجهة أم لا. ثم رحل عنها مه بقية أولاده: مروان، وعبد الأعلى وغيرهما ومعه أشراف الناس من قريش والأنصار وسائر العرب ومن وجوه البربر مائة

ص: 44

منهم كسيلة بن لمزم وبنو يسور ومزدانة ملك السوس وملك مبورقة ومتورقة ومن أولاد الكاهنة ومائة من وجوه ملوك الأندلسيين وعشرون ملكاً من ملوك المدائن التي افتتحها بأفريقية وخرجوا معه بأصناف ما كان في كل بلد من طرفها حتى انتهى إلى مصر فلم يبق بها فقيه ولا شريف إلا وصله وأعطاه ثم خرج من مصر متوجها إلى فلسطين فتلقاه آل روح بن زنباع ونحروا له خمسين بعيراً ثم خرج وترك لهم عندهم بعض أهله وصغار ولده فأعطى آل روح بن زنباع عطاء جزلا ثم وافاه كتاب الخليفة الوليد بن عبد الملك يأمره بشد السير إليه ليدركه في قيد الحياة وكان مريضاً ووفاه كتاب من سليمان بن عبد الملك ولي عهد أخيه الوليد يأمره بالتأني والتربص فأسرع موسى ولم ينظر في كتاب سليمان إلى أن وصل إلى الوليد قبل موته بثلاث أيام فقال سليمان: (لئن ظفرت به لأصلبنه) فدفع موسى الأموال والمائدة والدر والياقوت والتيجان والذهب والفضة إلى الوليد بن عبد الملك. وقال المسعودي في كتابه (عجائب البلاد والزمان) قال: لما فتح طارق طليطلة وجد بها بيت الملوك ففتحه فوجد فيه زبور داود - عم - في ورقات الذهب مكتوباً بماء ياقوت محلول من عجيب العمل الذي لم يكد ير مثله ومائدة سليمان - عم - وقد تقدم وصفها ووجد فيه أربعة وعشرين تاجاً منظمة بعدد ملوك القوطيين بالأندلس: إذا توفي أحدهم جعل تاجه بذلك البيت وفعل الملك بعده لنفسه غيره جرت عوائدهم على ذلك ووجد فيه قاعة كبيرة مملوءة بإكسير الكيمياء فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك. وفي سنة 96 توفى الوليد بن عبد الملك في جمادى الأخير وولي الخلافة سليمان فغضب على موسى غضباً عظيماً وأمر عليه فأوقف في يوم شديد الحر في الشمس وكان رجلاً بادناً ذا نسمة فوقف حتى سقط مغشياً

ص: 45

عليه وقال له سليمان (كتبت إليك فلم تنظر كتابي هلم مائة ألف دينار) قال (يا أمير المؤمنين قد أخذتم ما كان معي من الأموال فمن أين لي مائة ألف دينار؟) قال: (لابد من مائتي ألف) فاعتذر فقال (لا بد من ثلاثمائة ألف دينار) وأمر بتعذيبه وعزم على قتله فاستجار بيزيد ابن المهلب وكانت له حظوة عند سليمان فاستوهبه منه وقال (يؤدي ما عنده) وقيل أن موسى افتدي من سليمان بألف ألف دينار ذكر ذلك بن حبيب وغيره ثم أن يزيد بن المهلب سهر ليلة مع الأمير موسى فقال له: (يا أبا عبد الرحمن في كم كنت تعتد أنت وأهل بيتك من الموالي والخدام؟ أتكونون في ألف؟) فقال (نعم) وألف ألف إلى منقطع النفس قال (فلم ألقيت بنفسك إلى التهلكة؟ أفلا أقمت في قرار عزك وموضع سلطانك؟ والله لو أردت ذلك لما أنالوا من أطرافي شيئاً ولكني آثرت الله عز وجل ورسوله ولم أر الخروج عن الطاعة) وقيل أن سليمان بن عبد الملك بعد ما افتدي منه موسى دعا يوماً بطست من ذهب فرآه موسى ينظر إليه فقال له: (يا أمير المؤمنين إنك لتعجب من غير عجب والله ما أحسب أن فيه عشرة آلاف دينار والله لو بعثت إلى أخيك الوليد بتنور من زبرجد أخضر كان يصب فيه اللبن فيخضر ولقد قوم بمائة ألف دينار ولقد أصبت كذا بكذا) وجعل يكثر عليه في ذلك حتى بهت الأمير من قوله. وكان مولد موسى بن نصير سنة 19 ووفاته سنة 98 فكان عمره تسعاً وسبعين سنة وفي سنة 88 ولي أفريقية فأقام عليها أميراً وعلى الأندلس والمغرب كله نحو ثمان عشر سنة إلى أن مات ومما ذكر في وفاته أنه حج مع سليمان فلما وصلا المدينة قال موسى بن نصير لأصحابه: (ليموتن بعد غد رجل قد ملئ ذكره المشرق والمغرب) فمات موسى في ذلك اليوم.

ص: 46