الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ قَالَ: قَالَ ذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ يَقُولُ: إِذَا أَكَلَتْكُمُ الْأَرْضُ وَصِرْتُمْ رُفَاتًا وَعِظَامًا وَتَقَطَّعَتْكُمُ السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ إِنَّكُمْ سَتَحْيَوْنَ وَتُبْعَثُونَ، قَالُوا ذَلِكَ تَكْذِيبًا بِهِ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ قَالَ: قَالُوا إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ قَالُوا: إِنَّكَ إِنْ نَظَرْتَ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ ومن بَيْنَ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ رَأَيْتَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ كَمَا خَسَفْنَا بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ أَيْ: قِطَعًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ يَشَأْ أَنْ يُعَذِّبَ بِسَمَائِهِ فَعَلَ وَإِنْ يَشَأْ أَنْ يُعَذِّبَ بِأَرْضِهِ فَعَلَ وَكُلُّ خَلْقِهِ لَهُ جُنْدٌ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ قال: تائب مقبل إلى الله.
[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، كَمَا قَالَ فِي دَاوُدَ: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ»
وَقَالَ فِي سُلَيْمَانَ: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ «2» فَقَالَ: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا أَيْ: آتَيْنَاهُ بِسَبَبِ إِنَابَتِهِ فَضْلًا مِنَّا عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْفَضْلِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقِيلَ النُّبُوَّةُ، وَقِيلَ:
الزَّبُورُ، وَقِيلَ: الْعِلْمُ، وَقِيلَ: الْقُوَّةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ «3» وقيل: تسخير الجبال، كما في قوله: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وقيل: التوبة، قيل: الحكم بالعدل، كما في قوله: يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ «4» وَقِيلَ: هُوَ إِلَانَةُ الْحَدِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وَقِيلَ: حُسْنُ الصَّوْتِ، وَالْأَوْلَى أن يقال: إن هذا الفضل الْمَذْكُورَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ قوله:
يا جِبالُ إلى آخر الآية، وجملة يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ مُقَدَّرَةٌ بِالْقَوْلِ، أَيْ: قُلْنَا يَا جِبَالُ. وَالتَّأْوِيبُ:
التَّسْبِيحُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ «5» قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: هُوَ التَّسْبِيحُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَكَانَ إِذَا سَبَّحَ دَاوُدُ سَبَّحَتْ مَعَهُ، وَمَعْنَى تَسْبِيحِ الْجِبَالِ: أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُهَا قَادِرَةً عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يَخْلُقُ فِيهَا التَّسْبِيحَ مُعْجِزَةً لِدَاوُدَ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَوِّبِي: سِيرِي مَعَهُ، مِنَ التَّأْوِيبِ الَّذِي هُوَ سَيْرُ النَّهَارِ أَجْمَعَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابن مقبل:
(1) . ص: 24.
(2)
. ص: 34.
(3)
. ص: 17.
(4)
. ص: 26. [.....]
(5)
. ص: 18.
لحقنا بحيّ أوّبوا السير بعد ما
…
دَفَعْنَا شُعَاعَ الشَّمْسِ وَالطَّرَفُ مُجْنَحُ
قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَوِّبِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ، مِنَ التَّأْوِيبِ: وَهُوَ التَّرْجِيعُ، أَوِ التَّسْبِيحُ، أَوِ السَّيْرُ، أَوِ النَّوْحُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَوِّبِي بِضَمِّ الهمزة أمرا من آب يؤوب إِذَا رَجَعَ، أَيِ: ارْجِعِي مَعَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَالطَّيْرَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى فَضْلًا عَلَى مَعْنَى: وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ، لِأَنَّ إِيتَاءَهُ إِيَّاهَا تَسْخِيرُهَا لَهُ، أَوْ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ يَا جِبالُ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ تَقْدِيرًا، إِذِ الْمَعْنَى: نَادَيْنَا الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: انْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عَلَى مَعْنَى وَسَخَّرْنَا لَهُ الطَّيْرَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ، وَالنَّحَّاسُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ كَمَا تَقُولُ: اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ.
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى فَضْلًا لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: آتَيْنَاهُ فَضْلًا وَتَسْبِيحَ الطَّيْرِ.
وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ، وَالْأَعْرَجُ، وَيَعْقُوبُ، وَأَبُو نَوْفَلٍ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ، وابن هرمز، ومسلمة ابن عَبْدِ الْمَلِكِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ الْجِبَالِ، أَوْ عَلَى الْمُضْمَرِ فِي: أَوِّبِي لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ مَعْطُوفٌ عَلَى آتَيْنَاهُ: أَيْ: جَعَلْنَاهُ لَيِّنًا لِيَعْمَلَ بِهِ مَا شَاءَ. قَالَ الْحَسَنُ: صَارَ الْحَدِيدُ كَالشَّمْعِ يَعْمَلُهُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ الْحَدِيدُ فِي يَدِهِ كَالطِّينِ الْمَبْلُولِ وَالْعَجِينِ وَالشَّمْعِ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ وَلَا ضَرْبٍ بِمِطْرَقَةٍ، وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ، وَكَانَ يَفْرَغُ مِنْ عَمَلِ الدِّرْعِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ فِي: أَنْ هَذِهِ وَجْهَانِ: أحدهما أنها مصدرية على حذف الْجَرِّ، أَيْ: بِأَنِ اعْمَلْ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْمُفَسِّرَةُ لِقَوْلِهِ: وَأَلَنَّا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ مَا هُوَ فِي معناه. وقدّر بعضهم فعلا في مَعْنَى الْقَوْلِ، فَقَالَ: التَّقْدِيرُ وَأَمَرْنَاهُ أَنِ اعْمَلْ. وَقَوْلُهُ: سابِغاتٍ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ دُرُوعًا سَابِغَاتٍ، وَالسَّابِغَاتُ: الْكَوَامِلُ الْوَاسِعَاتُ، يُقَالُ سَبَغَ الدِّرْعُ وَالثَّوْبُ وَغَيْرُهُمَا: إِذَا غَطَّى كُلَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَفَضَلَ مِنْهُ فَضْلَةٌ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السَّرْدُ نَسْجُ الدُّرُوعِ، وَيُقَالُ السَّرْدُ وَالزَّرْدُ كَمَا يقال السراد والمراد لِصَانِعِ الدُّرُوعِ، وَالسَّرْدُ أَيْضًا الْخَرْزُ، يُقَالُ سَرَدَ يَسْرُدُ: إِذَا خَرَزَ، وَمِنْهُ سَرَدَ الْكَلَامَ: إِذَا جاء به متواليا، ومنه حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِنْهُ سرندى: أي جريء، وَمَعْنَى سَرْدِ الدُّرُوعِ إِحْكَامُهَا، وَأَنْ يَكُونَ نِظَامُ حِلَقِهَا وِلَاءً غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
سَرَدَ الدُّرُوعَ مُضَاعِفًا أَسْرَادَهُ
…
لِيَنَالَ طُولَ الْعَيْشِ غَيْرَ مَرُومِ
وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ:
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا
…
دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الدُّرُوعُ قَبْلَ دَاوُدَ ثِقَالًا، فَلِذَلِكَ أُمِرَ هُوَ بِالتَّقْدِيرِ فِيمَا يَجْمَعُ الْخِفَّةَ وَالْحَصَانَةَ، أَيْ:
قَدِّرْ مَا تَأْخُذُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِقِسْطِهِ فَلَا تَقْصِدِ الْحَصَانَةَ فَيَثْقُلَ وَلَا الْخِفَّةَ فَيُزِيلَ الْمَنَعَةَ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: التَّقْدِيرُ الذي أمر به فِي قَدْرِ الْحَلْقَةِ، أَيْ: لَا تَعْمَلْهَا صَغِيرَةً فَتَضْعُفَ وَلَا يَقْوَى الدِّرْعُ عَلَى الدِّفَاعِ، وَلَا تَعْمَلْهَا كَبِيرَةً فَتَثْقُلَ عَلَى لَابِسِهَا. وَقِيلَ: إِنَّ التَّقْدِيرَ هُوَ فِي الْمِسْمَارِ: أَيْ لَا تَجْعَلْ مسمار الدرع رقيقا فَيَقْلِقَ وَلَا غَلِيظًا
فَيَفْصِمَ الْحِلَقَ. ثُمَّ خَاطَبَ دَاوُدَ وَأَهْلَهُ فَقَالَ: وَاعْمَلُوا صالِحاً أَيْ: عَمَلًا صَالِحًا كَمَا فِي قَوْلِهِ: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ثُمَّ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ بِقَوْلِهِ: إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ الرِّيحَ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ كَمَا قَالَ الزَّجَّاجُ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، أَيْ: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ ثَابِتَةٌ أَوْ مُسَخَّرَةٌ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الرِّيحَ وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو حَيْوَةَ وَخَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ «الرِّيَاحَ» بِالْجَمْعِ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ أَيْ تَسِيرُ بِالْغَدَاةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَتَسِيرُ بِالْعَشِيِّ كَذَلِكَ، وَالْجُمْلَةُ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ تَسْخِيرِ الرِّيحِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا كَانَتْ تَسِيرُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ يَغْدُو مِنْ دِمَشْقَ فَيَقِيلُ بِإِصْطَخْرَ، وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْمُسْرِعِ، ثُمَّ يَرُوحُ مِنْ إِصْطَخْرَ فَيَبِيتُ بِكَابُلَ، وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ الْقِطْرُ: النُّحَاسُ الذَّائِبُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أُجْرِيَتْ لَهُ عَيْنُ الصُّفْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ كَجَرْيِ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ بِمَا أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ، وَالْمَعْنَى: أَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ النُّحَاسِ كَمَا أَلَنَّا الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَسَالَ اللَّهُ لَهُ عَيْنًا يَسْتَعْمِلُهَا فِيمَا يُرِيدُ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ من: مبتدأ، ويعمل: خبره، ومن الْجِنِّ: مُتَعَلِّقٌ بِهِ، أَوْ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، أَوْ: مَنْ يَعْمَلُ مَعْطُوفٌ عَلَى الرِّيحِ، ومن الْجِنِّ حَالٌ، وَالْمَعْنَى: وَسَخَّرْنَا لَهُ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ مِنَ الْجِنِّ بِإِذْنِ رَبِّهِ، أَيْ: بِأَمْرِهِ. وَالْإِذْنُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى فَاعِلِهِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ: فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُسَخَّرًا أَوْ مُيَسَّرًا بِأَمْرِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا أَيْ: وَمَنْ يَعْدِلْ مِنَ الْجِنِّ عَنْ أَمْرِنَا الَّذِي أَمَرْنَاهُ بِهِ: وَهُوَ طَاعَةُ سُلَيْمَانَ نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: وَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: فِي الدُّنْيَا. قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَّلَ اللَّهُ بالجنّ ملكا بيده سوط من نار، فَمَنْ زَاغَ عَنْ أَمْرِ سُلَيْمَانَ ضَرَبَهُ بِذَلِكَ السَّوْطِ ضَرْبَةً فَتَحْرُقَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يَعْمَلُهُ الْجِنُّ لِسُلَيْمَانَ فَقَالَ: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ ومِنْ فِي قَوْلِهِ: مِنْ مَحارِيبَ لِلْبَيَانِ، وَالْمَحَارِيبُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، وَهِيَ الْأَبْنِيَةُ الرَّفِيعَةُ، وَالْقُصُورُ الْعَالِيَةُ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: لَا يَكُونُ الْمِحْرَابُ إِلَّا أَنْ يُرْتَقَى إِلَيْهِ بِدَرَجٍ، وَمِنْهُ قِيلَ: لِلَّذِي يُصَلَّى فِيهِ: مِحْرَابٌ لِأَنَّهُ يُرْفَعُ وَيُعَظَّمُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَحَارِيبُ دُونَ الْقُصُورِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمِحْرَابُ: أَشْرَفُ بُيُوتِ الدَّارِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَمَاذَا عَلَيْهِ إِنْ ذَكَرْتُ أَوَانِسًا
…
كَغِزْلَانِ رَمْلٍ فِي مَحَارِيبِ أَقْيَالِ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْمُرَادُ بِالْمَحَارِيبِ: هُنَا الْمَسَاجِدُ، وَالتَّمَاثِيلُ: جَمْعُ تِمْثَالٍ: وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ مَثَّلْتَهُ بِشَيْءٍ، أَيْ:
صَوَّرْتَهُ بِصُورَتِهِ مِنْ نُحَاسٍ، أَوْ زُجَاجٍ، أَوْ رُخَامٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ التَّمَاثِيلُ صُوَرَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالصُّلَحَاءِ، وَكَانُوا يُصَوِّرُونَهَا فِي الْمَسَاجِدِ لِيَرَاهَا النَّاسُ، فَيَزْدَادُوا عِبَادَةً وَاجْتِهَادًا.
وَقِيلَ: هِيَ تَمَاثِيلُ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ مِنَ الْحَيَوَانِ. وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ التَّصْوِيرَ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعِ سُلَيْمَانَ، وَنُسِخَ ذَلِكَ بِشَرْعِ نَبِيِّنَا محمّد صلى الله عليه وسلم. وَالْجِفَانُ جُمَعُ جَفْنَةٍ: وَهِيَ الْقَصْعَةُ الْكَبِيرَةُ. وَالْجَوَابِ جَمْعُ جَابِيَةٍ: وَهِيَ حَفِيرَةٌ كَالْحَوْضِ، وَقِيلَ: هِيَ الْحَوْضُ الْكَبِيرُ يَجْبِي الْمَاءَ: أَيْ يَجْمَعُهُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي
قِصَاعًا فِي الْعِظَمِ كَحِيَاضِ الْإِبِلِ، يَجْتَمِعُ عَلَى الْقَصْعَةِ الْوَاحِدَةِ أَلْفُ رَجُلٍ يَأْكُلُونَ مِنْهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: الْأَوْلَى إِثْبَاتُ الْيَاءِ فِي الْجَوَابِي، وَمَنْ حَذَفَ الْيَاءَ قَالَ سَبِيلُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى النَّكِرَةِ فَلَا تُغَيُّرُهَا عَنْ حَالِهَا، فَلَمَّا كَانَ يُقَالُ جَوَابٍ وَدَخَلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أُقِرَّ عَلَى حَالِهِ فَحَذَفَ الْيَاءَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ جَبَوْتُ الْمَاءَ وَجَبَيْتُهُ فِي الْحَوْضِ: أَيْ جَمَعْتُهُ، وَالْجَابِيَةُ الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ لِلْإِبِلِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَالْجَابِيَةُ، الْقِدْرُ الْعَظِيمَةُ، وَالْحَوْضُ الْعَظِيمُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الشَّيْءُ، أَيْ: يُجْمَعُ، وَمِنْهُ جَبَيْتُ الْخَرَاجَ، وَجَبَيْتُ الْجَرَادَ:
جَمَعْتُهُ فِي الْكِسَاءِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ قُدُورُ النُّحَاسِ تَكُونُ بِفَارِسَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ قُدُورٌ تُنْحَتُ مِنَ الْجِبَالِ الصُّمِّ عَمِلَتْهَا لَهُ الشَّيَاطِينُ، وَمَعْنَى رَاسِيَاتٍ: ثَابِتَاتٌ لَا تُحْمَلُ وَلَا تُحَرَّكُ لِعِظَمِهَا. ثُمَّ أَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى الْعُمُومِ، أَيْ: سُلَيْمَانَ وَأَهْلَهُ، فَقَالَ: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً أَيْ:
وَقُلْنَا لَهُمُ اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ يَا آلَ دَاوُدَ! شُكْرًا لَهُ على ما آتاكم، واعملوا عَمَلًا شُكْرًا عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أو اعملوا لِلشُّكْرِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَوْ حَالٌ، أَيْ: شَاكِرِينَ، أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ، وَسُمِّيَتِ الطَّاعَةُ شُكْرًا لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِهِ، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مِنْ جِنْسِهِ، أَيِ: اشْكُرُوا شُكْرًا. ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِالشُّكْرِ أَنَّ الشَّاكِرِينَ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ لَيْسُوا بِالْكَثِيرِ فَقَالَ: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ أَيِ: الْعَامِلُ بِطَاعَتِي الشَّاكِرُ لِنِعْمَتِي قَلِيلٌ. وَارْتِفَاعُ قَلِيلٌ عَلَى أنه خبر مقدّم. ومن عِبَادِيَ: صِفَةٌ لَهُ. وَالشَّكُورُ: مُبْتَدَأٌ فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ أَيْ: حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ إِيَّاهُ مَا دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ يَعْنِي الْأَرَضَةَ. وَقُرِئَ «الْأَرَضِ» بِفَتْحِ الرَّاءِ: أَيِ الْأَكْلِ، يُقَالُ أَرِضَتِ الْخَشَبَةُ أَرَضًا: إِذَا أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ.
وَمَعْنَى تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ: تَأْكُلُ عَصَاهُ الَّتِي كَانَ مُتَّكِئًا عَلَيْهَا، وَالْمِنْسَأَةُ: الْعَصَا بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ، أَوْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ نَسَأْتُ الْغَنَمَ: أَيْ زَجَرْتُهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمِنْسَأَةُ الَّتِي يُنْسَأُ بِهَا: أَيْ يُطْرَدُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنْسَأَتَهُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ. وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ. وَقَرَأَ نافع وأبو عمر بِأَلِفٍ مَحْضَةٍ. قَالَ الْمُبَرِّدُ:
بَعْضُ الْعَرَبِ يُبْدِلُ مِنْ هَمْزَتِهَا أَلِفًا وَأَنْشَدَ:
إِذَا دَبَبْتَ عَلَى الْمِنْسَأَةِ مِنْ كِبَرٍ
…
فَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْكَ اللَّهْوُ وَالْغَزَلُ
وَمِثْلُ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ضَرَبْنَا بِمِنْسَأَةٍ وَجْهَهُ
…
فَصَارَ بِذَاكَ مَهِينًا ذَلِيلَا
وَمِثْلُهُ:
أَمِنْ أَجْلِ حَبْلٍ لَا أَبَاكَ ضَرَبْتَهُ
…
بِمِنْسَأَةٍ قَدْ جَرَّ حَبْلُكَ أَحْبُلَا
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ قَوْلُ طَرَفَةَ:
أَمُونٍ كَأَلْوَاحِ الْأَرَانِ نَسَأْتُهَا
…
عَلَى لَاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ «1»
(1) . الأمون: التي يؤمن عثارها. والإران: تابوت الموتى. واللّاحب: الطريق الواضح. والبرجد: كساء مخطط.
فَلَمَّا خَرَّ أَيْ: سَقَطَ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَيْ: ظَهَرَ لَهُمْ، مِنْ تَبَيَّنْتُ الشَّيْءَ إِذَا عَلِمْتَهُ: أَيْ: عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ أَيْ: لَوْ صَحَّ مَا يَزْعُمُونَهُ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ لَعَلِمُوا بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَلْبَثُوا بَعْدَ مَوْتِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ فِي الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ مَيِّتٌ. قَالَ مُقَاتِلٌ: الْعَذَابُ الْمُهِينُ: الشَّقَاءُ وَالنَّصَبُ فِي الْعَمَلِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَتِ النَّاسَ فِي زَمَانِ سُلَيْمَانَ يَقُولُونَ إِنَّ الْجِنَّ تَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَلَمَّا مَكَثَ سُلَيْمَانُ قَائِمًا عَلَى عَصَاهُ حَوْلًا مَيِّتًا، وَالْجِنُّ تَعْمَلُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ فِي حَيَاةِ سُلَيْمَانَ لَا يَشْعُرُونَ بِمَوْتِهِ حَتَّى أَكَلَتِ الْأَرَضَةُ عَصَاهُ فَخَرَّ مَيِّتًا فَعَلِمُوا بِمَوْتِهِ، وَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّ الْجِنَّ لَا تَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ مِنْ تَبَيَّنَ الشَّيْءُ، لَا مِنْ تَبَيَّنْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: ظَهَرَ وَتَجَلَّى، وَأَنْ وما في حيزها بد اشْتِمَالٍ مِنَ الْجِنِّ مَعَ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ، أَيْ: ظَهَرَ أَمْرُ الْجِنِّ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ، أَوْ ظَهَرَ أَنَّ الْجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ إِلَخْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ تَبَيَّنَتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مُسْنَدًا إِلَى الْجِنِّ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَعْقُوبُ تَبَيَّنَتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ يُعْرَفُ مِمَّا قَدَّمْنَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
أَوِّبِي مَعَهُ قَالَ: سَبِّحِي مَعَهُ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ زَيْدٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ قَالَ: كَالْعَجِينِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ قال: خلق الْحَدِيدِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ أَيْضًا وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ قَالَ: لَا تَدُقَّ الْمَسَامِيرَ وَتُوَسِّعَ الْحِلَقَ فَتَسْلَسَ، وَلَا تُغَلِّظَ الْمَسَامِيرَ وَتُضَيِّقِ الْحِلَقَ فَتُقْصَمَ، وَاجْعَلْهُ قَدْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ قَالَ النُّحَاسُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْقِطْرُ: النُّحَاسُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بَعْدَ سُلَيْمَانَ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ النَّاسُ بَعْدَهُ فِيمَا كَانَ أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقِطْرُ: الصُّفْرُ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَتَماثِيلَ قَالَ: اتَّخَذَ سُلَيْمَانُ تَمَاثِيلَ مِنْ نُحَاسٍ فَقَالَ: يَا رَبِّ انْفُخْ فِيهَا الرُّوحَ، فَإِنَّهَا أَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ، فَنَفَخَ اللَّهُ فِيهَا الرُّوحَ، فَكَانَتْ تَخْدِمُهُ، وَكَانَ اسْفِنْدِيَارُ مِنْ بَقَايَاهُمْ، فَقِيلَ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ:
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ كَالْجَوابِ قَالَ: كَالْجَوْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ قال: أثافيها منها. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ يَقُولُ: قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الْمُوَحِّدِينَ تَوْحِيدَهُمْ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: لَبِثَ سُلَيْمَانُ عَلَى عَصَاهُ حَوْلًا بَعْدَ مَا مَاتَ ثُمَّ خَرَّ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، فَأَخَذَتِ الْجِنُّ عصى مِثْلَ عَصَاهُ، وَدَابَّةً مِثْلَ دَابَّتِهِ، فَأَرْسَلُوهَا عَلَيْهَا، فَأَكَلَتْهَا فِي سَنَةٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ الْآيَةَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «وَهُمْ يَدْأَبُونَ لَهُ حَوْلًا» . وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ السُّنِّيِّ،