الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
65 - كتاب تَفْسِيرِ القُرْآن
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كالعَلِيمِ وَالعَالِمِ.
واعلم أنَّ أَوَّل مَنْ خدم القرآن أئمةُ النَّحْو. فللفرَّاء تفسير «في معاني القرآن» ، وكذا للزَّجَّاج. وذكر الذَّهبي أنَّ الفرَّاء كان حافِظَ الحديث أيضًا. وقد أَخَذَ ابنُ جرير الطبري في تَفْسيره عن أئمة النَّحْو كثيرًا، ولذا جاء تفسيرُه عدِيمَ النَّظير، ولو كان البخاريُّ أيضًا سار سَيْرَه لكان أحسنَ، لكنه كان عنده «مجازُ القرآن» لأبي عُبَيدة مَعْمَر بن المُثنَّى، فأخذ منه تفسيرَ المُفْردات، وذلك أيضًا بدون ترتيب وتهذيب، فصار كتابُه أيضًا على وَازِن كتاب أبي عبيدةَ في سُوء الترتيب، والرِّكَّة، والإِتيان بالأقوال المرجوحة، والانتقال من مادةٍ إلى مادة، ومن سورةٍ إلى سورة، فصَعُب على الطالبين فَهْمُه. ومَنْ لا يدري حقيقةَ الحالَ يَظُنَّ أن المصنِّف أتى بها إشارةً إلى اختياره تلك الأقوالَ المرجوحةَ، مع أنه رَتَّب كتابَ التفسير كلَّه من كلام أبي عُبيدة، ولم يعرِّج إلى النَّقْد أَصلًا. وهذا الذي عرّا شقي القاديان، حيث زَعم أنَّ البخاري أشار في تَفْسِيره إلى أنَّ التَّوَفِّي بمعنى الموت، لأنه فَسَّر قوله تعالى:{مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] بِممِيتك؛ وهذا الآخَرُ لم يوفَّق، ليفهم أنَّ الحال ليس كما زَعمه، ولكنه كان في «مجاز القرآن» ، فنقله بعينه كسائر التفسير، فإِنْ كان ذلك مختارًا، كان لأبي عُبيدة لا للمصنِّف. وتفسيرُ الحاكم في «مستدَركِه» أحسنُ منه عندي. ثُم إنَّ هذا غيرُ أبي عُبيد صاحب كتاب «الأموال» ، فإِنَّه متقدِّم على مَعْمَر بنِ المُثنَّى، وهو أبو عُبيد قاسم بن سَلَّام من تلامذةِ محمد بن الحسن، أَوَّل مَنْ صَنَّف في غريب الحديث.
ثُم إنَّ المجاز في مصطلح القدماء ليس هو المجازَ المعروف عندنا، بل هو عبارةٌ عن موارد استعمالاتِ اللفظ، ومن ههنا سَمَّى أبو عبيدة تفسيره «بمجاز القرآن». وهذا الذي يريدُه الزَّمخشرِي من قوله: ومِن المجاز كذا، كما في «الأَساس» ، ومن المجاز تُوفي زَيْدُ، أي مات، لا يريدُ به المجاز المعروف، بل كَوْن الموت من موارد استعمالاته. وقد حَقَّقْنا من قَبْل أن التوفِّي كنايةٌ في الموت، وليس بمجاز. وهكذا التأويلُ عند السَّلَف بيان المصداق، قال تعالى:{هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} [يوسف: 100] أي مِصْدَاقُها، وقوله تعالى:{وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 39] أي مصداقه، وهو عند المتأخرين بمعنى صَرْف الكلام عن الظاهر.
حكاية: تدلُّك على شِدَّة عنايةِ أئمةِ النَّحْو، وَوَلُوعِهم بالتفسير.
اجتمع الزَّجَّاج مع المُبرّد مرةً، وكان الزجَّاج صنَّف تفسيرًا، فسأله المبرِّد عن قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] ما الرَّبْطُ بين الجُمْلتين؟ وهو وإنْ لم يكن ضَرُوريًّا في القرآن، لكنه ضَرُوريّ في مِثْل هذا المَوْضع، لأنه يَعُود كالجَمْع بين الضبِّ والنون. فهذا يدلُّ على أنهم كانوا يَهْتَمُّون بِمُشْكلات القرآنِ، وكانوا يعرِفُونها، ولذا سأل المبرِّد عن أَشْكل آيةٍ في هذا الباب، ثُم لا أدري ماذا أجاب عنه الزَّجَّاج، غير أني كتبت فيه شيئًا من عند نفسي.
ومِن أهم ما نريدُ أن نُلقي عليك معنى التفسيرِ بالرأي، وقد بحثوا فيه بين مُطْنب ومُوجِز، مُكْثر ومُقلّ، غير أنه لا يرجع إلى كثيرِ طائل، فلم نر في نَقْله فائدةً، فدونك عِدَّة جُمَل: أنَّ التفسيرَ إذا لم يوجِب تغييرًا لمسألة، أو تبديلًا في عقيدة السَّلَف، فليس تفسيرًا بالرأي، فإِذا أوجب تغييرًا لمسألةٍ متواتِرةٍ، أو تبديلًا لعقيدةٍ مُجْمَعٍ عليها، فذلك هو التفسيرُ بالرأي، وهذا الذي يستوجِب صاحبه النَّار، ولا تتحصَّل على ما قلنا، إلَّا بعد الإطِّلاع على عاداتِ أصحابِ التفاسير. وحينئذٍ لا قَلَق فيما فَسَّره المفسِّرون من أذهانهم الثاقبة، وأفكارِهم الصحيحة. ومَنْ يطالع كُتُب التفسير يجدها مشحونةً بالتفسير بالرأي، ومَنْ حَجَر على العلماءِ أن يُبْرِزُوا معاني الكتاب بعد الإِمعان في السياق، والسباق، والنظر إلى حقائق الألفاظ، ومراعاة عقائد السَّلَف، بل ذلك حَظُّهم من الكتاب، فإِنَّهم هم الذين ينظرون في عجائبه، ويَكْشِفون الأستارَ عن وجوه دَقائقه، ويرفعون الحُجُبَ عن خبيئات حقائقه، فهذا النوعُ من التفسير بالرأي حَظُّ أُولي العِلْم، ونصيبُ العلماء المستنبطين، أما مَنْ تكلَّم فيه بدون صِحَّة الأدوات، لا عِنْده عِلْم من كلام السَّلَف والخَلَف، ولا له ذُوْقٌ بالعربية، وكان من أجلاف النَّاس، لم يَحْمِلْه على تفسيرِ كتابِ الله غيرُ الوقاحة، وقِلَّة العلم، فعليه الأَسف كلّ الأَسف، وذاك الذي يستحقُّ النَّار.
ثُم اعلم أنَّ تفسيرَ المُصنِّف ليس على شاكلةِ تفسير المتأخِّرين في كَشْف المُغْلقات، وتقرير المسائل، بل قَصَد فيه إخراجَ حديثٍ مناسِبٍ متعلِّقٍ به، ولو بِوَجْه، والتفسير عِنْد مُسْلم أقلُّ قليل، وأَكْثَرُ منه عند الترمذي، وليس عند غيرِهم من الصحاح الستِّ، ولذا خُصَّت باسم الجامع، وإنما كَثُرت أحاديثُ التفسير عند الترمذي، لِخِفّة شَرْطه. أما البخاريُّ فإِنَّ له مقاصِدَ أخرى أيضًا، مع عدم مبالاته بالتَّكْرار، فجاء تفسيرُه أبسطَ من هؤلاء كلِّهم.
قوله: ({الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ})، قيل: الأَوَّل أَبْلَغ من الثاني. وقيل: إن الأَوَّل عَلَمٌ بالغَلَبة؛ والثاني صفةٌ. قلتُ: إنَّ «الرحمن مهما وَجَدْناه في القرآن لم نجد معه مُتَعلَّق يتعلَّقُ به، بخلاف «الرحيم» قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] فلم يذكر