الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شَهِدَهَا بنفسه الكريمة، أو كانت بجيشٍ من قِبَلِهِ فقط. وسواء كان إلى بلادهم، أو إلى الأماكن التي حلُّوها حتى دَخَلَ فيها، مثل: أحد، والخَنْدَق. ورُوِيَ عن أبي حنيفة: أن ما اشتمل على أربع مئة نفرٍ، فهو سَرِيَّةٌ، فإن زاد فهو جيشٌ. واخْتُلِفَ في عدد المغازي على أنحاءٍ، ولا تَنَاقُضَ فيه. فإن مفهومَ العدد غيرُ مُعْتَبَرٍ. نعم لا بُدَّ للتعرُّض إلى خصوص العدد من داعيةٍ. ثم اعلم أن محمدَ بن إسحاق من أئمة المغازي، وله سيرةٌ شهيرةٌ، إلَاّ أنها عزيزةٌ لا تُوجَدْ، وسيرةٌ لتلميذه ابن هِشَام، وهذه تُوجَدُ.
2 - باب ذِكْرُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ
3950 -
حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ انْظُرْ لِى سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّى أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ. فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ، مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ هَذَا سَعْدٌ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا، وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِى صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِى هَذَا لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِى الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِى. فَقَالَ سَعْدٌ دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ. قَالَ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِى. فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ يَا أُمَّ صَفْوَانَ، أَلَمْ تَرَىْ مَا قَالَ لِى سَعْدٌ قَالَتْ وَمَا قَالَ لَكَ قَالَ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِىَّ، فَقُلْتُ لَهُ بِمَكَّةَ قَالَ لَا أَدْرِى. فَقَالَ أُمَيَّةُ وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ. فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِى تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِى، فَوَاللَّهِ لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِى. فَقَالَتْ لَهُ يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِىُّ قَالَ لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَاّ قَرِيبًا. فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلَاّ عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عز وجل بِبَدْرٍ. طرفه 3632 - تحفة 9486، 4450 - 92/ 5
واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان أَخْبَرَهُمْ
(1)
من قبلُ بأسماء من يُقْتَلُ فيها من الكفار، وحيث يُصْرَعُ، فوقع كما كان أَخْبَرَ به، حتَّى لم يَتَجَاوَزُوا عنه قيدَ شبرٍ. وكذلك أخبارُ الأنبياء تَحْكِي عن الواقع، ولا يتحمَّل فيها الخلاف بنحو شعر وشُعَيْرَة. نعم قد يجيء فيها الخبط من قبل الرواة. ومن ظَنَّ أن الثقاتِ براءٌ من الأغلاط، فلم يَسْلُكْ سبيلَ السداد. وإنما المعصومُ من عَصَمَهُ اللَّهُ، والجاهلُ لا يفرِّق بين أغلاط الرواة وبين أخبار الأنبياء عليهم السلام، فيحمل خبطَهم وأغلاطَهم على رقاب الرُّسُلِ عليهم الصلاة والسلام. ما أضلُّه، وأجهلُه. وهذا الذي يَقْتَحِمُه لعين القاديان، وذلك لأنه لمَّا يَرَى أكثرَ أخباره تتخلَّف عن الواقع، وتُخَالِفُهُ، ولا يستطيع أن يركِّبَ له عُذْرًا، جعل يَهْزَأُ بأخبار رسل الصدق، ويتتبع أغلاطهم. وأنَّى هي، فطاح سعيُه، وعاد عملُه رقمًا على الماء:{وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 25].
3950 -
قوله: (وقَدْ أَوَيْتُم الصُّبَاةَ) والصابيءُ لم يُسْتَعْمَلْ في القرآن إلَاّ مهموزًا، وفي الحديث بالنحوين: مَهْمُوزًا، وناقصًا. وخَفِي على كثيرٍ من المفسِّرين عقائدهم، حتى زَعَمَ ابن تَيْمِيَة: أن هؤلاء أيضًا كانوا على دينٍ سماويَ في زمانٍ، وليس كذلك. وإنما كان هؤلاء يتعبَّدون بالنجوم من النماردة، يَسْكُنُون العراق، ويتكلَّمُون بالكلدانية. ولم يُدْرِكْ حقيقةً مذهبهم غير الرجلين فيما أعلم: الأول أبو بكر الجصَّاص
(2)
في «أحكامه» ، والثاني ابن النديم في كتاب «الفهرست» .
قوله: (أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ) كان أبو سفيان والد الأمير معاوية يجيء بركبٍ من الشام إلى المدينة، فَبَلَغَ خبرُه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأراد أن يُغِيرَ عليهم بعدَّةٍ من أصحابه. ولمَّا لم يَكُنْ من إرادته الغزو، لم يتأهَّب لهم، ولم يهتمَّ بشأنهم، وخَرَجَ إليهم كما هو، غير مهتمَ. فلمَّا بَلَغَ أبا سفيان خبرُه، عَدَلَ عن الطريق، وأخذ ساحل البحر، فنجى. وأنجى. ثم بلغت هذه القصة أهل مكة، فتأهَّب أبو جهلٍ للحرب بألف نفرٍ منهم، وخَرَجَ على أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاجتمعت الفئتان في بدرٍ من غير مُوَاعدةٍ، ثم كان من أمرهما ما كان.
قوله: (أَخَذَ لا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلَاّ عَقَلَ بَعِيرَهُ)، وأُمَيَّةُ، وإن كان كافرًا لا يُؤْمِنُ بأخباره صلى الله عليه وسلم لكنه كان قد جرَّب أن ما يُخْبِرَ به صلى الله عليه وسلم لا يكون إلَاّ حقًّا، فلمَّا سَمِعَ أنه قد أَخْبَرَ بِقَتْلِهِ، أخذ أمره من قبل، فاحْتَالَ لنفسه، بأن كان يَعْقِلُ بعيرَه قريبًا منه لِيَفِرَّ عند
(1)
أخرج مسلمُ من حديث أنس، عن عمر، قال:"إن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرِينَا مصارعَ أهل بدرٍ، يقول: هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله تعالى، ومصرع فلان، فوالذي بَعَثَهُ بالحقِّ ما أخطأوا تلك الحدود". اهـ.
(2)
قلتُ: وذكرنا نصَّ كتابيهما في أوَّل الكتاب، فراجعه.