المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌سورة النّور

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 21]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 46]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 67]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 68 الى 77]

- ‌سورة الشّعراء

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 135]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 136 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 227]

- ‌سورة النّمل

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 82]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 83 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 24]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 25 الى 32]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 33 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 57]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 46]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 69]

- ‌سورة الرّوم

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 27]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 37]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 47 الى 60]

- ‌سورة لقمان

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌سورة السّجدة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 30]

- ‌سُورَةِ الْأَحْزَابِ

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 37 الى 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 59 الى 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]

- ‌سُورَةِ سَبَأٍ

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 27]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 28 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 43 الى 50]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 51 الى 54]

- ‌سُورَةِ فَاطِرٍ

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سُورَةِ يس

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌سُورَةِ الصَّافَّاتِ

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 20 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 50 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 182]

- ‌سورة ص

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 25]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة الزّمر

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 13 الى 20]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 43 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 49 الى 61]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 73 الى 75]

- ‌سورة غافر

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 20]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 41 الى 52]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 85]

- ‌سورة فصّلت

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 15 الى 24]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 45 الى 54]

- ‌سورة الشّورى

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 29 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 53]

- ‌سورة الزّخرف

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 21 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 73]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 89]

- ‌سورة الدّخان

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 37]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 38 الى 59]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان (25)

- ‌سورة الشعراء (26)

- ‌سورة النمل (27)

- ‌سورة القصص (28)

- ‌سورة العنكبوت (29)

- ‌سورة الروم (30)

- ‌سورة لقمان (31)

- ‌سورة السجدة (32)

- ‌سورة الأحزاب (33)

- ‌سورة سبأ (34)

- ‌سورة فاطر (35)

- ‌سورة يس (36)

- ‌سورة الصافات (37)

- ‌سورة ص (38)

- ‌سورة الزمر (39)

- ‌سورة غافر (40)

- ‌سورة فصلت (41)

- ‌سورة الشورى (42)

- ‌سورة الزخرف (43)

- ‌سورة الدخان (44)

الفصل: ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

‌سورة الشّعراء

وَهِيَ: مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَذَا أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَخْرَجَ النَّحَّاسُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُورَةُ الشُّعَرَاءِ أنزلت بمكة، سوى خمس آيات آخرها نزلت بالمدينة، وهي [الآية: 197 و] «1» وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلى آخرها. وأخرج القرطبي فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِيَ السَّبْعَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَأَعْطَانِي الْمِئِينَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَأَعْطَانِي الطَّوَاسِينَ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَفَضَّلَنِي بِالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّلِ، مَا قَرَأَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ السُّورَةَ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةَ مِنَ الذِّكْرِ الْأَوَّلِ، وَأُعْطِيتُ فَوَاتِحَ الْقُرْآنِ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، وَأُعْطِيتُ الْمُفَصَّلَ نَافِلَةً» . قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ مَالِكٍ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ تَسْمِيَتُهَا بِسُورَةِ الجمعة.

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

بسم الله الرحمن الرحيم

طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4)

وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)

وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)

قالَ كَلَاّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (17) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19)

قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (22)

قَوْلُهُ: طسم قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِإِمَالَةِ الطَّاءِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَالزُّهْرِيُّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ مُشَبَّعًا. وَقَرَأَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عمرو وعاصم والكسائي بإدغام النون من «طسم» فِي الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ بِإِظْهَارِهَا. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: الْإِدْغَامُ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ. قال النحاس: وحكى الزجاج في كتابه

(1) . ما بين حاصرتين مستدرك من تفسير الجلالين، وبه يصح الكلام.

ص: 108

فِيمَا يَجْرِي وَمَا لَا يَجْرِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: «طَا سِينَ مِيمُ» بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْمِيمِ كَمَا يُقَالُ: هَذَا مَعْدِي كَرْبُ.

وَقَرَأَ عِيسَى وَيُرْوَى عَنْ نَافِعٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى الْبِنَاءِ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «ط س م» هَكَذَا حُرُوفًا مُقَطَّعَةً فَيُوقَفُ عَلَى كُلِّ حَرْفٍ وَقْفَةً يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ إِنْ كَانَ اسْمًا لِلسُّورَةِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ:

اذْكُرْ أَوِ اقْرَأْ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَسْرُودًا عَلَى نَمَطِ التَّعْدِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِلَى السُّورَةِ، وَمَحَلُّهَا الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهَا وَمَا بَعْدَهَا خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ إِنْ جَعَلْنَا طسم مُبْتَدَأً، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ فَمَحَلُّهَا الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ طسم، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ هُنَا: الْقُرْآنُ، وَالْمُبِينُ: الْمُبِينُ الْمُظْهِرُ، أَوِ الْبَيِّنُ الظَّاهِرُ إِنْ كَانَ مِنْ أَبَانَ بِمَعْنَى بَانَ لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَيْ: قَاتِلٌ نَفْسَكَ وَمُهْلِكُهَا أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أَيْ: لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَالْبَخْعُ فِي الْأَصْلِ: أَنْ يُبْلَغَ بِالذَّبْحِ النُّخَاعُ، بِالنُّونِ، قَامُوسٌ، وَهُوَ عِرْقٌ فِي الْقَفَا، وَقَدْ مَضَى تَحْقِيقُ هَذَا فِي سُورَةِ الْكَهْفِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ «بَاخِعُ نَفْسِكَ» بِالْإِضَافَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْقَطْعِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنْ فِي قَوْلِهِ: أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ، قَالَ النحاس: وإنما يقال: إن مكسورة لأنها جزاء، هكذا المتعارف وَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَهُ الزَّجَّاجُ فِي كِتَابِهِ فِي الْقُرْآنِ: إِنَّهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبِ، مَفْعُولٍ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى:

لَعَلَّكَ قَاتِلٌ نَفْسَكَ لِتَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ، وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى إِيمَانِ قَوْمِهِ، شَدِيدَ الْأَسَفِ لِمَا يَرَاهُ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ: وَجُمْلَةُ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً مُسْتَأْنَفَةٌ، مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا سَبَقَ مِنَ التَّسْلِيَةِ، وَالْمَعْنَى: إِنْ نَشَأْ نَنْزِلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً تُلْجِئُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، وَلَكِنْ قَدْ سَبَقَ الْقَضَاءُ بِأَنَّا لَا نَنْزِلُ ذَلِكَ، وَمَعْنَى فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ أَنَّهُمْ صَارُوا مُنْقَادِينَ لَهَا، أَيْ: فَتَظَلُّ أَعْنَاقُهُمْ إِلَخْ، قِيلَ: وَأَصْلُهُ فَظَلُّوا لَهَا خَاضِعِينَ، فَأُقْحِمَتِ الْأَعْنَاقُ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ وَالتَّصْوِيرِ، لِأَنَّ الْأَعْنَاقَ مَوْضِعُ الْخُضُوعِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا لَمَّا وُضِعَتِ الْأَعْنَاقُ بِصِفَاتِ الْعُقَلَاءِ أُجْرِيَتْ مَجْرَاهُمْ، وَوُصِفَتْ بِمَا يُوصَفُونَ بِهِ. قَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ: خاضعين وخاضعة هُنَا سَوَاءٌ، وَاخْتَارَهُ الْمُبَرِّدُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا إِذَا ذَلَّتْ رِقَابُهُمْ ذُلُّوا، فَالْإِخْبَارُ عَنِ الرِّقَابِ إِخْبَارٌ عَنْ أَصْحَابِهَا، وَيَسُوغُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُتْرَكَ الْخَبَرُ عَنِ الْأَوَّلِ، وَيُخْبَرَ عَنِ الثَّانِي، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

طُولَ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي

طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي

فَأَخْبَرَ عَنِ اللَّيَالِي وَتَرَكَ الطُّولَ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:

أَرَى مَرَّ السِّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّي

كَمَا أَخَذَ السِّرَارُ مِنَ الْهِلَالِ

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْكِسَائِيُّ: إِنَّ الْمَعْنَى خَاضِعِيهَا هُمْ، وَضَعَّفَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْنَاقُهُمْ: كُبَرَاؤُهُمْ.

قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ جَاءَنِي عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ: أَيْ رُؤَسَاءٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ وَالْأَخْفَشُ:

أَعْنَاقُهُمْ: جَمَاعَاتُهُمْ، يُقَالُ جَاءَنِي عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ: أَيْ جَمَاعَةٌ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ

ص: 109

بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَعَ اقْتِدَارِهِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ مُلْجَئِينَ إِلَى الْإِيمَانِ يَأْتِيهِمْ بِالْقُرْآنِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَأَنْ لَا يُجَدِّدَ لَهُمْ مَوْعِظَةً وَتَذْكِيرًا إِلَّا جَدَّدُوا مَا هُوَ نَقِيضُ الْمَقْصُودِ، وهو الإعراض والتكذيب والاستهزاء، ومن في مِنْ ذِكْرٍ مزيدة لتأكيد العموم، و «من» فِي «مِنْ رَبِّهِمْ» لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْعَامِّ مَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ مَفْعُولِ يَأْتِيهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَقَدْ كَذَّبُوا أَيْ بِالذِّكْرِ الَّذِي يَأْتِيهِمْ تَكْذِيبًا صَرِيحًا وَلَمْ يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ الْإِعْرَاضِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْإِعْرَاضَ بِمَعْنَى التَّكْذِيبِ، لِأَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ شَيْءٍ وَلَمْ يَقْبَلْهُ فَقَدْ كَذَّبَهُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ ذِكْرُ التَّكْذِيبِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى صُدُورِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، عَلَى وَجْهِ التَّصْرِيحِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَالْإِعْرَاضُ عَنِ الشَّيْءِ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلُوا عَنْ هَذَا إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِالتَّكْذِيبِ ثُمَّ انْتَقَلُوا عَنِ التَّكْذِيبِ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَهُوَ الِاسْتِهْزَاءُ كَمَا يَدُلُّ عليه قوله: فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وَالْأَنْبَاءُ هِيَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ آجِلًا وَعَاجِلًا، وَسُمِّيَتْ أَنْبَاءَ لِكَوْنِهَا مِمَّا أَنْبَأَ عَنْهُ القرآن وقال:«ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» وَلَمْ يَقُلْ مَا كَانُوا عَنْهُ مُعَرِضِينَ، أَوْ مَا كَانُوا بِهِ يُكَذِّبُونَ، لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ أَشَدُّ مِنْهُمَا وَمُسْتَلْزِمٌ لَهُمَا، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا لِلْمُتَأَمِّلِ فِيهَا، وَالنَّاظِرِ إِلَيْهَا، وَالْمُسْتَدِلِّ بِهَا أَعْظَمُ دَلِيلٍ، وَأَوْضَحُ بُرِهَانٍ، فَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ الْهَمْزَةُ لِلتَّوْبِيخِ، وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَوْ نَظَرُوا حَقَّ النَّظَرِ لَعَلِمُوا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجِ هُنَا الصِّنْفُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ اللَّوْنُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى زَوْجٍ: نَوْعٌ، وَكَرِيمٍ:

مَحْمُودٌ، وَالْمَعْنَى: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ نَافِعٍ، لَا يَقْدِرُ عَلَى إِنْبَاتِهِ إِلَّا رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَالْكَرِيمُ فِي الْأَصْلِ: الْحَسَنُ الشَّرِيفُ، يُقَالُ: نَخْلَةٌ كَرِيمَةٌ: أَيْ كَثِيرَةُ الثَّمَرَةِ، وَرَجُلٌ كَرِيمٌ: شَرِيفٌ فَاضِلٌ، وَكِتَابٌ كَرِيمٌ: إِذَا كَانَ مُرْضِيًا فِي مَعَانِيهِ، وَالنَّبَاتُ الْكَرِيمُ: هُوَ الْمُرْضِي فِي مَنَافِعِهِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: النَّاسُ مِثْلُ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَمَنْ صَارَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، فَهُوَ كَرِيمٌ، وَمَنْ صَارَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ، فَهُوَ لَئِيمٌ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إِلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ، أَيْ: إِنَّ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْإِنْبَاتِ فِي الْأَرْضِ لَدِلَالَةٌ بَيِّنَةٌ، وَعَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَبَدِيعِ صَنْعَتِهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى ضَلَالَتِهِ مُصَمِّمٌ عَلَى جُحُودِهِ وَتَكْذِيبِهِ وَاسْتِهْزَائِهِ فَقَالَ: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ أَيْ: سَبْقٌ عِلْمِيٌّ فِيهِمْ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ هَكَذَا. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ:

إِنَّ كانَ هُنَا صِلَةٌ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ أَيِ: الْغَالِبُ الْقَاهِرُ لِهَؤُلَاءِ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، مَعَ كَوْنِهِ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ، وَلِذَلِكَ أَمْهَلَهُمْ وَلَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، أَوِ الْمَعْنَى: أَنَّهُ مُنْتَقِمٌ مِنْ أَعْدَائِهِ رَحِيمٌ بِأَوْلِيَائِهِ، وَجُمْلَةُ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسى إِلَخْ مُسْتَأْنَفَةٌ، مَسُوقَةٌ لِتَقْرِيرِ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْإِعْرَاضِ وَالتَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَاتْلُ إِذْ نَادَى أو اذكر، والنداء: الدعاء، وأَنِ فِي قَوْلِهِ: أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً، وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وَوَصْفُهُمْ بِالظُّلْمِ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الْكُفْرِ الَّذِي ظَلَمُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَبَيْنَ الْمَعَاصِي الَّتِي ظَلَمُوا بِهَا غيرهم، كاستبعاد بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَذَبْحِ أَبْنَائِهِمْ،

ص: 110

وَانْتِصَابُ قَوْمَ فِرْعَوْنَ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَعْنَى أَلا يَتَّقُونَ أَلَا يَخَافُونَ عِقَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عُقُوبَةَ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ أَلَا تَتَّقُونَ، وَجَاءَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ لِأَنَّهُمْ غُيَّبٌ وَقْتَ الْخِطَابِ، وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو حَازِمٍ «أَلَا تَتَّقُونَ» بِالْفَوْقِيَّةِ، أَيْ: قال لَهُمْ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ «1» بِالتَّحْتِيَّةِ، وَالْفَوْقِيَّةِ قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ أَيْ: قَالَ مُوسَى هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَالْمَعْنَى: أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي فِي الرِّسَالَةِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي معطوفا عَلَى أَخَافُ، أَيْ: يَضِيقُ صَدْرِي لِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ، وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي بِتَأْدِيَةِ الرِّسَالَةِ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ يَضِيقُ وَلا يَنْطَلِقُ بِالْعَطْفِ عَلَى أَخَافُ كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وعيسى بن عمرو وَأَبُو حَيْوَةَ بِنَصْبِهِمَا عَطَفًا عَلَى يُكَذِّبُونِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ لَهُ وَجْهٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْوَجْهُ الرَّفْعُ، لِأَنَّ النَّصْبَ عَطْفٌ عَلَى يُكَذِّبُونِ وَهَذَا بَعِيدٌ فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ أَيْ: أَرْسِلْ إليه جبريل بالوحي ليكون معي رسولا مؤازرا مظاهرا معاونا، ولم يذكر المؤازرة هُنَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كقوله في طه:

وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً «2» وفي القصص فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي «3» ، وَهَذَا مِنْ مُوسَى عليه السلام مِنْ بَابِ طَلَبِ الْمُعَاوَنَةِ لَهُ بِإِرْسَالِ أَخِيهِ، لَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعْفَاءِ مِنَ الرِّسَالَةِ، وَلَا مِنَ التَّوَقُّفِ عَنِ الْمُسَارَعَةِ بِالِامْتِثَالِ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ الذَّنْبُ: هُوَ قَتْلُهُ لِلْقِبْطِيِّ، وَسَمَّاهُ ذَنْبًا بِحَسَبِ زَعْمِهِمْ: فَخَافَ مُوسَى أَنْ يَقْتُلُوهُ بِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يَحْصُلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنِ الْفُضَلَاءِ، ثُمَّ أَجَابَهُ سُبْحَانَهُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الرَّدْعِ، وَطَرَفٍ مِنَ الزَّجْرِ قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا وَفِي ضِمْنِ هَذَا الْجَوَابِ إِجَابَةُ مُوسَى إِلَى مَا طَلَبَهُ مِنْ ضَمِّ أَخِيهِ إِلَيْهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَيْهِمَا كَأَنَّهُ قَالَ: ارْتَدِعْ يَا مُوسَى عَنْ ذَلِكَ وَاذْهَبْ أَنْتَ وَمَنِ اسْتَدْعَيْتَهُ وَلَا تَخَفْ مِنَ الْقِبْطِ إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ وَفِي هَذَا تَعْلِيلٌ لِلرَّدْعِ عَنِ الْخَوْفِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى «4» وَأَرَادَ بِذَلِكَ سُبْحَانَهُ تَقْوِيَةَ قُلُوبِهِمَا وَأَنَّهُ مُتَوَلٍّ لِحِفْظِهِمَا وَكَلَاءَتِهِمَا وَأَجْرَاهُمَا مَجْرَى الْجَمْعِ، فَقَالَ:«مَعَكُمْ» لكون الِاثْنَيْنِ أَقَلُّ الْجَمْعِ، عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَرَادَ مُوسَى، وَهَارُونَ، وَمَنْ أُرْسِلَا إِلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هنا: مع بني إسرائيل، ومعكم، ومستمعون: خبران لأنّ، أو الخبر مستمعون، ومعكم مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْمَعِيَّةِ مِنَ الْمَجَازِ: لِأَنَّ الْمُصَاحِبَةَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، فالمراد معية النصرة والمعونةأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ

الْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَوَحَّدَ الرَّسُولُ هُنَا وَلَمْ يُثَنِّهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ «5» لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى رِسَالَةٍ، وَالْمَصْدَرُ يُوَحَّدُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمُرْسَلِ، فَإِنَّهُ يُثَنَّى مَعَ الْمُثَنَّى، وَيُجْمَعُ مَعَ الْجَمْعِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: رَسُولُ بِمَعْنَى رِسَالَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: إِنَّا ذَوَا رِسَالَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

ألا أبلغ بني عمرو رسولا

فإنّي عن فتاحتكم غني

(1) . آل عمران: 12. [.....]

(2)

. طه: 29.

(3)

. القصص: 34.

(4)

. طه: 46.

(5)

. طه: 47.

ص: 111

أَيْ: رِسَالَةً. وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:

أَلَا مَنْ مُبَلِّغٌ عَنِّي خُفَافًا

رَسُولًا بَيْتُ أَهْلِكِ مُنْتَهَاهَا

أَيْ: رِسَالَةً. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْضًا: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ بِمَعْنَى: الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، تَقُولُ الْعَرَبُ:

هَذَا رَسُولِي وَوَكِيلِي، وَهَذَانِ رَسُولِي وَوَكِيلِي، وَهَؤُلَاءِ رَسُولِي وَوَكِيلِي، وَمِنْهُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا رَسُولُ ربّ العالمين، وقيل: إنهما لما كان متعاضدين متساندين في الرسالة، كانا بمنزلة رسول واحد. وأَنْ فِي قَوْلِهِ: أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُفَسِّرَةٌ لِتَضَمُّنِ الْإِرْسَالِ الْمَفْهُومِ مِنَ الرَّسُولِ مَعْنَى الْقَوْلِ قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً أَيْ: قَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى بَعْدَ أَنْ أَتَيَاهُ وَقَالَا لَهُ مَا أَمَرَهُمَا اللَّهُ بِهِ، وَمَعْنَى «فِينَا» أَيْ: فِي حِجْرِنَا وَمَنَازِلِنَا، أَرَادَ بِذَلِكَ الْمَنَّ عَلَيْهِ، وَالِاحْتِقَارَ لَهُ، أَيْ: رَبَّيْنَاكَ لَدَيْنَا صَغِيرًا، وَلَمْ نَقْتُلْكَ فِيمَنْ قَتَلْنَا مِنَ الْأَطْفَالِ وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ فَمَتَى كَانَ هَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ؟ قِيلَ: لَبِثَ فِيهِمْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثم قرّره بِقَتْلِ الْقِبْطِيِّ فَقَالَ: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ الْفَعْلَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ: الْمَرَّةُ مِنَ الْفِعْلِ، وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ فَعْلَتَكَ بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَالْفَتْحُ: أَوْلَى، لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا لِلنَّوْعِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمَّا عَدَّدَ عَلَيْهِ النِّعَمَ ذَكَرَ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ قَتْلَ الْقِبْطِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ أَيْ: مِنَ الْكَافِرِينَ لِلنِّعْمَةِ حَيْثُ قَتَلْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي، وَقِيلَ الْمَعْنَى: مِنَ الْكَافِرِينَ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ إِلَهٌ، وَقِيلَ: مِنَ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فِي زَعْمِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أَيْ: قَالَ مُوسَى مُجِيبًا لِفِرْعَوْنَ: فَعَلْتُ هَذِهِ الْفَعْلَةَ الَّتِي ذَكَرْتَ، وَهِيَ قَتْلُ الْقِبْطِيِّ وَأَنَا إِذْ ذَاكَ مِنَ الضَّالِّينَ: أَيِ: الْجَاهِلِينَ، فَنَفَى عليه السلام عَنْ نَفْسِهِ الْكُفْرَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجَهْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعِلْمُ الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ. وَقِيلَ الْمَعْنَى:

مِنَ الْجَاهِلِينَ أَنَّ تِلْكَ الْوَكْزَةَ تَبْلُغُ الْقَتْلَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنَ النَّاسِينَ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ أَيْ:

خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِكُمْ إِلَى مِدْيَنَ كَمَا فِي سُورَةِ الْقَصَصِ. فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً أَيْ: نُبُوَّةً، أَوْ عِلْمًا وَفَهْمًا.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ تَعْلِيمُهُ التَّوْرَاةَ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ قِيلَ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْ مُوسَى عَلَى جِهَةِ الْإِقْرَارِ بِالنِّعْمَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ تِلْكَ التَّرْبِيَةُ نِعْمَةٌ تَمُنُّ بِهَا عَلَيَّ، وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ رِسَالَتِي، وَبِهَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ مُوسَى عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ، أَيْ: أَتَمُنُّ عَلَيَّ بِأَنْ رَبَّيْتَنِي وَلِيدًا، وَأَنْتَ قَدِ اسْتَعْبَدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَتَلْتَهُمْ وَهُمْ قَوْمِي؟.

قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُفَسِّرُونَ أَخْرَجُوا هَذَا عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ بِأَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَ فِرْعَوْنُ نِعْمَةً عَلَى مُوسَى، وَاللَّفْظُ لَفْظُ خَبَرٍ، وَفِيهِ تَبْكِيتٌ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى مَعْنَى: أَنَّكَ لَوْ كُنْتَ لَا تَقْتُلُ أَبْنَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَكَانَتْ أُمِّي مُسْتَغْنِيَةً عَنْ قَذْفِي فِي الْيَمِّ، فَكَأَنَّكَ تَمُنُّ عَلَيَّ مَا كَانَ بَلَاؤُكَ سَبَبًا لَهُ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَزْهَرِيُّ بِأَبْسَطَ مِنْهُ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:

يَقُولُ التَّرْبِيَةُ كَانَتْ بِالسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْتَ مِنَ التَّعْبِيدِ، أَيْ: تَرْبِيَتُكَ إِيَّايَ كَانَتْ لِأَجْلِ التَّمَلُّكِ وَالْقَهْرِ لِقَوْمِي.

وَقِيلَ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيرَ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ: أَوَ تِلْكَ نِعْمَةٌ؟ قَالَهُ الْأَخْفَشُ، وَأَنْكَرَهُ النَّحَّاسُ. قَالَ الْفَرَّاءُ:

وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْكَلَامَ إِنْكَارٌ قَالَ مَعْنَاهُ: أَوَ تِلْكَ نِعْمَةٌ؟ وَمَعْنَى أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي: اتخذتهم عبيدا،

ص: 112