الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك في محرم منها. فلما اقبل تمام إقباله، طلب الأمان منه؛ فأمنه إبراهيم، وأقبل به إلى القيروان، يوم جمعة، لثمان خلون من محرم المذكور
ولاية إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي أفريقية
وصله عهد الرشيد في العشر الوسط لجمادى الأخيرة من سنة 184؛ وقال له فيه: (قد تقدم لكم بأفريقية أمره) وكان الرشيد ولاه على بلاد الزاب، وقي بلاد الجريد، وابن العكي على أفريقية. وكان إبراهيم بن الأغلب فقيها، أدبيا، شاعرا، خطيبا، ذا رأى ونجدة وبأس وحزم وعلم بالحروب ومكايدها، جرى الجنان، طويل اللسان، لم يل أفريقية أحسن سيرة منه، ولا أحسن سياسة، ولا أرأف برعيته، ولا أوفى بعهد، ولا أرعى لحرمة منه. فطاعت له قبائل البربر، وتمهدت أفريقية في أيامه. وعزل العكي عمها، واستقامت الأحوال بها.
وكان إبراهيم قد سمع من الليث بن سعد، ووهب له جلا جل أم ولده لمكانه منه ولقد قال الليث يومها:(ليكونن لهذا الفتى شأن!) وكان لإبراهيم فضائل جمة ومآثر حسنة. وكان له مع راشد أمير الغرب مولى إدريس الحسنى مواقف ومحاربة؛ وكان راشد قد علا أمره.
ومن قول إبراهيم، وكان قد خلف أهله بمصر (بسيط)
ما سرت ميلا ولا جاوزت مرحلة
…
ألا وذكريني دائما عنقي
ولا ذكرتك إلا بت مرتقبا
…
أرعى النجوم كان الموت مغتبقي
ولما ملك أفريقية، قمع أهل الشر بها وضبط أمرها. وكان له مع بربرها حروب طويلة ذكرها. وأحسن إلى عرب جيشها.
وفي سنة 185 شرع إبراهيم في بناء مدينة القصر القديم وصار بعد ذلك دار الأمراء. وكان على ثلاثة أميال من القيروان؛ وكان قد
اشترى موضعه من بني طالوت؛ فبناه ونقل إليه السلاح والعدد سرا، وسكن حوله عبده وأهل الثقة به من خدمته. وكان حافظا للقران، عالما به وثار عليه الكندي بتونس؛ وكانت له معه وقائع وافقت محاربة المأمون للأمين، بعد موت الرشيد. وفيها، قال الطبري: وقعت بالمسجد الحرام صاعقة، فقتلت رجلين.
وفي سنة 186 حج بالناس هارون الرشيد، وأخرج معه ابنيه محمدا الأمين، وعبد الله المأمون، وقواده، ووزراءه، وقضاته، وولي عهد عبد الله. قال الطبري: وكان الرشيد عقد لأبنه محمد ولاية العهد في شعبان سنة 173، وسماه الأمين، وضم إليه الشام والعراق في سنة 175، ثم بويع لعبد الله المأمون بالرقة في سنة 183؛ وولاه من حد همدان إلى أخر المشرق. ولما قضى مناسكه في هذه السنة، كتب للمأمون كتابين: أحدهما على محمد بما أشترط عليه من الوفاء بما فيه من تسليم وما ولى لعبد الله من الأعمال، وما صير له من الضياع والأموال؛ والأخر نسخة البيعة التي أخذها لعبد الله على محمد وعلى الخاصة والعامة. وأشهد في ذلك في البيت الحرام، وأمره بقراءة الكتاب على عبد الله ومحمد. وأشهد عليهما جماعة من حضر من بني هاشم وغيرهم. ثم أمر ان يعلق الكتاب في الكعبة. فلما علق، وقع؛ فقيل:(أن هذا لأمر سريع انتفاضه قبل تمامه!) وفي سنة 187 كان قتل الرشيد لجعفر بن يحيى، وإيقاعه بالبرامكة؛ والوالي على أفريقية إبراهيم بن الأغلب كما كان.
وفي سنة 188، كان غزو إبراهيم بن جبريل أرض الروم: وجهه الخليفة هارون، ودخل أرض الروم من درب الصفصاف؛ فخرج للقائه البطريق نقفور، فورد عليه من ورائه أمر صرفه عن لقائه؛ فانصرف ومر بقوم من
المسلمين؛ فخرجوا عليه، وأنهزم، وقتل من الروم أربعون ألفا وبسعمائة، واخذ له أربع آلاف دابة.
وفي سنة 189 كان شخوص الرشيد إلى الرى: وبعث حسينا الخادم إلى طبرستان بالأمان لمرزبان صاحب الديلم؛ وقدم عليه؛ فأمنه وأمن غيره. وقال أبو العتاهية في خرجة هارون هذه (سريع)
إن أمين الله في خلقه
…
حن به البر إلى مولده
ليصلح الري وأقطارها
…
ويمطر الخير بها من يده
وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم؛ فلما يبق في أرض الروم مسلم إلا فدى.
وفي سنة 190 فتح الرشيد هرقلة من مدائن الروم. وقال شبيل الترجمان: لما فتح الرشيد هرقلة رأيت على بابها لوح رخام مكتوب فيه بلسانه؛ فجعلت أقراه، والرشيد ينظر إلي، وأنا لا أشعر، فإذا فيه:(يا بن آدم! غافص الفرصة قبل إمكانها وقل الأمور إلى وليها، ولا يحملنك أفرادها السرور على المآثم، ولا تحمل نفسك هم يوم لم يأت! فأنه أن يكن من أجلك وبقية عمرك، ويأت الله فيه برزقه! فلا تكن من المغرورين يجمع المال! فكم قد رأينا جامعا لبعل خليلته، ومقترا على نفسه توفيرا لخزانة غيره!) وفي سنة 191 ولي الرشيد هرمثة بن أعين غزو الصائفة، وضم إليها ثلاثين ألفا من جند خراسان. وفيها امر الرشيد بهدم الكنائس في الثغور. ولم يكن للمسلمين بعد هذه السنة صائفة بالمشرق إلى سنة 215. وفي سنة 193، توفي هارون بن محمد الرشيد رحمه الله بطوس من أرض خراسان، ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الأخير. واستخلف محمد الأمين ابنه. ولما صار المر إلى الأمين، أقر إبراهيم بن الأغلب على أفريقية