الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها فَنَزَعَ مِنْهُ فُصُوصَهُ وَمَرَافِقَهُ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَ قِيلَ لَهَا أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وأمر الشياطين فجعلوا لها صرحا ممرّدا من قوارير فيها تماثيل السمك، فيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا فَإِذَا فِيهَا شَعْرٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِصَنْعَةِ النُّورَةِ فَصُنِعَتْ، فَقِيلَ لَهَا:
َّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها قَالَ: إِذَا أَخَذُوهَا عَنْوَةً أَخْرَبُوهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: يَقُولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ قال: أرسلت لبنة مِنْ ذَهَبٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا إِذَا حِيطَانُ الْمَدِينَةِ من ذهب فذلك قوله: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ الْآيَةَ. وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ أَهَدَتْ لَهُ صَفَائِحَ الذَّهَبِ فِي أَوْعِيَةِ الدِّيبَاجِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جَوَارِي لِبَاسُهُنَّ لِبَاسُ الْغِلْمَانِ، وَغِلْمَانٌ لِبَاسُهُمْ لِبَاسُ الْجَوَارِي. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْدَتْ مِائَتَيْ فَرَسٍ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ، وَعَلَى كُلِّ فَرَسٍ لَوْنٌ لَيْسَ عَلَى الْآخَرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتِ الْهَدِيَّةُ جَوَاهِرَ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِي التَّطْوِيلِ بِذِكْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ: طَائِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: اسْمُ الْعِفْرِيتِ:
صَخْرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ قَالَ: مِنْ مَجْلِسِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ قَالَ: هُوَ آصِفُ بْنُ بَرْخِيَا، وَكَانَ صَدِيقًا يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن مُجَاهِدٍ قَالَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا أَنْظُرُ فِي كِتَابِ رَبِّي، ثُمَّ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» قَالَ: فَتَكَلَّمَ ذَلِكَ الْعَالِمُ بِكَلَامٍ دَخَلَ الْعَرْشَ فِي نَفَقٍ تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قَالَ: قَالَ لِسُلَيْمَانَ انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَمَا أَطْرَفَ حَتَّى جَاءَهُ بِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَجْرِ عَرْشُ صَاحِبَةِ سَبَأٍ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَلَكِنِ انْشَقَّتْ بِهِ الْأَرْضُ، فَجَرَى تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى ظَهَرَ بَيْنَ يدي سليمان.
[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]
قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44)
قَوْلُهُ: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها التَّنْكِيرُ: التَّغْيِيرُ، يَقُولُ: غَيِّرُوا سَرِيرَهَا إِلَى حَالٍ تُنْكِرُهُ إِذَا رَأَتْهُ. قِيلَ:
جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، وَقِيلَ: غُيِّرَ بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا أَمَرَ بِتَنْكِيرِهِ لِأَنَّ
الشَّيَاطِينَ قَالُوا لَهُ إِنَّ فِي عَقْلِهَا شَيْئًا، فَأَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنَهَا، وَقِيلَ: خَافَتِ الْجِنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا سُلَيْمَانُ، فَيُولَدُ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَيَبْقَوْنَ مُسَخَّرِينَ لِآلِ سُلَيْمَانَ أَبَدًا، فَقَالُوا لِسُلَيْمَانَ إِنَّهَا ضَعِيفَةُ الْعَقْلِ وَرِجْلُهَا كَرِجْلِ الْحِمَارِ، وَقَوْلُهُ: نَنْظُرْ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ، وَبِالْجَزْمِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ أَبُو حَيَّانَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ أَتَهْتَدِي إِلَى مَعْرِفَتِهِ، أَوْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى ذَلِكَ فَلَمَّا جاءَتْ أَيْ: بِلْقِيسُ إِلَى سُلَيْمَانَ قِيلَ لَهَا، وَالْقَائِلُ هُوَ سُلَيْمَانُ، أَوْ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَهكَذا عَرْشُكِ لَمْ يَقُلْ هَذَا عَرْشُكِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ تَلْقِينًا لَهَا فَلَا يَتِمُّ الِاخْتِبَارُ لِعَقْلِهَا قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ قَالَ مُجَاهِدٌ: جَعَلَتْ تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ وَتَعْجَبُ مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ، فَقَالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَرَفَتْهُ وَلَكِنَّهَا شَبَّهَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا شَبَّهُوا عَلَيْهَا، وَلَوْ قِيلَ لَهَا: أَهَذَا عَرْشُكِ؟ لَقَالَتْ: نَعَمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَتْ حَكِيمَةً، قَالَتْ: إِنْ قَلْتُ هُوَ خَشِيتُ أَنْ أَكْذِبَ، وَإِنْ قُلْتُ لَا خَشِيتُ أَنْ أَكْذِبَ، فَقَالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ، وَقِيلَ: أَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يُظْهِرَ لَهَا أَنَّ الْجِنَّ مُسَخَّرُونَ لَهُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ قِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ بِلْقِيسَ، أَيْ: أُوتِينَا الْعِلْمَ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ سُلَيْمَانَ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْعَرْشِ «وَكُنَّا مُسْلِمِينَ» مُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ، أَيْ: أتينا الْعِلْمَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ بِلْقِيسَ، وَقِيلَ: أُوتِينَا الْعِلْمَ بِإِسْلَامِهَا وَمَجِيئِهَا طَائِعَةً مِنْ قَبْلِهَا، أَيْ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهَا، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ قَوْمِ سُلَيْمَانَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَرْجَحُ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَالِ وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بَيَانٌ لِمَا كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْ إِظْهَارِ مَا ادَّعَتْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَفَاعِلُ صَدَّ هُوَ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، أَيْ: مَنَعَهَا مِنْ إِظْهَارِ الْإِيمَانِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُهُ، وَهِيَ الشَّمْسُ. قَالَ النَّحَّاسُ:
أَيْ صَدَّهَا عِبَادَتُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقِيلَ: فَاعِلُ صَدَّ هُوَ اللَّهُ، أَيْ: مَنَعَهَا اللَّهُ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِهِ فَتَكُونُ «مَا» فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، وَقِيلَ: الْفَاعِلُ سُلَيْمَانُ، أَيْ: وَمَنَعَهَا سُلَيْمَانُ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْبَيَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَجُمْلَةُ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ تَعْلِيلٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى، أَيْ: سَبَبُ تَأَخُّرِهَا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمَنْعِ مَا كَانَتْ تَعْبُدُهُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ مُتَّصِفِينَ بِالْكُفْرِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «إِنَّهَا» بِالْكَسْرِ.
وَقَرَأَ أَبُو حَيَّانَ بِالْفَتْحِ. وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجُمْلَةَ بَدَلٌ مِمَّا كَانَتْ تَعْبُدُ. وَالثَّانِي أَنَّ التَّقْدِيرَ:
لِأَنَّهَا كَانَتْ تعبد، فسقط حرف التعليل يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصَّرْحُ: القصر.
وقال الزجاج: الصرح الصحن. يُقَالُ هَذِهِ صَرْحَةُ الدَّارِ وَقَاعَتُهَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الصَّرْحُ بَلَاطٌ اتُّخِذَ لَهَا مِنْ قَوَارِيرَ وَجُعِلَ تَحْتَهُ مَاءٌ وَسَمَكٌ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ أَنَّ الصَّرْحَ كُلُّ بِنَاءٍ عَالٍ مرتفع، وأن الممرّد الطويل لَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
أَيْ: فَلَمَّا رَأَتِ الصَّرْحَ بَيْنَ يَدَيْهَا حَسِبَتْ أَنَّهُ لُجَّةٌ، وَاللُّجَّةُ مُعْظَمُ الْمَاءِ، فَلِذَلِكَ كَشَفَتْ عَنْ ساقيها لتخوض الماء، فلما فعلت ذلك الَ
سليمان نَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
الْمُمَرَّدُ الْمَحْكُوكُ الْمُمَلَّسُ، ومنه الأمر، وتمرّد الرجل إذا لم تخرج لحيته، قال الْفَرَّاءُ. وَمِنْهُ الشَّجَرَةُ الْمَرْدَاءُ الَّتِي لَا وَرَقَ لَهَا. وَالْمُمَرَّدُ أَيْضًا الْمُطَوَّلُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحِصْنِ: مَارِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
غَدَوْتُ صَبَاحًا بَاكِرًا فَوَجَدْتُهُمْ
…
قُبَيْلَ الضُّحَى فِي السَّابِرِيِّ الْمُمَرَّدِ
أَيِ: الدُّرُوعِ الْوَاسِعَةِ الطَّوِيلَةِ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِلْقِيسُ ذَلِكَ أذعنت واستسلمت، والَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي