الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر قتل عبيد الله الشيعي لأبي عبد الله
الشيعي وأبي زاك
وذلك أن عبيد الله كتب إلى (ماقنون بن دبارة الأجاني) عامله بطرابلس يأمره بقتل أبي زاك تمام بن معارك الأجاني على بنية بناها ونية نواها في قتله وقتل أبي عبد الله الشيعي بعده فبعث عامل طرابلس في أبي زاك! وكان عمه، ثم عرض عليه كتاب عبيد الله إليه يأمره يقتله. فلما قرأه أبو زاك قال له: يا عم نفذ ما أمرت به! فقدمه فصرب عنقه، وكتب إلى عبيد الله بخبر قتله مع حمام وصل إلى رقادة من ساعته، وذلك يوم الثلاثاء، غرة ذي الحجة سنة 298. فلما وصل الخبر إلى عبيد الله الشيعي، أمر عروبة ابن يوسف الملوسي وجبر بن مناسب الميلي أن يكمنا خلف قصر الصحن، فإذا مر بهما أبو عبد الله الشيعي وأخوه أبو العباس طعنوهما بالرماح حتى يموتا. فكمنا لهما هناك مع جماعة من كتامة. وبعث عبيد الله في أبي عبد الله وأبي العباس ليحضرا طعاما على جاري عادتهما معه. فلما مرا بالموضع الذي فيه الكمين، خرج عليهما فصاح أبو عبد الله بعروبة: لا تفعل يا ولدي! فقال له: أمرني بقتلك من أمرت الناس بطاعته (وانخلعت له من الملك بعد توطئته ثم طعمه بيده طعنة واحدة خر منها صريعا، ووقعت في أبي العباس تسع عشرة طعنة، وذلك يوم الثلاثاء وقت الزوال، مستهل ذي الحجة. ومكثا صريعين (على صف الحفير المعروف بالبحر) إلى بعد الظهر، ثم أمر عبيد الله بدفنهما، فدفنا في الجنان، وقال: رحمك الله أبا عبد الله، وجازاك في الآخرة (بقديم سعيك) ! ولا رحمك الله أبا العباس، إنك صددته عن السبيل وأوردته موارد الهلاك! ثم قرأ: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وأنهم ليصدونهم عن السبيل
ويحسبون أنهم مهتدون "! وكتب إلى الشيعة بالمشرق في أمرهما: أما بعد فقد علمتم محل أبي عبد الله وأبي العباس من السلام. فاستنزلهما الشيطان فطهرتهما بالسيف والسلام! وحدّث الثقة أن أبا عبد الله نلام في حضرة أحابه وعنده جماعة من دعاة كتامة فتحرك في نومه فانكشفت سوئته، فنظر بعضهم إلى بعض، ولم يقدموا أن يستروه. فمد عروبة بن يوسف يده إلى الملحفة التي كانت عليه فستره بها وانتبه أبو عبد الله فقال: من سترني إذا انكشفت؟ فقال له عروبة: هو والله قاتلي! فجعل عروبة يبكي بين يديه ويقول له: يا سيدي مر بقتلي! فقال له: لا سبيل إلى ذلك! لكنك والله قاتلي! فكان الأمر كما كان ذكره.
واحتجب عبيد الله عن كتامة أياما كثيرة، ثم أمنهم وأدخلهم على نفسه مفترقين على حذر منهم ثم عمل على جماعة منهم، فقتلهم بأصناف من القتل. وفيها خرج سي بن دوقان ورجاء بن أبي قنة، إلى لواتة في عسكر ضخم. فقتلوهم، وغنموا أموالهم وسبوا ذرياتهم (وقرى بذلك كتاب عبيد الله بالقيروان وأعمالها، وفي سنة 299، أخرج عبيد الله إلى المغرب جماعة من قواده لمحاربة زناتة في عساكر عظيمة، فكانت بينهم وبين زناتة وقعة عظيمة بموضع يعرف بفلك مديك، قتل فيها من زناتة عدد لا يحصى. وفيها فتحت مدينة تبهرت، وكان أهلها قد ثاروا على دواس عاملها وأرادوا قتله فهرب منها إلى تبهرت القديمة وتحصن بها. وقتل فيها أكثر أصحابه، وكانوا في نحو ألف فارس. واستدعوا محمد بن خزر فقدم عليهم وأدخلوه البلد، وولوه، وبرزوا
إليه بأم دواس وعياله وأكثر سلاحه ثم خذلوه وخذلهم، فزال عنهم وانصرف إلى موضعه. ثم أخرج عبيد الله العساكر إلى تبهرت في أعداد عظيمة وخلق لا يحصى كثرة فنزلت عليها يوم الجمعة لانسلاخ المحرم، وحروب أهلها ثلاثة أيام. ثم أخذوا بالكيد ودخلت العساكر تبهرت يوم الثلاثاء لأربع خلون من صفر فقتلوا الرجال وسبوا النساء والذرية وانتهبوا الأموال، وحرقوا المدينة بالنار. وبلغ عدد القتلى بها ثمانية آلاف رجل. ثم ولى عبيد الله تبهرت مصالة بن حبوس بن منازل بن بهلول المكناسي. وانصرف دواس ابن صولات إلى مدينة رقادة. وقتله عبيد الله بعد ذلك.
وفيها كانت بالقيروان زلازل وهدات، وخسف بقرية في الساحل تعرف بالباس. وفيها كانت واقعة كتامة بالقيروان يوم الثلاثاء لعشر بقين من شعبان فقتل منهم في الأزقة والأسواق أكثر من ألف رجل، وذلك أن كتامة كانوا يسألون عبيد الله أن يطلق أيديهم على نهب القيروان وكان يسوفّهم في ذلك، ويعلق أطماعهم به، وهم يتحاملون علة أهل القيروان بالتطاول والأذى حتى شرق الناس بهم، فقاموا عليهم في بعض الأيام بسبب استطالة رجل من جند كتامة على رجا من تجار أهل القيروان. فلما دافعوه عنه، شهروا عليهم السلاح وأرادوا نب الحوانيت. فصاح أهل الأسواق (النفير، النفير) فقتل من كتامة أكثر من ألف رجل. وركب احمد بن أبي خنزير صاحب مدينة القيروان، فسكن الناس، وأمر بتغييب القتلى، فطرحوا في المراحيض. ولحق من كان حوالي رقادة من كتامة ببلادهم. فلما حصلوا بها، أظهروا الخلاف على عبيد الله. وقدموا على أنفسهم حدثا يعرف بالمارطي واسمه كادوا بن معارك وجعلوه قبلة يصلون إليه وزعموا انه المهدي المنتظر، وكتبوا كتابا فيه شريعة زعموا أنها نزلت عليه. فتغلب على جميع
الزاب، وقوى أمره، واشتدت شوكته. فأخرج إليه عبيد الله قوادا حاربوهم وهرب إليهم أحد القواد وهو صولات بن جندة في نحو مائتي رجل، ثم أخرج عبيد الله أبنه أبا القاسم إلى بلد كتامة لمحاربة المارطي ففصل من رقادة من يوم السبت لخمس بقين من شهر رمضان. فافتح مدينة القسطنطينية من أرض كتامة وغيرها ز وكانت له على المارطي وقائع. وهرب من قواد أبي القاسم إلى المارطي رجال، ثم أمنهم أبي القاسم ولاطفهم حتى انصرفوا إليه.
وفيها قتل بالقيروان قوما اتهموا بالميل مع أبي عبد الله الشيعي، إذ نوى الغدر بعبيد الله، ومنهم محمد ابن أبي سعيد الميلي صاحب السوق، وعبد الله ابن محمد المعروف بابن القديم، ومحمد ابن أبي رحال الباغائي، وأبو الوهب بن عمرو بن زرارة العبدري، وجماعة من بني الغلب وقوادهم. وقتل أبو إبراهيم المعروف بابن البجاري القرشي الفهري، وهو القائم على إبراهيم بن أحمد بنم الأغلب مع أهل تونس. وفيها ولد أبو الطاهر إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله الشيعي وولي أفريقية سبع سنين. وفيها مات زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب الهارب من أفريقية إلى مصر ودفن ببيت المقدس، (وكان لما فر عن القيروان بعياله وماله وألف سقلبي ترك جارية فغنت له محركة على حمل نفسها (منسرح)
لم انس يوم الوداع موقفها
…
وجفنها في دمعها غرق
وقولها والركاب واقفة
…
تتركني سيدي وتنطلقوا
قال المظفري فحط حمل مال، وحملها في مكانها. وقال عريب فدمعت عيناه، واشتغل عنها نما هو فيه، فتركها. ووصل إلى مصر فبقية عن عيسى النوسري صاحبها ثمانية أيام، ورحل إلى الرقة، فمنع الدخول إلى بغداد وأمر بالانصراف إلى مصر فسمه بعض عبيده فمات.
وفيها، مات من الفقراء المدنيين، وأهل العلم باللغة والنحو وفصاحة اللسان، عبد الله بن محمد التميمي المعروف بالبيدى، وهو من ولد عباد بن كثير ما ابن سبع وثمانين سنة.
وفي سنة 300، خالف أهل مدينة طرابلس على عبيد الله الشيعي، إذ كان قد استعمل عليهم ماقنون بن دبارة الأجاني؛ فبسط أيدي بني عمه من كتامة على الناس، وتطاولوا إلى الحرم، فتحرك السواد، ومدوا أيديهم إلى من لقوا من كتامة، فقتلوهم، وهرب ماقنون. وأغلق أهل طرابلس أبواب المدينة، وقتلوا من كان داخلها من كتامة، وقدموا على أنفسهم حمد بن إسحاق، المعروف بابن القرلين، ولحق ماقنون بعبيد الله. فأخرج إليهم جيشا، وحاربهم شهورا. وفيها، قفل أبو قاسم الشيعي (من بلد كتامة) إلى رقداة، ومعه المارطي الثائر وأصحابه أسرى فطوفوا بالقيروان على الجمال، وعليهم القلانس الطوال المشمرة بالقرون والمصافع، فقتلوا بمدينة رقادة. وفيها، خالفت جزيرة صقلية، وثاروا بالحسن وعلى أبني أحمد بن محمد بن أبي الخنزير العاملين عليها، وطاردوهما، وانتهبوا دورهما. وأرادوا أهل صقلية أن يقدموا على أنفسهم أحمد بن زيادة الله بن قرهب، فامتنع عليهم، وهرب منهم وتوارى عنهم في غارة، فاجتمع وجوه أهل البلدة عليه، وأوثقوه من أنفسهم أنهم لا يخذلونه. فتولى أمرهم، وكتب إلى المقتدر ببغداد بأن يكون داعيا له، وقائما بأمره بجزيرة صقلية، فأنفذ المقتدر ذلك له، وبعث إليه بألوية سود، وخلع سود، وطوق ذهب، ووصل ذلك إلى أحمد بن زيادة الله بن قرهب، فسر به، وأظهر الحزم والجد في أمره.
وفيها، خرج أبو القاسم بن عبيد الله لمحاربة طرابلس وفصل من
رقادة يوم الأحد لليلتين خلتا من جمادى الأولى. ووجه إليها عبيد الله في البحر خمسة عشر مركبا حربية. فلما وصلت إلى طرابلس أخرجوا إليها مراكبهم فحرقوا الأسطول، وقيلوا من فيه. وسار أبو القاسم في البر نحو طرابلس فأوقع بأهل هوارة، ثم نزل على طرابلس فحاربها وحاصرها حتى أكلوا الميتة فرغبوا إلى أبو القاسم في الأمان، فأمنهم إلى ثلاثة أنفس اشترط التحكم فيهم: وهم محمد بن إسحاق القرشي ومحمد بن نصر ورجل يعرف بالحوحة. فدخل طرابلس وتحكم فيها. ثم قفل بالعسكر إلى رقادة وبين يديه الثلاثة الذين تقدم ذكرهم، فطوفوا بالقيروان على الجمال بالقلانس، ثم قتلوا.
وفيها، قتل أبو القاسم في مدينة طرابلس عند افتتاحه لها، من كان معه من بني الأغلب وقوادهم.
وفيها، خرج عبيد الله من مدينة رقادة إلى تونس وقرطاجنة ونواحي البحر، يرتاد موضعا يتخذه دار مملكته. فوقع اختياره على جزيرة جمة فابتدأ ببنائها، وهي التي تسمى بالهدية.
وفيها، ولي أبو جعفر محمد بن أحمد بن هارون البغدادي ديوان البريد فلم يزل يتولى ذلك إلى أن هلك. وفيها، قتل بالقيروان محمد بن أبي أيوب المعروف بأبي العاهة وكان ممن رفع عليه أنه يحاول القيام على عبيد الله فأختفى، وهدمت بسببه دور، ثم خرج بنصيحة أظهرها لعبيد الله في أهل القيروان فغفل عنه أيام، ثن قتله. وفيها، قتل من التجار أبناء الأندلسيين بالقيروان أبو جعفر بن خيرون صاحب المسجد الشريف والفنادق المجاورة للسجن بسعي، كان القاضي المروذي عليه وشهادة شهد بها أن قِبَلَه وديعة كبيرة فطولب بها وعذب حتى مات
وفي سنة 301 أخرج عبيد الله الشيعي حباسة ابن يوسف بالجيوش إلى المشرق؛ فدخل مدينة سرت بالأمان، وهرب من كان فيها من جند بني العباس، وقرى بذلك كتاب في الجوامع بأفريقية. ودخل حباسة مدينة أجدابية بالأمان أيضا، وهرب من كان فيها لبني العباس. ودخل مدينة برقة. وكان عبيد الله يمد حباسة بن يوسف بالجيوش، فكلما دخل مدينة قتل أهلها، وأخذ أموالهم، وعاث فيهم، وتعلل على أهل العافية منهم، حتى لقد أخذ ببرقة جماعة كانوا يلعبون بالحمام؛ فأضرم لهم النار وأجلسهم حواليها، وأمرهم أن تقطع لحومهم وتشوى، ثم يطعمونها؛ وقذفهم بعد ذلك في النار، وقال:(إن هذه الحمام تأتيهم بالأخبار من قبل بني العباس!) وبرح ببرقة: (من أراد العطاء والرزق الواسع فليأتي!) فأكتب عنده جماعة، وأمر العرفاء من كتامة بأن يعرفوا بأعينهم، ويرقب كل واحد منهم رجلا من أولئك المكتتبين عنده، ثم أمرهم أن يحضروا بالغداة لأخذ الأرزاق، فلما حضروا، قتل جميعهم، وكانوا نحو من ألف رجل، فأمر بجمع جثثهم، ووضع عليها كرسيا، وجلي فوقهم، ثم أدخل وجوه أهل البلد، فنظروا إلى ما هالهم من كثرة القتلى، ومات منهم ثلاث من الخوف والرعب، فلما مثل أهل البلد بين يديه، سبهم، وقال:(أن لم تحضروني غدا مائة ألف مثقال، قتلتكم أجمعين) فأحضروه إياها. ووردت على حباسة عساكر عظيمة من مصر لمحاربتهم؛ فدارت بينهم حرب عظيمة، كانت فيها ردعات على حباسة، ثم انهزمت جيوش مصر، وأتبعهم حباسة، وقتل كثير منهم.
وفيها، قتل حباسة بن يوسف حارثا ونزارا أبني حمال المزتاني، في نفر من أبنائهم وبني عمهم، بمدينة برقة،، وباع نسائهم، وأخذ جميع أموالهم، إذ كان عبيد الله الشيعي قد خطر بهم في حين قدومه من مصر؛ فأدعى أنهم سرقوا له حمل مال ومتاع. فلما طلب ذلك عندهم، قام إليه رجل منهم، فشمته ولطمه؛