الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان ذلك سبب قتل حباسة لهم، على ما أمره به عبيد الله وحده له. ثم أن هل برقة كتبوا إلى عبيد الله بما دار عليهم من حباسة، وقتله رجالهم، وسبائه نسائهم، وأخذ أموالهم، فجاوبهم يعتذر إليهم، ويحلف أنه ما أمر بشيء مما ذكروه إلا في النفر الثلاث. وكتب إلى حباسة، يأمره بالرحيل عنهم. فتوجه بالعساكر نحو مصر. فنزل بجبل مقة، وحارب الحصون التي تجاوره حتى أخذها، وقتل أهلها، وأخذ أموالهم وسبى ذراريهم.
خروج أبا القاسم الشيعي لمحاربة مصر
وفيها، خرج أبو القاسم بن عبيد الله من مدينة رقادة، غازيا إلى مصر في حشود عظيمة، وفيها، أحرق محمد بن أحمد بن زيادة الله بن قرهب أسطول عبيد الله الشيعي بمرسى لبطة، وقتل قائده الحسن بن أحمد بن أبي خنزير: قتله محمد بن قرهب ذبحا بيده، وقطع يديه ورجليه، وأسر من أصحابه نحو ست مائة رجل، وأحرق جميع الأسطول. وبلغ عبيد الله ذلك، فبعث جيشا للمدافعة عن الأسطول، إذ ظن أنه لم يحرق. فخرج أصحاب بن قرهب إليهم، وقاتلهم حتى هزموهم، وغنموا ما كان في العسكر. وفيها مات بالقيروان أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن الحسن البصري القرشي وفيها مات بقصر الطوب وهو موضع رباط بجانب سوسة، أبو يونس الزاهد، ونفر أهل القيروان لشهود جنازته
وفي سنة 302، دخل أبو القاسم بن عبيد الله الشيعي مدينة الإسكندرية ومعه حباسة القائد فألفاها خالية، وقد هرب أهلها في البحر بما خف من أموالهم
وأسلموا سائر أثقالهم. فاحتوى أبو القاسم وحباسة على جميع ذلك ووصل أبو القاسم إلى الفيوم، فعسكر بها حتى قدم قائد الخليفة مؤنس الفتى من العراق لمحاربته. ثم أن حباسة بن يوسف هرب من مصر إلى أرض المغرب، وكان سبب هربه أن أبا القاسم مبعث إليه من الفيوم أبا فريدن القائد، وأمره أن يستخلفه على الجيوش ويلحق حبالسة به في الفيوم، فأغضبه ذلك، وقال: لما أشرفت على أخذ البلد، يفوز أبو فريدن بخيره وذكره. فركب حباسة في نحو ثلاثين فارسا من بني عمه، وخرج هاربا إلى جهة المغرب. فكتب أبو القاسم إلى عمال الطريق بخبره وأمرهم بارتصاده وأخذه أن مر بهم. وكتب إلى أبيه عبيد الله بذلك. ونزل مؤنس الفتى مصر يوم الاثنين للنصف من شهر رمضان فرحل أبو القاسم من الفيوم منصرفا إلى أفريقيا بما خف من الأموال والكسي والسلاح. فضربت جيوش مصر في ساقته، فأخذت مضاربه وسلاحا كثيرة وأثاثا. ووصل حباسة إلى حوز برقة، ثم إلى نفزاوة، فعثر عليه وعلى أصحابه فهرب أصحابه. وأخذ حباسة، وقيد، وحمل إلى عبيد الله فحبسه وحبس جميع أهله. وفيها حاول عروبة الهرب من تبهرت، إذ بلغه خبر حباسة وهربه، وقيل أن حباسة كاتبه وإنه كاتبه يرجو اللحاق به والاعتصام بكونه معه. فلما أخذ حباسة، نفر عروبة وخاف فهرب بماله. فظفر به بجبل أوراس، فقتل، وبعث برأسه إلى عبيد الله، فنظر إليها وإلى رأسي حباسة وعروبة، فقال:(ما أعجب أمور الدنيا! هذه الرؤوس ضاق بها المشرق والمغرب، وحملتها هذه القفة!) وأمر بطرحها بجامع الإسكندرية سرا.
وفي هذه السنة، مات سعيد بن محمد بن صبيح الغساني الفقيه، وكان قد صحب سحنون بن سعيد وحمل عنه علمه. وفيها، خالفت مدينة برقة وكان أبو
القاسم، لما مر بهم في انصرافه من مصر وقد هنئوه بسلامة، فزعم لهم إنه إنما كان طلب حباسة ليعاقبه على فعله بهم، وأمرهم بنيان ثلم مدينتهم، واستخلف عليهم رجالا من كتامة. فلما ولى عنهم أبا القاسم، وعلموا الحال التي انصرف عليها من مصر بدر الغوغاء إلى من كان خلف عندهم من كتامة، فقتلوهم ووصل أبو القاسم إلى مدينة رقادة من صرفه عن الفيوم يوم الأحد لعشر خلون من ذي القعدة.
وفي سنة 303 مات زيادة الله بن عبد الله بن إبراهين بن الأغلب بالرملة، وترك من المال، في ما ذكر منن كان بحضرته، ألف مثقال من ضرب سكته. وكان بأفريقية وما والها في هذا العام وباء كثير، فمات بها من قريش القيروان أبو المصعب بن زرارة العبدري. ومات حماس القاضب ابن مروان بن سماك الهمداني، وكان فقيها زاهدا ورعا. ومات محمد بن عبادة السوسي. وما ت خلف بن معمر بم منصور من الفقهاء العراقيين وكان يروى عن أبيه عن أسد بن الفرات، وكان قد تشرق أول دخول الشيعة أفريقية ليعتصم بذلك من مطالبت الشيعة لولده بمال كان غمس يديه فيه عند هرب زيادة الله من رقادة، وكان والده معمر بن منصور قد سمع من ابن فروخ، ومن أسد ابن الفرات، وكان أصح أصحابه سماعا عنه وكان معمر يقول بتحليل المسكر ما لم يسكر منه. وفيها مات القاضي المروذي، وهو محمد بن عمر في العذاب برقادة، ودفن بباب سالم ليلا، وطولب أهل القيروان بماله، فامتحن بذلك جماعة من وجوه أهل القيروان وفضلائهم وتجارهم.
وفيها، أخرج عبيد الله الجيوش إلى مدينة برقة مع أبي مدين بن فروخ اللهيطي. وفيها، ولي عبيد الله (فأفريقية الخراج) أبا معمر عمران بن أحمد ابن عبد الله بن أبي محرز القاضي، فتولى بوظيفة التقسيط على ضياع أفريقية بعد أن وزع جميعها ونظر إلى أوفر مال ارتفع من العشور في سنة وأقله ثم جمع المالين ووظف الشطر على كل ضيعة.
وفيها اضطرب أمر جزيرة صقلية على ابن قرهب، وأجمع بعضهم على خلعه وكاتبوا عبيد الله في أمره، فداراهم ابن قلاهب وذكرهم بأيمانهم له، فلم يلين ذلك حتى صارت بسببه فتنة بصقلية طائفة كانت معه وطائفة كانت عليه. فأراد ابن قرهب جواز البحر إلى الأندلس واكترى مراكب، وشحن فيها متاعا كثيرا فحال أهل صقلية بينه وبين ما أراد، وانتهبوا ما كان له في تلك المراكب، وأسروا ابن قرهب وأبنه وقاضيه المعروف بابن الخامي وقيدوا أجمعين، وبعثوا إلى عبيد الله. وكتب أهل جزيرة صقلية أن يوجه إليهم عاملا وقاضيا وإنهم لا يحتاجون إلى رجال ولا مدد واشترطوا في كتابهم إليه اشتراطا أغضه عليهم، وأغراه بهم، وحرك منهم لمحاصرتهم على ما سيأتي ذكره أن شاء الله تعالى.
وفي سنة 304 في المحرم منها وصل، وصل ابن قرهب وأصحابه إلى مدينة سوسة مصفدين في الحديد. وكان عبيد الله الشيعي بها. فأوصل ابن قرهب إلى نفسه وقال له:(ما حملك على الخلاف علينا وجحد حقنا؟) فقال له: (أهل صقلية ولوني، وأنا كاره، وخلعوني وأنا كاره!) فأنصرف عبيد الله بهم إلى رقادة وأمر بابن قرهب وأصحابه، فضربوا بالسياط وقطعت أيديهم وأرجلهم على قبر الحسن بن أبي خنزير بباب سالم وصلبوا هناك. وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة، كمل سور المهدية ونصبت أبوابها. وفيها، أخرج عبيد الله الجيوش والأساطيل إلى صقلية وقد عليهم أبا سعيد المعروف بالضيف. فحاصرهم شهورا، وقتل منهم جملا، وأجال كتامة على من ألفا في أرباض المدينة من النساء والذرية، فعبث بهم وافترع الجواري الأبكار. وكتب أبو سعيد الضيف إلى عبيد الله بالفتح فيهم، فأمده بمراكب ورجال كثيرة. فلما رأى ذلك أهل صقلية، رغبوا إليه في الأمان على أن يدفعوا عليهم من كان شايع ميما أحدثوه. فأمنهم، وهدم سور المدينة وأخذ سلاحهم وخيلهم ورقيقهم، وفرض عليهم مغرما، وبعث بمن أخذ منهم إلى عبيد الله في مراكب
فانكفأ بهم في البحر. وولي أبو سعيد الضيف على جزيرة صقلية سال بن أبي راشد، وأبقى معه جماعة من كتامة وانصرف إلى القيروان.
وفي هذه السنة فتحت مدينة برقة على يد أبي مدين الموجه إليهم بعد أن أفنت الحرب أكثر ألها مدت ثمانية عشر شهرا، وحوصروا فيها، وأحرق قوم منهم بالنار، واستصفى أبو مدين أموالهم، وبعث جماعة منهم إلى عبيد الله، فأمر بقتلهم. وفيها، مات محمد بن اسود بن شعيب القاضي الصديني. وفيها مات ميمون بن عمر الفقيه، ومحمد بن أحمد الصدفي الزاهد. وفيها خرج مصالة ابن حبوس من تبهرت لمحاربة سعيد بن صالح بن سعيد بن إدريس، صاحب نكور، فدارت بينهم حروب كثرة.
وفي سنة 305 أفتتح مصالة بن حبوس، قائد عبيد الله الشيعي مدينة نكور، وقتل بها سعيد بن صالح رئيسها، وذلك يوم الخميس لثلاث خلون من محرم. وانتهب مصالح مدينة نكور وسبى النساء والذرية، ثم أنصرف إلى تبهرت، وكتب بالفتح إلى عبيد الله وبعث إليه سعيد بن صالح ورؤوس أصحابه، فطوفت بالقيروان. ثم أن بين صالح خرجوا فارين بأنفسهم إلى الأندلس معتصمين بما تناهى إليهم من فضل أمير المؤمنين الناصر وحن مذهبه في كل نازع إليه ومعتصم به، فنزلوا مرسى مالقة، وعهد بإنزالهم والتوسع عليهم، وبعث إليهم بضروب الكسوة وكل ما احتاجوا إليه من المرافق وخيروا في القدوم إلى قرار السلطان أو المقام في ذلك المكان، فاختاروا المقام على بره وحبائه. وكان مصالة قد أستخلف على نكور رجلا يقال له ذلول، وانصرف إلى تبهرت، فافترق عن ذلول من كان معه وبقي في فل من المشارفة. فقصده صالح بن سعيد بن صالح من مرسى مالقة، فقتله، وقتل أصحابه ولزم نكور، وهادي أمير المؤمنين بالخيل والجمال.