الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللَّهِ فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا رَدُّوا عَلَيْهِ» وَقَدْ تَعَقَّبَ الْحَاكِمُ فِي تصحيحه الذهبي كما ذكر السُّيُوطِيُّ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ حَدِيثًا آخَرَ وَصَحَّحَهُ.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مَرَّ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مَقْتُولًا عَلَى طَرِيقِهِ، فَقَرَأَ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ خَبَّابٍ مِثْلَهُ، وَهُمَا يَشْهَدَانِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ طَلْحَةَ: «أَنَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ:
سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نحبه، من هو؟ وكانوا لا يجترءون عَلَى مَسْأَلَتِهِ، يُوَقِّرُونَهُ وَيَهَابُونَهُ، فَسَأَلَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ:«أَيْنَ السَّائِلُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنَا، قَالَ:«هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو يَعْلَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي طَلْحَةَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ قَالَ: الْمَوْتُ عَلَى مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ عَلَى ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ «الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا» وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ قَالَ: مَاتَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ذَلِكَ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لَمْ يُغَيِّرُوا كَمَا غَيَّرَ المنافقون.
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 26 الى 27]
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27)
قَوْلُهُ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أَيْ: عَاضَدُوهُمْ وَعَاوَنُوهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَإِنَّهُمْ عَاوَنُوا الْأَحْزَابَ وَنَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً مَعَ الْأَحْزَابِ. وَالصَّيَاصِي جَمْعُ صِيصِيةٌ: وَهِيَ الْحُصُونُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُتَحَصَّنُ بِهِ: يُقَالُ لَهُ صِيصِيَةٌ، وَمِنْهُ صِيصِيَةُ الدِّيكِ: وَهِيَ الشَّوْكَةُ الَّتِي فِي رِجْلِهِ، وَصَيَاصِي الْبَقَرِ: قُرُونُهَا لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِهَا، وَيُقَالُ لِشَوْكَةِ
الْحَائِكِ الَّتِي يُسَوِّي بِهَا السَّدَاةَ وَاللُّحْمَةَ: صِيصِيَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ:
فَجِئْتُ إِلَيْهِ وَالرِّمَاحُ تَنُوشُهُ
…
كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيجِ الْمُمَدَّدِ
وَمِنْ إِطْلَاقِهَا عَلَى الْحُصُونِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَأَصْبَحَتِ الثِّيرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ
…
نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصَّيَاصِيَا
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أَيِ: الْخَوْفَ الشَّدِيدَ حَتَّى سَلَّمُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْقَتْلِ، وَأَوْلَادَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ لِلسَّبْيِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ هُمُ الرِّجَالُ، وَالْفَرِيقُ الثَّانِي:
هُمُ النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُبَيِّنَةٌ وَمُقَرِّرَةٌ لِقَذْفِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «تَقْتُلُونَ» بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا «تَأْسِرُونَ» وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِالتَّحْتِيَّةِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْيَمَانِيُّ بِالْفَوْقِيَّةِ فِي الْأَوَّلِ، وَالتَّحْتِيَّةِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ «تَأْسُرُونَ» بِضَمِّ السِّينِ. وَقَدْ حَكَى الْفَرَّاءُ كَسْرَ السِّينِ وَضَمَّهَا فَهُمَا لُغَتَانِ، وَوَجْهُ تَقْدِيمِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَتَأْخِيرِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ الثَّانِي أَنَّ الرِّجَالَ لَمَّا كَانُوا أَهْلَ الشَّوْكَةِ، وَكَانَ الْوَارِدُ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْقَتْلُ، كَانَ الِاهْتِمَامُ بِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِمْ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عَدَدِ الْمَقْتُولِينَ وَالْمَأْسُورِينَ، فَقِيلَ: كَانَ الْمَقْتُولُونَ مِنْ سِتِّمِائَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ، وَقِيلَ: سِتُّمِائَةٍ، وَقِيلَ: سَبْعُمِائَةٍ، وَقِيلَ: ثَمَانِمِائَةٍ، وَقِيلَ: تِسْعُمِائَةٍ، وَكَانَ الْمَأْسُورُونَ سَبْعَمِائَةٍ، وَقِيلَ: سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: تِسْعَمِائَةٍ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ الْمُرَادُ بِالْأَرْضِ: الْعَقَارُ وَالنَّخِيلُ، وَبِالدِّيَارِ:
الْمَنَازِلُ وَالْحُصُونُ، وَبِالْأَمْوَالِ: الْحُلِيُّ، وَالْأَثَاثُ، وَالْمَوَاشِي، وَالسِّلَاحُ، وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها أَيْ: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا، وَجُمْلَةُ لَمْ تطئوها: صفة لأرضا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «لَمْ تَطَئُوهَا» بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ «تَطَوْهَا» بِفَتْحِ الطَّاءِ وَوَاوٍ سَاكِنَةٍ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَمُقَاتِلٌ: إِنَّهَا خَيْبَرُ وَلَمْ يَكُونُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ نَالُوهَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهَا مَكَّةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ:
فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كُلُّ أَرْضٍ تُفْتَحُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً أَيْ: هُوَ سُبْحَانَهُ قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ مَا أَرَادَهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَنِعْمَةٍ وَنِقْمَةٍ، وَعَلَى إِنْجَازِ مَا وَعَدَ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ صَياصِيهِمْ قَالَ: حُصُونُهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْتُ يوم الخندق أقفو النّاس، فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْفَرْقَدَةِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهُ، فَدَعَا اللَّهَ سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ، فَبَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَتَحَصَّنُوا فِي صَيَاصِيهِمْ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مَنْ أَدَمٍ، فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَتْ: فَجَاءَ جِبْرِيلُ، وَإِنَّ عَلَى ثَنَايَاهُ لَوَقْعَ الْغُبَارِ، فَقَالَ: أو قد وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ لَا وَاللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ بعد السّلاح: