الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوْمُ، فَقَالَ طَلْحَةُ: قُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ الْآيَةَ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَرِينًا مِنَ الْجِنِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ قَالَ: ذَهَبَ نبيه صلى الله عليه وسلم وَبَقِيَتْ نِقْمَتُهُ فِي عَدُوِّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طُرُقِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قَالَ: شَرَفٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ بِمَكَّةَ وَيَعِدُهُمُ الظُّهُورَ، فَإِذَا قَالُوا لِمَنِ الْمُلْكُ بَعْدَكَ؟ أَمْسَكَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ فكان إِذَا سُئِلَ قَالَ لِقُرَيْشٍ فَلَا يُجِيبُونَهُ حَتَّى قَبِلَتْهُ الْأَنْصَارُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا قَالَ: اسْأَلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا.
[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56)
لَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ بِأَنَّهُ مُنْتَقِمٌ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ وَذَكَرَ اتِّفَاقَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى التَّوْحِيدِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى، وَفِرْعَوْنَ وَبَيَانِ مَا نَزَلَ بِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنَ النِّقْمَةِ فَقَالَ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وهي التسع التي تقدّم بيانها إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ الْمَلَأُ: الْأَشْرَافُ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ اسْتِهْزَاءً وَسُخْرِيَةً، وَجَوَابُ لَمَّا هُوَ إذا الفجائية، لأن التقدر: فَاجَئُوا وَقْتَ ضَحِكِهِمْ وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها أَيْ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ آيَاتِ مُوسَى أَكْبَرُ مِمَّا قَبْلَهَا، وَأَعْظَمُ قَدْرًا مَعَ كَوْنِ الَّتِي قَبْلَهَا عَظِيمَةً فِي نَفْسِهَا، وَقِيلَ الْمَعْنَى: إِنَّ الْأُولَى تَقْتَضِي عِلْمًا، وَالثَّانِيَةَ تَقْتَضِي عِلْمًا، فَإِذَا ضُمَّتِ الثَّانِيَةُ إِلَى الْأُولَى ازْدَادَ الْوُضُوحُ، وَمَعْنَى الْأُخُوَّةِ بَيْنَ الْآيَاتِ: أَنَّهَا مُتَشَاكِلَةٌ مُتَنَاسِبَةٌ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى كَمَا يُقَالُ هَذِهِ صَاحِبَةُ هَذِهِ، أَيْ: هُمَا قَرِينَتَانِ فِي الْمَعْنَى، وَجُمْلَةُ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها فِي مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةً لِآيَةٍ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْآيَاتِ إِذَا انْفَرَدَتْ ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ، وَمِثْلُ هَذَا قول القائل:
مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ لَاقَيْتُ سَيِّدَهُمْ
…
مِثْلَ النُّجُومِ الَّتِي يَسْرِي بِهَا السَّارِي
وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِتِلْكَ الْآيَاتِ، وَالْعَذَابُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ:
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ «1» الْآيَةَ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي أَخْذِهِ لَهُمْ بِالْعَذَابِ هُوَ رَجَاءُ رُجُوعِهِمْ، وَلَمَّا عَايَنُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ السِّحْرِ وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْعُلَمَاءَ سَحَرَةً، وَيُوَقِّرُونَ السَّحَرَةَ وَيُعَظِّمُونَهُمْ، وَلَمْ يَكُنِ السِّحْرُ صِفَةَ ذَمٍّ عِنْدَهُمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: خَاطَبُوهُ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ عِنْدَهُمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِالسَّاحِرِ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أَيْ: بِمَا أَخْبَرْتَنَا مِنْ عَهْدِهِ إِلَيْكَ إِنَّا إِذَا آمَنَّا كُشِفَ عَنَّا الْعَذَابُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَهْدِ النُّبُوَّةُ، وَقِيلَ: اسْتِجَابَةُ الدَّعْوَةِ عَلَى الْعُمُومِ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ أَيْ إِذَا كُشِفَ عَنَّا الْعَذَابُ الَّذِي نَزَلَ بِنَا فَنَحْنُ مُهْتَدُونَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، وَمُؤْمِنُونَ بِمَا جِئْتَ بِهِ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهُمُ العذاب فاجؤوا وَقْتَ نِكْثِهِمْ لِلْعَهْدِ الَّذِي جَعَلُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الِاهْتِدَاءِ، وَالنَّكْثُ: النَّقْضُ وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قِيلَ: لَمَّا رَأَى تِلْكَ الْآيَاتِ خَافَ مَيْلَ الْقَوْمِ إِلَى مُوسَى، فَجَمَعَهُمْ وَنَادَى بِصَوْتِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَوْ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي بِقَوْلِهِ: يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ لَا يُنَازِعُنِي فِيهِ أَحَدٌ وَلَا يُخَالِفُنِي مُخَالِفٌ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَيْ:
مِنْ تَحْتِ قَصْرِي، وَالْمُرَادُ أنهار النِّيلُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى تَجْرِي بَيْنَ يَدَيَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَجْرِي بِأَمْرِي:
أَيْ تَجْرِي تَحْتَ أَمْرِي. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَرَادَ بِالْأَنْهَارِ: الْقُوَّادَ وَالرُّؤَسَاءَ وَالْجَبَابِرَةَ وَأَنَّهُمْ يَسِيرُونَ تَحْتَ لِوَائِهِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَنْهَارِ الْأَمْوَالَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْوَاوُ فِي وَهذِهِ عاطفة على ملك مصر، وتَجْرِي فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ هِيَ وَاوُ الْحَالِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ: مُبْتَدَأٌ، وَالْأَنْهَارُ: صِفَةٌ لَهُ، وَتَجْرِي: خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ أَفَلا تُبْصِرُونَ ذَلِكَ وَتَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى قُوَّةِ مُلْكِي، وَعَظِيمِ قَدْرِي، وَضَعْفِ مُوسَى عَنْ مُقَاوَمَتِي أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ أَمْ هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الْمُقَدَّرَةُ بِبَلِ الَّتِي للإضراب دُونَ الْهَمْزَةِ الَّتِي لِلْإِنْكَارِ، أَيْ: بَلْ أَنَا خَيْرٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمْ بِمَعْنَى بَلْ، وَالْمَعْنَى: قَالَ فِرْعَوْنُ لِقَوْمِهِ: بَلْ أَنَا خَيْرٌ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا مِنَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي جُعِلَ بِأَمْ لِاتِّصَالِهِ بِكَلَامٍ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَمْ زَائِدَةً، وَالْمَعْنَى: أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى: أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ تُبْصِرُونَ؟ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: أَنَا خَيْرٌ وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ نَحْوُ قَوْلِ الْأَخْفَشِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ عِيسَى الثَّقَفِيَّ وَيَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيَّ وَقَفَا عَلَى أَمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَمْ تُبْصِرُونَ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ أَمْ مُتَّصِلَةً لَا مُنْقَطِعَةً وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ الَّذِي أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى
…
وَصُورَتُهَا أَمْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ
(1) . الأعراف: 130.
أَيْ: بَلْ أَنْتِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ قَرَأَ «أَمَا أَنَا خَيْرٌ» أَيْ: أَلَسْتُ خَيْرًا مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ: أَيْ ضَعِيفٌ حَقِيرٌ مُمْتَهَنٌ فِي نَفْسِهِ لَا عِزَّ لَهُ وَلا يَكادُ يُبِينُ الْكَلَامَ لِمَا فِي لِسَانِهِ مِنَ الْعُقْدَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ طه فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَيْ: فَهَلَّا حُلِّيَ بِأَسَاوِرَةِ الذَّهَبِ إِنْ كَانَ عَظِيمًا، وَكَانَ الرَّجُلُ فِيهِمْ إِذَا سَوَّدُوهُ سَوَّرُوهُ بِسِوَارٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَطَوَّقُوهُ بِطَوْقٍ مِنْ ذهب. قرأ الجمهور أَسْوِرَةٌ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ جَمْعُ سِوَارٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: وَاحِدُ الْأَسَاوِرَةِ وَالْأَسَاوِرِ وَالْأَسَاوِيرِ أَسْوَارٌ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي سِوَارٍ. وَقَرَأَ حَفْصٌ أَسْوِرَةٌ جَمْعُ سِوَارٍ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ: أَسَاوِرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ أَسَاوِيرُ. قَالَ مُجَاهِدٌ:
كَانُوا إِذَا سَوَّدُوا رَجُلًا سَوَّرُوهُ بِسِوَارَيْنِ وَطَوَّقُوهُ بِطَوْقِ ذَهَبٍ عَلَامَةً لِسِيَادَتِهِ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى أُلْقِيَ، وَالْمَعْنَى: هَلَّا جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُتَتَابِعِينَ مُتَقَارِنِينَ إِنْ كَانَ صَادِقًا يُعِينُونَهُ عَلَى أَمْرِهِ وَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، فَأَوْهَمَ اللَّعِينُ قَوْمَهُ أَنَّ الرُّسُلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عَلَى هَيْئَةِ الْجَبَابِرَةِ، وَمَحْفُوفِينَ بِالْمَلَائِكَةِ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ أَيْ: حَمَلَهُمْ عَلَى خِفَّةِ الْجَهْلِ وَالسَّفَهِ بِقَوْلِهِ، وَكَيْدِهِ، وغروره.
فأطاعوه فيما أمرهم به، وقبلوا قوله وَكَذَّبُوا مُوسَى إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ أَيْ: خَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَعْنَى فَاسْتَجْهَلَ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ بِخِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ، وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ، يُقَالُ اسْتَخَفَّهُ الْفَرَحُ:
أَيْ أَزْعَجَهُ، وَاسْتَخَفَّهُ: أَيْ حَمَلَهُ، وَمِنْهُ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ «1» وَقِيلَ اسْتَخَفَّ قَوْمَهُ: أَيْ وَجَدَهُمْ خِفَافَ الْعُقُولِ، وَقَدِ اسْتَخَفَّ بِقَوْمِهِ وَقَهَرَهُمْ حَتَّى اتَّبَعُوهُ فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَغْضَبُونَا، وَالْأَسَفُ: الْغَضَبُ، وَقِيلَ: أَشَدُّ الْغَضَبِ، وَقِيلَ: السُّخْطُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَغْضَبُوا رُسُلَنَا. ثُمَّ بَيَّنَ الْعَذَابَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الِانْتِقَامُ فَقَالَ: فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فِي الْبَحْرِ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً أَيْ: قُدْوَةً لِمَنْ عَمِلَ بِعَمَلِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: سَلَفًا بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ جَمْعُ سَالِفٍ كَخَدَمٍ وَخَادِمٍ، وَرَصَدٍ وَرَاصِدٍ، وَحَرَسٍ وَحَارِسٍ، يُقَالُ سَلَفَ يَسْلُفُ: إِذَا تَقَدَّمَ وَمَضَى. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: جَعَلْنَاهُمْ مُتَقَدِّمِينَ لِيَتَّعِظَ بِهِمُ الْآخَرُونَ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: سُلُفًا بِضَمِّ السِّينِ وَاللَّامِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ جَمْعُ سَلِيفٍ، نَحْوُ سُرُرٍ وَسَرِيرٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ جَمْعُ سَلَفٍ نَحْوُ خَشَبٍ وَخُشُبٍ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ بِضَمِّ السِّينِ، وَفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ سُلْفَةٍ، وَهِيَ:
الْفِرْقَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ نَحْوُ غُرَفٍ وَغُرْفَةٍ، كَذَا قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ أَيْ: عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ، أَوْ قِصَّةً عَجِيبَةً تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْثَالِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَكادُ يُبِينُ قَالَ: كَانَتْ بِمُوسَى لُثْغَةٌ فِي لِسَانِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فَلَمَّا آسَفُونا قَالَ: أَسْخَطُونَا. وَأَخْرَجَا عَنْهُ أَيْضًا آسَفُونَا قَالَ:
أَغْضَبُونَا، وَفِي قَوْلِهِ: سَلَفاً قَالَ: أَهْوَاءً مُخْتَلِفَةً. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ ما شاء وهو مقيم على معصية فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ لَهُ، وَقَرَأَ فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ المنذر،
(1) . الروم: 60.