المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌سورة النّور

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 21]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 46]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 67]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 68 الى 77]

- ‌سورة الشّعراء

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 135]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 136 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 227]

- ‌سورة النّمل

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 82]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 83 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 24]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 25 الى 32]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 33 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 57]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 46]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 69]

- ‌سورة الرّوم

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 27]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 37]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 47 الى 60]

- ‌سورة لقمان

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌سورة السّجدة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 30]

- ‌سُورَةِ الْأَحْزَابِ

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 37 الى 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 59 الى 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]

- ‌سُورَةِ سَبَأٍ

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 27]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 28 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 43 الى 50]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 51 الى 54]

- ‌سُورَةِ فَاطِرٍ

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سُورَةِ يس

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌سُورَةِ الصَّافَّاتِ

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 20 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 50 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 182]

- ‌سورة ص

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 25]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة الزّمر

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 13 الى 20]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 43 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 49 الى 61]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 73 الى 75]

- ‌سورة غافر

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 20]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 41 الى 52]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 85]

- ‌سورة فصّلت

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 15 الى 24]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 45 الى 54]

- ‌سورة الشّورى

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 29 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 53]

- ‌سورة الزّخرف

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 21 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 73]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 89]

- ‌سورة الدّخان

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 37]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 38 الى 59]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان (25)

- ‌سورة الشعراء (26)

- ‌سورة النمل (27)

- ‌سورة القصص (28)

- ‌سورة العنكبوت (29)

- ‌سورة الروم (30)

- ‌سورة لقمان (31)

- ‌سورة السجدة (32)

- ‌سورة الأحزاب (33)

- ‌سورة سبأ (34)

- ‌سورة فاطر (35)

- ‌سورة يس (36)

- ‌سورة الصافات (37)

- ‌سورة ص (38)

- ‌سورة الزمر (39)

- ‌سورة غافر (40)

- ‌سورة فصلت (41)

- ‌سورة الشورى (42)

- ‌سورة الزخرف (43)

- ‌سورة الدخان (44)

الفصل: ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

‌سورة القصص

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وعطاء وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَابْنُ النَّجَّارِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْقَصَصِ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَ ذَلِكَ:

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْنُ سَلَّامٍ: بِالْجُحْفَةِ وَقْتَ هجرة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ قَوْلُهُ عز وجل إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إلى قوله: لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ: قَالَ السُّيُوطِيُّ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ عَنْ مَعْدِ يَكْرِبَ قَالَ: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَقْرَأَ علينا طسم المئين، فَقَالَ: مَا هِيَ مَعِي، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمَنْ أَخَذَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، فَأَتَيْتُ خَبَّابًا فَقُلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ طسم أَوْ طس؟ فَقَالَ: كُلٌّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأه.

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

بسم الله الرحمن الرحيم

طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (8) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)

وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

الْكَلَامُ فِي فَاتِحَةِ هذه السُّورَةِ قَدْ مَرَّ فِي فَاتِحَةِ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهَا، فَلَا نُعِيدُهُ، وَكَذَلِكَ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ:

تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ فَاسْمُ الْإِشَارَةِ: مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَآيَاتُ:

بَدَلٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يكون تلك في موضع نصب بنتلو، وَالْمُبِينُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ.

ص: 182

قَالَ الزَّجَّاجُ: مُبِينُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ، وَهُوَ مِنْ أَبَانَ بِمَعْنَى أَظْهَرَ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ: أَيْ نُوحِي إِلَيْكَ مِنْ خَبَرِهِمَا مُلْتَبِسًا بِالْحَقِّ، وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ التِّلَاوَةَ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُؤْمِنُ. وَقِيلَ: إِنَّ مَفْعُولَ نَتْلُو مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: نَتْلُو عَلَيْكَ شَيْئًا مِنْ نَبَئِهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ: مَزِيدَةً عَلَى رَأْيِ الْأَخْفَشِ، أَيْ: نَتْلُو عَلَيْكَ نَبَأَ مُوسَى، وَفِرْعَوْنَ، وَالْأَوْلَى: أَنْ تَكُونَ لِلْبَيَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ، كَمَا ذُكِرَ، أَوْ لِلتَّبْعِيضِ، وَلَا مُلْجِئَ لِلْحُكْمِ بِزِيَادَتِهَا، وَالْحَقُّ: الصِّدْقُ، وَجُمْلَةُ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَعْدَهَا مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ مَا أَجْمَلَهُ مِنَ النَّبَأِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَى عَلَا تَكَبَّرَ، وَتَجَبَّرَ بِسُلْطَانِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ: أَرْضُ مِصْرَ. وَقِيلَ مَعْنَى عَلَا: ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، وَقِيلَ: عَلَا عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً أَيْ: فِرَقًا وَأَصْنَافًا فِي خِدْمَتِهِ، يُشَايِعُونَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَيُطِيعُونَهُ، وَجُمْلَةُ يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ حَالِ الْأَهْلِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ فِرَقًا، وأصنافا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِطَائِفَةٍ، وَالطَّائِفَةُ: هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَجُمْلَةُ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ بَدَلٌ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً لِلْبَيَانِ، أَوْ حَالًا، أَوْ صِفَةً كَالَّتِي قَبْلَهَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ كَوْنِهَا بَدَلًا مِنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ، لِأَنَّ الْمُنَجِّمِينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ أَخْبَرُوهُ أَنَّهُ يَذْهَبُ مُلْكُهُ عَلَى يَدِ مَوْلُودٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْعَجَبُ مِنْ حُمْقِ فِرْعَوْنَ، فَإِنَّ الْكَاهِنَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، إِنْ كَانَ صَادِقًا عِنْدَهُ، فَمَا يَنْفَعُ الْقَتْلُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَلَا مَعْنَى لِلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعَاصِي، وَالتَّجَبُّرِ، وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْإِفْسَادِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ جَاءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ الْحَالَةِ الْمَاضِيَةِ. وَاسْتِحْضَارِ صورتها، أَيْ: نُرِيدُ أَنْ نَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ اسْتِضْعَافِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَالْوَاوُ فِي «وَنُرِيدُ» لِلْعَطْفِ عَلَى جُمْلَةِ «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا» وَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا اسْمِيَّةً، لِأَنَّ بَيْنَهُمَا تَنَاسُبًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِلتَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ يَسْتَضْعِفُ، بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ، كما في قول الشاعر:

نجوت وأرهنهم مالكا «1» والأوّل أولى وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً أي: قتادة فِي الْخَيْرِ وَدُعَاةً إِلَيْهِ، وَوُلَاةً عَلَى النَّاسِ وَمُلُوكًا فِيهِمْ وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ لِمُلْكِ فِرْعَوْنَ، وَمَسَاكِنِ الْقِبْطِ، وَأَمْلَاكِهِمْ، فَيَكُونُ مُلْكُ فِرْعَوْنَ فِيهِمْ، وَيَسْكُنُونَ فِي مَسَاكِنِهِ، وَمَسَاكِنَ قَوْمِهِ، وَيَنْتَفِعُونَ بِأَمْلَاكِهِ، وَأَمْلَاكِهِمْ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ: نَجْعَلَهُمْ مُقْتَدِرِينَ عَلَيْهَا، وَعَلَى أَهْلِهَا، مُسَلَّطِينَ عَلَى ذَلِكَ يَتَصَرَّفُونَ به كيف شاؤوا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «نُمَكِّنَ» بِدُونِ لَامٍ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ «لِنُمَكِّنَ» بِلَامِ الْعِلَّةِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما قَرَأَ الْجُمْهُورُ نُرِيَ بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ «ويرى» بفتح الياء

(1) . البيت لعبد الله بن همام السلولي، وصدره: فلما خشيت أظافيرهم. [شرح ابن عقيل: الشاهد رقم 192] .

ص: 183

التَّحْتِيَّةِ وَالرَّاءِ، وَالْفَاعِلُ فِرْعَوْنُ. وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَلْصَقُ بِالسِّيَاقِ، لِأَنَّ قَبْلَهَا نُرِيدُ، وَنَجْعَلُ، وَنُمَكِّنُ بِالنُّونِ.

وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ «وَيُرِي فِرْعَوْنَ» بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: أَيْ وَيُرِي اللَّهُ فِرْعَوْنَ، وَمَعْنَى مِنْهُمْ مِنْ أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ الْمَوْصُولُ: هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي، عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الله يريهم، أو يرون هم الذين كَانُوا يَحْذَرُونَ مِنْهُ وَيَجْتَهِدُونَ فِي دَفْعِهِ مِنْ ذَهَابِ مُلْكِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ عَلَى يَدِ الْمَوْلُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ أَيْ: أَلْهَمْنَاهَا، وَقَذَفْنَا فِي قَلْبِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْوَحْيُ الَّذِي يُوحَى إِلَى الرُّسُلِ، وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ رُؤْيَا فِي مَنَامِهَا، وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ بِمَلِكٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ يُعْلِمُهَا بِذَلِكَ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً، وَإِنَّمَا كَانَ إِرْسَالُ الْمَلِكِ إِلَيْهَا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ عَلَى نَحْوِ تَكْلِيمِ الْمَلِكِ لِلْأَقْرَعِ، وَالْأَبْرَصِ، وَالْأَعْمَى، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ سَلَّمَتْ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَلَائِكَةُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ نَبِيًّا، وأن في «أن أرضعيه» هي الْمُفَسِّرَةُ، لِأَنَّ فِي الْوَحْيِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ: بِأَنْ أَرْضِعِيهِ، وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِكَسْرِ نُونِ أَنْ وَوَصْلِ هَمْزَةِ أَرْضِعِيهِ فَالْكَسْرُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَحَذْفُ هَمْزَةِ الْوَصْلِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ مِنْ فِرْعَوْنَ بِأَنْ يَبْلُغَ خَبَرُهُ إِلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَهُوَ بَحْرُ النِّيلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ عَلَيْهَا فِي سُورَةِ طه وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي أَيْ: لَا تَخَافِي عَلَيْهِ الْغَرَقَ، أَوِ الضَّيْعَةَ، وَلَا تَحْزَنِي لِفِرَاقِهِ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ عَنْ قَرِيبٍ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ بِهِ نَجَاتُهُ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ نُرْسِلُهُمْ إِلَى الْعِبَادِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ هِيَ الْفَصِيحَةُ، وَالِالْتِقَاطُ: إِصَابَةُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، وَالْمُرَادُ بِآلِ فِرْعَوْنَ: هُمُ الَّذِينَ أَخَذُوا التَّابُوتَ الَّذِي فِيهِ مُوسَى مِنَ الْبَحْرِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ فَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ بَعْدَ مَا جَعَلَتْهُ فِي التَّابُوتِ، فَالْتَقَطَهُ مَنْ وَجَدَهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَاللَّامُ فِي لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً لام العاقبة، ووجه ذلك أنهم إنما أَخَذُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ وَلَدًا، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا لِيَكُونَ عَدُوًّا، فَكَانَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْعَدَاوَةُ نَتِيجَةً لِفِعْلِهِمْ، وَثَمَرَةً لَهُ شُبِّهَتْ بِالدَّاعِي الَّذِي يَفْعَلُ الْفَاعِلُ الْفِعْلَ لِأَجْلِهِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ «1»

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

وَلِلْمَنَايَا تُرَبِّي كُلُّ مُرْضِعَةٍ

وَدُورُنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيهَا

قَرَأَ الْجُمْهُورُ وَحَزَنًا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالزَّايِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ، وَحُزْنًا:

بِضَمِّ الْحَاءِ، وَسُكُونِ الزَّايِ، وَاخْتَارَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى: أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَهُمَا لغتان كالعدم والعدم،

(1) . هذا صدر البيت، وعجزه: فكلكم يضير إلى يباب.

ص: 184

وَالرَّشَدِ وَالرُّشْدِ، وَالسَّقَمِ وَالسُّقْمِ، وَجُمْلَةُ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلِهَا، أَوْ لِلِاعْتِرَاضِ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ وَمَعْنَى خَاطِئِينَ: عَاصِينَ آثِمِينَ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِمْ، وَأَقْوَالِهِمْ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَطَأِ الْمُقَابِلِ لِلصَّوَابِ، وَقُرِئَ خَاطِينَ بِيَاءٍ مِنْ دُونِ هَمْزَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مَعْنَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَلَكِنَّهَا خُفِّفَتْ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ خَطَا يخطو، أي: تجاوز الصواب وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ أَيْ: قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِفِرْعَوْنَ، وَارْتِفَاعُ قُرَّةُ: عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَا تَقْتُلُوهُ قَالَهُ الزَّجَّاجُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَكَانَ قَوْلُهَا لِهَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ رُؤْيَتِهَا لَهُ لَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا وَأَخْرَجَتْهُ مِنَ التَّابُوتِ، وَخَاطَبَتْ بِقَوْلِهَا «لَا تَقْتُلُوهُ» فِرْعَوْنَ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ قَوْمِهِ، أَوْ فِرْعَوْنَ وَحْدَهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْظِيمِ لَهُ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لَا تَقْتُلُوهُ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ» وَيَجُوزُ نَصْبُ قُرَّةٍ بِقَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوهُ عَلَى الِاشْتِغَالِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا قَالَتْ: لَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَتَى بِهِ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ وَلَيْسَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ثُمَّ عَلَّلَتْ مَا قَالَتْهُ بِالتَّرَجِّي مِنْهَا لِحُصُولِ النَّفْعِ مِنْهُ لَهُمْ، أَوِ التَّبَنِّي لَهُ فَقَالَتْ:

عَسى أَنْ يَنْفَعَنا فَنُصِيبَ مِنْهُ خَيْرًا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَانَتْ لَا تَلِدُ فَاسْتَوْهَبَتْهُ مِنْ فِرْعَوْنَ فَوَهَبَهُ لَهَا، وَجُمْلَةُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ عَلَى خَطَأٍ فِي الْتِقَاطِهِ، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِهِ، فَتَكُونُ حَالًا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ كَلَامِ الْمَرْأَةِ، أَيْ: وَبَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يَدْرُونَ أَنَّا الْتَقَطْنَاهُ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.

وَقَدْ حَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ السُّدِّيِّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ: «لَا تَقْتُلُوهُ» مِنْ كَلَامِ فِرْعَوْنَ وَاعْتَرَضَهُ بِكَلَامٍ يَرْجِعُ إِلَى اللَّفْظِ، وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ ضَعْفُ إِسْنَادِهِ وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَارِغٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ أَمْرِ مُوسَى، كَأَنَّهَا لَمْ تَهْتَمَّ بِشَيْءٍ سِوَاهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:

خَالِيًا مِنْ ذِكْرِ كُلِّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ زَيْدٍ: فَارِغًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ: «وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي» ، وَذَلِكَ لِمَا سَوَّلَ الشَّيْطَانُ لَهَا مِنْ غَرَقِهِ وَهَلَاكِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:

فَارِغًا مِنَ الْخَوْفِ وَالْغَمِّ لِعِلْمِهِا أَنَّهُ لَمْ يَغْرَقْ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوَحْيِ إِلَيْهَا، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: نَاسِيًا ذَاهِلًا. وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: نَافِرًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَالِهًا، كادت تقول وابناه مِنْ شِدَّةِ الْجَزَعِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَادَتْ تَصِيحُ شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنَ الْغَرَقِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ بِوُقُوعِهِ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ، طَارَ عَقْلُهَا مِنْ فَرْطِ الْجَزَعِ، وَالدَّهَشِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: الْأَوَّلُ، وَالَّذِينَ قَالُوهُ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِذَا كَانَ فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى فَهُوَ فَارِغٌ مِنَ الْوَحْيِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ فَارِغًا مِنَ الْغَمِّ غَلَطٌ قَبِيحٌ لِأَنَّ بَعْدَهُ «إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا» وَقَرَأَ فَضَالَةُ بْنُ عَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ السميقع وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ «فَزِعًا» بِالْفَاءِ وَالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْفَزَعِ، أَيْ خَائِفًا وَجِلًا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ «قَرِعًا» بِالْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ قَرِعَ رَأْسُهُ:

إِذَا انْحَسَرَ شَعْرُهُ، وَمَعْنَى وَأَصْبَحَ: وَصَارَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

مَضَى الْخُلَفَاءُ فِي أَمْرٍ رَشِيدِ

وَأَصْبَحَتِ الْمَدِينَةُ لِلْوَلِيدِ

ص: 185

إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِنَّهَا كَادَتْ لَتُظْهِرُ أَمْرَ مُوسَى، وَأَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ فَرْطِ مَا دَهَمَهَا مِنَ الدَّهَشِ، وَالْخَوْفِ وَالْحُزْنِ، مِنْ بَدَا يَبْدُو:

إِذَا ظَهَرَ، وَأَبْدَى يُبْدِي: إِذَا أَظْهَرَ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ إِلَى الْوَحْيِ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنْ كَانَتْ لَتُبْدِي بِاسْمِهِ لِضِيقِ صَدْرِهَا، لَوْلَا أَنْ رَبْطَنَا عَلَى قَلْبِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَعْنَى الرَّبْطِ عَلَى الْقَلْبِ: إِلْهَامُ الصَّبْرِ وَتَقْوِيَتُهُ، وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ، أَيْ: لَوْلَا أَنْ رَبْطَنَا عَلَى قَلْبِهَا لَأَبْدَتْ، وَاللَّامُ فِي لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مُتَعَلِّقٌ بِرَبْطِنَا، وَالْمَعْنَى: رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:

«إنا رادوه إليك» . وقيل: وَالْبَاءُ فِي: «لَتُبْدِي بِهِ» زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. وَالْمَعْنَى: لتبديه كما تقول أخذت الحبل وبالحبل. وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَتُبْدِي الْقَوْلَ بِهِ وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ أَيْ: قَالَتْ أُمِّ مُوسَى لِأُخْتِ مُوسَى وَهِيَ مَرْيَمُ «1» قُصِّيهِ، أَيْ: تَتَبَّعِي أَثَرَهُ وَاعْرِفِي خَبَرَهُ، وَانْظُرِي أَيْنَ وَقَعَ وَإِلَى مَنْ صَارَ؟ يُقَالُ قَصَصْتُ الشَّيْءَ: إِذَا اتَّبَعْتَ أَثَرَهُ مُتَعَرِّفًا لِحَالِهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أَيْ: أَبْصَرَتْهُ عَنْ بُعْدٍ، وَأَصْلُهُ عَنْ مَكَانِ جَنْبٍ، وَمِنْهُ الأجنبي. قال الشاعر:

فلا تحرمنّي نَائِلًا عَنْ جَنَابَةٍ

فَإِنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ الدِّيَارِ غَرِيبُ «2»

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «عَنْ جُنُبٍ» : عَنْ جَانِبٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَبْصَرَتْ إِلَيْهِ مُتَجَانِفَةً مُخَاتِلَةً، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ جَانِبٍ، وَمَحَلُّ عَنْ جَنْبٍ: النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ إِمَّا مِنَ الْفَاعِلِ، أَيْ: بَصُرَتْ بِهِ مُسْتَخْفِيَةً كَائِنَةً عَنْ جَنْبٍ، وَإِمَّا مِنَ الْمَجْرُورِ، أَيْ: بَعِيدًا مِنْهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «بَصُرَتْ» بِهِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّ الصَّادِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ بِكَسْرِهَا، قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَبْصَرَتْهُ وَبَصُرَتْ بِهِ بِمَعْنًى، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «عَنْ جُنُبٍ» بِضَمَّتَيْنِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَ بِفَتْحِهِمَا. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَ بِضَمِّ الْجِيمِ، وسكون النون. وقال أبو عمرو ابن الْعَلَاءِ: إِنَّ مَعْنَى «عَنْ جُنُبٍ» عَنْ شَوْقٍ. قَالَ: وَهِيَ لُغَةُ جُذَامَ يَقُولُونَ: جَنَّبْتُ إِلَيْكَ، أَيِ: اشْتَقْتُ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهَا تَقُصُّهُ، وَتَتَّبِعُ خَبَرَهُ، وَأَنَّهَا أُخْتُهُ وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ الْمَرَاضِعُ جَمْعُ مُرْضِعٍ، أَيْ: مَنَعْنَاهُ أَنْ يَرْضَعَ مِنَ الْمُرْضِعَاتِ. وَقِيلَ: الْمَرَاضِعُ جَمْعُ مَرْضَعٍ بِفَتْحِ الضَّادِ، وَهُوَ الرِّضَاعُ أَوْ مَوْضِعُهُ، وَهُوَ الثَّدْيُ، وَمَعْنَى مِنْ قَبْلُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَرُدَّهُ إِلَى أُمِّهِ، أَوْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَهُ أُمُّهُ، أَوْ مِنْ قَبْلِ قَصِّهَا لِأَثَرِهِ، وَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ طَلَبَتْ لِمُوسَى الْمُرْضِعَاتِ لِيُرْضِعْنَهُ، فَلَمْ يَرْضَعْ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَعِنْدَ ذلك فَقالَتْ أَيْ: أُخْتُهُ لَمَّا رَأَتِ امْتِنَاعَهُ مِنَ الرِّضَاعِ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أَيْ: يَضْمَنُونَ لَكُمُ الْقِيَامَ بِهِ، وَإِرْضَاعَهُ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أَيْ: مُشْفِقُونَ عَلَيْهِ لَا يُقَصِّرُونَ فِي إِرْضَاعِهِ وَتَرْبِيَتِهِ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَقَالُوا لَهَا مَنْ هُمْ؟ فَقَالَتْ أُمِّي، فَقِيلَ لَهَا: وَهَلْ لِأُمِّكِ لَبَنٌ؟ قَالَتْ نَعَمْ لَبَنُ أَخِي هَارُونَ: فَدَلَّتْهُمْ عَلَى أُمِّ مُوسَى فَدَفَعُوهُ إِلَيْهَا، فَقَبِلَ ثَدْيَهَا، وَرَضِعَ مِنْهُ، وَذَلِكَ مَعْنَى

(1) . هي مريم بنت عمران وافق اسمها اسم مريم أم عيسى عليه السلام.

(2)

. البيت لعلقمة بن عبدة، قاله يخاطب به الحارث بن جبلة يمدحه، وكان أسر أخاه شأسا

ص: 186