الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتمة وفيها مهمان:
1-
المجازات1 اللغوية المفردة يجب إقرارها حيث وردت، ولا يجوز تعديها إلا بإذن وتوقيف من اللغة، فإذا استعير لفظ الأسد للشجاع لما يربطهما من معنى الشجاعة يجب إقراره، ولا يجوز تعديته واستعارته للرجل الأبخر لعلاقة المشابهة بينهما، ولفظ نخلة إذا استعير للرجل الطويل بجامع الطول في كل، لا يصح أن نعديه، ونطلقه على الحبل من أجل طوله.
أما المجازات العقلية فيجوز تعديها إلى غير محالها التي وردت فيها، فكما ورد قوله تعالى:{أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} 2، قيل: تكاثرت أشواقي وأسقمني فقدك وأحيتني مشاهدتك، إلى غير ذلك مما لا يكاد يضبط في الرسائل والمواعظ والخطب كما قال ابن نباتة الخطيب: إنه الموت حسام أزهق النفوس ذبابه3، كذا في الطراز.
2-
المجاز خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا لباعث يرجع إما إلى اللفظ، وإما إلى المعنى، وإما إليهما جميعا:
أ- فما يرجع إلى اللفظ أن يكون المجاز أخف على اللسان من الحقيقة كما نشعر بذلك في مثل لفظ الخنفقيق "الداهية"، أو يكون صالحا للقافية أو السجع وهي لا تصلح لذلك، أو يكون مألوف الاستعمال والحقيقة غريبة وحشية.
ب- ومما يرجع إلى المعنى، قصد التعظيم، كما تقول: سلام على المجلس،
1 وهي كون مثل هذا استعارة بالكناية.
2 سورة يونس الآية: 24.
3 الذباب: طرف السيف الذي يضرب به.
الكريم عادلا، إلى المجاز، تعظيما للمخاطب وتشريفا له عن أن يخاطب بلقبه، أو المبالغة مع الإيجاز، كما تبين لك ذلك فيما سلف.
جـ- ومما يرجع إليهما تحسين اللفظ ودقة المعنى من أجل أن الشيء إذا عرف من بعض الوجوه دون بعض تاقت النفس إلى تحصيل ما ليس بمعلوم لها، وذلك لا يتسنى إلا عند التعبير بالمجاز، أما عند التعبير بالحقيقة فيحصل العلم به من جميع الوجوه، لا جرم كان التعبير بالمجاز أقرب إلى تحسين الكلام وتجميله.
أسرار البلاغة في المجاز العقلي:
المجاز العقلي ضرب من التوسع في أساليب اللغة، وفن من فنون الإيجاز في القول ألا ترى أن إسناد الفعل إلى سبيله وجعله الفاعل المؤثر دليل على ما كان لهذا الأثر من شديد الصلة في صدور الفعل، وكأنه هو الذي صدر منه.
انظر إلى قول ابن الرومي:
أرى الشعر يحيي الناس والمجد بالذي
…
تبقيه أرواح له عطرات
فما المجد لولا الشعر إلا معاهد
…
وما الناس إلا أعظم نخرات
تره قد جعل حياة الناس ومآثرهم رهينة الشعر بما ينشر من فضائلهم ويذكره من جليل إحسانهم وعظيم إنعامهم فيبقى على كر الغداة ومر العشي.
وكذلك تجد ما في نسبة الحادث، إلى زمانه أو مكانه، من دلالة على التعميم والشمول، فإن الفعل إذا أريد بيان شموله، وأنه يعم كل من يكنه المكان أو يحيط به الزمان نسب إلى المكان أو الزمان، تأمل قوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام:{إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 1، تره أراد أن يجعل الشيب قد عم رأسه حتى صار كأنه نار، أضاف الاشتعال إلى الرأس لا إلى الشعر، مع أن المقصود هو بيان ابيضاض الشعر.
وانظر إلى طرفة بن العبد تره قد نسب إبداء المجهول إلى الأيام وهي لا تظهره بل يظهر فيها، ويستبين من أمره ما كان خفيا، في قوله:
ستبدي لكل الأيام ما كنت جاهلا
…
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقد جعل ذلك شيمة الزمان وطبيعة الحدثان، في كل عصر وأوان، ولا تجد ذلك المعنى مستبينا إذا أنت قد قلت: سيبدو على صفحات الزمان ما كان أمره خفيا، وما لم تجده من الشئون جليا.
1 سورة مريم الآية: 4.