المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع: في الخروج عن مقتضى الظاهر - علوم البلاغة

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌نبذة في تاريخ علوم البيان:

- ‌المقدمة

- ‌في حقيقة الفصاحة والبلاغة لغة واسطلاحا

- ‌الفصاحة

- ‌مدخل

- ‌فصاحة الكلام:

- ‌فصاحة المتكلم:

- ‌البلاغة

- ‌بلاغة الكلام

- ‌تداريب وتمارين:

- ‌علم المعاني

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: الخبر

- ‌المبحث الأول في تعريف الخبر

- ‌المبحث الثاني: في تأليف الجمل

- ‌المبحث الثالث: في الغرض من إلقاء الخبر

- ‌المبحث الرابع: في طريق إلقاء الخبر

- ‌المبحث الخامس: في الجملة الاسمية والفعلية

- ‌نماذج وتمارين:

- ‌الباب الثاني: في الإنشاء

- ‌المبحث الأول: في تعريف الإنشاء

- ‌المبحث الثاني في التمني:

- ‌المبحث الثالث: في الاستفهام

- ‌المبحث الرابع: في الأمر

- ‌المبحث الخامس: في النهي

- ‌المبحث السادس: في النداء

- ‌الباب الثالث: في الذكر

- ‌الباب الرابع: في الحذف

- ‌المبحث الأول: في مزايا الحذف وشروطه

- ‌المبحث الثاني: في حذف المسند إليه

- ‌المبحث الثالث: في حذف المسند

- ‌المبحث الرابع: في حذف المفعول

- ‌الباب الخامس: في التقديم

- ‌المبحث الأول: في مزايا التقديم وأقسامه

- ‌المبحث الثاني: في تقديم المسند إليه

- ‌المبحث الثالث: في تقديم المسند

- ‌المبحث الرابع: في تقديم متعلقات الفعل

- ‌الباب السادس: في التعريف

- ‌المبحث الأول: في الفرق بين النكرة والمعرفة والداعي إلى التعريف

- ‌المبحث الثاني: في تعريف المسند إليه بالإضمار

- ‌المبحث الثالث: في تعريف المسند إليه بالعلمية

- ‌المبحث الرابع: في تعريف المسند إليه باسم الإشارة

- ‌المبحث الخامس: تعريف المسند إليه بالموصولية

- ‌المبحث السادس: في تعريف المسند إليه باللام

- ‌المبحث السابع: في تعريف المسند إليه بالإضافة

- ‌المبحث الثامن في تعريف المسند:

- ‌الباب السابع في التنكير:

- ‌الباب الثامن: في التقييد

- ‌المبحث الأول: في فوائد التقييد

- ‌المبحث الثاني: في التقييد بالمفاعيل ونحوها

- ‌المبحث الثالث: في التقييد البتوابع

- ‌المبحث الرابع: في التقييد بضمير الفصل

- ‌المبحث الخامس: في التقييد بالشرط

- ‌الباب التاسع: في الخروج عن مقتضى الظاهر

- ‌الباب العاشر: في القصر

- ‌المبحث الأول: في تعريفه لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: في طرقه

- ‌المبحث الثالث: في تقسيمه باعتبار الواقع والحقيقة

- ‌المبحث الرابع: في تقسيمه باعتبار حال المقصور

- ‌المحبث الخامس: في تقسيمه باعتبار حال المخاطب

- ‌المبحث السادس: في مواقع القصر

- ‌الباب الحادي عشر: في الفصل والوصل

- ‌تمهيد في قة مسلكه وعظيم خطره

- ‌المبحث الأول: في وصل المفردات وفصلها

- ‌المبحث الثاني: في وصل الجمل

- ‌المبحث الثالث: في الجامع

- ‌المبحث الرابع: في محسنات الوصل

- ‌الباب الثاني عشر: في الإيجار والإطناب والمساواة

- ‌المبحث الأول: في دقة مسلكها واختلاف الأئمة في تعريفها

- ‌المبحث الثاني: في الإيجار

- ‌المبحث الرابع: في الإطناب

- ‌المبحث الخامس: الإيجار أفضل أم الإطناب

- ‌نموذج عام على المعاني:

- ‌علم البيان

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في التشبيه

- ‌المبحث الأول: في شرح حقيقة وبيان جليل فائدته

- ‌المبحث الثاني: في الطرفين

- ‌المبحث الثالث: في تقسيم التشبيه

- ‌المبحث الرابع: في تقسيم التشبيه

- ‌المبحث الخامس: في وجه الشبه

- ‌المبحث السادس: في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى تمثيل وغيره

- ‌المبحث السابع: في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى مجمل مفصل

- ‌المبحث الثامن: في تفسير التشبيه باعتبار الوجه إلى قريب مبتذل وبعيد غريب

- ‌المبحث التاسع: في الكلام على أدوات التشبيه

- ‌المبحث العاشر: في تقسيم التشبيه باعتبار الإدارة

- ‌المبحث الحادي: عشر في الغرض من التشبيه

- ‌المبحث الثاني عشر: في أقسام التشبيه باعتبار الغرض

- ‌تداريب وتمارين:

- ‌الباب الثاني: في الحقيقة والمجاز

- ‌المبحث الأول: في أقسام الحقيقة

- ‌المبحث الثاني: في تعريف الحقيقة

- ‌المبحث الثالث: في تعريف المجاز وأقسامه

- ‌المبحث الرابع: في المجاز المرسل

- ‌المبحث الخامس: في الاستعارة ومنزلها في البلاغة

- ‌المبحث السادس: في الاستعارة أمجاز لغوي هي أم مجاز عقلي

- ‌المبحث السابع: في قرينة الاستعارة

- ‌المبحث الثامن: في انقسام الاستعارة إلى عنادية ووفاقية

- ‌المبحث التاسع: في انقسامها باعتبار الجامع إلى داخل وخارج

- ‌المبحث العاشر: في انقسامها باعتبار الجامع أيضا إلى عامية وخاصية

- ‌المبحث الحادي عشر: في انقسامها باعتبار الطرفين والجامع

- ‌المبحث الثاني: عشر في تقسيم الاستعارة إلى مصرحة ومكنية

- ‌المبحث الثالث عشر: في مذهب السكاكي والخطيب القزويني في المكنية

- ‌المبحث الرابع عشر: في تقسيم الاستعارة التصريحة لدى السكاكي إلى تحقيقية وتخييلية ومحتملة لهما

- ‌المبحث الخامس عشر: في انقسامها إلى أصلية وتبعية

- ‌المبحث السادس عشر: في تقسيمها إلى مرشحة ومجردة ومطلقة

- ‌المبحث السابع عشر: في حسن الاستعارة وقبحها

- ‌المبحث الثامن عشر: في المجاز المركب

- ‌المبحث العشرون: في المجاز العقلي أو المجاز الحكمي

- ‌تتمة وفيها مهمان:

- ‌تداريب وتمارين

- ‌الباب الثالث: في الكناية

- ‌المبحث الأول: في تعريفها

- ‌المبحث الثاني: في أقسامها من حيث المكني عنه

- ‌المبحث الثالث: في أقسامها من حيث الوسائط

- ‌المبحث الرابع: في حسن الكناية وقبحها

- ‌خاتمة:

- ‌نماذج وتمارين:

- ‌مزايا دراسة البيان في صوغ مختلف الأساليب:

- ‌علم البديع

- ‌مدخل

- ‌المحسنات المعنوية

- ‌المحسنات اللفظية:

- ‌السوقات الشعرية وما يتصل بها

- ‌مدخل

- ‌خاتمة:

- ‌تداريب وتمارين:

- ‌فرائد من البلاغة:

- ‌فهرس الكتاب:

الفصل: ‌الباب التاسع: في الخروج عن مقتضى الظاهر

‌الباب التاسع: في الخروج عن مقتضى الظاهر

ما مضى في الأبواب السالفة هي الأحوال التي يلاحظ فيها البليغ مقتضى ظاهر الحال، وقد يعدل عنها لنكنة، فعلى المخاطب أن يبحث عن سبب العدول مستعينا بالقرائن، ويسمى ذلك: الخروج عن مقتضى الظاهر.

وقد سبق ذكر شيء من أحواله نبهناك عليه في حينه، كتنزيل العالم منزلة الجاهل، والمعقول منزلة المحسوس، وقد بقي منه أمور أهمها1 تجاهل العارف "مزج الشك باليقين" وهو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه ليزداد تأكيدا، والداعي إليه:

1-

إما المدح كقول ذي الرمة:

أبا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النقي آأنت أم أم سالم2

وقول أبي هلال العسكري:

أثغر ما أرى أم أقحوان

وقد ما أرى أم خيزران

2-

وإما الذم كقول زهير:

وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

3-

وإما التعجب كقوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} 3.

4-

وإما التوبيخ كقول ليلى بنت طريف الخارجية في أخيها الوليد:

أيا شجر الخابور مالك مورقا

كأنك لم تجزع على ابن طريف4

1 سماء بن رشيق العمدة التشكيك وفائدته الدلالة على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما ولا يتخفى ما له من حسن الروعة وجمال الموقع.

2 الوعساء وجلاجل، والنقي مواضع.

3 سورة الطور الآية: 15.

4 الخابور نهر بديار بكر يصب في الفرات.

ص: 140

الالتفات: وهو فن من البلاغة، ملاكه الذوق السليم، والوجدان الصادق، ويلقب "بشجاعة العربية" لأن فيه ورود الموارد الصعبة واقتحام مضايق الأساليب.

وحقيقته التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة: التكلم، والخطاب، والغيبة، بعد التعبير عنه بطريق آخر منها، وذلك ست صور:

1-

فمن التكلم إلى الخطاب نحو: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1 دون "أرجع".

2-

ومن التكلم إلى الغيبة نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 2 دون "لنا".

3-

ومن الخطاب إلى التكلم نحو قول علقمة بن عبدة العجلي:

طحا بك قلب في الحسان طروب

بعيد الشباب عصر حان مشيب3

تلكفني ليلى وقد شط وليها

وعادت عواد بيننا وخطوب

وكان مقتضى الظاهر يكلفك أي: القلب.

4-

ومن الخطاب إلى الغيبة نحو: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} 4 دون "بكم".

5-

ومن الغيبة إلى التكلم نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} 5 دون "فساقه".

6-

ومن الغيبة إلى الخطاب نحو: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ} 6 دون "إياه".

1 سورة يس الآية: 22.

2 سورة الكوثر الآيتان: 1 و2.

3 طحا ذهب، وبعيد تصغير بعد، وحان قرب، والولي القرب، وفاعل يكلف القلب، أي: يطالبني القلب بوصل ليلى.

4 سورة يونس الآية: 22.

5 سورة فاطر الآية: 9.

6 سورة الفاتحة الآية: 3.

ص: 141

ووجه حسنه ما ذكره الزمخشري، وهو أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع، وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد، ومن ثم قيل: لكل جديد لذة، وقد تختص مواقعه بلطائف كما في سورة الفاتحة، فإن العبد إذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكره لما هو فيه بقوله: الحمد لله، الدال على الختصاصه بالحمد، وأنه حقيق به وجد من نفسه محركا للإقبال عليه، فإذا انتقل إلى قوله: رب العالمين، الدال على أنه: مالك للعالمين، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته، قوي ذلك المحرك، وهكذا كلما أجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوي ذلك المحرك، إلى أن يئول الأمر إلى خاتمتها المفيدة أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء، حينئذ يجد من نفسه إقبالا عليه وتخصيصا له بالخطاب بغاية الخضوع والاستعانة به في المهمات.

الأسلوب الحكيم: وسماه الإمام عبد القاهر: المغالطة، وهو نوعان:

1-

تلقي المخاطب1 بغير ما يترقب بحمل كلامه على غير ما يريد تنبيها على أنه الأولى بالقصد، كقول ابن حجاج البغدادي:

فقلت ثقلت إذ أتيت مرارا

قال ثقلت كاهلي بالأيادي

قلت طولت قال لا بل تطو لـ

ـت وأبرمت قال حبل ودادي

فلفظ ثقلت وقع في كلام المتكلم بمعنى حملتك المئونة فحمله المخاطب على تثقيل عاتقه بالمنن والأيادي.

2-

تلقي السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأهم كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} 2، فقد سألوا عن بيان ما ينفقون فأجبيبوا ببيان المصارف تنبيها على المهم هو السؤال عنها؛ لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها.

1 التلقي المواجهة. والمخاطب "بفتح الطاء" أي: تلقي المتكلم بالكلام الثاني المخاطب به، وهو المتكلم بالكلام الأول.

2 سورة البقرة الآية: 215.

ص: 142

لإضمار في مقام الإظهار، وذلك في موضعين.

1-

باب ضمير الشأن والقصة، ويكون مرفوعا نحو: هي الدولة استعدت، وهو الحق حصحص، ومنصوبا نحو:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} 1 وسر هذا الأسلوب المبالغة وتعظيم تلك القصة وتفخيمها، من قبل أن الشيء إذا كان مبهما كانت النفوس متشوقة إلى فهمه، متطلعة إلى علمه، فإذا وضح وفسر حل محلا رفيع القدر لديها، ومن ثمة لا يكون إلا في المواضع التي يقصد فيها التهويل.

2-

باب نعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمد، وبئس غلاما سعيد، وانتصاب ما بعدهما من النكرات يجيء على جهة التفسير، والداعي إليه المبالغة في المدح أو الذم، من حيث إنه عند الإبهام يكون للأفئدة تطلع إلى إيضاح المبهم وشغف إلى بيانه.

الإظهار في مقام الإضمار، فإن كان المظهر اسم إشارة كان:

1-

إما لكمال العناية به لأجل اختصاصه بحكم غريب، كقول ابن الراوندي2:

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة

وصير العالم النحرير زنديقا3

فأتى باسم الإشارة لأجل الحكم البديع الذي اختص به المشار إليه وهو تركه الأوهام حائرة وتصييره العالم التحرير زنديقا.

2-

وإما للتهكم بالسامع، كما إذا كان فاقد الصبر، فتقول له: هذا الهلال بين السحاب.

3-

وإما لإظهار بلاهته، كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو: فجئني بمثلهم.

1 سورة الحج الآية: 46.

2 هو أحمد بن يحيى الراوندي المتوفى سنة 291هـ، اتهم بالزندقة ونسب إليه أنه عارض القرآن، وأتى بما تضحك منه الثكلى.

3 أعيت أعجزت، ومذاهبه وسائل عيشه، والزنديق من يبطن الكفر ويظهر الإسلام، واسم الإشارة يعود إلى الحكم السابق وهو حرمان العاقل ورزق الجاهل.

ص: 143

4-

وإما لكمال فطنته حتى كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو:

تعاللت كي أشجى وما بك علة

تريدين قتلي قد ظفرت بذلك1

أي: بقتلي، وكان من حقه أن يقول به لكنه ادعى أن قتله قد ظهر ظهور المحسوس، وإن كان المظهر غير اسم إشارة، فإما:

1-

لزيادة تمكينه في ذهن السامع نحو: {اللَّهُ الصَّمَدُ} 2، ونحو:{الْحَاقَّةُ، مَا الْحَاقَّةُ} 3، وقول الحماسي:

شددنا شدة الليث

غدا والليث غضبان

2-

وإما للاستعطاف والخضوع الموجبين للشفقة، كقوله:

إلهي عبدك العاصي أتاكا

مقرا بالذنوب وقد دعاكا

3-

وإما لإدخال الروعة والمهابة في نفس السامع نحو: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 4، لاندراج كل كمال تحت لفظ الجلالة فأجدر به أن يكون موضع النكلان.

4-

وإما للتهكم والتعجب، نحو:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} 5، ثم قال بعد:{وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} 6، فالغرض شد النكير عليهم والتعريض بأنهم حقا أهل التمرد والعناد.

التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للدلالة على تحقيق وقعه، نحو:{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} ، فقد جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع، ومثله التعبير عنه باسم الفاعل نحو:{وَإِنَّ الدِّينَ 7 لَوَاقِعٌ} بدل يقع، أو باسم المفعول، نحو:{ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} 8 بدل يجمع.

1 تعاللت: ادعيت العلة، أشجى: أحزن.

2 سورة الإخلاص الآية: 2.

3 سورة الحاقة الآية: 1.

4 سورة آل عمران الآية: 159.

5 و6 سورة ص الآيات 1 و2 و4.

7 أي: الجزاء حاصل، فوقوع الجزاء استقبالي "سورة الذاريات".

8 سورة هود الآية: 103.

ص: 144

"القلب"، وهو جعل جزء من أجزاء الكلام مكان الآخر، والآخر مكانه، على وجه1 يثبت حكم كل منهما للآخر، وهو قسمان:

1-

ما يكون موجبه تصحيح حكم لفظي فقط والمعنى صحيح بدونه، كقول القطامي:

قفي قبل التفرق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الودعا2

لما نكر موقفا وهو في وضع المبتدأ وعرف الوداع وهو في موضع الخبر جعل من "باب القلب".

2-

ما يكون موجبه تصحيح المعنى، كقولهم: عرضت الناقة على الحوض، وأدخلت القلنسوة في الرأس، مكان: عرضت الحوض على الناقة، وأدخلت الرأس في القلنسوة، إذ الأصل أن يجاء بالمعروض إلى المعروض إليه، وأن ينقل المظروف إلى الظرف لا بالعكس كما هنا.

والصحيح جوازه إذا اشتمل على مغزى شريف ومعنى حسن، كقول رؤبة:

ومهمة مغبرة أرجاؤه

كأن لون أرضه سماؤه3

يريد كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه، فعكس التشبيه لقصد المبالغة، ونحوه قول أبي تمام يصف قلم الممدوح:

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل4

وإن لم يشتمل على اعتبار لطيف رد، كقول عروة بن الورد:

"فديت بنفسه نفسي ومالي".

"التغلب": وهو إعطاء أحد المصطحبين أو المتشاكلين حكم الآخر، وهو باب ذو شعب كثيرة، فمن ذلك.

1-

تغليب المذكر على المؤنث، نحو: وكانت من القانتين، أدرجت مريم

1 فإن لم يثبت ذلك الحكم نحو: في الدار علي، وكلم محمدًا علي، فإن كلا منهما وإن جعل في مكان الآخر باق على حكمه، لا يسمى ذلك قلبا.

2 قفي يا ضباعة ساعة حتى أودعك قبل التفرق، فلا جعل الله لنا موقف الوداع موقفا.

3 المهمة المفازة، والمغبرة المملوة بالغبار. والأرجاء النواحي.

4 الأرى العسل، واشتارته جنته، والعواسل جمع عاسلة وهي جانية العسل.

ص: 145

في القانتين من الرجال، تغليبا لهم على القانتات، وقد جروا على خلاف الغالب في ألفاظ معدودات فغلبوا المؤنث على المذكر.

2-

تغليب الكثير على القليل نحو: فسجد الملاكئة كلهم أجمعون إلا إبليس، غلب الملائكة على إبليس وهو ليس منهم، وسمى الجميع ملائكة.

3-

تغليب المعنى على اللفظ نحو: بل أنتم قوم تجهلون، بدل يجهلون، الذي ضميره للقوم ولفظه غائب مراعاة للخطاب بأنتم.

4-

تغليب المخاطب على الغائب نحو: أنت وعلي صنعتما كذا.

5-

تغليب أحد المتناسين على الآخر كالأبوين والقمرين للأب والأم والشمس والقمر، وعليه قول المتنبي:

واستقبلت قمر السماء بوجهها

فأرتني القمرين في وقت معا

6-

تغليب العقلاء على غيرهم نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

يوضع الخبر موضع الإنشاء لأغراض، منها:

1-

التفاؤل في الجمل الدعائية، نحو: وفقك الله إلى ما فيه الخير، وقول النابغة:

أتاني "أبيت اللعن" أنك لمتني

وتلك التي أهتم منها وأنصب1

2-

التباعد عن صيغة الأمر تأدبا واحتراما للسامع كما تقول لعظيم: ينظر مولاي في شأني ويقضي طلبتي، مكان: انظر واقض.

3-

التنبيه على تيسر المطلوب لوفرة الأسباب واستكمال العدة، كما يقول القائد حاثا جنده: تفتكون بالأعداء وتنزلونهم من حصونهم وتذيقونهم الردى، مكان: افتكوا وأنزلوهم وأذيقوهم.

4-

إظهار الرغبة في حصول المطلوب كما تقول في الكتاب لغائب: جمع الله الشمل وقرب أيام اللقاء.

1 أبيت اللعن أي: أبيت أن تفعل شيئا تلعن به وكانت هذه تحية الملوك، وأهتم أصير لأجلها ذا هم، والنصب التعب.

ص: 146

5-

التنبيه على سرعة الامتثال، ولو ادعاء نحو:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} 1 مكان: لا تسفكوا، مبالغة في النهي بادعاء أنهم نهوا فامتثلوا، ثم أخبروا.

6-

حمل المخاطب على الفعل بألطف أسلوب، كقولك لرجل لا تحب أن يكذبك: تجيء عدا، مكان قولك: جيء، لتحمله على المجيء؛ لأنه إن لم يأت غدا صرت كاذبا من حيث الظاهر2 لكون كلامك في صورة الخبر.

يوضع الإنشاء موضع الخبر لاعتبارات، منها:

1-

إظهار العناية بالشيء والاهتمام به، نحو:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 3 لم يقل: وإقامة وجوهكم، إشعار بالعناية بالصلاة لعظيم خطرها وجليل قدرها في الدين.

2-

التباعد عن مساواة اللاحق بالسابق، نحو:{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ} 4، لم يقل: وأشهدكم، تحاشيا عن مساواة شهادتهم بشهادة الله تعالى.

3-

الرضا بما هو حاصل كأنه مطلوب في قوله عليه السلام: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" مكان يتبوأ.

الانتقال من الماضي إلى المضارع، أو بالعكس:

1-

فالأول نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} 5 جاء تثير، بدل أثارت، لتستحضر تلك الصورة الماضية، حتى كأن الإنسان يشاهد إثارة الريح للسحاب، فيستدل من ذلك على عجيب قدرته، وباهر حكمته.

1 سورة البقرة الآية: 84.

2 أما في الحقيقة فلا كذب؛ لأنه كلام في معنى الإنشاء.

3 سورة الأعراف الآية: 29.

4 سورة هود الآية: 5.

5 سورة الروم الآية: 48.

ص: 147

2-

الثاني كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} 1 عطف ففزع على ينفخ تأكيدا للثبوت ومبالغة في الحصول ودلالة على أن ذلك كائن لا محالة.

تدريب:

بين السر في خروج التراكيب الآتية عن مقتضى الظاهر:

1-

كل خليل كنت خاللته

"لا ترك الله له واضحة"2

كلهم أروغ من ثعلب

"ما أشبه الليلة بالبارحة"3

2-

{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا4 مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} .

3-

{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} 5.

4-

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيعتك الحياء

كريم لا يغيره صباح

عن الخلق الجميل ولا مساء

5-

ألمع برق سرى أم ضوء مصباح

أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي6

6-

وقالوا قد صفت منا قلوب

نعم صدقوا ولكن عن ودادي

7-

يقول العبد للمولى إذا حول وجهه عنه: ينظر مولاي إلى هنيهة.

8-

يكون مزاحها عسل وماء.

الإجابة:

1-

وضع الخبر موضع الإنشاء للدعاية عليه في قوله: لا ترك الله له واضحة.

2-

فيه التفات بالانتقال من الخطاب إلى الغيبة في رحمة الله.

3-

فيه التفات بالانتقال من الخطاب إلى التكلم.

1 سورة يس الآية: 51.

2 الخليل الصديق، والواضحة الأسنان تبدو عند الضحك.

3 مثل يضرب لتشابه الأمور.

4 القنوط: اليأس.

5 سورة هود الآية: 90.

6 الضاحي: البارز.

ص: 148

4-

فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة.

5-

فيه تجاهل العارف.

6-

فيه الأسلوب الحكيم، فقد حمل صفاء القلوب على خلوها من الود.

7-

وضع الخبر موضع الإنشاء تأدبا في قوله: ينظر، بدل: انظر.

8-

فيه قلب، والأصل يكون: مزاجها عسلا وماء.

تمرين:

1-

تطاول ليلك بالأثمد

ونام الخلي ولم ترقد1

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذي العاثر الأرمد

وذلك من نبأ جاءني

وخبرته عن أبي الأسود

2-

{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} 2.

3-

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} 3.

4-

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} 4.

5-

فلما أن جرى سمن عليها

كما طينت بالفدن السياعا5

6-

{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} 6.

{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} 7.

7-

بكرا صاحبي قبل الهجير

إن ذاك النجاح في التبكير

1 قاله امرؤ القيس، والأثمد موضع، العاثر مرض العين.

2 سورة النساء الآية: 64.

3-

سورة البقرة الآية: 189.

4 سورة الكهف الآية: 47.

5 الفدن القصر، وسباع الطين المخلوط بالتبن وجواب لما في البيت بعد.

6 سورة الأعراف الآية: 4.

7 سورة النجم الآية: 8.

ص: 149