الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثورة تمام بن تميم التميمي على محمد بن مقاتل العكي
وفي سنة 183 زحف تمام من تونس مع جماعة القواد والأجناد من أهل الشام وخراسان متوجها إلى القيروان، في النصف من رمضان. فخرج إليه العكي فتقاتلا. فأنهزم العكي ورجع إلى القيروان، فتحصن في داره التي بنها وترك دار الإمارة. وأقبل تمام فنزل بعسكره خلف باب أبي الربيع. فلما أصبح تمام فتح له الأبواب فدخل يوم الأربعاء لخمس بقين من رمضان سنة 183، فآمن تمام العكي على دمه وأهله وماله. فكانت ولايته إلى أن أخرجه تمام من القيروان سنتين وعشرة أشهر ثم ولى أفريقيا أبو الجهم بن تميم التميمي. وكان ثائرا متغلبا من غير عهد من الرشيد وهو جد أبي العرب بن تميم صاحب التواليف. فدخل القيروان، وخرج العكي منها بأمانه ومشى لطرابلس ولحق به قوم من خرسان منهم طرحون صاحب شرطته فاجتمع رأيهم على أن يدخلوه فدخلها وأقام تمام ملك القيروان فنهض إليه إبراهيم بن الأغلب من الزاب، وكان أمير عليه. فلما بلغ تمام إقباله إليه سار إلى تونس، فدخل ابن الأغلب القيروان، وأبتدر المسجد الجامع، وصعد المنبر وكان فصيحا بليغا فأعلم الناس إنه ما وصل إلا لنصره العكي محمد بن مقاتل، وأنه أميرهم المودم عليهم من أمير المؤمنين وكتب إلى العكي يخبره بما فعل في حقه ويؤكد عليه في الوصول. فأقبل راجعا حتى دخل هو ومن معه القيروان فمشى يوما في أزقتها فنادته امرأة من طاقها تقول له (أشكر إبراهيم بن الأغلب! فهو الذي رد عليك ملك أفريقيا!) فكبر ذلك عليه وكان تمام بن تميم بتونس. فقال لأصحابه: (أن إبراهيم بن الأغلب رد الملك على العكي والذين مع العكي قد ملئوا رعبا من وقعتنا بهم وإذا بلغهم خروجي من تونس يسلمونه ويصلون ألي! ومع هذا فأن العكي حسود، لا بد أن يخالف إبراهيم بن الأغلب
فيما يشير به عليه.) وكان الناس يقولون (استرحنا من العكي، فرد إبراهيم علينا! فلموت خير لنا من الحياة في سلطان العكي!) ففزع الناس إلى تمام بن تميم التميمي. فلما رأى كثرة من معه، طابت نفسه لقتال العكي. فكتب تمام إلى العكي:(أما بعد، فأن إبراهيم بن الأغلب لم يبعث إليك فيردك من كرامتك عليه، ولا للطاعة التي يظهرها للخليفة؛ ولكن كره ان يبلغ إليك أخذه البلاد فترجع إليه؛ فأن منعك، كان مخالفا لأمير المؤمنين؛ وان دفعها إليك، كان ما فعل لغيره، فبعث إليك لترجع؛ ثم يسلمك إلى القتال. وغدا تعرف ما جربت من وقعتنا لك بالأمس!) وفي آخر كتابه (الطويل) :
وما كان إبراهيم من فضل الطاعة
…
يرد عليك الملك لكن لتقتلا
فلو كنت ذا عقل وعلم بكيده
…
لما كنت منه يا ابن عك لتقبلا
فلما وصل كتابه إلى محمد بن مقاتل العكي، قرأه ودفعه إلى ابن الأغلب؛ فقراه وضحك، وقال:(قاتله الله! ضعف رأيه!) وكتب إليه ابن العكي: (من محمد بن مقاتل إلى الناكث ابن تميم. أما بعد فقد بلغني كتابك، ودلني على قلة رأيك. وفهمت قولك في إبراهيم؛ فأن كانت نصيحة، فليس من خان الله والخليفة مقبول منه ما نصح به! وإن كانت خديعة، فأقبح الخداع ما فطن له!) وفي آخر كتابه (طويل) :
وإني لأرجو إن لقيت ابن أغلب
…
إذا في المنايا أن تفل وتقتلا
تلاقي فتى يستصحب الموت في الوغى
…
ويحمي بصدر الرمح عزا موثلا
وأقبل تمام من تونس بعسكر عظيم؛ وأمر ابن العكي من كان معه من أهل الطاعة بالخروج إليه، مع إبراهيم بن الأغلب؛ فتقاتلوا قتالا شديدا؛ فانهزم تمام، ورجع إلى تونس. وانصرف ابن العكي إلى القيروان، وأمر إبراهيم ابن الأغلب بالمسير إلى تونس.
وفي سنة 184 خرج العسكر من القيروان لحصار تونس وقتال تمام؛