الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة أبي الفتوح يوسف بن زيري
ابن مناد الصنهاجي
وفي هذه السنة توفي أبو الفتوح قفوله من قتال برغواطة وقد انفصل سجلماسة فمات بموضع قتال له وأركنفو يوم الأحد لتسع بقين من ذي الحجة. وذلك أن ابن خزرون الزناتي ضرب على سجلماسة فدخلها وأخذ ما كان فيها من الأموال وكان بها عامل أبي الفتوح فأتاه الخبر بذلك، فرحل إليها فاعتل في طريقه بقولنج فمات بالموضع المذكور. فأوصى لأبي زعبل ابن هشام وكان من خاصته فأرسل إلى المنصور يعرف بوفاة والده أبي الفتوح.
ولاية أبي الفتوح المنصور بن أبي الفتوح إفريقية
ولي الإمارة في أوائل سنة 374 أشير وتوفى يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول من سنة 387 فكانت مدته اثنتي عشر سنة ودفن بالمنصورية وكان كريما سحا جوادا صارما عازما. قال الرفيق: وقد ذكرت سيرته وحروبه وعطاياه في كتاب مفرد لأخبار جده وأبيه وأخباره وكان لقبه عدة العزيز بالله بن يوسف العزيز بالله.
وفي هذه السنة وهي سنة 374 بعث المنصور أخاه يطوفت من مدينة أشير، لما بلغت موت أبيه وأمر أن يطوي المراحل إلى القيروان والمنصورية برسم القبض على عبد الله بن محمد الكاتب وكان بالمهدية، ونائباه على المنصورية جعفر بن حبيب وعلى القيروان برهون العامل فصبحهم يطوفت سحر يوم الثلاثاء منتصف المحرم فنظر يطوف إلى الخزائن مغلقة والى البيت المال مقفلا فأخذ المفاتيح وفتح بيت المال وبيت السلاح وفرق على أصحابه وركب من كان مترجلا من الصنهاجيين بالمنصورية. ثم خرج والتقى مع عبد
الله الكاتب في بعض الطريق فوثب عليه وأرجله عن فرسه وانتهت أسبابه وأعتقل بالمنصورية أياما. ثم أمر المنصور بإطلاقه ورفع يده عن البلد ثم عاد الأمر إلى عبد الله فأمره بالقضاء ووجه الناس من شيوخ القيروان وغيرهم وتوجه معهم لرسم التهنئة والتعزية للمنصور فوصلوا إليه وسلموا عليه بمدينة أشير فقال لهم المنصور: (لقد شق على تعبكم في حركتكم غير أن سروري في رؤيتكم.) ثم شكر عبد الله الكاتب وذم فعل أخيه به ثم أمر عبد الله الكاتب أن يدفع للوافدين عليه عشرة آلاف دينار ضيافة. فدعوا له وانصرفوا. ثم استدعاهم بعد ذلك وقال لهم (أن أبي وجدي اخذ الناس بالسيف قهرا وآنا لا آخذهم ألا بالإحسان. وما أنا في هذا الملك ممن يولى بكتاب ويعزل بكتاب لأني ورثته عن آبائي وأجدادي وورثوه عن آبائهم وأجدادهم حمير!) أو كلاما هذا معناه ثم أمرهم بالانصراف مع عبد الله الكاتب فكانت مدة مسيرتهم ورجوعهم خمسة وثلاثين يوما.
وفي رجب قدم المنصور إلى رقادة فتلقاه عبد الله الكاتب في خلق عظيم من أهل القيروان فأظهر للناس الخير ووعدهم بكل جميل. وأتاه العمال بالهدية والأموال وأعطاه عبد الله هدايا جليلة. ثم أخذ المنصور في جهاز هدية بعثها إلى مصر مع زروال بن نصر. فقيل أن قيمة ما كان فيها من الأمتعة والدواب والطرف ألف ألف دينار عينا. وأقام المنصور برقادة فأمر بعمل سرج مكلل بالدر والياقوت فخرج به إلى العيد في أحسن زي وخرج إليه من القيروان خلق عظيم فصلى بالمصلى وخطب القاضي ابن الكومي وانصرف المنصور إلى قصره وولد سماه باديس بن المنصور ليلة الأحد لثلاث عشرة من ربيع الأول من هذه السنة.
وفيها أعطى المنصور لأخيه يطوفت العساكر ووجهه إلى مدينتي فاس
وسجلماسة يطلب ردهما ورد تلك البلاد الغريبة إذ كانت خرجت عن طاعته صنهاجة عند وفاة أبي الفتوح فوصل إلى مدينة فاس. وكان بها زيري بن عطية الزناتي الملقب بالفرطاس فلما أحس بوفادة بن أبي الفتوح عاجل بالخروج إليه والهجوم عليه فقاتله قتالا شديدا حتى انهزم يطوفت وظفرت زناته بصنهاحة فتبعوهم وتتلوا منهم قوما كثير واسروا كثيرا آخرين وهرب الباقون إلى تيهرت وهزم في هذه الوقعة قائدان له اسمهما ابن شعبان وابن عامل فسمر ابن شعبان على باب فاس وقتل ابن عامل شر قتيلة. وبقى زيري بن عطية مالكا لفاس وما حولها. ولما بلغ المنصور هزيمة أخيه، من المنصورية يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة برسم الغرب. خرج ومعه عبد الله الكاتب، وأستخلف عبد الله على القيروان ابن يوسف ثم رجع عبد الله بعد ذلك بعمالة أفريقية كلها. وبعث المنصور إلى أخيه يطوفت بجيش أخر فتلقاه بتيهرت ولم يتعرض المنصور بعد ذلك إلى بلاد زناتة.
وفي سنة 375 أمر أبو الفتح المنصور أن يعمل بالقيروان أبواب حديد وأمره ببناء قصره الكبير وكان فيها مولد لأبي علي المنصور (قيل: المنصور) ابن نزار العزيز بالله بمدينة القاهرة في يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الأول وفي سنة 376 ظهر أبو الفهم الخراساني الداعي واجتمع إليه خلق كثير من كتامة. وكان يوسف بن عبد الله الكاتب قد أعطاه مالا وخيلا فتوجه إلى لبلد كتامة فدعاهم فأجابوه وتقررت أموره عندهم حتى صار يركب الخيل ويجمع العساكر ويعمل البنود ويضرب السكة فعظم أمره وشاع خبره وفيها جد يوسف بن عبد الله الكاتب في بناء المنصور قصر المنصورية للمنصور أبي الفتح فبلغ إنفاقه فيه قبل تمامه مائة ألف دينار.
وفي سنة 377 وصل المنصور أبو الفتح صاحب أفريقية إلى المنصورية، فنزل في قصره الذي بني له وأتى معه عبد الله الكاتب وجميع عساكره ووجوه بني عمه ورجاله. وفي هذه السنة، كان مقتل عبد الله الكاتب وأبنه يوسف وذلك أن عبد الله بن محمد الكاتب بلغ مع المنصور بن أبي الفتوح ما لم يبلغه أحد من قرابته وأهل بيته ودولته، وانحصرت أموره كلها كانت تخت قبضته فجمع الأموال ورتب الأحوال والأعمال وأعطى السياسة والرياسة حقها فحسنه كبراء أهل الدولة والتقى عنه حسن ابن خالته إلى المنصور أمورا من القدح في دولته وأنه كان السبب في خروج الداعي الثائر أبي الفهم بكتامة وأنه كان يصغر خبره حتى تفاقم أمره وغير ذلك من الأسباب المهلكات. وكان عبد الله الكاتب لثقته بنفسه لا يداري أحد من أولاده زيري ولا أكابر الدولة. فلما أحسوا من المنصور بعض التغير عليه أكثروا من (اعتزل عن عمل أفريقية وأقتصر عن الكتابة وكل من تولى متصرف بين يدك وتحت أمرك!) فكان جوابه أن قال (القتلة ولا العزلة) فلما كان يوم الأحد لإحدى ليلة خلت من رجب غدا إلى ديوان كان قد بناه فجلس فيه لانتظار ركوب المنصور وبيده جزء من القران يقرأ فيه حتى قيل له (قد ركب) فأطلقه وركب فرسه برسم لقائه، وهو يقول (طويل) .
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض
…
على الماء خانته فروج الأصابع
فلما وصل إليه المنصور، نزل عبد الله إليه سلم عليه ثم وقف، فدار بينهما كلام كثير لم يقف أحد على صحته، ثم طعنه المنصور برمحه، فجعل أكماله على وجهه وقال: على ملة الله وملة رسوله! لم يسمع له غير ذلك. وضربه عبد الله أخو المنصور برمح بين كتفيه فسقط إلى الأرض ميتا. ثم أوتي بابنه يوسف، فرضبه المنصور وماكسن بين زيري، فسقط ميتا. وكان عبد الله لما تنكر له المنصور لا يزال يتمثل بهذا البيت (طويل)