الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشارع. وأمَّا إذا كان الأمرُ ظاهرًا، ثم يَتَسَاهَلُ فيه أحدٌ يَزْجُرُ عليه، ويَغْضَبُ، كما رَأَيْتُ ههنا. ثم إنه نظيرُ ما ذَكَرْتُ في قاتل النفس: أنه يُعَذِّبُ بتلك الآلة إلى يوم
(1)
القيامة. والتخليدُ الواردُ في حقِّه هو التخليدُ إلى يوم الحشر، يعني: لا يزال يَفْعَلُهُ حتَّى يُبْعَثَ من مضجعه هذا. ومرَّ عليه الترمذيُّ، وعلَّل الحديثَ الصحيحَ، لكون التخليد ليس مذهبًا لأهل السُّنَّةِ والجماعة، وفي الحديث تصريحٌ بما قلتُ، فإنهم لو دَخَلُوهَا لكانوا من قاتلي أنفسهم. وفي الحديث:«أنهم لم يَخْرُجُوا منها إلى يوم القيامة» ، فهذا هو التخليدُ.
وبعبارةٍ أخرى: التخليدُ كان راجعًا إلى فعله، فَصَرَفُوه إلى نفسه، ولَطُفَ هذا التعبير، لأنه إذا لم يَزَلْ معذَّبًا في البَرْزَخ حتَّى قامت الآخرة، وانقطع البَرْزَخُ لَطُفَ التخليد فيه، فإنه كان باعتبار قيام البَرْزَخ. وإذا انْهَدَمَ نفسخ البَرْزَخِ، وآل الأمرُ إلى الآخرة انقطع عذابُه أيضًا. نعم لو انقطع العذابُ مع قيام البَرْزَخِ لناقض ما قُلْنَا، وليس كذلك. فافهم، فإن أمثال الترمذيِّ لم يُدْرِكُوا مراده، حتَّى اضْطَرُّوا إلى تعليله. وسيمرُّ عليك نظائره
(2)
وشواهده.
62 - باب بَعْثُ أَبِى مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
4341 و 4342 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ قَالَ وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ ثُمَّ قَالَ «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا» . فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِى أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِى أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِى مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ
(1)
قلتُ: وهاكَ نظيرًا آخر من "مسند أحمد"، عن يَعْلَى بن مُرَّة، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجلٍ ظَلَمَ شبرًا من الأرض، كلَّفه اللهُ عز وجل أن يَحْفِرَهُ حتى يَبْلُغَ سبع أرضين، ثم يُطَوِّقه إلى يوم القيامة، حتى يُقْضَى بين الناس". اهـ. كذا في "المشكاة". فليس التخليدَ في قاتل النفس إلَّا للتهويل، والمرادُ ما عَلِمْتَ.
(2)
قلتُ: وأقربُ نظيرٍ له الذي وَجَدْتُ ما رواه الترمذيُّ في القدر في حديثٍ طويل: أن أوَّلَ ما خلق اللهُ القلمَ، فقال: اكْتُبْ، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر، ما كان، وما هو كائنٌ إلى الأبد". اهـ. فَوَرَدَ عليه أن ما يكون إلى الأبد غير متناهٍ، يستحيل كتابته في الزمان المتناهي. فأجابوا عنه: أن المرادَ من الأبد، هو يوم القيامةِ لما في "الدر المنثور"، عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا، وفيه قال: "ما كان، وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة". اهـ. وقد رواه أبو داود أيضًا، وإذا وَرَدَ أحدُ اللفظين مكانَ الآخر، دَلَّ نفسُ الحديث أن الأبدَ قد يُعْتَبَرُ إلى يوم القيامة أيضًا. وحينئذٍ ظَهَرَ معه الأبد في حديث تعذيب قاتل النفس أيضًا.
النَّاسُ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، أَيَّمَ هَذَا قَالَ هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ. قَالَ لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ. قَالَ إِنَّمَا جِىءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ. قَالَ مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَ أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِى مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِى، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِى كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِى. حديث 4341 أطرافه 2261، 3038، 4343، 4344، 6124، 6923، 7149، 7157، 7156، 7172 تحفة 9113 حديث 4342 طرفه 4345 - تحفة 11327
4343 -
حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ «وَمَا هِىَ» . قَالَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ. فَقُلْتُ لأَبِى بُرْدَةَ مَا الْبِتْعُ قَالَ نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ. فَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .
رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ. أطرافه 2261، 3038، 4341، 4344، 6124، 6923، 7149، 7156، 7157، 7172 - تحفة 9086، 19560، 9095 - 205/ 5
4344، 4345 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم جَدَّهُ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» . فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ، إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ، وَشَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ الْبِتْعُ. فَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . فَانْطَلَقَا فَقَالَ مُعَاذٌ لأَبِى مُوسَى كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِى كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِى، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا، فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ، فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى، فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ، فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَهُودِىٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ. فَقَالَ مُعَاذٌ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ.
تَابَعَهُ الْعَقَدِىُّ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ وَكِيعٌ وَالنَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ. [طرفه في: 4342].
4346 -
حَدَّثَنِى عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ - رضى الله عنه - قَالَ بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَرْضِ قَوْمِى، فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ فَقَالَ «أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» . قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «كَيْفَ قُلْتَ» . قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ إِهْلَالاً كَإِهْلَالِكَ. قَالَ «فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا» . قُلْتُ لَمْ أَسُقْ. قَالَ «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ» . فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِى امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِى قَيْسٍ، وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ. أطرافه 1559، 1565، 1724، 1795، 4397 - تحفة 9008
4347 -
حَدَّثَنِى حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِىٍّ عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ «إِنَّكَ سَتَأْتِى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (طَوَّعَتْ) طَاعَتْ وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ، طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطَعْتُ. أطرافه 1395، 1458، 1496، 2448، 7371، 7372 - تحفة 6511 - 206/ 5
4348 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ مُعَاذًا - رضى الله عنه - لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ.
زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَرَأَ مُعَاذٌ فِى صَلَاةِ الصُّبْحِ سُورَةَ النِّسَاءِ فَلَمَّا قَالَ {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} قَالَ رَجُلٌ خَلْفَهُ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ. تحفة 11352
4341، 4342 - قوله:(وبَعَثَ كُلَّ وَاحدٍ مِنْهُمَا على مِخْلَافٍ)
(1)
، وهو اسمٌ لتحديد بقاعٍ عند أهل اليمن، فتسمَّى مَخَالِيف اليمن. وراجع لتفصيله «معجم البلدان» لياقوت. ومن أهم فوائد «معجمه»: أنه جمع فيه الجمعات التي كانت أُقِيمَتْ في اليمن، فلم يكتبها إلَّا في عدَّة مواضع منها. وهذا يُفِيدُ الحنفيةُ في مسألة إقامة الجمعات في الأمصار دون القرى.
قوله: (أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا) وهو مشتقٌّ من الفواق، يعني به أنه وزَّع قراءته على حصص الليل، فيقرأه حِصَّةً حِصَّةً، وجزءً جزءً.
قوله: (وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئي مِنَ النَّوْمِ) يعني أقرأُ كلَّ ما أُرِيدُهُ مرَّةً واحدةً، ثم أنام، ولا أَقْرَأُ مثلك جزءً جزءً.
(1)
قال الحافظُ: المخْلَافُ -بكسر الميم، وسكون المعجمة، وآخره فاء- هو بلغة أهل اليمن، وهو: الكُورة، والإِقليم، والرُّسْتَاق
…
إلخ.