المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌سورة النّور

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 21]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 46]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 67]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 68 الى 77]

- ‌سورة الشّعراء

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 135]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 136 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 227]

- ‌سورة النّمل

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 82]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 83 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 24]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 25 الى 32]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 33 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 57]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 46]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 69]

- ‌سورة الرّوم

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 27]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 37]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 47 الى 60]

- ‌سورة لقمان

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌سورة السّجدة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 30]

- ‌سُورَةِ الْأَحْزَابِ

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 37 الى 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 59 الى 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]

- ‌سُورَةِ سَبَأٍ

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 27]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 28 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 43 الى 50]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 51 الى 54]

- ‌سُورَةِ فَاطِرٍ

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سُورَةِ يس

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌سُورَةِ الصَّافَّاتِ

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 20 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 50 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 182]

- ‌سورة ص

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 25]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة الزّمر

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 13 الى 20]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 43 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 49 الى 61]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 73 الى 75]

- ‌سورة غافر

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 20]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 41 الى 52]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 85]

- ‌سورة فصّلت

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 15 الى 24]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 45 الى 54]

- ‌سورة الشّورى

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 29 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 53]

- ‌سورة الزّخرف

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 21 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 73]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 89]

- ‌سورة الدّخان

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 37]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 38 الى 59]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان (25)

- ‌سورة الشعراء (26)

- ‌سورة النمل (27)

- ‌سورة القصص (28)

- ‌سورة العنكبوت (29)

- ‌سورة الروم (30)

- ‌سورة لقمان (31)

- ‌سورة السجدة (32)

- ‌سورة الأحزاب (33)

- ‌سورة سبأ (34)

- ‌سورة فاطر (35)

- ‌سورة يس (36)

- ‌سورة الصافات (37)

- ‌سورة ص (38)

- ‌سورة الزمر (39)

- ‌سورة غافر (40)

- ‌سورة فصلت (41)

- ‌سورة الشورى (42)

- ‌سورة الزخرف (43)

- ‌سورة الدخان (44)

الفصل: ‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. وَعَبَدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ الْمُسَيَّبِ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ لَمَّا امْتَنَعَ مِنَ الْإِسْلَامِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنْ نَتَّبِعْكَ يَتَخَطَّفْنَا النَّاسُ، فَنَزَلَتْ وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ:

ثمرات الأرض.

[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَاّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (59) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)

قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ مَا كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)

قَوْلُهُ: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ أَيْ: مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ كَانُوا فِي خَفْضِ عَيْشٍ، وَدَعَةٍ وَرَخَاءٍ، فَوَقَعَ مِنْهُمُ الْبَطَرُ فَأُهْلِكُوا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْبَطَرُ: الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ. قَالَ عَطَاءٌ: عَاشُوا فِي الْبَطَرِ فَأَكَلُوا رِزْقَ اللَّهِ، وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ. قَالَ الزَّجَّاجُ وَالْمَازِنِيُّ: مَعْنَى بَطِرَتْ مَعِيشَتَها بَطِرَتْ فِي مَعِيشَتِهَا، فَلَمَّا حُذِفَتْ «فِي» تَعَدَّى الْفِعْلُ كقوله: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ «1» وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ كَمَا تقول: أبطرك مالك وبطرته، ونظيره عنده قوله تعالى: إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ «2» وَنَصْبُ الْمَعَارِفِ عَلَى التَّمْيِيزِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، لِأَنَّ مَعْنَى التَّفْسِيرِ أَنْ تَكُونَ النَّكِرَةُ دَالَّةً عَلَى الْجِنْسِ. وَقِيلَ: إِنْ مَعِيشَتَهَا مَنْصُوبَةٌ ببطرت عَلَى تَضْمِينِهِ مَعْنَى جَهِلَتْ فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: لَمْ يسكنها أحد بعدهم إلّا زمنا قليلا،

(1) . الأعراف: 155. [.....]

(2)

. البقرة: 130.

ص: 208

كَالَّذِي يَمُرُّ بِهَا مُسَافِرًا، فَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِيهَا يَوْمًا، أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَسْكُنُهَا فِيهَا إِلَّا أَيَّامًا قَلِيلَةً، لِشُؤْمِ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ مَعَاصِيهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسَاكِنِ، أَيْ: لَمْ تُسْكَنْ بَعْدَ هَلَاكِ أَهْلِهَا إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمَسَاكِنِ وَأَكْثَرُهَا، خَرَابٌ، كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا وَارِثًا يَرِثُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَمَحَلُّ جُمْلَةِ «لَمْ تُسْكَنِ» الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ ثَانٍ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا أَيْ: وَمَا صَحَّ، وَلَا اسْتَقَامَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُهْلِكَ الْقُرَى الْكَافِرَةَ، أَيِ: الْكَافِرُ أَهْلُهَا حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يُنْذِرُهُمْ، وَيَتْلُوَ عَلَيْهِمْ آيَاتِ اللَّهِ النَّاطِقَةَ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا أَعَدَّهُ مِنَ الثَّوَابِ لِلْمُطِيعِ، وَالْعِقَابِ لِلْعَاصِي، وَمَعْنَى أُمِّهَا: أَكْبَرُهَا وَأَعْظَمُهَا، وَخَصَّ الْأَعْظَمَ مِنْهَا بِالْبَعْثَةِ إِلَيْهَا، لِأَنَّ فِيهَا أَشْرَافَ الْقَوْمِ، وَأَهْلَ الْفَهْمِ وَالرَّأْيِ، وَفِيهَا: الْمُلُوكُ وَالْأَكَابِرُ، فَصَارَتْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَالْأُمِّ لِمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: أُمُّ الْقُرَى: أَوَّلُهَا.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِأُمِّ الْقُرَى هُنَا مَكَّةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ «1» الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي آخِرِ سُورَةِ يُوسُفَ، وَجُمْلَةُ «يَتْلُو آيَاتِنَا» فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: تَالِيًا عَلَيْهِمْ وَمُخْبِرًا لَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ سَيَنْزِلُ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ، أَيْ: وَمَا كُنَّا مُهْلِكِينَ لِأَهْلِ الْقُرَى بَعْدَ أَنْ نَبْعَثَ إِلَى أُمِّهَا رَسُولًا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقِّ إِلَّا حَالَ كَوْنِهِمْ ظَالِمِينَ قَدِ اسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاكَ لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، وَتَأْكِيدِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ «2» ، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها الْخِطَابُ لِكُفَّارِ مَكَّةَ، أَيْ: وَمَا أُعْطِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَتَمَتَّعُونَ بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِكُمْ، أَوْ بَعْضَ حَيَاتِكُمْ، ثُمَّ تَزُولُونَ عَنْهُ، أَوْ يَزُولُ عَنْكُمْ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَذَلِكَ إِلَى فَنَاءٍ وَانْقِضَاءٍ وَما عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ثَوَابِهِ وَجَزَائِهِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِلِ الْفَانِي لِأَنَّهُ لَذَّةٌ خَالِصَةٌ عَنْ شَوْبِ الْكَدَرِ وَأَبْقى لِأَنَّهُ يَدُومُ أَبَدًا، وَهَذَا يَنْقَضِي بِسُرْعَةٍ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَنَّ الْبَاقِيَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَانِي، وَمَا فِيهِ لَذَّةٌ خَالِصَةٌ غَيْرُ مَشُوبَةٍ أَفْضَلُ مِنَ اللَّذَّاتِ الْمَشُوبَةِ، بِالْكَدَرِ الْمُنَغَّصَةِ بِعَوَارِضِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ، وقرئ بنصب «متاع» على المصدرية، أي: متمتعون مَتَاعَ الْحَيَاةِ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو «يَعْقِلُونَ» بِالتَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ، وَقِرَاءَتُهُمْ أَرْجَحُ لِقَوْلِهِ: وَما أُوتِيتُمْ أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ أَيْ: وَعَدْنَاهُ بِالْجَنَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى، فَهُوَ لَاقِيهِ، أَيْ: مُدْرِكُهُ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَأُعْطِيَ مِنْهَا بَعْضَ مَا أَرَادَ مَعَ سُرْعَةِ زَوَالِهِ وَتَنْغِيصِهِ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مَتَّعْناهُ دَاخِلٌ مَعَهُ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ مُؤَكِّدٌ لِإِنْكَارِ التَّشَابُهِ وَمُقَرِّرٌ لَهُ، وَالْمَعْنَى: ثُمَّ هَذَا الَّذِي مَتَّعْنَاهُ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ بِالنَّارِ، وَتَخْصِيصُ المحضرين بالذين أحضروا للعذاب اقتضاء الْمَقَامُ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ: لَيْسَ حَالُهُمَا سَوَاءً، فَإِنَّ الْمَوْعُودَ بِالْجَنَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَظْفَرَ بما وعده بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ نَصِيبُهُ مِنَ الدنيا، وهذا حال

(1) . آل عمران: 96.

(2)

. هود: 117.

ص: 209

الْمُؤْمِنِ. وَأَمَّا حَالُ الْكَافِرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ التَّمْتِيعِ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَالْمُؤْمِنُ، وَيَنَالُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَظَّهُ مِنْهُ، وَهُوَ صَائِرٌ إِلَى النَّارِ، فَهَلْ يَسْتَوِيَانِ؟ قَرَأَ الْجُمْهُورُ «ثُمَّ هُوَ» بِضَمِّ الهاء. وقرأ الكسائي وقالوا بِسُكُونِ الْهَاءِ إِجْرَاءً لِثُمَّ مَجْرَى الْوَاوِ وَالْفَاءِ، وَانْتِصَابُ يَوْمَ فِي قَوْلِهِ: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ بِالْعَطْفِ عَلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ، أَيْ: يَوْمَ يُنَادِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَيَقُولُ لَهُمْ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَكُمْ وَيَشْفَعُونَ لَكُمْ، وَمَفْعُولَا يَزْعُمُونَ مَحْذُوفَانِ، أَيْ:

تَزْعُمُونَهُمْ شُرَكَائِي لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أَيْ: حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ العذاب، وهم رؤساء الضلال الذين اتخذوهم أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَذَا قَالَ الْكَلْبِيُّ. وقال قتادة: هم الشيطان رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَيْ: دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْغَوَايَةِ يَعْنُونَ الْأَتْبَاعَ أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا أَيْ: أَضْلَلْنَاهُمْ كَمَا ضَلَلْنَا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ مِنْهُمْ، وَالْمَعْنَى: أن رؤساء الضلال أو الشياطين تبرّؤوا ممن أطاعهم. قال الزجاج:

برىء بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَصَارُوا أَعْدَاءً. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ «1» وَهَؤُلَاءِ مُبْتَدَأٌ، وَالَّذِينَ أَغْوَيْنَا صِفَتُهُ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَغْوَيْنَاهُمْ، وَالْخَبَرُ: أَغْوَيْنَاهُمْ، وَكَمَا أَغْوَيْنَا: نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. وَقِيلَ: إِنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ هُوَ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا، وَأَمَّا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا فَكَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِتَقْرِيرِ مَا قَبْلَهُ، وَرَجَّحَ هَذَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، وَاعْتَرَضَ الْوَجْهَ الْأَوَّلِ، وَرَدَّ اعْتِرَاضَهُ أَبُو الْبَقَاءِ مَا كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَقِيلَ إِنَّ «مَا» فِي مَا كَانُوا: مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أَيْ: قِيلَ لِلْكُفَّارِ مِنْ بَنِي آدَمَ هَذَا الْقَوْلُ، وَالْمَعْنَى: اسْتَغِيثُوا بِآلِهَتِكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا لِيَنْصُرُوكُمْ وَيَدْفَعُوا عَنْكُمْ فَدَعَوْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَلَا نَفَعُوهُمْ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ النَّفْعِ وَرَأَوُا الْعَذابَ أي: التابع والمتبوع قد غَشِيَهُمْ، لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى: لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ لَأَنْجَاهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَوُا الْعَذَابَ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ مَا دَعَوْهُمْ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا لَعَلِمُوا أَنَّ الْعَذَابَ حَقٌّ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَوْ كَانُوا يَهْتَدُونَ لِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَلِ لَدَفَعُوا بِهِ الْعَذَابَ. وَقِيلَ:

قَدْ آنَ لَهُمْ أَنْ يَهْتَدُوا لَوْ كَانُوا يَهْتَدُونَ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيَوْمَ فِي قَوْلِهِ: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى ما قبله، أي: مَا كَانَ جَوَابُكُمْ لِمَنْ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ لَمَّا بَلَّغُوكُمْ رِسَالَاتِي فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ أَيْ: خَفِيَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَجُ حَتَّى صَارُوا كَالْعُمْيِ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ، وَالْأَصْلُ فَعَمُوا عَنِ الْأَنْبَاءِ، وَلَكِنَّهُ عَكَسَ الْكَلَامَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْأَنْبَاءُ: الْأَخْبَارُ، وإنما سمى حججهم أخبارا، لَمْ تَكُنْ مِنَ الْحُجَّةِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هِيَ: أَقَاصِيصُ، وَحِكَايَاتٌ فَهُمْ لَا يَتَساءَلُونَ لَا يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ وَلَا يَدْرُونَ بِمَا يُجِيبُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ عُذْرٌ، وَلَا حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «عَمِيَتْ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَجَنَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ إِنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ

(1) . الزخرف: 67.

ص: 210

وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَأَدَّى الْفَرَائِضَ وَاجْتَنَبَ الْمَعَاصِيَ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، أَيِ: الْفَائِزِينَ بِمَطَالِبِهِمْ مِنْ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، وَعَسَى وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لِلرَّجَاءِ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ الْكِرَامِ. وَقِيلَ:

إِنَّ التَّرَجِّيَ هُوَ مِنَ التَّائِبِ الْمَذْكُورِ، لَا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ أَيْ: يَخْلُقُهُ.

وَيَخْتارُ مَا يَشَاءُ أن يختاره لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ «1» وَهَذَا مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ، وَاخْتَارُوهُمْ، أَيِ: الِاخْتِيَارُ إِلَى اللَّهِ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ أَيِ: التَّخَيُّرُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يَخْتَارَ، بَلِ الِاخْتِيَارُ هُوَ إِلَى اللَّهِ عز وجل. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «2» وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ جَوَابٌ عَنِ الْيَهُودِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ كَانَ الرَّسُولُ إِلَى مُحَمَّدٍ غَيْرَ جِبْرِيلَ لَآمَنَّا بِهِ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: الْوَقْفُ عَلَى «وَيَخْتَارُ» تَامٌّ عَلَى أَنَّ مَا نَافِيَةٌ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بيختار، وَالْمَعْنَى: وَيَخْتَارُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ فِيهِ الْخِيَرَةُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْوَقْفِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:

إِنْ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: وَيَخْتَارُ لِوِلَايَتِهِ الْخِيَرَةَ مِنْ خَلْقِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةٍ مِنَ الضَّعْفِ. وَجَوَّزَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ تَكُونَ كَانَ تَامَّةً، وَيَكُونُ لَهُمُ الْخِيَرَةُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ جِدًّا. وَقِيلَ إِنَّ «مَا» مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: يَخْتَارُ اخْتِيَارَهُمْ، وَالْمَصْدَرُ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ بِهِ، أَيْ: وَيَخْتَارُ مُخْتَارَهُمْ، وَهَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِكَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ. وَالرَّاجِحُ أَوَّلُ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ «3» وَالْخِيَرَةُ: التَّخَيُّرُ، كَالطِّيرَةِ فَإِنَّهَا التَّطَيُّرُ، اسْمَانِ يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالَ الْمَصْدَرِ، ثُمَّ نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ فَقَالَ: سُبْحانَ اللَّهِ أَيْ: تَنَزَّهَ تَنَزُّهًا خَاصًّا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَازِعَهُ مُنَازِعٌ، وَيُشَارِكَهُ مُشَارِكٌ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ: عَنِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَهُمْ شُرَكَاءَ لَهُ، أَوْ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ أَيْ: تُخْفِيهِ مِنَ الشِّرْكِ، أَوْ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مِنْ جَمِيعِ مَا يُخْفُونَهُ مِمَّا يُخَالِفُ الْحَقَّ وَما يُعْلِنُونَ أَيْ: يُظْهِرُونَهُ مِنْ ذَلِكَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «تُكِنُّ» بِضَمِّ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْكَافِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، وَضَمِّ الْكَافِ. ثُمَّ تَمَدَّحَ سبحانه وتعالى بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالتَّفَرُّدِ بِاسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ فَقَالَ: وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى أَيِ: الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَيِ: الدَّارِ الْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ يَقْضِي بَيْنَ عِبَادِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بِالْبَعْثِ فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، لَا تَرْجِعُونَ إِلَى غَيْرِهِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ لَمْ نُهْلِكْ قَرْيَةً بِإِيمَانٍ، وَلَكِنَّهُ أَهْلَكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ إِذَا ظَلَمَ أَهْلُهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَكَّةُ آمَنَتْ لَمْ يَهْلَكُوا مَعَ مَنْ هَلَكَ، وَلَكِنَّهُمْ كَذَّبُوا وَظَلَمُوا فَبِذَلِكَ هَلَكُوا. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: يَا بن آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ عَبْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: «يحشر النّاس

(1) . الأنبياء: 23.

(2)

. الزخرف: 31.

(3)

. الأحزاب: 36.

ص: 211