المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌سورة النّور

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 21]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 46]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 67]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 68 الى 77]

- ‌سورة الشّعراء

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 135]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 136 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 227]

- ‌سورة النّمل

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 82]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 83 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 24]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 25 الى 32]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 33 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 57]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 46]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 69]

- ‌سورة الرّوم

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 27]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 37]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 47 الى 60]

- ‌سورة لقمان

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌سورة السّجدة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 30]

- ‌سُورَةِ الْأَحْزَابِ

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 37 الى 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 59 الى 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]

- ‌سُورَةِ سَبَأٍ

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 27]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 28 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 43 الى 50]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 51 الى 54]

- ‌سُورَةِ فَاطِرٍ

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سُورَةِ يس

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌سُورَةِ الصَّافَّاتِ

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 20 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 50 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 182]

- ‌سورة ص

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 25]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة الزّمر

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 13 الى 20]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 43 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 49 الى 61]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 73 الى 75]

- ‌سورة غافر

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 20]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 41 الى 52]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 85]

- ‌سورة فصّلت

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 15 الى 24]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 45 الى 54]

- ‌سورة الشّورى

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 29 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 53]

- ‌سورة الزّخرف

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 21 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 73]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 89]

- ‌سورة الدّخان

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 37]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 38 الى 59]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان (25)

- ‌سورة الشعراء (26)

- ‌سورة النمل (27)

- ‌سورة القصص (28)

- ‌سورة العنكبوت (29)

- ‌سورة الروم (30)

- ‌سورة لقمان (31)

- ‌سورة السجدة (32)

- ‌سورة الأحزاب (33)

- ‌سورة سبأ (34)

- ‌سورة فاطر (35)

- ‌سورة يس (36)

- ‌سورة الصافات (37)

- ‌سورة ص (38)

- ‌سورة الزمر (39)

- ‌سورة غافر (40)

- ‌سورة فصلت (41)

- ‌سورة الشورى (42)

- ‌سورة الزخرف (43)

- ‌سورة الدخان (44)

الفصل: ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَاّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلَاّ قَلِيلاً (20) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَاّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (22)

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25)

قَوْلُهُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ يُقَالُ: عَاقَهُ، وَاعْتَاقَهُ، وَعَوَّقَهُ: إِذَا صَرَفَهُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُهُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ: مَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَكْلَةُ رَأْسٍ، وَلَوْ كَانُوا لَحْمًا لَالْتَقَمَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَحِزْبُهُ. فَخَلُّوهُمْ وَتَعَالَوْا إِلَيْنَا، وَقِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْيَهُودُ قَالُوا: لِإِخْوانِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ هَلُمَّ إِلَيْنا وَمَعْنَى هَلُمَّ:

أَقْبِلْ واحْضُرْ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: هَلُمَّ لِلْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ، وَهَلُمِّي لِلْمُؤَنَّثِ، وَهَلُمَّا لِلِاثْنَيْنِ. وَهَلُمُّوا لِلْجَمَاعَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ أَيِ الْحَرْبَ إِلَّا قَلِيلًا خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَا يَحْضُرُونَ الْقِتَالَ إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً مِنْ غَيْرِ احْتِسَابٍ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أَيْ: بُخَلَاءَ عَلَيْكُمْ لَا يُعَاوِنُونَكُمْ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، وَلَا بالنفقة في سبيل الله، قال مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: أَشِحَّةٌ بِالْقِتَالِ مَعَكُمْ، وَقِيلَ: بِالنَّفَقَةِ عَلَى فُقَرَائِكُمْ، وَمَسَاكِينِكُمْ. وَقِيلَ: أَشِحَّةٌ بِالْغَنَائِمِ إِذَا أَصَابُوهَا. قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَأْتُونَ. أَوْ مِنَ الْمُعَوِّقِينَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ فِي نَصْبِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: مِنْهَا: النَّصْبُ عَلَى الذَّمِّ، وَمِنْهَا: بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: يَأْتُونَهُ أَشِحَّةً. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ لِلْمُعَوِّقِينَ، وَلَا الْقَائِلِينَ لِئَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أَيْ: تَدُورُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَذَلِكَ سَبِيلُ الْجَبَانِ إِذَا شَاهَدَ مَا يَخَافُهُ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أَيْ: كَعَيْنِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَغَشِيَتْهُ أَسْبَابُهُ، فَيُذْهَلُ وَيَذْهَبُ عَقْلُهُ، وَيَشْخَصُ بَصَرُهُ فَلَا يَطْرِفُ، كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ تَشْخَصُ أَبْصَارُهُمْ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْخَوْفِ، وَيُقَالُ لِلْمَيِّتِ إِذَا شَخَصَ بَصَرُهُ: دَارَتْ عَيْنَاهُ، وَدَارَتْ حَمَالِيقُ عَيْنَيْهِ، وَالْكَافُ: نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ يُقَالُ: سَلَقَ فُلَانٌ

ص: 310

فَلَانًا بِلِسَانِهِ: إِذَا أَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ مجاهرا. قال الفراء: أي آذوكم بِالْكَلَامِ فِي الْأَمْنِ بِأَلْسِنَةٍ سَلِيطَةٍ ذَرِبَةٍ، وَيُقَالُ: خَطِيبٌ مِسْلَاقٌ وَمِصْلَاقٌ إِذَا كَانَ بَلِيغًا، وَمِنْهُ قول الأعشى:

فيهم المجد والسّماحة والنّجدة

فيهم والخاطب السّلاق

قال القتبي: الْمَعْنَى آذَوْكُمْ بِالْكَلَامِ الشَّدِيدِ، وَالسَّلْقُ: الْأَذَى، وَمِنْهُ قول الشاعر:

ولقد سلقنا هوازنا

بنواهل حَتَّى انْحَنَيْنَا

قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَى الْآيَةِ: بَسَطُوا أَلْسِنَتَهُمْ فِيكُمْ فِي وَقْتِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، يَقُولُونَ: أعطنا فإنا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ، فَعِنْدَ الْغَنِيمَةِ أَشَحُّ قَوْمٍ وَأَبْسَطُهُمْ لِسَانًا، وَوَقْتَ الْبَأْسِ أَجْبَنُ قَوْمٍ وَأَخْوَفُهُمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَانْتِصَابُ: أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ فَاعِلِ سَلَقُوكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلَى الذَّمِّ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِرَفْعِ أَشِحَّةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا: أَنَّهُمْ أَشِحَّةٌ عَلَى الْغَنِيمَةِ، يُشَاحُّونَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ القسمة، قال يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ. وَقِيلَ: عَلَى الْمَالِ أَنْ يُنْفِقُوهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ قَلِيلُو الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ إِلَى الْمَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَمْ يُؤْمِنُوا إِيمَانًا خَالِصًا بَلْ هُمْ مُنَافِقُونَ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ، وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ أَيْ:

أَبْطَلَهَا، بِمَعْنَى: أَظْهَرَ بُطْلَانَهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ تَقْتَضِي الثَّوَابَ حَتَّى يُبْطِلَهَا اللَّهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: أَبْطَلَ جِهَادَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي إِيمَانٍ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أَيْ: وَكَانَ ذَلِكَ الْإِحْبَاطُ لِأَعْمَالِهِمْ، أَوْ كَانَ نِفَاقُهُمْ عَلَى اللَّهِ هَيِّنًا يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أَيْ: يَحْسَبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لِجُبْنِهِمْ أَنَّ الْأَحْزَابَ بَاقُونَ فِي مُعَسْكَرِهِمْ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى دِيَارِهِمْ، وَذَلِكَ لِمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْفَشَلِ وَالرَّوْعِ وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أَيْ: يَتَمَنَّوْنَ أَنَّهُمْ فِي بَادِيَةِ الْأَعْرَابِ لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الرَّهْبَةِ، وَالْبَادِي خِلَافُ الْحَاضِرِ، يُقَالُ: بَدَا يَبْدُو بَدَاوَةً: إِذَا خَرَجَ إِلَى البادية يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أَيْ: عَنْ أَخْبَارِكُمْ، وَمَا جَرَى لَكُمْ، كُلَّ قَادِمٍ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَتِكُمْ، أَوْ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنِ الْأَخْبَارِ الَّتِي بَلَغَتْهُ مِنْ أَخْبَارِ الْأَحْزَابِ، وَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنَّهُمْ بَعِيدٌ عَنْكُمْ يَسْأَلُونَ عَنْ أَخْبَارِكُمْ مِنْ غَيْرِ مُشَاهِدَةٍ لِلْقِتَالٍ لِفَرْطِ جُبْنِهِمْ وَضَعْفِ نِيَّاتِهِمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: لَوْ كَانُوا مَعَكُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مُشَاهِدِينَ لِلْقِتَالِ مَا قَاتَلُوا مَعَكُمْ إِلَّا قِتَالًا قَلِيلًا خَوْفًا مِنَ الْعَارِ وَحَمِيَّةً عَلَى الدِّيَارِ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أَيْ: قُدْوَةٌ صَالِحَةٌ، يُقَالُ لِي فِي فُلَانٍ أُسْوَةٌ: أَيْ لِي بِهِ، وَالْأُسْوَةُ مِنَ الِائْتِسَاءِ، كَالْقُدْوَةِ مِنَ الِاقْتِدَاءِ: اسْمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْأُسْوَةُ وَالْإِسْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وَالْجَمْعُ: أُسًى وَإِسًى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «أُسْوَةٌ» بِالضَّمِّ لِلْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عِتَابٌ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْقِتَالِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَيْ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ حَيْثُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلْقِتَالِ وَخَرَجَ إِلَى الْخَنْدَقِ لِنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ، أُسْوَةٌ، وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا خَاصًّا فَهِيَ عَامَّةٌ

ص: 311

فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِثْلُهَا: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» ، وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «2» ، واللام في لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ: متعلق بحسنة، أو: بمحذوف هو صفة لحسنة، أَيْ: كَائِنَةٌ لِمَنْ يَرْجُو اللَّهَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْجُمْلَةَ بَدَلٌ مِنَ الْكَافِ فِي لَكُمْ، وَرَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يُبْدَلُ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ. وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّهُ قَدْ أَجَازَ ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ وَإِنْ مَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ: الْمُؤْمِنُونَ، فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَرْجُونَ اللَّهَ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، وَمَعْنَى يَرْجُونَ اللَّهَ: يَرْجُونَ ثَوَابَهُ أَوْ لِقَاءَهُ، وَمَعْنَى يَرْجُونَ الْيَوْمَ الْآخِرَ: أَنَّهُمْ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ فِيهِ، أَوْ يُصَدِّقُونَ بِحُصُولِهِ، وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَخْصِيصٌ بَعْدَ التَّعْمِيمِ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً مَعْطُوفٌ عَلَى كَانَ، أَيْ: وَلِمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَجَمَعَ بَيْنَ الرَّجَاءِ لِلَّهِ وَالذِّكْرِ لَهُ، فَإِنَّ بِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا وَقَعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ لِلْأَحْزَابِ، وَمُشَاهَدَتِهِمْ لِتِلْكَ الْجُيُوشِ الَّتِي أَحَاطَتْ بِهِمْ كَالْبَحْرِ الْعُبَابِ فَقَالَ: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ «هَذَا» إِلَى مَا رَأَوْهُ مِنَ الْجُيُوشِ، أَوْ إِلَى الْخَطْبِ الَّذِي نَزَلَ، وَالْبَلَاءِ الَّذِي دَهَمَ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ قَالُوهُ اسْتِبْشَارًا بِحُصُولٍ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ مَجِيءِ هَذِهِ الْجُنُودِ، وَإِنَّهُ يَتَعَقَّبُ مَجِيئَهُمْ إِلَيْهِمْ نُزُولُ النَّصْرِ، وَالظَّفَرِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ «مَا» فِي «مَا وَعَدَنَا اللَّهُ» هِيَ الْمَوْصُولَةُ، أَوِ الْمَصْدَرِيَّةُ، ثُمَّ أَرْدَفُوا مَا قَالُوهُ بِقَوْلِهِمْ: وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَيْ: ظَهَرَ صِدْقُ خَبَرِ الله ورسوله وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً أَيْ: مَا زَادَهُمْ مَا رَأَوْهُ إِلَّا إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَسْلِيمًا لِأَمْرِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا زَادَهُمُ النَّظَرُ إِلَى الْأَحْزَابِ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: «رَأَى» يَدُلُّ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَتَأْنِيثُ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَالْمَعْنَى: مَا زَادَهُمُ الرُّؤْيَةُ إِلَّا إِيمَانًا لِلرَّبِّ، وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ مَا زَادَتْهُمْ لَجَازَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أَيْ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا: أَتَوْا بِالصِّدْقِ، مِنْ صَدَقَنِي إِذَا قَالَ الصِّدْقَ، وَمَحَلُّ «مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ» : النَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ وَفَّوْا بِمَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ مِنَ الثَّبَاتِ مَعَهُ، وَالْمُقَاتَلَةِ لِمَنْ قَاتَلَهُ، بِخِلَافِ مَنْ كَذَبَ فِي عَهْدِهِ، وَخَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ نَذَرُوا أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا حَرْبًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَبَتُوا لَهُ، وَلَمْ يَفِرُّوا، وَوَجْهُ إِظْهَارِ الاسم الشريف، والرسول في قوله: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ قَصْدُ التَّعْظِيمِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَرَى الْمَوْتَ لَا يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ وَأَيْضًا لَوْ أَضْمَرَهُمَا لَجَمَعَ بَيْنَ ضَمِيرِ اللَّهِ، وَضَمِيرِ رَسُولِهِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ صَدَقَا، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ جَمْعِهِمَا كَمَا فِي حَدِيثِ «بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ» لِمَنْ قَالَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. ثُمَّ فَصَّلَ سُبْحَانَهُ حَالَ الصَّادِقِينَ بِمَا وَعَدُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَقَسَّمَهُمْ إِلَى قِسْمَيْنِ فَقَالَ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ

(1) . الحشر: 7.

(2)

. آل عمران: 31.

ص: 312

النَّحْبُ: مَا الْتَزَمَهُ الْإِنْسَانُ، وَاعْتَقَدَ الْوَفَاءَ بِهِ، ومنه قول الشاعر:

عشية فرّ الحارثيون بعد ما

قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْقَوْمِ هَوْبَرُ

وَقَالَ الْآخَرُ:

بِطِخْفَةَ جَالَدْنَا الْمُلُوكَ وَخَيْلُنَا

عَشِيَّةَ بِسِطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ

أَيْ: عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَالنَّحْبُ: يُطْلَقُ عَلَى النَّذْرِ، وَالْقَتْلِ، وَالْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قَضَى نَحْبَهُ: أَيْ:

قُتِلَ، وَأَصْلُ النَّحْبِ: النَّذْرُ. كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ نَذَرُوا إِنْ لَقُوا الْعَدُوَّ أَنْ يُقَاتِلُوا حَتَّى يُقْتَلُوا، أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُمْ فَقُتِلُوا، فَقِيلَ فُلَانٌ قَضَى نَحْبَهُ: أَيْ قُتِلَ، وَالنَّحْبُ أَيْضًا: الْحَاجَةُ وَإِدْرَاكُ الْأُمْنِيَةِ، يَقُولُ قَائِلُهُمْ: مَالِي عِنْدَهُمْ نَحْبٌ، وَالنَّحْبُ: الْعَهْدُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَقَدْ نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النَّاسِ أَنَّهُمْ

أَحَقُّ بِتَاجِ الْمَاجِدِ الْمُتَكَرِّمِ

وقال الآخر:

قَدْ نَحَبَ الْمَجْدُ عَلَيْنَا نَحْبَا «1» وَمِنْ وُرُودِ النَّحْبِ فِي الْحَاجَةِ وَإِدْرَاكِ الْأُمْنِيَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ «2» وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالًا أَدْرَكُوا أُمْنِيَتَهُمْ، وَقَضَوْا حَاجَتَهُمْ، وَوَفَّوْا بِنَذْرِهِمْ، فَقَاتَلُوا حَتَّى قُتِلُوا، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ كَحَمْزَةَ، وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ قَضَاءَ نَحْبِهِ حَتَّى يَحْضُرَ أَجْلُهُ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأَمْثَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّبَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقِتَالِ لِعَدُوِّهِ، وَمُنْتَظِرُونَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِمْ وَحُصُولِ أُمْنِيَتِهِمْ بِالْقَتْلِ وَإِدْرَاكِ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، وَجُمْلَةُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا مَعْطُوفَةٌ عَلَى صَدَقُوا، أَيْ: مَا غيروا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله عَلَيْهِ كَمَا غَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ عَهْدَهُمْ، بَلْ ثَبَتُوا عَلَيْهِ ثُبُوتًا مُسْتَمِرًّا، أَمَّا الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ قَضَاءَ نَحْبِهِمْ فَقَدِ اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَارَقُوا الدُّنْيَا، وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَا بَدَّلُوا، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ يجوز أن يتعلق بصدقوا أو بزادهم، أو بما بَدَّلُوا، أَوْ بِمَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَقَعَ جَمِيعُ مَا وَقَعَ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ بِمَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، جَعَلَ الْمُنَافِقِينَ كَأَنَّهُمْ قَصَدُوا عَاقِبَةَ السُّوءِ، وَأَرَادُوهَا بِسَبَبِ تَبْدِيلِهِمْ، وَتَغْيِيرِهِمْ كَمَا قَصَدَ الصَّادِقُونَ عَاقِبَةَ الصِّدْقِ بِوَفَائِهِمْ، فَكُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَسُوقٌ إِلَى عَاقِبَتِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَكَأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي طَلَبِهَا، وَالسَّعْيِ لِتَحْصِيلِهَا، وَمَفْعُولُ «إِنْ شَاءَ» وَجَوَابُهَا مَحْذُوفَانِ، أَيْ: إِنْ شَاءَ تَعْذِيبَهُمْ عذبهم، وذلك إذا أقاموا على

(1) . وقبله: يا عمرو يا ابن الأكرمين نسبا.

(2)

. هذا عجز بيت للبيد، وصدره: ألا تسألان المرء ماذا يحاول.

ص: 313

النفاق، ولم يتركوه ويتوبوا عنه إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً أَيْ: لِمَنْ تَابَ منهم، وأقلع عما كان عليه مِنَ النِّفَاقِ. ثُمَّ رَجَعَ سُبْحَانَهُ إِلَى حِكَايَةِ بَقِيَّةِ الْقِصَّةِ وَمَا امْتَنَّ بِهِ عَلَى رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ النِّعْمَةِ فَقَالَ: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَهُمُ الْأَحْزَابُ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً أَوْ عَلَى الْمُقَدَّرِ عَامِلًا فِي لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصادقين بصدقهم، كأن قِيلَ: وَقَعَ مَا وَقَعَ مِنَ الْحَوَادِثِ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَمَحَلُّ بِغَيْظِهِمْ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَلَبِّسِينَ بِغَيْظِهِمْ وَمُصَاحِبِينَ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَجُمْلَةُ: لَمْ يَنالُوا خَيْراً فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا مِنْ الْمَوْصُولِ، أَوْ مِنَ الحال الأولى على التعاقب، أو التدخل. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ رَدَّهُمْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَشْفِ صُدُورَهُمْ وَلَا نَالُوا خَيْرًا فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَهُوَ الظَّفَرُ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا أَيَّ خَيْرٍ، بَلْ رَجَعُوا خَاسِرِينَ لَمْ يَرْبَحُوا إِلَّا عَنَاءَ السَّفَرِ، وَغُرْمَ النَّفَقَةِ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بِمَا أَرْسَلَهُ مِنَ الرِّيحِ، وَالْجُنُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً عَلَى كُلِّ مَا يُرِيدُهُ إِذَا قَالَ لَهُ كُنْ كَانَ، عَزِيزًا غَالِبًا قَاهِرًا لَا يُغَالِبُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مُعَارِضٌ فِي سُلْطَانِهِ وَجَبَرُوتِهِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: سَلَقُوكُمْ قَالَ: اسْتَقْبَلُوكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً قَالَ: هَيِّنًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْخَطِيبُ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ: فِي جُوعِ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا كُتُبُ السُّنَّةِ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ «1» فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْبَلَاءُ حَيْثُ رَابَطُوا الْأَحْزَابَ فِي الْخَنْدَقِ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَتَأَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فَلَمْ يَزِدْهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَرَى هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنْسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ بَدْرٍ فَشَقَّ عَلَيْهِ: وَقَالَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غِبْتُ عَنْهُ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَعْدُ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ، فَشَهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فقال: يا أبا عمرو إلى أين؟ قَالَ:

وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهَا دُونَ أُحُدٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مَا بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ نَحْوُهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ انْصَرَفَ مِنْ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مصعب بن عمير وهو مقتول،

(1) . البقرة: 214.

ص: 314