المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٤

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الرابع

- ‌سورة النّور

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 10]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 11 الى 21]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 27 الى 29]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 30 الى 31]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 35 الى 38]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 39 الى 46]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 47 الى 57]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 58 الى 61]

- ‌[سورة النور (24) : الآيات 62 الى 64]

- ‌سورة الفرقان

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 16]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 25 الى 34]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 35 الى 44]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 45 الى 54]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 55 الى 67]

- ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 68 الى 77]

- ‌سورة الشّعراء

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 22]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 23 الى 51]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 52 الى 68]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 69 الى 104]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 105 الى 135]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 136 الى 159]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 160 الى 191]

- ‌[سورة الشعراء (26) : الآيات 192 الى 227]

- ‌سورة النّمل

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 41 الى 44]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 53]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 54 الى 66]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 67 الى 82]

- ‌[سورة النمل (27) : الآيات 83 الى 93]

- ‌سورة القصص

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 14 الى 24]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 25 الى 32]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 33 الى 43]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 44 الى 57]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 58 الى 70]

- ‌[سورة القصص (28) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة العنكبوت

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 14 الى 27]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 41 الى 46]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 47 الى 55]

- ‌[سورة العنكبوت (29) : الآيات 56 الى 69]

- ‌سورة الرّوم

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 11 الى 27]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 37]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 38 الى 46]

- ‌[سورة الروم (30) : الآيات 47 الى 60]

- ‌سورة لقمان

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 12 الى 19]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 20 الى 28]

- ‌[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 34]

- ‌سورة السّجدة

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 30]

- ‌سُورَةِ الْأَحْزَابِ

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 17]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 18 الى 25]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 37 الى 40]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 41 الى 48]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 49 الى 52]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 55]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 56 الى 58]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 59 الى 68]

- ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 69 الى 73]

- ‌سُورَةِ سَبَأٍ

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 22 الى 27]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 28 الى 33]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 42]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 43 الى 50]

- ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 51 الى 54]

- ‌سُورَةِ فَاطِرٍ

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 14]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سُورَةِ يس

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 13 الى 27]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 28 الى 40]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌سُورَةِ الصَّافَّاتِ

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 19]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 20 الى 49]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 50 الى 74]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 113]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 148]

- ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 182]

- ‌سورة ص

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 12 الى 25]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 54]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 55 الى 70]

- ‌[سورة ص (38) : الآيات 71 الى 88]

- ‌سورة الزّمر

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 7 الى 12]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 13 الى 20]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 35]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 36 الى 42]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 43 الى 48]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 49 الى 61]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 72]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 73 الى 75]

- ‌سورة غافر

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 20]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 29]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 30 الى 40]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 41 الى 52]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 65]

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 85]

- ‌سورة فصّلت

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 15 الى 24]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 36]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 37 الى 44]

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 45 الى 54]

- ‌سورة الشّورى

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 19 الى 28]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 29 الى 43]

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 53]

- ‌سورة الزّخرف

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 21 الى 35]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 73]

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 89]

- ‌سورة الدّخان

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 37]

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 38 الى 59]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان (25)

- ‌سورة الشعراء (26)

- ‌سورة النمل (27)

- ‌سورة القصص (28)

- ‌سورة العنكبوت (29)

- ‌سورة الروم (30)

- ‌سورة لقمان (31)

- ‌سورة السجدة (32)

- ‌سورة الأحزاب (33)

- ‌سورة سبأ (34)

- ‌سورة فاطر (35)

- ‌سورة يس (36)

- ‌سورة الصافات (37)

- ‌سورة ص (38)

- ‌سورة الزمر (39)

- ‌سورة غافر (40)

- ‌سورة فصلت (41)

- ‌سورة الشورى (42)

- ‌سورة الزخرف (43)

- ‌سورة الدخان (44)

الفصل: ‌[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

بَعْدِهِ، وَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ خَمْسِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَتَبَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا، فَمَا شَعَرَ بِفِتْنَتِهِ أَنَّهُ افْتُتِنَ حَتَّى وَلَدَتْ سُلَيْمَانَ، وَشَبَّ فَتَسَوَّرَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ الْمِحْرَابَ وَكَانَ شَأْنُهُمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَخَرَّ دَاوُدُ سَاجِدًا، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَتَابَ عَلَيْهِ «1» . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ قَالَ: مَا أَصَابَ دَاوُدَ بعد ما أصابه بعد القدر إلا من عَجِبَ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ مَا مِنْ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ إِلَّا وَعَابِدٌ مِنْ آلِ دَاوُدَ يَعْبُدُكَ يُصَلِّي لَكَ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُكَبِّرُ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِي فَلَوْلَا عَوْنِي مَا قَوِيتَ عَلَيْهِ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَكِلَنَّكَ إِلَى نَفْسِكَ يَوْمًا، قَالَ: يَا رَبِّ فَأَخْبِرْنِي بِهِ، فَأُخْبِرَ بِهِ فَأَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَأَخْرَجَ أَصْلَ الْقِصَّةِ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَأَخْرَجَهَا ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُطَوَّلَةً. وَأَخْرَجَهَا جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا أَخِي قَالَ: عَلَى دِينِي. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ: مَا زَادَ دَاوُدُ عَلَى أَنْ فَقالَ أَكْفِلْنِيها. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن ابن عباس في قوله: أَكْفِلْنِيها قَالَ مَا زَادَ دَاوُدُ عَلَى أَنْ قَالَ: تحوّل لي عنها. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَقَلِيلٌ مَا هُمْ يَقُولُ: قَلِيلٌ الَّذِي هُمْ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ قَالَ: اخْتَبَرْنَاهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي السُّجُودِ فِي ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي ص وَقَالَ: سَجَدَهَا دَاوُدُ وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي ص» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:«قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ص، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةٌ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَهَيَّأْتُمْ لِلسُّجُودِ، فَنَزَلَ فَسَجَدَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَعَظَّمَ شَأْنَهُ وَشِدَّتَهُ قَالَ: وَيَقُولُ الرَّحْمَنُ عز وجل لِدَاوُدَ عليه السلام مُرَّ بَيْنَ يَدَيَّ، فَيَقُولُ دَاوُدُ: يَا رَبِّ أَخَافُ أَنْ تَدْحَضَنِي خَطِيئَتِي، فَيَقُولُ خُذْ بِقَدَمِي، فَيَأْخُذُ بِقَدَمِهِ عز وجل فَيَمُرُّ، قَالَ: فَتِلْكَ الزُّلْفَى الَّتِي قَالَ اللَّهُ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ.

[سورة ص (38) : الآيات 26 الى 33]

يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33)

(1) . هذه القصة من الإسرائيليات التي لا يعتد بها ولا تجوز في حق داود عليه السلام.

ص: 492

لَمَّا تَمَّمَ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ دَاوُدَ أَرْدَفَهَا بِبَيَانِ تَفْوِيضِ أَمْرِ خِلَافَةِ الْأَرْضِ إِلَيْهِ، وَالْجُمْلَةُ مَقُولَةٌ لِقَوْلٍ مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى غَفَرْنَا: أَيْ وَقُلْنَا له يا داوُدُ إِنَّا اسْتَخْلَفْنَاكَ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ جَعَلْناكَ خَلِيفَةً لِمَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِتَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ أَيْ بِالْعَدْلِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى أَيْ: هَوَى النَّفْسِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِدَاوُدَ عليه السلام أَنَّ الَّذِي عُوتِبَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَأَنَّ فِيهِ شَائِبَةً مِنِ اتِّبَاعِ هَوَى النَّفْسِ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِلنَّهْيِ وَفَاعِلُ يُضِلَّكَ هُوَ الْهَوَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مَجْزُومًا بِالْعَطْفِ عَلَى النَّهْيِ، وَإِنَّمَا حُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حدة. وسبيل اللَّهِ: هُوَ طَرِيقُ الْحَقِّ، أَوْ طَرِيقُ الْجَنَّةِ، وَجُمْلَةُ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْوُقُوعِ فِي الضَّلَالِ، وَالْبَاءُ فِي بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَمَعْنَى النِّسْيَانِ التَّرْكُ: أَيْ: بِسَبَبِ تَرْكِهِمُ الْعَمَلَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ: قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ بِتَرْكِهِمُ الْعَمَلَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ النَّاسِينَ وَإِنْ كَانُوا يُنْذَرُونَ وَيُذَكَّرُونَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الْحِسَابِ بِمَا نَسُوا، أَيْ: تَرَكُوا الْقَضَاءَ بِالْعَدْلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَجُمْلَةُ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ: أَيْ مَا خَلَقْنَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ خَلْقًا بَاطِلًا خارجا على الْحِكْمَةِ الْبَاهِرَةِ، بَلْ خَلَقْنَاهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِنَا، فَانْتِصَابُ بَاطِلًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَوْ عَلَى الْحَالِيَّةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى الْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ، وَهُوَ: مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ: مَظْنُونُهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ خُلِقَتْ لَا لِغَرَضٍ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَا قِيَامَةَ، وَلَا بَعْثَ، وَلَا حِسَابَ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ بَاطِلًا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ وَالْفَاءُ لِإِفَادَةِ تَرَتُّبِ ثُبُوتِ الْوَيْلِ لَهُمْ عَلَى ظَنِّهِمُ الْبَاطِلِ، أَيْ: فَوَيْلٌ لَهُمْ بِسَبَبِ النَّارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ظَنِّهِمْ وَكُفْرِهِمْ. ثُمَّ وَبَّخَهُمْ وَبَكَّتَهُمْ فَقَالَ: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِلْمُؤْمِنِينَ: إِنَّا نُعْطَى فِي الْآخِرَةِ كَمَا تُعْطَوْنَ فنزلت، وأم هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الْمُقَدَّرَةُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةِ: أَيْ بَلِ أنجعل الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ، وَعَمِلُوا بِفَرَائِضِهِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بِالْمَعَاصِي. ثُمَّ أَضْرَبَ سُبْحَانَهُ إِضْرَابًا آخَرَ، وَانْتَقَلَ عَنِ الْأَوَّلِ إِلَى مَا هُوَ أَظْهَرُ اسْتِحَالَةً مِنْهُ فَقَالَ: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ أَيْ: بَلْ نَجْعَلُ أَتْقِيَاءَ الْمُؤْمِنِينَ كَأَشْقِيَاءِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُنْهَمِكِينَ فِي مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْفُجَّارَ هُنَا خَاصٌّ بِالْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ الصَّحَابَةُ، وَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ مُخَصِّصٍ، وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ

ص: 493

ارْتِفَاعُ كِتَابٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وأنزلناه إليك صفة له، ومبارك: خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمُبْتَدَأِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً أُخْرَى لِكِتَابٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَصْفِ الصَّرِيحِ عَنْ غَيْرِ الصَّرِيحِ، وَقَدْ جَوَّزَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ، وَالتَّقْدِيرُ: الْقُرْآنُ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ. وَقُرِئَ «مُبَارَكًا» عَلَى الْحَالِ وَقَوْلُهُ: لِيَدَّبَّرُوا أصله ليتدبروا فأدغمت التاء في الدال وهو متعلق بأنزلناه. وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعَانِيهِ، لَا لِمُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «لِيَدَّبَّرُوا» بِالْإِدْغَامِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ «لِتَدَبَّرُوا» بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ عَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِّ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَالْأَصْلُ لِتَتَدَبَّرُوا بِتَاءَيْنِ فَحَذَفَ إِحْدَاهُمَا تخفيفا وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ أَيْ: لِيَتَّعِظَ أَهْلُ الْعُقُولِ، وَالْأَلْبَابُ جَمْعُ لُبٍّ: وَهُوَ الْعَقْلُ وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِهِ عَلَى دَاوُدَ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ سُلَيْمَانَ وَلَدًا، ثُمَّ مَدَحَ سُلَيْمَانَ فَقَالَ: نِعْمَ الْعَبْدُ وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ، أَيْ: نِعْمَ الْعَبْدُ سُلَيْمَانُ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَدْحَ هُنَا بِقَوْلِهِ: نِعْمَ الْعَبْدُ هُوَ لِدَاوُدَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَجُمْلَةُ إِنَّهُ أَوَّابٌ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْمَدْحِ، وَالْأَوَّابُ:

الرَّجَّاعُ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ اذْكُرْ، أَيِ: اذْكُرْ مَا صَدَرَ عَنْهُ وَقْتَ عَرْضِ الصَّافِنَاتِ الْجِيَادِ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ وقيل: هو متعلق بنعم، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَصَرِّفٍ لَا وَجْهَ لتقييده بذلك الوقت، وقيل: متعلق بأواب، وَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ كَوْنِهِ أَوَّابًا بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْعَشِيُّ مِنَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، وَالصَّافِنَاتُ جَمْعُ صَافِنٍ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ اللغة في معناه، فقال القتبي والفراء: الصافن في كلام العرب الواقف مِنَ الْخَيْلِ أَوْ غَيْرِهَا، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ صُفُونًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» أَيْ: يُدِيمُونَ الْقِيَامَ لَهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّابِغَةِ:

لَنَا قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ بِفِنَائِهَا

عِتَاقُ الْمَهَارِي وَالْجِيَادُ الصَّوَافِنُ

وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا فَإِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ مُصَادَرَةٌ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الصَّافِنِ مَاذَا هُوَ؟ وَقَالَ الزَّجَّاجُ هُوَ الَّذِي يَقِفُ عَلَى إِحْدَى الْيَدَيْنِ وَيَرْفَعُ الْأُخْرَى وَيَجْعَلُ عَلَى الْأَرْضِ طَرَفَ الْحَافِرِ مِنْهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُومُ عَلَى ثَلَاثٍ وَهِيَ الرِّجْلَانِ وَإِحْدَى الْيَدَيْنِ، وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ وَهِيَ عَلَامَةُ الْفَرَاهَةِ، وَأَنْشَدَ الزَّجَّاجُ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّهُ

مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَسِيَرُ

وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ

مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونًا

فَإِنَّ قَوْلَهُ صُفُونًا لَا بُدَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ مُجَرَّدِ الْقِيَامِ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْقِيَامِ قَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: عَاكِفَةً عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الصَّافِنُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ يَدَيْهِ وَيُسَوِّيهُمَا، وَأَمَّا الَّذِي يَقِفُ عَلَى سُنْبُكِهِ فاسمه المتخيم،

ص: 494

وَالْجِيَادُ: جَمْعُ جَوَادٍ، يُقَالُ لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ شديد العدو. وقيل: إنها الطوال الْأَعْنَاقِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْجِيدِ:

وَهُوَ الْعُنُقُ، قِيلَ: كَانَتْ مِائَةَ فَرَسٍ، وَقِيلَ: كَانَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَقِيلَ: كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا، وَقِيلَ: إِنَّهَا خَرَجَتْ لَهُ مِنَ الْبَحْرِ وَكَانَتْ لَهَا أَجْنِحَةٌ فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي انْتِصَابُ حُبَّ الْخَيْرِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ أَحْبَبْتُ بَعْدَ تَضْمِينِهِ مَعْنَى آثَرْتُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ آثَرْتُ حُبَّ الْخَيْرِ، وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَقَدْ آثَرَهُ. وَقِيلَ: انْتِصَابُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِحَذْفِ الزَّوَائِدِ وَالنَّاصِبُ لَهُ أَحْبَبْتُ، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ تَشْبِيهِيٌّ، أَيْ: حُبًّا مِثْلَ حُبِّ الْخَيْرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ هُنَا: الْخَيْلُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْخَيْرُ: هُنَا الْخَيْلُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْخَيْرُ وَالْخَيْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاحِدٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَفِي الْحَدِيثِ «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِهَذَا. وَقِيلَ: إِنَّهَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِمَا فيها من المنافع. «وعن» فِي عَنْ ذِكْرِ رَبِّي بِمَعْنَى عَلَى. وَالْمَعْنَى: آثَرْتُ حُبَّ الْخَيْلِ عَلَى ذِكْرِ رَبِّي: يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يَعْنِي الشَّمْسَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ، وَلَكِنَّ الْمَقَامَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا يَجُوزُ الْإِضْمَارُ إِذَا جَرَى ذِكْرُ الشَّيْءِ أَوْ دَلِيلُ الذِّكْرِ، وَقَدْ جَرَى هُنَا الدَّلِيلُ، وَهُوَ قَوْلُهُ بِالْعَشِيِّ. وَالتَّوَارِي: الِاسْتِتَارُ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَالْحِجَابُ:

مَا يَحْجُبُهَا عَنِ الْأَبْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ وَكَعْبٌ: الْحِجَابُ جَبَلٌ أَخْضَرُ مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ وَهُوَ جَبَلُ قَافَ، وَسُمِّيَ اللَّيْلُ حِجَابًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِيهِ، وَقِيلَ: والضمير فِي قَوْلِهِ: حَتَّى تَوارَتْ لِلْخَيْلِ، أَيْ: حَتَّى تَوَارَتْ فِي الْمُسَابَقَةِ عَنِ الْأَعْيُنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: رُدُّوها عَلَيَّ مِنْ تَمَامِ قَوْلِ سُلَيْمَانَ: أَيْ أَعِيدُوا عَرْضَهَا عَلَيَّ مَرَّةً أُخْرَى. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا شَغَلَهُ عَرْضُ الْخَيْلِ حَتَّى فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ غَضِبَ لِلَّهِ وَقَالَ رُدُّوهَا عَلَيَّ:

أَيْ: أَعِيدُوهَا. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي ردّوها يعود إِلَى الشَّمْسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لَهُ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِرْجَاعِهَا بَعْدَ مَغِيبِهَا لِأَجْلِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ هِيَ الْفَصِيحَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَحْذُوفٍ فِي الْكَلَامِ، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: فَرُدُّوهَا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: طَفِقَ يَفْعَلُ مِثْلُ مَا زَالَ يَفْعَلُ، وَهُوَ مِثْلُ ظَلَّ وَبَاتَ وَانْتِصَابُ مَسْحًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: يمسح مَسْحًا لِأَنَّ خَبَرَ طَفِقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِعْلًا مُضَارِعًا، وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالسُّوقُ جَمْعُ سَاقٍ، وَالْأَعْنَاقُ جَمْعُ عُنُقٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ طَفِقَ يَضْرِبُ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا، يُقَالُ مَسَحَ عِلَاوَتَهُ: أَيْ ضَرَبَ عُنُقَهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَسْحُ هُنَا الْقَطْعُ، قَالَ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَقْبَلَ يَضْرِبُ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ سَبَبَ فَوْتِ صَلَاتِهِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يُبَاحَ ذلك لسليمان ويحظر فِي هَذَا الْوَقْتِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ بِالْمَسْحِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْحُ عَلَى سُوقِهَا وَأَعْنَاقِهَا لِكَشْفِ الْغُبَارِ عَنْهَا حُبًّا لَهَا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أولى بسياق الكلام فإنه ذكر أنه آثرها عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِ حَتَّى فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ لِيُعَاقِبَ نَفْسَهُ بِإِفْسَادِ مَا أَلْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَمَا صَدَّهُ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَشَغَلَهُ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَاسِبُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ رَدِّهَا عَلَيْهِ هُوَ كَشْفُ الْغُبَارِ عَنْ سُوقِهَا وَأَعْنَاقِهَا بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا بِيَدِهِ أَوْ بثوبه، ولا متمسك لمن قال: إن

ص: 495