الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الصحراء وصار كل ما كان لبني العافية لبني إدريس. وكانت الرياسة فيهم لبني محمد بن القاسم، وهم حسن، وقنون، وإبراهيم المعروف بالرهوني. وقنون اسمه القاسم، وكان يلزم مدينة صخرة النسر.
ذكر أخبار الأدارسة وسبب دخولهم إلى المغرب
وبنائهم مدينة فاس ومن وليها منهم ومن غيرهم إلى هذه السنة
ذكر العذري وغيره أن إدريس وسليمان ابني عبد الله الحسن بن الحسن ابن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم فروا من الواقعة التي كانت في أيام جعفر المنصور، وهي وقعة فخ، وكانوا ست أخوة: إدريس، وسليمان، ومحمد، وإبراهيم، وعيسى ويحيى. أما محمد فخرج بالحجاز وقتل. وأما يحيى فقام في الديلم، في خلافة الرشيد، وهبط على الأمان، ثم سم ومات. وأما إدريس، ففر إلى المغرب؛ ودخل إليه في أيامه من الطالبين أخوه سليمان، فاحتل بتسلمان، وداود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طالب، ثم رجع داود إلى المشرق، وبقيت ذريته بالمغرب. واحتا إدريس بن عبد الله بالمغرب سنة 170، واستوطن وليلى، وكانت أزلية. وكان وصوله مع مولاه راشد؛ ثم نزل على إسحاق ابن عبد الحميد سنة 172؛ فقدمه قبائل البربر وأطاعوه وبلغ خبره هارون الرشيد، فدس إليه من سمه. وكان المدسوس إليه رجل يقال له الشماخ فسمه وهرب إلى المشرق. ومات إدريس في سنة 175، فقام بأمر البربر مولاه راشد. وترك إدريس جارية بربرية اسمها كنزة؛ فولدت له علاما سمي باسم أبيه فولى إدريس بن إدريس سنة 187 وهو ابن أحد عشرة سنة؛ وقيل:
أكثر من ذلك، وبايعه جميع القبائل. وكانت عدوة القرويين غياضا، في أطرافها بيوت من زواغة، فأرسلوا إليه، ودبر في البناء عندهم، فكان ابتداء بناء مدينة فاس سنة 193 وذلك عدوة القرويين، غزا إدريس بن إدريس نفرة، ووصل إلى تلمسان، ثم رجع، ووصل إلى وادي نفيس، فاستفتح بلاد المصامدة وتوفي مسموما سنة 213. وأختلف في كيفية موته لا. قال ابن حمادة والبكري وغيرهما: ترك من الولد أثنى عشر، وهم: محمد، وأحمد، وعبد الله، وعيسى، وإدريس، وجعفر، ويحيى، وحمزة، وعبد الله والقاسم، وداود وعنر.
فولي منهم محمد بن إدريس، ففرق البلاد على أخوته بأمر جدته كنزة، فأعطى قاسم طنجة وما يليها، وأعطى عمر صنهاجة الهبط وغمارة، وأعطى داود هوارة تامليت، وولي عيسى ويحيى وعبد الله بلاد أخرى. وبقي الصغار من أخوته فثار عليه عيسى، ونكث طاعته، فكتب الأمير محمد بن إدريس إلى أخيه القاسم، يأمره بمحاربته، فأمتنع، وكتب أيضا إلى أخيه عمر، فأجابه وسارع إلى نصريه، وكان تقدم بين عمر وعيسى تنازع. وتوفي عنر ببلد صنهاجة، ونقل إلى فاس، وهو جد الحموديين. ثم توفي الأمير محمد بن إدريس رحمه الله فولي يحيى بن محمد بن إدريس، فولي يحيى أعمامه وأخواله أعمالا فولي حسينا القبلة من مدينة فاس إلى أغمادت، وولي داود المشرق من مدينة فاس: مكناسة، وهوارة، وصدينة، وولي قاسم غربي فاس: لهاتة وكتامة. وتشاغل يحيى عما كان يحق عليه من سياسة أمره. فملك أخوته أنفسهم، استمالوا القبائل، وقالوا لهم:(إنما نحن أبناء أب واحد، وقد ترون ما صار إليه أخونا يحيى من إضاعة أمره) فقدمهم البربر على أنفسهم تقديما كليا. وكان يحيى منهمكا في الشراب، معجبا بالنساء، وذكر أنه دخل يوما
الحمام على امرأة، فتغير عليه أهل فاس، فكان ذلك سبب هلاكه، فهرب إلى عدوة الأندلس، فمات بها، وكانت زوجه بنت علي بن عمر جد الحموديين. ثم ولى علي بن عمر بن إدريس، وذلك أنه، لما هلك يحيى، أتى صهره على هذا، فدخل عدوة القرويين وملكها، وانتقل الأمر عن بني محمد بن إدريس إلى بني عمر بن إدريس. ثم قاد عليه عبد الرزاق الخارجي الصفري من مديونة، فدارت بين علي وعبد الرزاق حروب كثيرة، إلى أن هزمه الخارجي، واستولى على فاس. ومر على أهل أروبة وملك عبد الرزاق عدوة الأندلسيين، وأخرج منها عبد الرزاق في خبر طويل. وطالت أيام يحيى هذا بفاس وما والاها من البلاد والأقطار والقلاع، إلى أن قتله ربيع بن سليمان سنة 292.
ثم ولى يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس بن إدريس وذلك أنه لما مات يحيى بن القاسم تقدم إلى فاس يحيى بن إدريس وملكها. ورجع الأمر إلى بني عمر بن إدريس خمس عشر سنة، إلى أن قدم مصالة بن حبوس في سنة 307، وذلك أن مصالة قد قدم الغرب في حركته الأولى سنة 305، فابتدأ بالإحسان والإكرام لموسى بن أبي العافية، وقدمه على ما استولى عليه من بلاد الغرب. وكان يحيى بن إدريس صاحب فاس يغير عليه ويقطع عنه أمله. فلما رجع مصالة في سنة 307، أقام بالغرب خمسة أعوام، فكان ابن أبي العافية يسعى في ضرار يحيى وحنقه عند مصالة لما تقدم بين موسى ومصالة من المودة ولما كان بين موسى ويحيى بن إدريس من العداوة فعزم مصالة على القبض على يحيى، فلم يزل يتحيل عليه، حتى أقبل إلى معسكره فغدره،
وقبض عليه، وانتزع ما كان بيده وأمره باستجلاب ماله فأحضره وأخرجه من فاس وولي فاسا عامل مصالة. وانفصل مصالة من الغرب، وبقي موسى ابن أبي العافية في الغرب أميرا.
ثم قام حسن بن محمد سنة 310، وهو حسن بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس، الملقب بالحجام، فأوقع بموسى بن أبي العافية. وكان بينه وبين رؤساء القبائل وقعة شنيعة، لم يكن بالغرب بعد دخول إدريس الكبير مثلها، قتل فيها من البربر نحو ألفي قتيل، وقتل لموسى في جملتهم ولد يسمى منهل. وملك حين هذا فاسا وما يليها نحو سنتين. ثم قام عليه أهل فاس، وغدروه وقدموا حامد بن حمدان الهمداني، وكان يعرف باللوزي، وهي قرية بإفريقية نسب إليها تسمى لوزة. فأخذ حامد حسن بن محمد، وسجنه وأرسل إلى موسى بن أبي العافية فأتاه بجيوشه ودخل فاسا وتغلب عليها وأراد قتل حسن لأجل أبنه منهل الذي كان السبب في قتله، فدافعه حامد عنه، وكره المجاهرة بقتله ثم سم بعد ذلك، وقيل: أخرجه حامد على السور فسقط عنه وانكسرت رجله ووصل إلى عدوة الأندلسيين فمات بها رحمه الله؟!.
واستولى موسى بن أبي العافية على ملك فاس وبلاد الغرب بعد موت حسن الحجام. وسمي بذلك لأنه حارب بني عمه فضرب رجلا بحربة صادف بها موضع الحجم، ثم صادف ضربة أخرى لشخص أخر في موضع المحاجم ايضا، وكذلك ثالثة. فقال ابن عمه أحمد:(صار ابن عمي حجاما) فسمي بذلك حجاما.
ومن قوله طويل:
وسميت حجاما ولست بحجام
…
ولكن لضربي في مكان المحاجم
ولما استولى ابن أبي العافية على فاس قتل عبد الله بن ثعلبة بن محارب
الأزدي وقتل أخاه محمد وهرب والدهما ثعلبة بن محارب إلى قرطبة. وأراد موسى ابن أبي العافية قتل حامد الذي كان السبب في دخول فاس فهرب منه محصل في المهدية. وأجل موسى بن إدريس أجمعين عن مواضعهم وصاروا في مدينة حجر النسر مقهورين، وهو حصن مانع بناه إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس. وعزم موسى على محاصرتهم في هذا الحصن واستئصالهم، فأخذ عليهم في ذلك أكابر أهل المغرب وقالوا له: (قد أجليتم، وأفقرتهم! أتريد أن تقتل بني إدريس أجمعين، وأنت رجل من البربر؟ فأنكسر عن ذلك ولاذ بعسكره وتلف لمراقبتهم قائده أبو قمح فكانت حملته قريبا منهم فضيق عليهم، وأستخلف ابن أبي العافية على أبنه مدين علي فاس فبقى بها حتى قدم حميد بن مصال. ولما وصل محمد إلى بلاد الغرب وولى على فاس حامد بن حمدان. وكان ولد موسى لما سمع بقدوم محمد حامد هرب من فاس. وتظاهرت بنو إدريس على قائد موسى بن أبي العافية فهزموه وغنموا أكثر من عسكره. وذلك سنة 317. ثم قام بفاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي فقتل حامد بن حمدان وبعث برأسه إلى موسى بن أبي العافية، وبرأس ولده فبعث بهما موسى إلى قرطبة مع سعيد الزراد. وكان حميد بن يصال ولما رجع من بلاد الغرب إلى إفريقية ترك موسى بن أبي العافية بغير عهد من أمير إفريقية فكان ذلك سببا لسجنه بإفريقية إلى أن هرب إلى الأندلس وكان موسى يسهل إلى لصاحب قرطبة من أمراء بني أمية.
وفي سنة 324 خرب علي بن حمدون المعروف بابن الأندلسي مدينة المسيلة. وكان بينها وبين طبنة مرحلتين. وكان بقرب المسيلة مدينة للأول تسمى الرومانية، يطل عليها جبل أوراس وهو مسيرة سبعة أيام وفيه قلاع كثيرة يسكنها هوارة وهم على رأي الخوارج وفي هذا الجبل كان مستقر
الكاهنة وفيه ظهر أبو يزيد مخلد بن كياد وقام على أبي القاسم الشيعي.
وفي سنة 325 قدم أبو القاسم بن عبيد الله الشيعي على صقلية خليل بن إسحاق، فعمل بها ما لم يعمل بها أحد من قبله ولا بعده من المسلمين أهلكهم قتلا وجوعا حتى فروا إلى بلاد الروم وتنصر كثير منهم وبقى بصقلية أربعة أعوام. ولما قدم منها سنة 329 قال يوما، مفتخرا بظلمه في مجلس حضره جماعة من محو الناس تكلموا فيه معه في أمور شتى ثم جرى ذكر خروجه إلى صقلية:(أني قتلت ألف ألف: يقوله المكثر والمقلل يقول مائة ألف في تلك السفرة!) ثم قال: (لا والله ألا أكثر!) فقال له أبو عبيد الله المؤدب: (يا أبا العباس! لك في قتل نفس واحدة ما يكفيك!) وكان خليل هذا يكنى أبا العباس، وكان عبيد الله الشيعي يصرفه في الأعمال، وجبايات الأموال ومحاسبة الدواوين والعمال. ثم وقعت فيه أقواله، فكرهه عبيد الله وأبغضه، ولولا أبنه أبو القاسم لأهلكه. ومن قول خليل في عبيد الله الشيعي وتوغله فيه طويل:
أن الإمام أقام سنة جده
…
للمسلمين كما حذوت نعالها
أحيى شرائعه وقوم كتابها
…
وفروضها وحرامها وحلالها
وكان أبو القاسم بن عبيد الله أمر ببناء مدينة المسيلة سنة 313، وجعل المتولي لبنائها ابن الأندلسي وأستعمله بعد ذلك عليها إلى أن أهلك في فتنة أبي يزيد بن كيداد سنة 326 وبقي ابن جعفر في المسيلة وصار أمير على الزاف كله إلى أن خرج عنها في سنة 360 في فتنة زيري بن مناد والشيعية تسمى المسيلة المحمدية. قال المروذي سريع:
ثم إلى مدينة مرضية
…
أست على التقوى محمدية