الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَرَّ أَبُو جَهْلٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا بَعُدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى «1» . فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ: مَنْ تَوَعَّدُ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: إِيَّاكَ، قَالَ: بِمَا تَوَعَّدُنِي؟ قال:
أوعدك بالعزيز الكريم، قال أَبُو جَهْلٍ: أَلَيْسَ أَنَا الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ؟ فَأَنْزَلَ الله: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ «2» إِلَى قَوْلِهِ: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ «3» فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا جَهْلٍ مَا نَزَلَ فِيهِ جَمَعَ أَصْحَابَهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِمْ زُبْدًا وَتَمْرًا فَقَالَ: تزقموا من هذا، فو الله مَا يَتَوَعَّدُكُمْ مُحَمَّدٌ إِلَّا بِهَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ زَقُّومِ جَهَنَّمَ أُنْزِلَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَفْسَدَتْ عَلَى النَّاسِ مَعَايِشَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابن جرير، وابن المنذ عَنْهُ أَيْضًا ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً قَالَ: لَمَزْجًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ فِي قَوْلِهِ:
لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ يُخَالِطُ طَعَامَهُمْ وَيُشَابُ بِالْحَمِيمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ، وَيَقِيلَ هَؤُلَاءِ، أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ، وَقَرَأَ «ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ قال: وجدوا آباءهم.
[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 113]
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
قالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
(1) . القيامة: 34 و 35.
(2)
. الدخان: 43 و 44.
(3)
. الدخان: 49.
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مُنْذِرِينَ ذَكَرَ تَفْصِيلَ بَعْضِ مَا أَجْمَلَهُ فَقَالَ: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ وَاللَّامُ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وَكَذَا اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ أَيْ: نَحْنُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ نُوحًا دَعَا رَبَّهُ عَلَى قَوْمِهِ لَمَّا عَصَوْهُ، فَأَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَأَهْلَكَ قَوْمَهُ بِالطُّوفَانِ. فَالنِّدَاءُ هُنَا هُوَ نِدَاءُ الدعاء وَالِاسْتِغَاثَةُ بِهِ، كَقَوْلِهِ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «1» وقوله: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ «2» قَالَ الْكِسَائِيُّ:
أَيْ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ لَهُ كُنَّا فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ الْمُرَادُ بِأَهْلِهِ أَهْلُ دِينِهِ، وَهُمْ مَنْ آمَنَ مَعَهُ وَكَانُوا ثَمَانِينَ، وَالْكَرْبُ الْعَظِيمُ: هُوَ الْغَرَقُ، وَقِيلَ: تَكْذِيبُ قَوْمِهِ لَهُ، وَمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَايَا وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ وَحْدَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ضَمِيرُ الْفَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ الْكَفَرَةَ بِدُعَائِهِ، وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ بَاقِيَةً، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَاتُوا كَمَا قِيلَ، وَلَمْ يُبْقِ إِلَّا أَوْلَادَهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ وَلَدُ نُوحٍ ثَلَاثَةٌ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ وَلَدِ نُوحٍ، فَسَامٌ أَبُو الْعَرَبِ وَفَارِسَ وَالرُّومِ وَالْيَهُودِ والنصارى. وحاتم أَبُو السُّودَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ: السِّنْدِ، وَالْهِنْدِ، وَالنُّوبِ، وَالزِّنْجِ، وَالْحَبَشَةِ، وَالْقِبْطِ، وَالْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ. وَيَافِثٌ أَبُو الصَّقَالِبِ وَالتُّرْكِ وَالْخَزَرِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ لِمَنْ مَعَ نُوحٍ ذُرِّيَّةٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ «3» وقوله: قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ «4» فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مَعْنَى وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ وَذُرِّيَّتَهُ وَذُرِّيَّةَ مَنْ مَعَهُ دُونَ ذُرِّيَّةِ مَنْ كَفَرَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَغْرَقَهُمْ فَلَمْ يُبْقِ لَهُمْ ذُرِّيَّةً وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يَعْنِي فِي الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأُمَمِ، وَالْمَتْرُوكُ هَذَا هُوَ قَوْلُهُ: سَلامٌ عَلى نُوحٍ أَيْ: تَرَكْنَا هَذَا الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ، وَارْتِفَاعِهِ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَالسَّلَامُ هُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، أَيْ: يُثْنُونَ عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسَنًا وَيَدْعُونَ لَهُ وَيَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: تَرَكْنَا عَلَيْهِ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ الذِّكْرُ هُوَ قَوْلُهُ: سَلامٌ عَلى نُوحٍ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: فِي ارْتِفَاعِ سَلَامٌ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يُقَالُ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ، أَيْ: سلامة لَهُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ بِسُوءٍ فِي الْآخِرِينَ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَيْ تَرَكْنَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بَاقِيَةً:
يَعْنِي يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا وَيَدْعُونَ لَهُ، وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ كَقَوْلِهِ: سُورَةٌ أَنْزَلْناها «5» وَقِيلَ: إِنَّهُ ضَمَّنَ تَرَكْنَا مَعْنَى قُلْنَا. قَالَ الْكُوفِيُّونَ: جُمْلَةُ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولِ تَرَكْنَا، لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى قُلْنَا. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مسعود «سلاما» منصوب بتركنا، أَيْ: تَرَكْنَا عَلَيْهِ ثَنَاءً حَسَنًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالآخرين أمة محمّد صلى الله عليه وسلم، وفي الْعَالَمِينَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ الْوَاقِعُ خَبَرًا، وَهُوَ عَلَى نُوحٍ، أَيْ: سَلَامٌ ثَابِتٌ أَوْ مُسْتَمِرٌّ أَوْ مُسْتَقِرٌّ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَمَا قِيلَ: إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ التَّكْرِمَةِ لِنُوحٍ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ، وَبَقَاءِ الثَّنَاءِ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَبَقَاءِ ذُرِّيَّتِهِ، أَيْ: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ كَانَ مُحْسِنًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ رَاسِخًا فِي الْإِحْسَانِ مَعْرُوفًا بِهِ، وَالْكَافُ فِي كَذَلِكَ نعت مصدر محذوف، أي:
(1) . نوح: 26.
(2)
. القمر: 10.
(3)
. الإسراء: 3.
(4)
. هود: 48. [.....]
(5)
. النور: 1.
جَزَاءٌ كَذَلِكَ الْجَزَاءِ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ هَذَا بَيَانٌ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَتَعْلِيلٌ لَهُ بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا مُؤْمِنًا مُخْلِصًا لِلَّهِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ أَيِ: الْكَفَرَةَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَلَا صَدَّقُوا نُوحًا. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّنْ شَايَعَ نُوحًا فَقَالَ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ أَيْ: مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، وَمِمَّنْ شَايَعَهُ وَوَافَقَهُ عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى تَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ:
الشِّيعَةُ الْأَعْوَانُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشِّيَاعِ، وَهُوَ الْحَطَبُ الصِّغَارُ الَّذِي يُوقَدُ مَعَ الْكِبَارِ حَتَّى يُسْتَوْقَدَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى وَإِنَّ مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ لَإِبْرَاهِيمَ، فَالْهَاءُ فِي شِيعَتِهِ عَلَى هَذَا لمحمّد صلى الله عليه وسلم، وَكَذَا قَالَ الْكَلْبِيُّ. وَلَا يُخْفَى مَا فِي هَذَا مِنَ الضَّعْفِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلسِّيَاقِ. وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ: اذْكُرْ، وَقِيلَ: بِمَا فِي الشِّيعَةِ مِنْ مَعْنَى الْمُتَابَعَةِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ الْفَصْلَ بِينَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ بِأَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ لَامَ الِابْتِدَاءِ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْعَمَلِ فِيمَا قَبْلَهَا، وَالْقَلْبُ السَّلِيمُ الْمُخَلَّصُ مِنَ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ. وَقِيلَ: هُوَ النَّاصِحُ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَقِيلَ: الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ قَائِمَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ. وَمَعْنَى مَجِيئِهِ إِلَى رَبِّهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا عِنْدَ دُعَائِهِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ. الثَّانِي: عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِي النَّارِ. وَقَوْلُهُ: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ بَدَلٌ من الجملة الأولى، أو ظرف لسليم، أو ظرف لجاء، وَالْمَعْنَى: وَقْتَ قَالَ لِأَبِيهِ آزَرَ وَقَوْمِهِ مِنَ الكفار: أيّ شيء تعبدون أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ انْتِصَابُ إِفْكًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَانْتِصَابُ آلِهَةً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ تُرِيدُونَ، وَالتَّقْدِيرُ: أَتُرِيدُونَ آلِهَةً مِنْ دُونِ الله للإفك، ودون: ظرف لتريدون، وَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْمَعْمُولَاتِ لِلْفِعْلِ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمَامِ. وَقِيلَ: انتصاب إفكا على أنه مفعول به لتريدون، وآلهة بَدَلٌ مِنْهُ، جَعَلَهَا نَفْسَ الْإِفْكِ مُبَالَغَةً، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: انْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ تُرِيدُونَ، أَيْ: أَتُرِيدُونَ آلِهَةً آفِكِينَ، أَوْ ذَوِي إِفْكٍ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْإِفْكُ أَسْوَأُ الْكَذِبِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ وَيَضْطَرِبُ وَمِنْهُ ائْتَفَكَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ أَيْ: مَا ظَنُّكُمْ بِهِ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ وَمَا تَرَوْنَهُ يَصْنَعُ بِكُمْ؟ وَهُوَ تَحْذِيرٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ «1» وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَيَّ شَيْءٍ تَوَهَّمْتُمُوهُ بِاللَّهِ حَتَّى أَشْرَكْتُمْ بِهِ غَيْرَهُ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ عِلْمَ النُّجُومِ فَعَامَلَهُمْ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُنْكِرُوا عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكَايِدَهُمْ فِي أَصْنَامِهِمْ لِتَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةُ فِي أَنَّهَا غَيْرُ مَعْبُودَةٍ، وَكَانَ لَهُمْ مِنَ الْغَدِ يَوْمُ عِيدٍ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ فَاعْتَلَّ بِالسَّقَمِ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَلَّفُوهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلَى عِيدِهِمْ فَنَظَرَ إِلَى النُّجُومِ يُرِيهِمْ أَنَّهُ مستدلّ بها عَلَى حَالِهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ إِنِّي سَقِيمٌ أَيْ سَأَسْقُمُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهُمْ لَمَّا كَلَّفُوهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ تَفَكَّرَ فِيمَا يَعْمَلُ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا نَجَمَ لَهُ مِنَ الرَّأْيِ، أَيْ: فِيمَا طَلَعَ لَهُ مِنْهُ، فَعَلِمَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَسْقَمُ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ. قَالَ الْخَلِيلُ وَالْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا فَكَّرَ فِي الشَّيْءِ يُدَبِّرُهُ: نَظَرَ فِي النُّجُومِ. وَقِيلَ: كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي دَعَوْهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ فِيهَا سَاعَةً تَعْتَادُهُ فِيهَا الْحُمَّى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعْنَى إِنِّي سَقِيمٌ: سَأَسْقُمُ سُقْمَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ يَسْقُمُ فِي الْغَالِبِ ثُمَّ يَمُوتُ، وَهَذَا تَوْرِيَةٌ وَتَعْرِيضٌ كَمَا قَالَ لِلْمَلِكِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ سَارَّةَ هِيَ أُخْتِي، يَعْنِي: أُخُوَّةَ الدِّينِ. وَقَالَ سَعِيدُ
(1) . الإنفطار: 6
ابن جُبَيْرٍ: أَشَارَ لَهُمْ إِلَى مَرَضٍ يُسْقِمُ وَيُعْدِي وَهُوَ الطَّاعُونُ وَكَانُوا يَهْرُبُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ أَيْ: تَرَكُوهُ وَذَهَبُوا مَخَافَةَ الْعَدْوَى فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ يُقَالُ رَاغَ رَوْغًا وَرَوَغَانًا: إِذَا مَالَ، وَمِنْهُ طَرِيقٌ رَائِغٌ: أَيْ مَائِلٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَيُرِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ حَلَاوَةً
…
وَيَرُوغُ عَنْكَ كَمَا يَرُوغُ الثَّعْلَبُ
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ذَهَبَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: جَاءَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ: وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ أَيْ: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلْأَصْنَامِ الَّتِي رَاغَ إِلَيْهَا اسْتِهْزَاءً وَسُخْرِيَةً: أَلَا تَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَهُ لَهَا، وَخَاطَبَهَا كَمَا يُخَاطَبُ مَنْ يَعْقِلُ، لِأَنَّهُمْ أَنْزَلُوهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَإِنَّهُ خَاطَبَهُمْ خِطَابَ مَنْ يَعْقِلُ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّهَكُّمِ بِهِمْ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا جَمَادَاتٌ لَا تَنْطِقُ.
قِيلَ: إِنَّهُمْ تَرَكُوا عِنْدَ أَصْنَامِهِمْ طَعَامَهُمْ لِلتَّبَرُّكِ بِهَا، وَلِيَأْكُلُوهُ إِذَا رَجَعُوا مِنْ عِيدِهِمْ. وَقِيلَ تَرَكُوهُ لِلسَّدَنَةِ، وَقِيلَ إِنَّ إبراهيم هو الذي قرب إليها الطَّعَامَ مُسْتَهْزِئًا بِهَا فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ أَيْ: فَمَالَ عَلَيْهِمْ يَضْرِبُهُمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ هو مصدر لراغ، لأنه بمعنى ضرب. قال الواحد:
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَضْرِبُهُمْ بِهَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى الْيَدَيْنِ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ ضَرْبًا بِالْقُوَّةِ، وَالْيَمِينُ الْقُوَّةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ: الْيَمِينُ الَّتِي حَلَفَهَا حِينَ قَالَ: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ هُنَا الْعَدْلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ أَيْ: بِالْعَدْلِ، وَالْيَمِينُ: كِنَايَةٌ عَنِ الْعَدْلِ، كَمَا أَنَّ الشِّمَالَ: كِنَايَةٌ عَنِ الْجَوْرِ، وَأَوَّلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَوْلَاهَا فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ أَيْ: أَقْبَلَ إِلَيْهِ عَبَدَةُ تِلْكَ الْأَصْنَامِ يُسْرِعُونَ لَمَّا عَلِمُوا بما صنعه بها، ويزفون فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ أَقْبَلُوا قَرَأَ الْجُمْهُورُ يَزِفُّونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ زَفَّ الظَّلِيمُ «1» يَزُفُّ إِذَا عَدَا بِسُرْعَةٍ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَزَفَّ يُزِفُّ: أَيْ دَخَلَ فِي الزَّفِيفِ، أَوْ يَحْمِلُونَ غَيْرَهُمْ عَلَى الزَّفِيفِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَزْفَفْتُ الْإِبِلَ: أَيْ حَمَلْتُهَا عَلَى أَنْ تَزِفَّ، وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ زَفَّ الْقَوْمُ وَأَزَفُّوا، وَزُفَّتِ الْعَرُوسُ وَأَزْفَفْتُهَا، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْخَلِيلِ. قَالَ النَّحَّاسُ: زَعَمَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذِهِ اللُّغَةَ: يَعْنِي يُزِفُّونَ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَقَدْ عَرَفَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ العلماء منهم الفراء، وشبهها بقولهم أطردت الرجل:
أَيْ صَيَّرْتُهُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الزَّفِيفُ الْإِسْرَاعُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الزَّفِيفُ أَوَّلُ عَدْوِ النَّعَامِ. وقال قتادة والسدّي: معنى يَزِفُّونَ يَمْشُونَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَسْعَوْنَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ: يُرْعِدُونَ غَضَبًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَخْتَالُونَ، أَيْ: يَمْشُونَ مَشْيَ الْخُيَلَاءِ، وَقِيلَ: يَتَسَلَّلُونَ تَسَلُّلًا بين المشي والعدو، والأولى تفسير يزفون بيسرعون، وَقُرِئَ يَزِفُّونَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقُرِئَ يَزِفُّونَ كيرمون. وحكى الثعلبي عن الحسن ومجاهد وابن السميقع أنهم قرءوا «يزفّون» بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ رَكْضٌ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ قالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ مَا فَعَلَهُ بِالْأَصْنَامِ، ذَكَرَ لَهُمُ الدَّلِيلَ الدال على فساد عبادتها، فقال
(1) . الظليم: ذكر النعام.
مُبَكِّتًا لَهُمْ، وَمُنْكِرًا عَلَيْهِمْ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ أَيْ: أَتَعْبُدُونَ أَصْنَامًا أَنْتُمْ تَنْحِتُونَهَا، وَالنَّحْتُ: النَّجْرُ وَالْبَرْيُ، نَحَتَهُ يَنْحِتُهُ بِالْكَسْرِ نَحْتًا: أَيْ بَرَاهُ، وَالنُّحَاتَةُ الْبُرَايَةُ، وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ تعبدون، وما في ما تَعْمَلُونَ مَوْصُولَةٌ، أَيْ: وَخَلَقَ الَّذِي تَصْنَعُونَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَيَدْخُلُ فِيهَا الْأَصْنَامُ الَّتِي يَنْحِتُونَهَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَيَكُونُ مَعْنَى الْعَمَلِ هُنَا التَّصْوِيرَ وَالنَّحْتَ وَنَحْوَهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً، وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ، أَيْ: وَأَيَّ شَيْءٍ تَعْمَلُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً، أَيْ: إِنَّ الْعَمَلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لَكُمْ فَأَنْتُمْ لَا تَعْمَلُونَ شَيْئًا، وَقَدْ طَوَّلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الْكَلَامَ فِي رَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَلَكِنْ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَجَعْلُهَا مَوْصُولَةً أَوْلَى بالمقام، وأوفق بسياق الكلام، وجملة: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَالْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ جَوَابِ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ، فَتَشَاوَرُوا فيما بينهم أن بينوا له حائطا من حجارة ويملؤوه حَطَبًا وَيُضْرِمُوهُ، ثُمَّ يُلْقُوهُ فِيهِ، وَالْجَحِيمُ: النَّارُ الشَّدِيدَةُ الِاتِّقَادِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَكُلُّ نَارٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَهِيَ جَحِيمٌ، وَاللَّامُ فِي الْجَحِيمِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ: فِي جَحِيمِ ذَلِكَ الْبُنْيَانِ، ثُمَّ لَمَّا أَلْقَوْهُ فِيهَا نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَجَعَلَهَا عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ الْكَيْدُ: الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ، أَيِ:
احْتَالُوا لِإِهْلَاكِهِ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ الْمَقْهُورِينَ الْمَغْلُوبِينَ، لِأَنَّهَا قَامَتْ لَهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ الَّتِي لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُمْ جَحْدُهَا، فَإِنَّ النَّارَ الشَّدِيدَةَ الِاتِّقَادِ الْعَظِيمَةَ الِاضْطِرَامِ الْمُتَرَاكِمَةَ الْجِمَارِ إِذَا صَارَتْ بَعْدَ إِلْقَائِهِ عَلَيْهَا بَرْدًا وَسَلَامًا، وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ أَقَلَّ تَأْثِيرٍ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْحُجَّةِ بِمَكَانٍ يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ عَقْلٌ، وَصَارَ الْمُنْكِرُ لَهُ سَافِلًا سَاقِطَ الْحُجَّةِ ظَاهِرَ التَّعَصُّبِ وَاضِحَ التَّعَسُّفِ، وَسُبْحَانَ مَنْ يَجْعَلُ الْمِحَنَ لِمَنْ يَدْعُو إِلَى دِينِهِ مِنَحًا، وَيَسُوقُ إِلَيْهِمُ الْخَيْرَ بِمَا هُوَ مِنْ صِوَرِ الضَّيْرِ. وَلَمَّا انْقَضَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ وَأَسْفَرَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ، وَظَهَرَتْ حُجَّةُ اللَّهِ لِإِبْرَاهِيمَ، وَقَامَتْ بَرَاهِينُ نُبُوَّتِهِ، وَسَطَعَتْ أَنْوَارُ معجزته قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي أَيْ: مُهَاجِرٌ مِنْ بَلَدٍ قَوْمِي الَّذِينَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا تَعَصُّبًا لِلْأَصْنَامِ، وَكُفْرًا بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبًا لِرُسُلِهِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَنِي بِالْمُهَاجَرَةِ إِلَيْهِ.
أَوْ إِلَى حَيْثُ أَتَمَكَّنُ مِنْ عِبَادَتِهِ سَيَهْدِينِ أَيْ: سَيَهْدِينِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَمَرَنِي بِالذَّهَابِ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى مَقْصِدِي.
قيل: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي سُورَةِ الْكَهْفِ مُسْتَوْفًى «1» . قَالَ مُقَاتِلٌ:
فَلَمَّا قَدِمَ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ سَأَلَ رَبَّهُ الْوَلَدَ فَقَالَ: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ أَيْ وَلَدًا صَالِحًا مِنَ الصَّالِحِينَ يُعِينُنِي عَلَى طَاعَتِكَ وَيُؤْنِسُنِي فِي الْغُرْبَةِ هَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْهِبَةَ قَدْ غَلَبَ مَعْنَاهَا فِي الْوَلَدِ، فَتُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ، وَإِذَا وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً حُمِلَتْ عَلَى مَا قُيِّدَتْ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا «2» وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهَا لَمْ تَغْلِبْ فِي طَلَبِ الْوَلَدِ فَقَوْلُهُ: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ يَدُلُّ عَلَى أنه
(1) . ورده سير إبراهيم إلى الشام في سورة العنكبوت آية: 26.
(2)
. مريم: 53.
مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ إِلَّا الْوَلَدَ، وَمَعْنَى حَلِيمٍ: أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا عِنْدَ كِبَرِهِ، فَكَأَنَّهُ بُشِّرَ بِبَقَاءِ ذَلِكَ الْغُلَامِ حَتَّى يَكْبَرَ وَيَصِيرَ حَلِيمًا، لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُوصَفُ بِالْحِلْمِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ الْبِشَارَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُبَشَّرٌ بِابْنٍ ذَكَرٍ، وَأَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَنْتَهِيَ فِي السِّنِّ وَيُوَصَفَ بِالْحِلْمِ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ هَذِهِ الْفَاءُ الْفَصِيحَةُ وَالتَّقْدِيرُ: فَوَهَبْنَا لَهُ الْغُلَامَ فَنَشَأَ حَتَّى صَارَ إِلَى السِّنِّ الَّتِي يُسْعَى فِيهَا مَعَ أَبِيهِ فِي أُمُورِ دُنْيَاهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أَيْ: شَبَّ وَأَدْرَكَ سَعْيُهُ سَعْيَ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا مَشَى مَعَهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ كَانَ يَوْمَئِذٍ ابْنَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ سَعْيُ الْعَقْلِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ السَّعْيُ فِي العبادة، وقيل: هو الاحتلام قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ قَالَ إبراهيم لابنه لما بلغ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ هَذِهِ الرُّؤْيَا. قَالَ مُقَاتِلٌ:
رَأَى إِبْرَاهِيمُ ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَتَابِعَاتٍ. قَالَ قَتَادَةُ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا فَعَلُوهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الذَّبِيحِ؟ هَلْ هُوَ إِسْحَاقُ أَوْ إِسْمَاعِيلُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَقَالَ أَكْثَرُهُمُ: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ وابنه عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ: وَمِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ: عَلْقَمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَقَتَادَةُ، ومسروق، وعكرمة، والقاسم بن أبي برزة، وعطاء، ومقاتل، وعبد الرحمن بن سابط، والمهري، وَالسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ كُلُّهُمْ قَالُوا الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ: النَّحَّاسُ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَيُوسُفُ بْنُ مِهْرَانَ، وَمُجَاهِدٌ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَالْكَلْبِيُّ، وَعَلْقَمَةُ، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ عَنِ الذَّبِيحِ فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ أَيْنَ عَزَبَ عَنْكَ عَقْلُكَ، وَمَتَى كَانَ إِسْحَاقُ بِمَكَّةَ؟ وَإِنَّمَا كَانَ إِسْمَاعِيلُ بِمَكَّةَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الذَّبِيحَ هُوَ إِسْحَاقُ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ حَتَّى يُقَالَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَمَا أَظُنُّ ذَلِكَ تُلُقِّيَ إِلَّا عَنْ أَخْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأُخِذَ مُسَلَّمًا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، وَكِتَابُ اللَّهِ شَاهِدٌ وَمُرْشِدٌ إِلَى أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْبِشَارَةَ بِالْغُلَامِ الْحَلِيمِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ الذَّبِيحُ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ إِسْحَاقُ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَخْبَرَهُمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ حِينَ فَارَقَ قَوْمَهُ، فَهَاجَرَ إِلَى الشَّامِ مَعَ امْرَأَتِهِ سَارَّةَ وَابْنِ أَخِيهِ لُوطٍ فَقَالَ: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ أَنَّهُ دَعَا فَقَالَ: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَقَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ «1» وَلِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْغُلَامِ الْحَلِيمِ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ إبراهيم، وإنما بشر بإسحاق،
(1) . مريم: 49.
لِأَنَّهُ قَالَ: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ وَقَالَ هُنَا: بِغُلامٍ حَلِيمٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ هَاجَرَ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِيرَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ بُشِّرَ بِوَلَدٍ إِلَّا إِسْحَاقَ. قَالَ الزَّجَّاجُ اللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا الذَّبِيحُ اه، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ وَالْمُنَاقَشَةُ لَهُ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِسْمَاعِيلُ بِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَهُ بِالصَّبْرِ دُونَ إِسْحَاقَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ «1» وَهُوَ صَبْرُهُ عَلَى الذَّبْحِ، وَوَصَفَهُ بِصِدْقِ الْوَعْدِ في قوله: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ «2» لِأَنَّهُ وَعَدَ أَبَاهُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ عَلَى الذَّبْحِ، فَوَفَى بِهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ بِذَبْحِهِ، وَقَدْ وَعَدَهُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ «3» فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ إِسْحَاقَ قَبْلَ إِنْجَازِ الْوَعْدِ فِي يَعْقُوبَ، وَأَيْضًا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ تَعْلِيقُ قَرْنِ الْكَبْشِ فِي الْكَعْبَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ، وَلَوْ كَانَ إِسْحَاقَ لَكَانَ الذَّبْحُ وَاقِعًا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكُلُّ هَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ الْمُنَاقِشَةَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرى قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «تُرِي» بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَالْمَفْعُولَانِ مَحْذُوفَانِ، أَيِ: انْظُرْ مَاذَا تُرِينِي إِيَّاهُ مِنْ صَبْرِكَ وَاحْتِمَالِكَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِنَ السَّبْعَةِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالرَّاءِ مِنَ الرَّأْيِ، وَهُوَ مُضَارِعُ رَأَيْتُ، وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَالْأَعْمَشُ، «تُرَى» بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، أَيْ: مَاذَا يُخَيَّلُ إِلَيْكَ وَيَسْنَحُ لِخَاطِرِكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى: انْظُرْ مَاذَا تَرَى مِنْ صَبْرِكَ وَجَزَعِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَاذَا تُشِيرُ؟ أَيْ مَا تُرِيكَ نَفْسُكَ مِنَ الرَّأْيِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّمَا يَكُونُ هَذَا مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ خَاصَّةً وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَغَلَّطَهُمَا النَّحَّاسُ وَقَالَ: هَذَا يَكُونُ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا شَاوَرَهُ لِيَعْلَمَ صَبْرَهُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِلَّا فَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وامتثالها لازم لهم متحتم عليهم قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ أَيْ: مَا تُؤْمَرُ بِهِ مما أوحي إليك من ذبحي، وما: مَوْصُولَةٌ، وَقِيلَ: مَصْدَرِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى افْعَلْ أَمْرَكَ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَتَسْمِيَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَمْرًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ على ما ابتلاني مِنَ الذَّبْحِ، وَالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَبَرُّكًا بِهَا مِنْهُ فَلَمَّا أَسْلَما أَيِ: اسْتَسْلَمَا لِأَمْرِ اللَّهِ وَأَطَاعَاهُ وَانْقَادَا لَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَسْلَمْنا وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ «فَلَمَّا سَلَّمَا» أَيْ: فَوَّضَا أَمْرَهُمَا إِلَى اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ اسْتَسْلَمَا قَالَ قَتَادَةُ: أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ لِلَّهِ، وَأَسْلَمَ الْآخَرُ ابْنَهُ، يُقَالُ: سَلَّمَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ وَاسْتَسْلَمَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَابِ لَمَّا مَاذَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ ظَهَرَ صَبْرُهُمَا أَوْ أَجْزَلْنَا لَهُمَا أَجْرَهُمَا أَوْ فَدَيْنَاهُ بِكَبْشٍ هَكَذَا قَالَ الْبَصْرِيُّونَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْجَوَابُ هُوَ نَادَيْنَاهُ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ مُقْحَمَةٌ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّحَّاسُ بِأَنَّ الْوَاوَ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي وَلَا يجوز أن تزاد، وَقَالَ الْأَخْفَشُ الْجَوَابُ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنِ الْكُوفِيِّينَ. وَاعْتِرَاضُ النَّحَّاسِ يُرَدُّ عَلَيْهِ كَمَا وَرَدَ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ التلّ: الصرع والدفع، يقال تلت الرَّجُلَ: إِذَا أَلْقَيْتَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَضْجَعَهُ عَلَى جبينه على الأرض، والجبين أحد
(1) . الأنبياء: 85.
(2)
. مريم: 54.
(3)
. هود: 71.
جَانِبَيِ الْجَبْهَةِ، فَلِلْوَجْهِ جَبِينَانِ وَالْجَبْهَةُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: كَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ كَيْلَا يُرَى مِنْهُ مَا يُؤَثِّرُ الرِّقَّةَ لِقَلْبِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَرَادَ ذَبْحَهُ فِيهِ، فَقِيلَ: هُوَ مَكَّةُ فِي الْمَقَامِ، وَقِيلَ: فِي الْمَنْحَرِ بِمِنًى عِنْدَ الْجِمَارِ، وَقِيلَ: عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي بِأَصْلِ جَبَلِ ثَبِيرٍ، وقيل: بالشام وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أَيْ: عَزَمْتَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا رَأَيْتَهُ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا أَضْجَعَهُ لِلذَّبْحِ نُودِيَ مِنَ الْجَبَلِ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا، وَجَعَلَهُ مُصَدِّقًا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمْكَنَهُ، وَالْمَطْلُوبُ اسْتِسْلَامُهُمَا لِأَمْرِ اللَّهِ وَقَدْ فَعَلَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ إِنَّ نَفْسَ الذَّبْحِ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ وَقَعَ لَمْ يُتَصَوَّرْ رَفْعُهُ، فَكَانَ هَذَا مِنْ بَابِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْفَرَاغُ مِنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ مَا تَحَقَّقَ الْفِدَاءُ. قَالَ: وَمَعْنَى.
صَدَّقْتَ الرُّؤْيا فَعَلْتَ مَا أَمْكَنَكَ ثُمَّ امْتَنَعْتَ لَمَّا مَنَعْنَاكَ، هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُنْسَخُ بِوَجْهٍ، لِأَنَّ مَعْنَى ذَبَحْتَ الشَّيْءَ قَطَعْتَهُ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَأْخُذُ السِّكِّينَ فَيَمُرُّ بِهَا عَلَى حَلْقِهِ فَتَنْقَلِبُ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ كُلَّمَا قَطَعَ جُزْءًا الْتَأَمَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ السُّدِّيُّ: ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى عُنُقِهِ صَفِيحَةَ نُحَاسٍ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَحُزُّ وَلَا يَقْطَعُ شَيْئًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ مَا أُمِرَ بِالذَّبْحِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ، وَإِنْهَارُ الدَّمِ، وَإِنَّمَا رَأَى أَنَّهُ أَضْجَعَهُ لِلذَّبْحِ، فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ أَمْرٌ بالذبح الحقيقي فلما أتى بما أمر بِهِ مِنَ الْإِضْجَاعِ قِيلَ لَهُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أَيْ: نَجْزِيهِمْ بِالْخَلَاصِ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالسَّلَامَةِ مِنِ الْمِحَنِ، فَالْجُمْلَةُ كالتعليل لما قبلها. قال مقاتل: جزاء اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِإِحْسَانِهِ فِي طَاعَتِهِ الْعَفْوَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ الْبَلَاءُ وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّ هَذَا هُوَ الِاخْتِبَارُ الظَّاهِرُ حَيْثُ اخْتَبَرَهُ اللَّهُ فِي طَاعَتِهِ بذبح ولده. وقيل المعنى: إن هذا هو النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ حَيْثُ سَلَّمَ اللَّهُ وَلَدَهُ مِنَ الذَّبْحِ وَفَدَاهُ بِالْكَبْشِ، يُقَالُ أَبْلَاهُ اللَّهُ إِبْلَاءً وَبَلَاءً: إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الِابْتِلَاءُ يُسْتَعْمَلُ فِي الِاخْتِبَارِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، ومنه وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً «1» وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْمَقَامِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: هَذَا فِي الْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ فِي أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ. قَالَ: وَهَذَا مِنَ الْبَلَاءِ الْمَكْرُوهِ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الذِّبْحُ: اسْمُ الْمَذْبُوحِ وَجَمْعُهُ ذُبُوحٌ كَالطَّحْنِ اسْمٌ لِلْمَطْحُونِ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، وَمَعْنَى عَظِيمٍ: عَظِيمُ الْقَدْرِ، وَلَمْ يُرِدْ عِظَمَ الْجُثَّةِ وَإِنَّمَا عَظَّمَ قَدْرَهُ لِأَنَّهُ فُدِيَ بِهِ الذَّبِيحُ، أَوْ لِأَنَّهُ مُتَقَبَّلٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْعَظِيمُ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ لِلْكَبِيرِ وَلِلشَّرِيفِ، وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّهُ هَاهُنَا لِلشَّرِيفِ: أَيِ الْمُتَقَبَّلِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:
أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَبْشٌ قَدْ رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا فُدِيَ إِلَّا بِتَيْسٍ مِنَ الْأَرْوَى أُهْبِطَ عَلَيْهِ مِنْ ثَبِيرٍ فَذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ فِدَاءً عَنِ ابْنِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَدْ قِيلَ إِنَّهُ فُدِيَ بِوَعْلٍ، وَالْوَعْلُ التَّيْسُ الْجَبَلِيُّ، وَمَعْنَى الْآيَةِ:
جَعَلْنَا الذِّبْحَ فِدَاءً لَهُ وَخَلَّصْنَاهُ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ أَيْ: فِي الْأُمَمِ الْآخِرَةِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَهُ، وَالسَّلَامُ الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: سَلَامٌ مِنَّا، وَقِيلَ: سَلَامَةٌ مِنَ الْآفَاتِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَيَانُ مَعْنَاهُ، وَوَجْهُ إِعْرَابِهِ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْجَزَاءِ الْعَظِيمِ نَجْزِي مَنِ انقاد لأمر الله
(1) . الأنبياء: 35.
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ أَيِ: الَّذِينَ أَعْطَوُا الْعُبُودِيَّةَ حَقَّهَا، وَرَسَخُوا فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ أَيْ: بَشَّرْنَا إِبْرَاهِيمَ بِوَلَدٍ يُولَدُ لَهُ وَيَصِيرُ نَبِيًّا بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ السِّنَّ الَّتِي يَتَأَهَّلُ فِيهَا لِذَلِكَ، وَانْتِصَابُ نَبِيًّا عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنْ كَانَ الذَّبِيحُ إِسْحَاقَ فَيَظْهَرُ كَوْنُهَا مُقَدَّرَةً وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ مَنْ فَسَّرَ الذَّبِيحَ بِإِسْحَاقَ جَعَلَ الْبِشَارَةَ هُنَا خَاصَّةً بِنُبُوَّتِهِ. وَفِي ذِكْرِ الصَّلَاحِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ تَعْظِيمٌ لِشَأْنِهِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى وُجُودِ الْمُبَشَّرِ بِهِ وَقْتَ الْبِشَارَةِ، فَإِنَّ وُجُودَ ذِي الْحَالِ لَيْسَ بشرط، وإنما الشرط المقارنة للفعل، و «من الصالحين» كما يجوز أن يكون صفة لنبيا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ، فَتَكُونُ أَحْوَالًا مُتَدَاخِلَةً وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ أَيْ: عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى إِسْحَاقَ بِمُرَادَفَةِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ:
كَثَّرْنَا وَلَدَهُمَا، وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِ يَعُودُ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُبَارَكَةِ هُنَا: هِيَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ عَلَيْهِمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ أَيْ: مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ، وَظَالِمٌ لَهَا بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْبَرَكَةَ فِي الذُّرِّيَّةِ بَيَّنَ أَنَّ كَوْنَ الذُّرِّيَّةِ مِنْ هَذَا الْعُنْصُرِ الشَّرِيفِ وَالْمَحْتِدِ الْمُبَارَكِ لَيْسَ بِنَافِعٍ لَهُمْ، بَلْ إِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِأَعْمَالِهِمْ، لَا بِآبَائِهِمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَإِنْ كَانُوا مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ فَقَدْ صَارُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ الْبَيِّنِ، وَالْعَرَبُ وَإِنْ كَانُوا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ فَقَدْ مَاتُوا عَلَى الشِّرْكِ إِلَّا مَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ يَقُولُ: لَمْ يُبْقِ إِلَّا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يَقُولُ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ قَالَ: حَامٌ وَسَامٌ وَيَافِثٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ سَمُرَةَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ، وَيَافِثٌ أَبُو الرُّومِ» وَالْحَدِيثَانِ هُمَا مِنْ سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَقَطْ وَمَا عَدَاهُ فَبِوَاسِطَةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ رُوِيَ عن عمران ابن حصين عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْخَطِيبُ فِي تَالِي التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلَدُ نُوحٍ ثَلَاثَةٌ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثُ، فَوَلَدُ سَامٍ الْعَرَبُ وَفَارِسُ وَالرُّومُ وَالْخَيْرُ فِيهِمْ، وَوَلَدُ يَافِثَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالتُّرْكُ وَالصَّقَالِبَةُ وَلَا خَيْرَ فِيهِمْ، وَوَلَدُ حَامٍ الْقِبْطُ وَالْبَرْبَرُ وَالسُّودَانُ» وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ قَالَ: مِنْ أَهْلِ دينه. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي سَقِيمٌ قَالَ: مَرِيضٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:
مَطْعُونٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ:
يَخْرُجُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي قَالَ: حِينَ هَاجَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ: الْعَمَلَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ
عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: لَمَّا أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ قَالَ لِأَبِيهِ: إِذَا ذَبَحْتَنِي فَاعْتَزِلْ لَا أَضْطَرِبُ فَيَنْتَضِحُ عَلَيْكَ دَمِي، فَشَدَّهُ، فَلَمَّا أَخَذَ الشَّفْرَةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهُ نُودِيَ مِنْ خلفه أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا مِثْلَهُ مَعَ زِيَادَةٍ وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ قَالَ: مِنْ شِيعَةِ نُوحٍ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَنِهِ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ شَبَّ حَتَّى بَلَغَ سَعْيُهُ سَعْيَ أَبِيهِ فِي الْعَمَلِ فَلَمَّا أَسْلَما سَلَّمَا مَا أُمِرَ بِهِ وَتَلَّهُ وَضَعَ وَجْهَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ لَا تَذْبَحْنِي وَأَنْتَ تَنْظُرُ عَسَى أَنْ تَرْحَمَنِي، فَلَا تُجْهِزُ عَلَيَّ، وَأَنْ أَجْزَعَ فَأَنْكِصُ فَأَمْتَنِعُ مِنْكَ، وَلَكِنِ ارْبُطْ يَدَيَّ إِلَى رَقَبَتِي ثُمَّ ضَعْ وَجْهِي إِلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا أَدْخَلَ يَدَهُ لِيَذْبَحَهُ فلم تصل المدية حتى نودي: أن يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا فَأَمْسَكَ يَدَهُ، قَوْلُهُ: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ بِكَبْشٍ عَظِيمٍ مُتَقَبِّلٍ، وَزَعَمَ ابْنُ عباس أن الذبيح إِسْمَاعِيلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَفْدِيُّ إِسْمَاعِيلُ، وَزَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّهُ إِسْحَاقُ وَكَذَبَتِ الْيَهُودُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَيُوسُفُ بْنُ مَاهِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طريق يوسف ابن مَاهِكَ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قَالَ: إِسْمَاعِيلُ ذَبَحَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ الْكَبْشَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْفَرَزْدَقِ الشَّاعِرِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ:
إِنَّ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ إِسْمَاعِيلُ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُدُ: يَا رَبِّ أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ: رَبَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فَاجْعَلْنِي رَابِعًا، قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَصَبَرَ مِنْ أَجْلِي، وَإِنَّ إِسْحَاقَ جَادَ لِي بِنَفْسِهِ، وَإِنَّ يَعْقُوبَ غَابَ عَنْهُ يُوسُفُ، وَتِلْكَ بَلِيَّةٌ لَمْ تَنَلْكَ» وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بَهَارٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: إِسْحَاقُ ذَبِيحُ اللَّهِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «يُوسُفُ بْنُ يعقوب ابن إِسْحَاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ