الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ خَافِيَةٌ، وَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا مَعَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ لا أدري ما فاطر السموات وَالْأَرْضَ حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، يَقُولُ: ابِتْدَأْتُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فاطِرِ السَّماواتِ بديع السموات. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ قَالَ: الصَّوْتُ الْحَسَنُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ الْآيَةَ قَالَ: مَا يَفْتَحُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ بَابِ تَوْبَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها هم يتوبون إن شاؤوا وإن أَبَوْا، وَمَا أَمْسَكَ مِنْ بَابِ تَوْبَةٍ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُمْ لَا يَتُوبُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَقُولُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: فَهُوَ الْجَنَّةُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ قَالَ: الشَّيْطَانُ زَيَّنَ لَهُمْ هِيَ وَاللَّهِ الضَّلَالَاتُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ أي: لا تحزن عليهم.
[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَاّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَاّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ بَدِيعِ صُنْعِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، لِيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ وَلِيَعْتَبِرُوا بِهِ، فَقَالَ:
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: الرِّيَاحَ، وَقَرَأَ ابْنُ كثير، وابن محيصن، والأعمش، ويحيى ابن وَثَّابٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «الرِّيحَ» بِالْإِفْرَادِ فَتُثِيرُ سَحاباً جَاءَ بِالْمُضَارِعِ بَعْدَ الْمَاضِي اسْتِحْضَارًا لِلصُّورَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَدْخَلُ فِي اعْتِبَارِ الْمُعْتَبِرِينَ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا: تُثِيرُ السَّحَابَ أَنَّهَا تُزْعِجُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سبيله فنسوقه، لِأَنَّهُ قَالَ: فَتُثِيرُ سَحَابًا. قِيلَ النُّكْتَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْمَاضِيَيْنِ بَعْدَ الْمُضَارِعِ: الدَّلَالَةُ عَلَى التَّحَقُّقِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: مَيْتٌ وَمَيِّتٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَنْشَدَ:
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ
…
إِنَّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ «1»
فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ أَيْ: أَحْيَيْنَا بِالْمَطَرِ الْأَرْضَ بِإِنْبَاتٍ مَا يَنْبُتُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الْمَطَرِ فَالسَّحَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، أَوْ أَحْيَيْنَا بِالسَّحَابِ، لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَطَرِ بَعْدَ مَوْتِها أَيْ: بَعْدَ يُبْسِهَا، اسْتَعَارَ الْإِحْيَاءَ لِلنَّبَاتِ وَالْمَوْتَ لِلْيُبْسِ كَذلِكَ النُّشُورُ أَيْ: كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْعِبَادَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ كَمَا أَحْيَا الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَالنُّشُورُ: الْبَعْثُ، مِنْ نَشَرَ الْإِنْسَانَ نُشُورًا، وَالْكَافُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، أَيْ: مِثْلُ إِحْيَاءِ مَوَاتِ الْأَرْضِ إِحْيَاءُ الْأَمْوَاتِ، فَكَيْفَ تُنْكِرُونَهُ وَقَدْ شَاهَدْتُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ مَا هو مثله وشبيه بِهِ مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ قَالَ الْفَرَّاءُ: معناه من كان يريد عَلِمَ الْعِزَّةَ لِمَنْ هِيَ؟ فَإِنَّهَا لِلَّهِ جَمِيعًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَجَعَلَ مَعْنَى فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ: الدُّعَاءَ إِلَى طَاعَةِ مَنْ لَهُ الْعِزَّةُ، كَمَا يُقَالُ مَنْ أَرَادَ الْمَالَ فَالْمَالُ لِفُلَانٍ، أَيْ: فَلْيَطْلُبْهُ مِنْ عِنْدِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: تَقْدِيرُهُ مَنْ كَانَ يريد بعباده الْعِزَّةَ، وَالْعِزَّةُ لَهُ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُعِزُّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ الْمُشْرِكُونَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَزَّزُونَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ: كَقَوْلِهِ: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا «2» وَقِيلَ الْمُرَادُ: الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَزَّزُونَ بِهِمْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ «3» الْآيَةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً أَيْ: فَلْيَطْلُبْهَا مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: أن من كان يريد العزّة ويطلبها مِنَ اللَّهِ عز وجل: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا، لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، فَتَشْمَلُ الْآيَةُ كُلَّ مَنْ طَلَبَ الْعِزَّةَ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بِهَا التَّنْبِيهَ لِذَوِي الْأَقْدَارِ وَالْهِمَمِ مِنْ أَيْنَ تُنَالُ الْعِزَّةُ، وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ تُطْلَبُ؟ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أَيْ: إِلَى اللَّهِ يَصْعَدُ لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَمَعْنَى صُعُودِهِ إِلَيْهِ: قَبُولُهُ لَهُ، أَوْ صُعُودُ الْكَتَبَةِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِمَا يَكْتُبُونَهُ مِنَ الصُّحُفِ، وَخَصَّ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ بِالذِّكْرِ لِبَيَانِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ كلام يتصف بكونه طيبا من ذكر الله، وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَتِلَاوَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، أَوْ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِصُعُودِهِ: صُعُودُهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِصُعُودِهِ:
عِلْمُ اللَّهِ بِهِ، وَمَعْنَى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالضَّحَّاكُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ إِلَّا مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقِيلَ إِنَّ فَاعِلَ يَرْفَعُهُ: هُوَ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَمَفْعُولَهُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مَعَ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ. وَقِيلَ: إِنَّ فَاعِلَ يَرْفَعُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ عز وجل. وَالْمَعْنَى:
أَنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ عَلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ يُحَقِّقُ الْكَلَامَ. وَقِيلَ: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْعِزَّةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِصَاحِبِهِ، أَيْ: يَقْبَلُهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ:
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ عَلَى هَذَا: مُبْتَدَأً، خَبَرُهُ: يَرْفَعُهُ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَرْفَعُ صَاحِبَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَصْعَدُ» مِنْ صَعِدَ الثلاثي. «والكلم الطَّيِّبُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ «يُصْعَدُ» بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ أَصْعَدَ، «وَالْكَلِمَ الطَّيِّبَ» بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ على البناء للمفعول،
(1) . البيت لعدي بن الرعلاء.
(2)
. مريم: 81.
(3)
. النساء: 39.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «الْكَلِمُ» وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ «الْكَلَامُ» وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ انْتِصَابُ السَّيِّئَاتِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: يَمْكُرُونَ الْمَكْرَاتِ السَّيِّئَاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ «مَكَرَ» لَازِمٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضَمَّنَ يَمْكُرُونَ: مَعْنَى يَكْسِبُونَ، فَتَكُونُ السَّيِّئَاتُ مَفْعُولًا بِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُمُ الَّذِينَ مكروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَمَعْنَى: لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ لَهُمْ عَذَابٌ بَالِغُ الْغَايَةِ فِي الشِّدَّةِ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ أَيْ: يَبْطُلُ وَيَهْلِكُ، ومنه وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً وَالْمَكْرُ فِي الْأَصْلِ: الْخَدِيعَةُ وَالِاحْتِيَالُ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِلَى الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ مَكْرِهِمْ، وَجُمْلَةُ: هُوَ يَبُورُ خَبَرُ مَكْرُ أُولَئِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ فَقَالَ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ أَيْ: خَلَقَكُمُ ابْتِدَاءً فِي ضِمْنِ خَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
يَعْنِي آدَمَ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: خَلَقَ أَبَاكُمُ الْأَوَّلَ، وَأَصْلَكُمُ الَّذِي تَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أَخْرَجَهَا مِنْ ظَهْرِ آبَائِكُمْ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً أَيْ: زَوَّجَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، فَالذَّكَرُ زَوْجُ الْأُنْثَى، أَوْ جَعَلَكُمْ أَصْنَافًا ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ أَيْ: لَا يَكُونُ حَمْلٌ وَلَا وَضْعٌ إِلَّا وَاللَّهُ عَالِمٌ بِهِ، فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ عِلْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ أَيْ: مَا يُطَوَّلُ عُمُرُ أَحَدٍ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ، أَيْ: فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ آخَرَ غَيْرَ الْأَوَّلِ، فَكَنَّى عَنْهُ بِالضَّمِيرِ كَأَنَّهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ لَفْظَ الثَّانِي لَوْ ظَهَرَ كَانَ كَالْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ مُعَمَّرٍ، فَالْكِنَايَةُ فِي عُمُرِهِ تَرْجِعُ إِلَى آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُكَ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ: أَيْ نِصْفٌ آخَرُ.
قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ مُعَمَّرًا بِاعْتِبَارِ مَصِيرِهِ إِلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: وَمَا يُمَدُّ فِي عُمُرِ أَحَدٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ أَحَدٍ، لَكِنْ لَا عَلَى مَعْنَى لَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ زَائِدًا، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ مِنَ الِابْتِدَاءِ نَاقِصًا إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَابٍ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ إِلَّا كُتِبَ عُمُرُهُ: كَمْ هُوَ سَنَةً، كَمْ هُوَ شَهْرًا، كَمْ هُوَ يَوْمًا، كَمْ هُوَ سَاعَةً، ثُمَّ يُكْتَبُ فِي كِتَابٍ آخَرَ نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ سَاعَةٌ، نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ يَوْمٌ، نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ شَهْرٌ، نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ سَنَةٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أَجَلَهُ، فَمَا مَضَى مِنْ أَجَلِهِ فَهُوَ النُّقْصَانُ، وَمَا يُسْتَقْبَلُ، هو الَّذِي يُعَمَّرُهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُعَمَّرُ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، وَالْمَنْقُوصُ مِنْ عُمُرِهِ مَنْ يَمُوتُ قَبْلَ سِتِّينَ سَنَةً. وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عُمُرَ الْإِنْسَانِ كَذَا إِنْ أَطَاعَ، وَدَوَّنَهُ إِنْ عَصَى فَأَيُّهَمَا بَلَغَ فَهُوَ فِي كِتَابٍ، وَالضَّمِيرُ عَلَى هَذَا يَرْجِعُ إِلَى مُعَمَّرٍ.
وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ إِلَى الْهَرَمِ، وَلَا يُنْقَصُ آخَرُ مِنْ عُمُرِ الْهَرَمِ إِلَّا فِي كِتَابٍ، أَيْ: بِقَضَاءِ اللَّهِ قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ. قَالَ: وَهُوَ أَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ظَاهِرُ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ أَنَّ تَطْوِيلَ الْعُمُرِ وَتَقْصِيرَهُ: هُمَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ لِأَسْبَابٍ تَقْتَضِي التَّطْوِيلَ، وَأَسْبَابٍ تَقْتَضِي التَّقْصِيرَ.
فَمِنْ أَسْبَابِ التَّطْوِيلِ: مَا وَرَدَ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ الِاسْتِكْثَارُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ عز وجل، فَإِذَا كَانَ الْعُمُرُ الْمَضْرُوبُ لِلرَّجُلِ مَثَلًا سَبْعِينَ سَنَةً، فَقَدْ يَزِيدُ اللَّهُ لَهُ عَلَيْهَا إِذَا فَعَلَ
أَسْبَابَ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ يُنْقِصُهُ مِنْهَا إِذَا فَعَلَ أَسْبَابَ النُّقْصَانِ، وَالْكُلُّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ «1» وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ»
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَفْسِيرِهَا مَا يَزِيدُ مَا ذَكَرْنَا هُنَا وُضُوحًا وَبَيَانًا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يُنْقَصُ» مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَسَلَّامٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو «يَنْقُصُ» مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «مِنْ عُمُرِهِ» بِضَمِّ الْمِيمِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَالزُّهْرِيُّ بِسُكُونِهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ ذلِكَ إِلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْخَلْقِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لا يصعب عليه منه شَيْءٍ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ، وَلَا كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْ بَدِيعِ صُنْعِهِ، وَعَجِيبِ قُدْرَتِهِ فَقَالَ: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ فالمراد بالبحران الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ، فَالْعَذْبُ الْفُرَاتُ الْحُلْوُ، وَالْأُجَاجُ الْمُرُّ، وَالْمُرَادُ بِ سائِغٌ شَرابُهُ الَّذِي يَسْهُلُ انْحِدَارُهُ فِي الْحَلْقِ لِعُذُوبَتِهِ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ «سَيِّغٌ» بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَرُوِيَ تَسْكِينُهَا عَنْهُ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ وَأَبُو نَهْيِكٍ «مَلْحٌ» بِفَتْحِ الْمِيمِ «وَمِنْ كُلٍّ» مِنْهُمَا تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَهُوَ مَا يُصَادُ مِنْهُمَا مِنْ حَيَوَانَاتِهِمَا الَّتِي تُؤْكَلُ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها الظاهر أن المعنى: وتستخرجون منهما حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّمَا تُسْتَخْرَجُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمَالِحِ، وَرُوِيَ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا تُسْتَخْرَجُ الْحِلْيَةُ مِنْهُمَا إِذَا اخْتَلَطَا، لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَرَجَّحَ النَّحَّاسُ قَوْلَ الْمُبَرِّدِ. وَمَعْنَى تَلْبَسُونَها تَلْبَسُونَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَسَبِهِ، كَالْخَاتَمِ فِي الْأُصْبُعِ، وَالسُّوَارِ فِي الذِّرَاعِ، وَالْقِلَادَةِ فِي الْعُنُقِ، وَالْخَلْخَالِ فِي الرِّجْلِ، وَمِمَّا يُلْبَسُ حِلْيَةُ السِّلَاحِ الَّذِي يُحْمَلُ كَالسَّيْفِ وَالدِّرْعِ وَنَحْوِهِمَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ أَيْ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى الْمَاءِ الْمَالِحِ خَاصَّةً، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ: فِيهِمَا مَواخِرَ يُقَالُ مَخَرَتِ السَّفِينَةُ تَمْخُرُ: إِذَا شَقَّتِ الْمَاءَ. فَالْمَعْنَى: وَتَرَى السُّفُنَ فِي الْبَحْرَيْنِ شَوَاقَّ لِلْمَاءِ بَعْضُهَا مُقْبِلَةٌ، وَبَعْضُهَا مُدْبِرَةٌ بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ، وَاللَّامُ فِي لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ، أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ لِتَبْتَغُوا أَوْ بِمَوَاخِرَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ابْتِغَاءُ الْفَضْلِ هُوَ التِّجَارَةُ فِي الْبَحْرِ إِلَى الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ ضَرْبُ الْمَثَلِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، فَكَمَا لَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَلَا الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ أَيْ: يُضِيفُ بَعْضَ أَجْزَائِهِمَا إِلَى بَعْضٍ، فَيَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا بِالنَّقْصِ فِي الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَفِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى قَدَّرَهُ اللَّهُ لِجَرَيَانِهِمَا، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: هُوَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَقْطَعَانِ فِي مِثْلِهَا الْفَلَكَ، وَهُوَ سَنَةٌ:
لِلشَّمْسِ، وَشَهْرٌ: لِلْقَمَرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ جَرْيُ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ، وَالْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ لُقْمَانَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمُ إِلَى الْفَاعِلِ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، واسم
(1) . الأعراف: 34. [.....]
(2)
. الرعد: 39.
الْإِشَارَةِ: مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ أَيْ: هَذَا الَّذِي مِنْ صَنْعَتِهِ مَا تَقَدَّمَ: هُوَ الْخَالِقُ الْمُقَدِّرُ، وَالْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ الْمَالِكُ لِلْعَالَمِ، وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَهُ الْمُلْكُ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ:
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ أَيْ: لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى خَلْقِهِ، وَالْقِطْمِيرُ:
الْقِشْرَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ التَّمْرَةِ وَالنَّوَاةِ، وَتَصِيرُ عَلَى النَّوَاةِ كَاللِّفَافَةِ لَهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ شِقُّ النَّوَاةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقِمْعُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ النَّوَاةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ هِيَ النُّكْتَةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ تَنْبُتُ مِنْهَا النَّخْلَةُ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُونَ وَلَا يَضُرُّونَ فَقَالَ: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ أَيْ إِنْ تَسْتَغِيثُوا بِهِمْ فِي النَّوَائِبِ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ، لِكَوْنِهَا جَمَادَاتٍ لَا تُدْرِكُ شَيْئًا مِنَ الْمُدْرَكَاتِ وَلَوْ سَمِعُوا عَلَى طَرِيقَةِ الْفَرْضِ، وَالتَّقْدِيرِ مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى وَلَوْ سَمِعُوا لَمْ يَنْفَعُوكُمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَوْ جَعَلْنَا لَهُمْ سَمَاعًا وَحَيَاةً فَسَمِعُوا دُعَاءَكُمْ لَكَانُوا أَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْكُمْ وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ أي:
يتبرؤون من عبادتكم لهم، ويقولون: ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى مَنْ يَعْقِلُ مِمَّنْ عَبَدَهُمُ الْكُفَّارُ، وَهُمُ: الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَجْحَدُونَ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلْتُمُوهُ حَقًّا، وَيُنْكِرُونَ أَنَّهُمْ أَمَرُوكُمْ بِعِبَادَتِهِمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ أَيْ: لَا يُخْبِرُكَ مِثْلُ مَنْ هُوَ خَبِيرٌ بِالْأَشْيَاءِ عَالِمٌ بِهَا، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ لَا أَحَدَ أَخْبَرُ بِخَلْقِهِ وَأَقْوَالِهِمْ، وَأَفْعَالِهِمْ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْخَبِيرُ بِكُنْهِ الْأُمُورِ وَحَقَائِقِهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَقُومُ مَلَكٌ بِالصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيَنْفُخُ فِيهِ، فَلَا يبقى خلق لله في السموات وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَتَنْبُتُ أَجْسَامُهُمْ وَلُحُومُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الثَّرَى، ثُمَّ قرأ عبد الله اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ قَالَ: «أَمَا مَرَرْتَ بِأَرْضٍ مُجْدِبَةٍ، ثُمَّ مررت بها مخضبة تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ؟
قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ النُّشُورُ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثٍ أَتَيْنَاكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَتَبَارَكَ اللَّهُ، قَبَضَ عَلَيْهِنَّ مَلَكٌ يَضُمُّهُنَّ تَحْتَ جَنَاحِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ بِهِنَّ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا يَمُرُّ بِهِنَّ عَلَى جَمْعٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا اسْتَغْفَرَ لِقَائِلِهِنَّ حَتَّى يَجِيءَ بِهِنَّ وَجْهُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَرَأَ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قَالَ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ، فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ حَمَلَ عَمَلُهُ ذِكْرَ اللَّهِ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ رُدَّ كَلَامُهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ عَمَلُهُ أَوْلَى بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ الْآيَةَ قَالَ: يَقُولُ لَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ طُولَ الْعُمُرِ والحياة