المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خروج أبا القاسم الشيعي لمحاربة مصر - البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب - جـ ١

[ابن عذاري المراكشي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه

- ‌ذكر حد المغرب وأفريقية

- ‌وما اتصل بهما وعد معهما

- ‌ذكر فضل المغرب

- ‌وما ورد من الأخبار والآثار

- ‌ابتداء التاريخ

- ‌سنة إحدى وعشرين من الهجرة

- ‌فتح أفريقية للإسلام

- ‌بعض أخبار عبد الله بن سعد وإمرته

- ‌ذكر قتل عبد الله بن الزبير لجرجير

- ‌ملك أفريقية والمغرب كله

- ‌أخبار معاوية بن حديج الكندي بأفريقية

- ‌ذكر ولاية عقبة بن نافع أفريقية

- ‌وغزواته فيها واختطاطه مدينة القيروان

- ‌ولاية أبي المهاجر أفريقية وعزل عقبة

- ‌ذكر فتح المغرب الأقصى على يد عقبة وغزواته

- ‌ولاية حسان بن النعمان أفريقية والمغرب

- ‌بعض أخبار حسان بن النعمان

- ‌خبر حسان مع الملكة الكاهنة وهزيمتها له

- ‌ذكر مقتل الكاهنة الملكة

- ‌ذكر ولاية أبي عبد الرحمن موسى بن نصير

- ‌أفريقية والمغرب وبعض أخباره رحمة الله عليه

- ‌ولاية محمد بن يزيد أفريقية والمغرب

- ‌ولاية بشر بن صفوان أفريقية

- ‌ولاية عبيدة بن عبد الرحمن السلمي أفريقية والمغرب

- ‌ولاية عبيد الله بن الحبحاب أفريقية والمغرب كله

- ‌ولاية كلثوم بن عياض إفريقية

- ‌ومقاتلته مع أمير المغرب خالد بن حُميد الزّناني

- ‌ذكر برغواطة وارتدادهم عن الإسلام

- ‌ولاية حنظلة بن صفوان أفريقية والمغرب كله

- ‌انتزاء عبد الرحمن بن حبيب الفهري بإفريقية

- ‌وبعض أخباره

- ‌بقية أخبار عبد الرحمن بن حبيب بأفريقية

- ‌مقتل عبد الرحمن

- ‌ولاية الياس بن حبيب أفريقية

- ‌ذكر قيام حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب على عمه

- ‌الياس وتغلبه على بلاد أفريقية

- ‌ذكر ولاية محمد بن الأشعث الخزاعي أفريقيا

- ‌ثورة عيسى بن موسى بالقيروان وببعض بلاد أفريقية

- ‌ولاية الأغلب بن سالم التميمي

- ‌ولاية عمرو بن حفص بن قبيصة أفريقية

- ‌ولاية يزيد بن حاتم أفريقية والمغرب

- ‌ولاية داود بن يزيد بن حاتم أفريقية

- ‌ذكر ابتداء الدولة الهاشمية بالبلاد الغربية

- ‌وهم الأدارسة رحمهم الله

- ‌ولاية روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب أفريقية

- ‌ولاية نصر بن حبيب المهلبي أفريقية

- ‌ولاية هرثمة بن أعين أفريقية

- ‌ولاية محمد بن مقاتل العكي أفريقية

- ‌ثورة تمام بن تميم التميمي على محمد بن مقاتل العكي

- ‌ولاية إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي أفريقية

- ‌ولاية عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب أفريقية

- ‌ذكر ولاية زيادة الله بن الأغلب أفريقية وبعض أخباره

- ‌ولاية أبي عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية أبي العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم ابن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية العباس بن الفضل جزيرة صقلية

- ‌ولاية أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية زيادة الله بن محمد بن الأغلب

- ‌ابن إبراهيم بن الأغلب أفريقية

- ‌ولاية أبي الغرانيق محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب

- ‌ولاية إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب

- ‌ثورة الدراهم على إبراهيم بن أحمد

- ‌ابتداء الدولة العبيدية الشيعية

- ‌قصة ابن الأغلب مع الشيخ الصالح أبي الأحوص

- ‌أخبار إبراهيم بن أحمد على الجملة ووفاته

- ‌ولاية أبي العباس بن إبراهيم بن أحمد وسيرته

- ‌مقتل أبي العباس بن إبراهيم بن أحمد

- ‌ولاية زيادة الله بن أبي العباس

- ‌عبد الله ابن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب

- ‌ذكر خروج بن الأغلب من أفريقية

- ‌هروب زيادة الله من رقادة

- ‌ذكر دولة الشيعة

- ‌ذكر توجه الداعي إلى سجلمانة

- ‌واجتماعه بعبيد الله الشيعي بها

- ‌التعريف بأمر سلجماسة

- ‌من حين ابتدائها إلى هذه السنة المؤرخة

- ‌ذكر وصول عبيد الله الشيعي إلى رقادة

- ‌ونبذ من أخباره وما قيل في نسبه

- ‌ذكر قتل عبيد الله الشيعي لأبي عبد الله

- ‌الشيعي وأبي زاك

- ‌خروج أبا القاسم الشيعي لمحاربة مصر

- ‌تلخيص أخبار أمراء مدينة نكور

- ‌من حين بنائها على الجملة إلى هذه السنة المؤرخة

- ‌ذكر مدينة جراوة

- ‌ذكر مدينة تيهرت

- ‌ذكر من ملك مدينة تيهرت

- ‌من حين ابتدائها من بني رستم وغيرهم

- ‌ذكر مدينة تلمسان

- ‌ذكر افتتاح مدينة سبتة بالعدوة

- ‌ذكر من ولي سجلماسة من حين فتحها الشيعي

- ‌ذكر ولاية أبي القاسم بن عبيد الله بإفريقية

- ‌ذكر أخبار الأدارسة وسبب دخولهم إلى المغرب

- ‌وبنائهم مدينة فاس ومن وليها منهم ومن غيرهم إلى هذه السنة

- ‌أخبار أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفاني الزناتي

- ‌ولاية إسماعيل بن أبي القاسم عبيد الله الشيعي

- ‌خبر برغواطة

- ‌ابتداء الدولة الصنهاجية بأفريقية

- ‌ولاية أبي الفتوح يوسف بن زيري

- ‌ابن مناد الصنهاجي بإفريقية

- ‌ولاية العزيز بالله نزار

- ‌ذكر مدينة أصيلا

- ‌ذكر من ولى مدينة البصرة

- ‌ذكر وفاة أبي الفتوح يوسف بن زيري

- ‌ابن مناد الصنهاجي

- ‌ولاية أبي الفتوح المنصور بن أبي الفتوح إفريقية

- ‌مقتل الثائر أبي الفهم

- ‌إمارة أبي مناد باديس بن أبي الفتح

- ‌ابن أبي الفتوح يوسف بن زيري بن مناد

- ‌ذكر هزيمة عسكر أفريقية واستيلاء زيري بن عطية عليه

- ‌وظهور زناتة على صنهاجة

- ‌بعض أخبار زناتة ودولتهم بالغرب إلى حين ظهور المرابطين

- ‌ولاية المعز بن باديس أفريقية

- ‌ذكر قيام المعز شرف الدولة بالإمارة

- ‌وقطعه الدعوة العبيدية الشيعية من أفريقية

- ‌ذكر تبديل السكة عن أسماء بني عبيد

- ‌ذكر ولاية العهد لتميم بن المعز بن باديس

- ‌ذكر ما قيل من أخبار بني زيري

- ‌ذكر طرف الفتنة العظيمة ودمار القيروان

- ‌ذكر هزيمة العرب للمعز بن باديس

- ‌نبذ من وقعة باب تونس أحد أبواب القيروان

- ‌هزيمة صنهاجة أيضا بجبل حيدران

- ‌وهزيمة المعز بن باديس من وجه آخر

- ‌بعض أخبار المعز بن باديس

- ‌حكاية في ابتداء دولة صنهاجة

- ‌دولة الأمير تميم بن المعز

- ‌ونبذ من أخبارها

- ‌ذكر دخول النصارى مدينة المهدية

- ‌بعض أخبار تميم بن المعز

- ‌دولة يحيى بن تميم بن المعز

- ‌ونبذ من أخباره وسيرته

- ‌دولة علي بن يحيى بن تميم بن المعز

- ‌بالمهدية وبعض بلاد أفريقية

- ‌دولة الأمير الحسن بن علي

- ‌ابن يحيى بن المعز بأفريقية

- ‌ذكر من ولي تونس من الأمراء

- ‌من بعد زوال ملك المعز بن باديس منها

- ‌ذكر الأمراء والولاة بأفريقية لخلفاء بني أمية

الفصل: ‌خروج أبا القاسم الشيعي لمحاربة مصر

فكان ذلك سبب قتل حباسة لهم، على ما أمره به عبيد الله وحده له. ثم أن هل برقة كتبوا إلى عبيد الله بما دار عليهم من حباسة، وقتله رجالهم، وسبائه نسائهم، وأخذ أموالهم، فجاوبهم يعتذر إليهم، ويحلف أنه ما أمر بشيء مما ذكروه إلا في النفر الثلاث. وكتب إلى حباسة، يأمره بالرحيل عنهم. فتوجه بالعساكر نحو مصر. فنزل بجبل مقة، وحارب الحصون التي تجاوره حتى أخذها، وقتل أهلها، وأخذ أموالهم وسبى ذراريهم.

‌خروج أبا القاسم الشيعي لمحاربة مصر

وفيها، خرج أبو القاسم بن عبيد الله من مدينة رقادة، غازيا إلى مصر في حشود عظيمة، وفيها، أحرق محمد بن أحمد بن زيادة الله بن قرهب أسطول عبيد الله الشيعي بمرسى لبطة، وقتل قائده الحسن بن أحمد بن أبي خنزير: قتله محمد بن قرهب ذبحا بيده، وقطع يديه ورجليه، وأسر من أصحابه نحو ست مائة رجل، وأحرق جميع الأسطول. وبلغ عبيد الله ذلك، فبعث جيشا للمدافعة عن الأسطول، إذ ظن أنه لم يحرق. فخرج أصحاب بن قرهب إليهم، وقاتلهم حتى هزموهم، وغنموا ما كان في العسكر. وفيها مات بالقيروان أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن الحسن البصري القرشي وفيها مات بقصر الطوب وهو موضع رباط بجانب سوسة، أبو يونس الزاهد، ونفر أهل القيروان لشهود جنازته

وفي سنة 302، دخل أبو القاسم بن عبيد الله الشيعي مدينة الإسكندرية ومعه حباسة القائد فألفاها خالية، وقد هرب أهلها في البحر بما خف من أموالهم

ص: 171

وأسلموا سائر أثقالهم. فاحتوى أبو القاسم وحباسة على جميع ذلك ووصل أبو القاسم إلى الفيوم، فعسكر بها حتى قدم قائد الخليفة مؤنس الفتى من العراق لمحاربته. ثم أن حباسة بن يوسف هرب من مصر إلى أرض المغرب، وكان سبب هربه أن أبا القاسم مبعث إليه من الفيوم أبا فريدن القائد، وأمره أن يستخلفه على الجيوش ويلحق حبالسة به في الفيوم، فأغضبه ذلك، وقال: لما أشرفت على أخذ البلد، يفوز أبو فريدن بخيره وذكره. فركب حباسة في نحو ثلاثين فارسا من بني عمه، وخرج هاربا إلى جهة المغرب. فكتب أبو القاسم إلى عمال الطريق بخبره وأمرهم بارتصاده وأخذه أن مر بهم. وكتب إلى أبيه عبيد الله بذلك. ونزل مؤنس الفتى مصر يوم الاثنين للنصف من شهر رمضان فرحل أبو القاسم من الفيوم منصرفا إلى أفريقيا بما خف من الأموال والكسي والسلاح. فضربت جيوش مصر في ساقته، فأخذت مضاربه وسلاحا كثيرة وأثاثا. ووصل حباسة إلى حوز برقة، ثم إلى نفزاوة، فعثر عليه وعلى أصحابه فهرب أصحابه. وأخذ حباسة، وقيد، وحمل إلى عبيد الله فحبسه وحبس جميع أهله. وفيها حاول عروبة الهرب من تبهرت، إذ بلغه خبر حباسة وهربه، وقيل أن حباسة كاتبه وإنه كاتبه يرجو اللحاق به والاعتصام بكونه معه. فلما أخذ حباسة، نفر عروبة وخاف فهرب بماله. فظفر به بجبل أوراس، فقتل، وبعث برأسه إلى عبيد الله، فنظر إليها وإلى رأسي حباسة وعروبة، فقال:(ما أعجب أمور الدنيا! هذه الرؤوس ضاق بها المشرق والمغرب، وحملتها هذه القفة!) وأمر بطرحها بجامع الإسكندرية سرا.

وفي هذه السنة، مات سعيد بن محمد بن صبيح الغساني الفقيه، وكان قد صحب سحنون بن سعيد وحمل عنه علمه. وفيها، خالفت مدينة برقة وكان أبو

ص: 172

القاسم، لما مر بهم في انصرافه من مصر وقد هنئوه بسلامة، فزعم لهم إنه إنما كان طلب حباسة ليعاقبه على فعله بهم، وأمرهم بنيان ثلم مدينتهم، واستخلف عليهم رجالا من كتامة. فلما ولى عنهم أبا القاسم، وعلموا الحال التي انصرف عليها من مصر بدر الغوغاء إلى من كان خلف عندهم من كتامة، فقتلوهم ووصل أبو القاسم إلى مدينة رقادة من صرفه عن الفيوم يوم الأحد لعشر خلون من ذي القعدة.

وفي سنة 303 مات زيادة الله بن عبد الله بن إبراهين بن الأغلب بالرملة، وترك من المال، في ما ذكر منن كان بحضرته، ألف مثقال من ضرب سكته. وكان بأفريقية وما والها في هذا العام وباء كثير، فمات بها من قريش القيروان أبو المصعب بن زرارة العبدري. ومات حماس القاضب ابن مروان بن سماك الهمداني، وكان فقيها زاهدا ورعا. ومات محمد بن عبادة السوسي. وما ت خلف بن معمر بم منصور من الفقهاء العراقيين وكان يروى عن أبيه عن أسد بن الفرات، وكان قد تشرق أول دخول الشيعة أفريقية ليعتصم بذلك من مطالبت الشيعة لولده بمال كان غمس يديه فيه عند هرب زيادة الله من رقادة، وكان والده معمر بن منصور قد سمع من ابن فروخ، ومن أسد ابن الفرات، وكان أصح أصحابه سماعا عنه وكان معمر يقول بتحليل المسكر ما لم يسكر منه. وفيها مات القاضي المروذي، وهو محمد بن عمر في العذاب برقادة، ودفن بباب سالم ليلا، وطولب أهل القيروان بماله، فامتحن بذلك جماعة من وجوه أهل القيروان وفضلائهم وتجارهم.

وفيها، أخرج عبيد الله الجيوش إلى مدينة برقة مع أبي مدين بن فروخ اللهيطي. وفيها، ولي عبيد الله (فأفريقية الخراج) أبا معمر عمران بن أحمد ابن عبد الله بن أبي محرز القاضي، فتولى بوظيفة التقسيط على ضياع أفريقية بعد أن وزع جميعها ونظر إلى أوفر مال ارتفع من العشور في سنة وأقله ثم جمع المالين ووظف الشطر على كل ضيعة.

ص: 173

وفيها اضطرب أمر جزيرة صقلية على ابن قرهب، وأجمع بعضهم على خلعه وكاتبوا عبيد الله في أمره، فداراهم ابن قلاهب وذكرهم بأيمانهم له، فلم يلين ذلك حتى صارت بسببه فتنة بصقلية طائفة كانت معه وطائفة كانت عليه. فأراد ابن قرهب جواز البحر إلى الأندلس واكترى مراكب، وشحن فيها متاعا كثيرا فحال أهل صقلية بينه وبين ما أراد، وانتهبوا ما كان له في تلك المراكب، وأسروا ابن قرهب وأبنه وقاضيه المعروف بابن الخامي وقيدوا أجمعين، وبعثوا إلى عبيد الله. وكتب أهل جزيرة صقلية أن يوجه إليهم عاملا وقاضيا وإنهم لا يحتاجون إلى رجال ولا مدد واشترطوا في كتابهم إليه اشتراطا أغضه عليهم، وأغراه بهم، وحرك منهم لمحاصرتهم على ما سيأتي ذكره أن شاء الله تعالى.

وفي سنة 304 في المحرم منها وصل، وصل ابن قرهب وأصحابه إلى مدينة سوسة مصفدين في الحديد. وكان عبيد الله الشيعي بها. فأوصل ابن قرهب إلى نفسه وقال له:(ما حملك على الخلاف علينا وجحد حقنا؟) فقال له: (أهل صقلية ولوني، وأنا كاره، وخلعوني وأنا كاره!) فأنصرف عبيد الله بهم إلى رقادة وأمر بابن قرهب وأصحابه، فضربوا بالسياط وقطعت أيديهم وأرجلهم على قبر الحسن بن أبي خنزير بباب سالم وصلبوا هناك. وفي شهر ربيع الأول من هذه السنة، كمل سور المهدية ونصبت أبوابها. وفيها، أخرج عبيد الله الجيوش والأساطيل إلى صقلية وقد عليهم أبا سعيد المعروف بالضيف. فحاصرهم شهورا، وقتل منهم جملا، وأجال كتامة على من ألفا في أرباض المدينة من النساء والذرية، فعبث بهم وافترع الجواري الأبكار. وكتب أبو سعيد الضيف إلى عبيد الله بالفتح فيهم، فأمده بمراكب ورجال كثيرة. فلما رأى ذلك أهل صقلية، رغبوا إليه في الأمان على أن يدفعوا عليهم من كان شايع ميما أحدثوه. فأمنهم، وهدم سور المدينة وأخذ سلاحهم وخيلهم ورقيقهم، وفرض عليهم مغرما، وبعث بمن أخذ منهم إلى عبيد الله في مراكب

ص: 174

فانكفأ بهم في البحر. وولي أبو سعيد الضيف على جزيرة صقلية سال بن أبي راشد، وأبقى معه جماعة من كتامة وانصرف إلى القيروان.

وفي هذه السنة فتحت مدينة برقة على يد أبي مدين الموجه إليهم بعد أن أفنت الحرب أكثر ألها مدت ثمانية عشر شهرا، وحوصروا فيها، وأحرق قوم منهم بالنار، واستصفى أبو مدين أموالهم، وبعث جماعة منهم إلى عبيد الله، فأمر بقتلهم. وفيها، مات محمد بن اسود بن شعيب القاضي الصديني. وفيها مات ميمون بن عمر الفقيه، ومحمد بن أحمد الصدفي الزاهد. وفيها خرج مصالة ابن حبوس من تبهرت لمحاربة سعيد بن صالح بن سعيد بن إدريس، صاحب نكور، فدارت بينهم حروب كثرة.

وفي سنة 305 أفتتح مصالة بن حبوس، قائد عبيد الله الشيعي مدينة نكور، وقتل بها سعيد بن صالح رئيسها، وذلك يوم الخميس لثلاث خلون من محرم. وانتهب مصالح مدينة نكور وسبى النساء والذرية، ثم أنصرف إلى تبهرت، وكتب بالفتح إلى عبيد الله وبعث إليه سعيد بن صالح ورؤوس أصحابه، فطوفت بالقيروان. ثم أن بين صالح خرجوا فارين بأنفسهم إلى الأندلس معتصمين بما تناهى إليهم من فضل أمير المؤمنين الناصر وحن مذهبه في كل نازع إليه ومعتصم به، فنزلوا مرسى مالقة، وعهد بإنزالهم والتوسع عليهم، وبعث إليهم بضروب الكسوة وكل ما احتاجوا إليه من المرافق وخيروا في القدوم إلى قرار السلطان أو المقام في ذلك المكان، فاختاروا المقام على بره وحبائه. وكان مصالة قد أستخلف على نكور رجلا يقال له ذلول، وانصرف إلى تبهرت، فافترق عن ذلول من كان معه وبقي في فل من المشارفة. فقصده صالح بن سعيد بن صالح من مرسى مالقة، فقتله، وقتل أصحابه ولزم نكور، وهادي أمير المؤمنين بالخيل والجمال.

ص: 175