الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطر. لكن أين كان يغنيه التدبير عن التقدير، فأتاه من حيث لم يَحْتَسِبْ. فلمَّا رأى انهزامَ الكفار، وأمرَهم مُدْبِرًا، رَكِبَ على بعيره، وأَصْحَبَ ابنه، وجعل يَهْرُب. فلمَّا رآه بلالُ، نادى الأنصار: إن هذا أُمَيَّةَ، إن نجا اليوم، فلا حياةَ لي، أي حياة طيِّبة، فلا أزال أتململ لتخلُّصه اليومَ من أيدي المسلمين.
وكان أُمَيَّةُ قد آذى بلالًا شديدًا، فلمَّا سَمِعَ الأنصارُ تَعَاقَبُوه، فرمى أُمَيَّةُ ابنه لِيُشْغَلُوا في قتله حتَّى يَفِرَّ منهم، فلم يَلْبَثْ الصحابةُ حتَّى قتلوه، ثم تَعَاقَبُوهُ حتَّى أحاطوا بأُمَيَّةَ. فلمَّا رأى أنه قد أُحِيطَ به، رمى نفسَه من البعير. وكان عبد الرحمن بن عَوْف صديقه، فأراد أن يُنْقِذَهُ، فتجلَّله لئلا يَقْتُلُوه، فَأَبُوْا إلَاّ أن يَقْتُلُوه، فَطَعَنُوه من تحت عبد الرحمن
(1)
وقتلوه. فرحل إلى دار البوار، وصدق اللَّهُ تعالى رسولَه سيدَ الأبرار.
فائدةٌ: ليس معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ}
…
إلخ [القمر: 17] أن كنهُهُ يَحْصُلُ لكلِّ من جلَّ وقلَّ، بل معنى يسَّره، أنه يَغْتَرِفُ منه كلُّ غليلٍ، ويَشْتَفِي منه كلُّ عليلٍ، فيهتدي منه كلُّ أحدٍ إلى ما يَرْضَى به ربُّهُ. وإلى ما يَسْخَطُ عنه، ولا يَحْتَاجُ في ذلك إلى كبير تنقيرٍ وتفكيرٍ. أمَّا معانيه الغامضةُ، ومزاياه الرائقةُ، ومراميه الناعمةُ، فقد انْقَصَمَتْ ظهورُ الفحول عن إدراكها، وعَجَزَتِ الأفكار عن التطواف حول حَرِيمها.
3 - باب قِصَّةُ غَزْوَةِ بَدْرٍ
وَقَالَ وَحْشِىٌّ قَتَلَ حَمْزَةُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِىِّ بْنِ الْخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7] الآيَةَ.
3951 -
حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَاّ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ
(1)
روى الحاكمُ في "المستدرك" أن رِفَاعة بن رافع طَعَنهُ بالسيف. وُيقَالُ: قتله بلال. وفي قاتله أقوالٌ أُخر، ذكرها الحافظُ. وأمَّا ابنُه عليُّ بن أُمَيَّة، فقتله عمَّارُ.
أَنِّى تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. أطرافه 2757، 2947، 2948، 2949، 2950، 3088، 3556، 3889، 4418، 4673، 4676، 4677، 4678، 6255، 6690، 7225 - تحفة 11131
قوله: ({وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ})، أي قليلون، لا عندكم كثيرَ سلاحٍ، ولا مراكب. وكانت عِدَّتُهم ثلاث مئة، وبضعةَ عشر، على عِدَّة أصحاب طالوت عليه السلام، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام حين خَرَجَ لإِنقاذ لوط عليه السلام من أيدي الكفار، وكانوا ذَهَبُوا به. وتلك تكونُ عِدَّةَ أصحابُ المهدي عليه السلام، وهو عددُ الرُّسُلِ. فاللَّهُ يدري ما السِّرُّ في هذا العدد. ثم إن في الآية إشكالًا، فإنه تعالى وَعَدَ في آيةٍ بإِمداد الألف، وبثلاثة آلاف في آيةٍ أخرى، وفي أخرى بخمسة آلاف.
قلتُ: كان عِدَّةُ الكفار نحو ألف، فَأَرْجَفُوا أن كُرْزًا جاء بألفين، فَفَزِعَ الناسُ منه، فثبَّتهم
(1)
الله تعالى، وقال:{أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ}
…
إلخ بالاستفهام، على نحو ما يجري في المخاطبات. وراجع الفرقَ بين صريح الخبر، والإِنشاء في صورة الخبر من شرح الشرح. فليس فيه وعدٌ، ولا إخبارٌ بإِنزالهم. ولمَّا لم يَجِىءْ كُرْز، لم يُحْتَجْ إلى إنزال ذلك العدد. ثم قال تعالى:{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا}
…
إلخ، فَوَعَدَهُمْ بإِنزال خمسة آلاف، وعلَّقه بشرط الصبر والتقوى، كيلا يَنبِّئَهم بما هو فاعلٌ.
فالألفُ كانوا موعودين مطلقًا، وخمسةُ آلاف بشرط الصبر والتقوى، وثلاثة آلاف بشرط مجيء كُرْز. أو كان الأصلُ الإِمدادَ بخمسة آلاف، وإنَّما أخبرهم بها تدريجًا، لِيَفْرَحُوا به، وهو أيضًا سننُ بيانٍ، أي إلقاء المراد حصةً حصةً، كقوله صلى الله عليه وسلم «أَلَا تُحِبُّون أن تكونوا ثُلْثَ أهل الجنة، ثم قال: نصف أهل الجنة» ، الحديث. تدرَّج فيه من قليلٍ إلى كثيرٍ لهذا. وهو المرادُ عندي من نسخ الخمسين إلى الخمس في الصلوات، على ما مرَّ تقريره.
أمَّا إنهم كم نَزَلُوا، فاللَّهُ تعالى أعلمُ به، فَيُمْكِنُ أن يكونوا خمسة آلاف، تفضُّلًا منه. وإنما وعدهم بالألف بلا شرطٍ، لأنه كان ذلك عدد الكفار. والمصنِّفُ جَمَعَ تلك الآيات في ترجمةِ الباب إشارةً إلى أن كلَّها نزلت في بدرٍ. وقد تصدَّى المفسِّرون إلى وجه التوفيق بين وعد إمداد الألف، وثلاثة آلاف، وخمسة آلاف، فَذَكَرُوا وجوهًا. فَحَمَلَهُ بعضُهم على الغزواتِ المتعدِّدةِ، وجَعَلَهَا المصنِّفُ كلَّها في بدرٍ، وقد عَلِمْتَ ما عندي.
قوله: ({مُسَوِّمِينَ}): "وردى بهنى هوى"، وذلك لإِلقاء الرُّعْب في قلوب الذين كَفَرُوا، فإنَّ للزيِّ الحسنِ تأثيرًا في إلقاء المهابة على العدو. ولذا كانوا في القديم إذا
(1)
كذا رواه ابن أبي حاتم بسندٍ صحيحٍ، كما في "الفتح".