الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وركب عبد الله بن الصائغ في البحر يريد المشرق؛ فألقاه البحر بمدينة طرابلس، وبها زيادة الله. فأتى إليه به؛ فقربه وأدناه، وعاتبه في فراره عنه؛ فأعتذر إليه ابن الصائغ بما اخذ من الحيرة والخوف؛ فهم زيادة الله باستيحائه؛ فأشار إليه كل من معه من أهله وقواده بقتله؛ فأمر راشدا الأسود بضرب عبقه؛ فقتله. وكان يحكى علي بن إسحاق بن عمران المتطبب إن عبد الله بن الصائغ كان، إذا رأى راشدا الأسود قبل ذلك، أربد وجهه؛ وإذا ذكر له تنكر سروره، حتى يعرف ذلك كل من حضره. قال: فسألته يوما عن ذلك؛ فقال لي: (تحدثني نفسي أن ملك الموت يقدم علي في صورة راشد الأسود، عبد قبضه لروحي؛ فإذا رأيته، لم املك من البصر شيئاً)
ذكر دولة الشيعة
وبلغ أبا عبد الله الشيعي هروب زيادة الله. فتحرك من الأربس يريد القيروان. فهال الناس أمره، وخافوه على أنفسهم. وخرج إليه الفقهاء ووجوه الناس؛ فقطع بهم محبوب بن عبد ربه الهواري بوضع يعرف بحفص باروقس، بين مدينة جلولا وحمام السرادق؛ وذلك يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأخير؛ فانصرفوا أقبح انصراف، وكتبوا إلى عبد الله، يذكرون ما دار عليهم، ويعنذرون بذلك إليه، ويسألونه ان يحد لهم موضعا يلقونه، فأجابهم:(موعدكم ساقية ممس يوم السبت.) وبعث أبو هبد الله غروية بن يوسف الملوسي بقطيع من الخيل لضبط مدينة رقادة، وتحصين ما أدرك بها من الأموال؛ فنزل عليها يوم الجمعة لانسلاخ جمادى الأخير؛ فألقى الناس بين داخل وخارج؛ فأمر الخارج ألا يعود، والداخل بالخروج فارغا. ولم يكن منه إلى الناس إلا خير. وفيها أقبل إلى مدينة رقادة في سبعة عساكر، وعدد من
فيها، على ما ذكر ثلاثمائة ألف بين فارس وراجل. فوصل إليهم يوم السبت غرة رجب؛ فخرج إليه أهل القيروان من الفقهاء والوجوه وجلة التجار؛ فالتقوا به على ساقية ممس، وأظهروا له الرغبة في دولته، وسألوه الأمان، فأمنه، (وصوب فعلهم) ، ووعدهم بالإحسان والعدل فيهم، وكان قد وعد قبل ذلك قواد كتامة ورجالها بأن يوكلهم القيروان ويسلط أيديهم فيها ويقطعهم جميع أموال أهلها. فلما سمعوا بأمنته للقوم، ساءهم ذلك وكلموه فيه وذكروه ما كان وعدهم به. فتلا عليهم: وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها) وقال لهم: (هي القيروان) فقلوا قوله وسلموا لأمره ثم تقدم بإنزال عساكره حوالي مدينة رقادة فدخلها وقارئ يقرأ بين يديه: " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر "(إلى آخر) الآية ويقرأ: " كم تركوا من جنات وعيون " إلى آخر السورة. ونزل بالقصر المعروف بقصر الصحن وبعث غرويه بن يوسف إلى مدينة سوسة فأمن أهلها وأتاه بالثمانية والعشرين الحمل من المال التي كانت مخزونة بقصر الرباط المتقدم ذكرها وأمن من ألفى بالقيروان من بني الأغلب وقوادها الذين تخلفوا عن زيادة الله، وأمر بقتل السودان من موالي بني الأغلب وقتل إبراهيم بن بربر بن يعقوب التميمي المعروف بالقوس، فقتل خنقا إذ كانوا هموا بالوثوب عليه. وقال أبو عبد الله:(ما أمنت بأفريقية حتى قتلت القوس!) وبعث أبو عبد الله الشيعي إلى طرابلس، فأتى منها بأخيه أبو العباس المخطوم، وكان بها محبوسا، وبأبي جعفر الخزري، وبأمن عبيد الله الشيعي، وكانت هنالك مع الخزري، فقدموا عليه. وكان أبو العباس المخطوم عجولا، كثير الكلام، ضعيف العقل فأراد أن ينفى من القيروان
كل من يذهب من الفقهاء. مذهب أهل المدينة، فلم يجبه أخوه أبو عبد الله إلى ذلك. وولي أبو عبد الله الشيعي على مدينة القيروان الحسن بن أحمد بن علي بن كليب المعروف بابن أبي خنزير، وأمره بقتل من خرج ليلا أو شرب مسكرا، أو حمله أو وجد عنده. وولي على مدينة القصر القديم خلف بن أحمد بن علي بن كليب، أخاه ابن أبي خنزير، وأمره بمثل ذلك.
وأمره بأن تزداد في الأذان بعد (حي على الصلاة)(حي على خير العمل) ، وأسقط من أذان الفجر (الصلاة خير من النوم) وأمره بجمع ما انتهب من الأموال بمدينة رقادة، وضم عبيد زيادة الله ووقف جواريه وولي النظر في ذلك أحمد بن فروخ الطبين الأحدب. وولى على السكة أبي بكر الفيلسوف المعروف بابن القمودي، ونقش فيها:" الحمد لله رب العالمين " وسميت السيدية. وكان نقش خاتم أبي عبد الله: " فتوكل على الله أنك على الحق المبين " وفي الخاتم الذي يطبع به السجلات: " وتمت كلامات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم " ووشم في أفخاذ الخيل: (الملك لله) وكتب في بنوده: " سيهزم الجمع ويولون الدبر " و " قل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا " وآيات كثير من القرآن في هذا المعنى. وأمر الصلاة على علي بن أبي طالب في الخطب بأثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة، والحسن والحسين وأظهر التشيع في علي وماذة من قدم عليه من أصحاب النبي عليه السلام.
وفيها، ولي أبو عبد الله على قضاء مدينة القيروان محمد بن عمر ابن يحيى بن عبد الأعلى المروزي من جند خراسان، يوم الخميس لأثنتا عشرة ليلة بقيت من شعبان، فقعد في الجامع وأمر بإسقاط صلاة الإشفاع في شهر رمضان وأجنح في ذلك على الفقهاء، وأنكر عليهم الاقتداء بفعل