المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌سورة النّور

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 21]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 46]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 67]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 68 الى 77]

- ‌سورة الشّعراء

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 135]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 136 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 227]

- ‌سورة النّمل

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 82]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 83 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 24]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 25 الى 32]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 33 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 57]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 46]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 69]

- ‌سورة الرّوم

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 27]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 37]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 47 الى 60]

- ‌سورة لقمان

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌سورة السّجدة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 30]

- ‌سُورَةِ الْأَحْزَابِ

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 37 الى 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 59 الى 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]

- ‌سُورَةِ سَبَأٍ

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 27]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 28 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 43 الى 50]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 51 الى 54]

- ‌سُورَةِ فَاطِرٍ

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سُورَةِ يس

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌سُورَةِ الصَّافَّاتِ

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 20 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 50 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 182]

- ‌سورة ص

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 25]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة الزّمر

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 13 الى 20]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 43 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 49 الى 61]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 73 الى 75]

- ‌سورة غافر

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 20]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 41 الى 52]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 85]

- ‌سورة فصّلت

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 15 الى 24]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 45 الى 54]

- ‌سورة الشّورى

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 29 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 53]

- ‌سورة الزّخرف

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 21 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 73]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 89]

- ‌سورة الدّخان

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 37]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 38 الى 59]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان (25)

- ‌سورة الشعراء (26)

- ‌سورة النمل (27)

- ‌سورة القصص (28)

- ‌سورة العنكبوت (29)

- ‌سورة الروم (30)

- ‌سورة لقمان (31)

- ‌سورة السجدة (32)

- ‌سورة الأحزاب (33)

- ‌سورة سبأ (34)

- ‌سورة فاطر (35)

- ‌سورة يس (36)

- ‌سورة الصافات (37)

- ‌سورة ص (38)

- ‌سورة الزمر (39)

- ‌سورة غافر (40)

- ‌سورة فصلت (41)

- ‌سورة الشورى (42)

- ‌سورة الزخرف (43)

- ‌سورة الدخان (44)

الفصل: ‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

لا أبالك، وَاللَّهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا كَذَبْتُ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:

دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ «1» وَقَالَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تَزِنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

قَالَتْ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، قُلْتُ: تَدَّعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ بَعْضِ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي أَيُّوبَ قَالَتْ لَهُ حِينَ قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: بَلَى وَذَلِكَ الكذب، أكنت أنت فاعلة يَا أُمَّ أَيُّوبَ؟

قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ وَأَطْيَبُ، إِنَّمَا هَذَا كَذِبٌ وَإِفْكٌ بَاطِلٌ فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ قَالَ مِنَ الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ أَيْ: كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ. وَأَخْرَجَ الْوَاقِدِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ عَسَاكِرٍ عَنْ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبٍ أَنَّ أُمَّ أَيُّوبَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً قَالَ: يُحَرِّجُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْقَائِلُ الْفَاحِشَةَ، وَالَّذِي شَيَّعَ بِهَا فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً قَالَ: مَا اهْتَدَى أحد من الخلائق لشيء من الخير.

[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)

قَوْلُهُ: وَلا يَأْتَلِ أَيْ: يَحْلِفُ وَزْنُهُ يَفْتَعِلُ مِنَ الْأَلْيَةِ، وَهِيَ الْيَمِينُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَأَلَّى ابْنُ أَوْسٍ حَلْفَةً لِيَرُدَّنِي

إِلَى نِسْوَةٍ كَأَنَّهُنَّ مَفَايِدُ

(1) . جاء في سيرة ابن هشام [3/ 306] : قال حسان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها.

ص: 19

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ

وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ

يُقَالُ: ائْتَلَى يَأْتَلِي إِذَا حَلَفَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ «1» وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ مِنْ أَلَوْتُ فِي كَذَا إِذَا قَصَرْتُ، وَمِنْهُ: لَمْ آلُ جُهْدًا، أَيْ: لَمْ أُقَصِّرْ، وَكَذَا مِنْهُ قَوْلُهُ: لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا «2» ومنه قول الشاعر:

وما المرء مادامت حَشَاشَةُ نَفْسِهِ

بِمُدْرِكِ أَطْرَافِ الْخُطُوبِ وَلَا آلِ

وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى بِدَلِيلِ سَبَبِ النُّزُولِ، وَهُوَ مَا سَيَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ: الْغِنَى وَالسَّعَةُ فِي الْمَالِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: عَلَى أَنْ لَا يُؤْتُوا. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَنْ لَا يُؤْتُوا فَحَذَفَ لَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا

وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكَ وَأَوْصَالِي

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا حَاجَةَ إِلَى إِضْمَارِ لَا، وَالْمَعْنَى: لَا يَحْلِفُوا عَلَى أَنْ لَا يُحْسِنُوا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْإِحْسَانِ الْجَامِعِينَ لِتِلْكَ الْأَوْصَافِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَكُونُ الْمَعْنَى: لَا يُقَصِّرُوا فِي أَنْ يُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ شَحْنَاءُ لِذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ، وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ «أَنْ تُؤْتُوا» بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى الِالْتِفَاتِ. ثُمَّ عَلَّمَهُمْ سُبْحَانَهُ أَدَبًا آخَرَ فَقَالَ: وَلْيَعْفُوا عَنْ ذَنْبِهِمُ الَّذِي أَذْنَبُوهُ عَلَيْهِمْ وَجِنَايَتِهِمُ الَّتِي اقْتَرَفُوهَا، مِنْ عَفَا الرَّبْعُ أَيْ: دَرَسَ، وَالْمُرَادُ: مَحْوُ الذَّنْبِ حَتَّى يَعْفُوَ كَمَا يَعْفُو أَثَرُ الرَّبْعِ وَلْيَصْفَحُوا بِالْإِغْضَاءِ عَنِ الْجَانِي وَالْإِغْمَاضِ عَنْ جِنَايَتِهِ، وَقُرِئَ بِالْفَوْقِيَّةِ فِي الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ تَرْغِيبًا عَظِيمًا لِمَنْ عَفَا وَصَفَحَ فَقَالَ: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ بِسَبَبِ عَفْوِكُمْ وَصَفْحِكُمْ عَنِ الْفَاعِلِينَ لِلْإِسَاءَةِ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ مَعَ كَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ، فَكَيْفَ لَا يَقْتَدِي الْعِبَادُ بِرَبِّهِمْ فِي الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ الْمُسِيئِينَ إِلَيْهِمْ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ الْمُحْصَنَاتِ وَذَكَرَنَا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُحْصَنِينَ مِنَ الرِّجَالِ حُكْمُ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ أَوْ عَامَّةٌ؟ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ خَاصَّةٌ فِيمَنْ رَمَى عَائِشَةَ رضي الله عنها. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ خَاصَّةٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ فِي عَائِشَةَ وَسَائِرِ أَزْوَاجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم دُونَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَمَنْ قَذَفَ إحدى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: وَمِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لِمَنْ رَمَى إِحْدَى أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَهُنَّ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ التَّوْبَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا «3» وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِمَنْ أَصَرَّ عَلَى الْقَذْفِ وَلَمْ يَتُبْ، وَقِيلَ: إِنَّهَا تَعُمُّ كُلَّ قَاذِفٍ وَمَقْذُوفٍ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ وَالْمُحَصَنِينَ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَرَّرَهُ أَهْلُ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السبب. وقيل: إنها

(1) . البقرة: 226.

(2)

. آل عمران: 18.

(3)

. النور: 5.

ص: 20

خَاصَّةٌ بِمُشْرِكِي مَكَّةَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلْمَرْأَةِ إِذَا خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً إِنَّمَا خَرَجَتْ لِتَفْجُرَ. قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ:

إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ المؤمنون مِنَ الْقَذَفَةِ، فَالْمُرَادُ بِاللَّعْنَةِ الْإِبْعَادُ، وَضَرْبُ الْحَدِّ وَهَجْرُ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ، وَزَوَالُهُمْ عَنْ رُتْبَةِ الْعَدَالَةِ، وَالْبُعْدُ عَنِ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ خَاصَّةً كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي جَانِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ مَلْعُونُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وَالْمُرَادُ بِالْغَافِلَاتِ: اللَّاتِي غَفَلْنَ عَنِ الْفَاحِشَةِ بِحَيْثُ لَا تَخْطُرُ بِبَالِهِنَّ وَلَا يَفْطِنَّ لَهَا، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ النَّزَاهَةِ وَطَهَارَةِ الْجَيْبِ مَا لم يكن في المحصنات، ويقل: هُنَّ السَّلِيمَاتُ الصُّدُورِ النَّقِيَّاتُ الْقُلُوبِ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مُبَيِّنَةٌ لِوَقْتِ حُلُولِ ذَلِكَ الْعَذَابِ بِهِمْ وَتَعْيِينُ الْيَوْمِ لِزِيَادَةِ التَّهْوِيلِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَوْمَ تَشْهَدُ» بِالْفَوْقِيَّةِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ: أَبُو حاتم، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ: أَبُو عَبِيدٍ لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ قَدْ حَالَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ. وَالْمَعْنَى:

تَشْهَدُ أَلْسِنَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِمَا تَكَلَّمُوا بِهِ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا عَمِلُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُنْطِقُهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ، وَالْمَشْهُودُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ ذُنُوبُهُمُ الَّتِي اقْتَرَفُوهَا، أَيْ: تَشْهَدُ هَذِهِ عَلَيْهِمْ بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي اقْتَرَفُوهَا وَمَعَاصِيهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ أَيْ: يَوْمَ تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة ويعطيهم اللَّهُ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهَا مُوَفَّرًا، فَالْمُرَادُ بِالدِّينِ هَاهُنَا: الْجَزَاءُ، وَبِالْحَقِّ الثَّابِتِ الَّذِي لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ. قَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ «يُوفِيهِمْ» مُخَفَّفًا مَنْ أَوْفَى، وَقَرَأَ مَنْ عَدَاهُ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ وَفَّى. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَمُجَاهِدٌ «الْحَقُّ» بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلَّهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِدِينِهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَلَوْلَا كَرَاهَةُ خِلَافِ النَّاسِ لَكَانَ الْوَجْهُ الرَّفْعَ، لِيَكُونَ نَعْتًا لِلَّهِ عز وجل وَلِتَكُونَ مُوَافِقَةً لِقِرَاءَةِ أُبَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ «يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ الْحَقَّ دِينَهُمْ» . وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَلَا حُجَّةَ أَيْضًا فِيهِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ أنه في مصحف أبيّ كذلك جَازَ أَنْ يَكُونَ دِينُهُمْ بَدَلًا مِنَ الْحَقِّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أَيْ: وَيَعْلَمُونَ عِنْدَ مُعَايَنَتِهِمْ لِذَلِكَ وَوُقُوعِهِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، الْمُبِينُ الْمُظْهِرُ لِلْأَشْيَاءِ كَمَا هِيَ فِي أَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ سُبْحَانَهُ الْحَقُّ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ هِيَ الْحَقُّ دُونَ عِبَادَةِ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ بِالْحَقِّ، أَيْ: الْمَوْجُودُ لِأَنَّ نَقِيضَهُ الْبَاطِلُ وَهُوَ الْمَعْدُومُ.

ثُمَّ خَتَمَ سُبْحَانَهُ الْآيَاتِ الْوَارِدَةَ فِي أَهْلِ الْإِفْكِ بِكَلِمَةٍ جَامِعَةٍ فَقَالَ: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ أَيِ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، أَيْ: مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ لَا تَتَجَاوَزُهُمْ، وَكَذَا الْخَبِيثُونَ مُخْتَصُّونَ بِالْخَبِيثَاتِ لَا يَتَجَاوَزُونَهُنَّ، وَهَكَذَا قَوْلُهُ: وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمَعْنَى: الْكَلِمَاتُ الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْكَلِمَاتِ، وَالْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْكَلِمَاتِ.

قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَعْنَاهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِالْخَبِيثَاتِ إِلَّا الخبيث من الرجال والنساء،

ص: 21

ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهَذَا ذَمٌّ لِلَّذِينَ قَذَفُوا عائشة بالخبث ومدح للذين برّؤوها.

وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً فَالْخَبِيثَاتُ: الزَّوَانِي، وَالطَّيِّبَاتُ: الْعَفَائِفُ، وَكَذَا الْخَبِيثُونَ وَالطَّيِّبُونَ، والإشارة بقوله: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ إِلَى الطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبَاتِ، أَيْ:

هُمْ مبرّؤون مِمَّا يَقُولُهُ الْخَبِيثُونَ وَالْخَبِيثَاتُ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَائِشَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ، وَقِيلَ: عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ فَقَطْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَجَمَعَ كَمَا قَالَ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ «1» وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي: هؤلاء المبرّؤون لَهُمْ مَغْفِرَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَا لَا يَخْلُو عَنْهُ البشر من الذنوب وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو رِزْقُ الْجَنَّةِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَأْتَلِ الْآيَةَ، يَقُولُ:

لَا يُقْسِمُوا أَنْ لَا يَنْفَعُوا أَحَدًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ مِمَّنْ تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَكَانَ قَرِيبًا لِأَبِي بَكْرٍ وَكَانَ فِي عِيَالِهِ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُنِيلَهُ خَيْرًا أبدا، فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ الْآيَةَ، قَالَتْ: فَأَعَادَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عِيَالِهِ وَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا تَحَلَّلْتُهَا وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَمَوْا عَائِشَةَ بِالْقَبِيحِ وَأَفْشَوْا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا فِيهَا، فَأَقْسَمَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَتَصَدَّقُوا عَلَى رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يصلوه، فقال: لا يقسم أولو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَأَنْ يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قَبْلِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ خَاصَّةً. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: هذه هي عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُجْعَلْ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ، وَجُعِلَ لِمَنْ رَمَى امْرَأَةً مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التَّوْبَةُ، ثُمَّ قَرَأَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا «2» . وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُرِفَ الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ فَجَحَدَ وَخَاصَمَ، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقَالُ:

أَهْلُكَ وَعَشِيرَتُكَ، فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقَالُ: احْلِفُوا فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصْمِتُهُمُ اللَّهُ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا يَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ الْجَوَارِحِ عَلَى الْعُصَاةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ قَالَ: حِسَابُهُمْ، وَكُلُّ شَيْءٍ في القرآن: الدين: فَهُوَ الْحِسَابُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ يومئذ يوفيهم الله الحقّ دينهم. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْخَبِيثاتُ قَالَ: مِنَ الكلام لِلْخَبِيثِينَ قال:

(1) . النساء: 11. [.....]

(2)

. النور: 4- 5.

ص: 22