الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني أنَّ القرائن الدَّالةَ على إرادةِ تَرْك التزوج كافيةٌ، ولا يحتاج إلى أن يصرِّح به أيضًا.
5145 -
قوله: (ولو تَرَكَها لَقَبِلْتُها) قاله أبو بكر لعمرَ. بقي أن أبا بكر كيف عَلِم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تارِكُها؟ قلتُ: بهذه القرائن التي يعرف بها الدّنيا.
48 - باب الْخُطْبَةِ
5146 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا» . طرفه 5767 - تحفة 6727
وهي مُستحبَّةٌ، إلا أنَّ الحديث فيه ليس على شَرْطه، فأتى بحديثٍ في الجنس.
5146 -
قوله: (إنَّ من البيانِ لَسِحْرًا) يحتمل أن يكونَ مَدْحًا، كما يحتمل أن يكون ذَمًّا.
49 - باب ضَرْبِ الدُّفِّ فِى النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ
5147 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ قَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ. جَاءَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ حِينَ بُنِىَ عَلَىَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِى كَمَجْلِسِكَ مِنِّى، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِى يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ وَفِينَا نَبِىٌّ يَعْلَمُ مَا فِى غَدٍ. فَقَالَ «دَعِى هَذِهِ، وَقُولِى بِالَّذِى كُنْتِ تَقُولِينَ» . طرفه 4001 - تحفة 15832
ويُستفاد من تكملة «فتح القدير» جوازُ الطَّبل أيضًا، لأنّه لا حَظَّ فيه للنَّفْس، وإنما يتلذّذ به مَنْ مُسِخ طَبْعُه، وهو المختار عندي، وإنْ كان فيه خلاف للشاه محمد إسحاق، فظهر أن المناط على حَظِّ الطبائع السليمة.
50 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَكَثْرَةِ الْمَهْرِ، وَأَدْنَى مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاقِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ} [البقرة: 236]. وَقالَ سَهْلٌ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «وَلَوْ خاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» .
5148 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ، فَرَأَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بَشَاشَةَ الْعُرْسِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنِّى تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. أطرافه 2049، 2293، 3781، 3937، 5072، 5153، 5155، 5167، 6082، 6386 - تحفة 1024، 1265
والظاهر أنه اختار مَذْهب الشافعي في عدم تعيينِ المَهْر، وقال أبو حنيفة: لا مَهْر
أقل من عشرةِ دراهمَ. إلا أنَّ في إسناده حجاجَ بن أَرطاة، وحَسّن الترمذيُّ حديثَه في غير واحد مِن المواضع من كتابه، وإن كان المحدِّثون لا يعتبرون بتحسينه، أما أنا فأعتمد بتحسينه، وذلك لأنَّ الناس عامّة ينظرون إلى صورةِ الإِسناد فقط، والترمذيُّ ينظر إلى حاله في الخارج أيضًا، وهذا الذي ينبغي، والقَصْر على الإِسناد فقط قصور، والطَّعْن فيه أنه كان يَشْرب النبيذ.
قلتُ: ولا جَرْح به عند أهل الكوفة، فإِنه حلالٌ عندهم. وقالوا أيضًا: إنَّه كان مُتكبّرًا؛ قلتُ: دعوها، فإِنها كلمةٌ مُنْتِنة، واتركوا سائرَ الناس عز وجل. وقالوا: إنه كان يَترك الجماعة؛ قلتُ: نعم هذا الجرح شديدٌ، إلاّ أنه نُقل عن مالك أنه لم يأت المسجدَ النبويَّ إلى ثلاثينَ سنةً، فَسُئل عنه. فأجاب: أنَّ كلّ أَحَدٍ لا يقدر على إظهارِ عُذْره، فحسنه العلماءُ على جوابه، كما في «التذكرة»؛ قلتُ: نعم، وذلك لأنه كان إمَامًا عظيمًا أَتَاه الله عِلْمًا وحِكْمة، وقَبولًا، فنكسوا رءوسهم. أما الحَجّاج فكان رَجُلًا من الرجال، فتكأكأوا عليه كالتكأكؤ على ذي جِنّة.
ثُم الشيخُ ابنُ الهُمام أتى بحديثٍ في تقدير المَهْر في باب الكفاءة، وهذا من زياداتِه على الزَّيلعي، وقد زاد عليه في موضع آخَر، وإلَّا فجميع كتابِه مأخوذةٌ من الزَّيلعي، ولم يأت عليه بشيءٍ جديدٍ، ونقل الشيخُ تصحيحَه عن الحافظ بُرْهان الدِّين الحَلَبي، إلا أنه لم يكن عنده إسنادُه، ثُم ذكر الشَّيخ ابنُ الهُمام أنَّ بَعْضًا من أصحابه جاء بسندِه
(1)
من عندِ الحافظ ابنِ حَجَر، والحديث بذلك السَّند ليس أَقلَّ من الحَسَن. قلتُ: وأَكْبر ظَنِّي أن هذا البَعْضَ الذي جاء بسنده، - هو تلميذُه ابنُ أمير الحاج - وهو نِصاب القَطْع، في باب السَّرقة عندنا
(2)
.
(1)
قلتُ: وهذه صورةُ ما ذكره الشيخ ابنُ الهُمام لإِسنادِ حديثِ المَهْر، قال: ثُم وجدنا في شَرْح البخاري للشيخ بُرهان الدِّين الحلبي: ذَكَر أن البغوي قال: إنه حَسَنٌ، وقال فيه: رواه ابنُ أبي حاتم من حديث جابر عن عمرو بن عبد الله الأوْدي بِسنده. ثُم وجدنا عند بَعْضِ أصحابنا صورةَ السَّند عن الحافظ قاضي القضاة العَسْقلاني، الشهير بابن حجر. قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا عَمْرو بن عبد الله الأودي: حدثنا وَكيع عن عَبَّاد بن منصور، قال: حدثنا القاسم بن محمد، قال: سَمِعت جابرًا رضي الله عنه يقول: قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ولا مَهْر أَقلُّ من عشرة
…
الحديث الطويل. قال الحافظ: إنه بهذا الإِسناد حَسَنٌ، ولا أَقَلّ منه. اهـ كذا في "فتح القدير" في فَصْل الكفاءة.
(2)
قال الخطّابي في "المعالم": وقال أصحابُ الرأي: أقلّه عشرةُ دَراهمَ، وقَدّروه بما يُقطع فيه يدُ السّارق عندهم، وزعموا أنَّ كلَّ واحدٍ منهما إتلافُ عُضو. اهـ وذكر ابنُ رُشْد: قال ابن شُبْرُمة: هو خمسةُ دراهم، لأنّه النصاب عنده أيضًا في السَّرِقة، ثُم قال ابنُ رُشْد: وقد احتجَّت الحنفيةُ بما رُوي عن جابر مرفوعًا: أنه قال: لا مَهْر بأقلَّ من عشرةِ دراهمَ، ولو كان هذا ثابتًا لكان رافِعًا لموضِع الخلاف. اهـ:"بداية المجتهد". قلتُ: وقد عَلِمت تحسينَ هذه الروايةِ آنِفًا، وراجع كلام ابن رُشْد مُفَصّلًا، فإِنّ فيه فوائد.
وله حديثٌ قويٌّ عند النَّسائي، والرأي فيه عندي أنَّ المَهْر، وكذا نِصار السَّرقة كانا قَليلين في أَوَّل الإسلام، لعسر حال المسلمين، فلما وَسَّع الله تعالى عليهم زِيد في المهر ونِصاب السرقة أيضًا، حتى استقرَّ الأَمْر على عشرةِ دراهمَ فيهما، فلا نَسْخ عندي. وحينئذٍ جاز أن يكون نَحْوُ خاتم حديد تمامَ المَهْر في زمن، ولك أن تحمله على المُعَجّل أيضًا. فالصُّورُ كلُّها معمولةٌ بها عندي، وإن انتهى الأَمْر إلى العشرةِ
(1)
.
(1)
قلتُ: وفي المقام مباحثُ نفيسةٌ ذكرها القاضي أبو بكر بنُ العربي في "شرح الترمذي" أهديها إليك لتنتفع بها، ثُم لتنفع الناس، فإِنّ خيرَ الناسِ مَنْ ينفع الناس:
قال ابنُ العربي رحمه الله تعالى: وقد اختلف الناسُ في ذلك على سَبعة أقوال: الأَوّل: لا مَهْر أَقل من أربعينَ، قاله النخعي؛ الثاني: لا مَهْر أقل من دينار. قاله أبو حنيفة؛ الثالث: لا مَهر أقل من خمسةِ دراهم، قاله ابن شُبرمة؛ الرابع: لا مَهْر أقلُّ من رُبع دينار، قاله مالك؛ وقال الدَّاودي: تَعَرَّقْتُ أبا عبد الله، أي قلت بمذهبِ أهل العراق.
وقال الأَوْزاعي، وابن وَهب: درهم، وهو الخامس؛ السادس: قِيراط، قاله ربيعة. وقال الشافعيُّ وجماعةُ أهل المدينة: وما تراضى عليه الأهَلون، وهو كل ما جاز أن يكون ثَمنًا، أو أُجرة، حتى الموزون، ورُوي مِثله عن ابن عباس. وقد روى مالك حديث الموهوبة، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للذي سأله أن يزوِّجها منه: التمس ولو خاتمًا مِن حديد، ودرهمًا من حديد، أو قَدْرها بما يكون خَاتمًا لا يساوي رُبع دينار. إما لا جوابَ عنه لأحد، ولا عُذْر فيه، وإما أنَّ المحقِّقين من علمائنا نظروا إلى قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فمنع اللهُ القادِرَ على الطَّولِ من نكاح الأمة. ولو كان الطَّول درْهمًا ما تَعذَّر على أحَد، وكذلك ثلاثة دَراهمَ، لا تتعذَّر على أَحد. على أنَّ الناس اختلفوا في الطَّول، فمنهم مَن قال: هو القدرةُ على نِكاح الحُرّة، ومَنْ قال: الطَّول هو وجودُ الحُرّة تحته، ويحتمل أن يُراد حقوق الحرة من الإِنفاق والكِسوة، فلا يدخلُ محتمل آيةٍ على نصّ حديث ذَكَره الأئمةُ في الصِّحاح. وقد ذكر أبو عيسى بعد ذكر قليل الصَّداق حديث عُمرَ: أَلا لا تغالوا في صدقاتِ النِّساء، فإنها لو كانت مَكرمةٌ عند الله، لكان أَوْلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عَلِمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصْدَقَ لِعدّة من نسائه أكثَرَ من ثماني عشرةَ أوقيةً. وزاد أبو عيسى: ولا امرأة. زاد النَّسائي: وأنّ رَجُلًا ليغلي بصداق امرأته، حتى لا يكون لها حرارةٌ في نفسه، وحتى يقول لك: عَلّق القرفة. وذُكر عن عائشةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أعظمُ النِّساء بركةً أَيسرُهنَّ مَؤونةً". وروى مسلمٌ: أنْ رَجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تَزوجت امرأةً من الأَنْصار، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها، فإنَّ في أعين الأنصار شيئًا؟ قال: قد نظرت إليها. قال: على كم تَزوَّجتها؟ قال: على أربعةِ أواقٍ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَرْبع أواق، فكأن تَنحِتون الفِضَّة من عرض هذا الجبل، ما عندنا نعطيك، ولكن عسى أن نَبْعثك في بَعْث تصيبُ منه ذلك، فبعث ذلك الرجل فيهم. وفي "أحكام القرآن" تمامُ بيانه.
فأما معنى الحديث الذي ذكره، ففيه عُشرون تكملة: الأولى: أنَّ المرأة وهبت نفسها بغيرِ صَدَاق، وذلك لا يكون إلَّا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. واختلف الناس في وَجْه ذلك، فمنهم مَن قال: إنها أعطته نَفسها بغير صَدَاق، وذلك لا يكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم خَاصّة، ومنهم مَن قال: إن هو إلا أنها عقدت نِكاحها منه، على معنى النِّكاح بِلَفظ الهِبة. وقال ابنُ المسيب: لو أعطاها سوطًا لحلَّت له.
وقال وكيعٌ: لو رضيت بسوط كان مَهرَها. والصحيح أنها أرادت هِبةَ النفس بغير عِوض، لاعتقادها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، وأنه يختصُّ في النكاح بأشياء كثيرة لا تجوز لغيره، وهذا منها، فقد تَزوَج صفيةَ بغير صَداق.
الثاني: أنَّ النِّكاح بلفظ الهِبة جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخره: مَلَّكتكَها، وزوجتُكها، وأَنكَحْتُكَها، وهذا كله في الصحيح، ويقتضي أنه ليس للنِّكاح لفظ مخصوص، فإِنه بعبارة - كما قال بعض أصحاب الشافعي - وإنما هو عَقْد =
...........................
= تراضٍ، فما فُهِم منه الرضى جاز. وأما أبو حنيفة فجعله بكلِّ لَفظٍ ويقتضي التمليكَ على التأبيد، وهذا تعلق باللفظ، وليس له عندنا معنًى بحال، بل لو قال: وحللت لك، أو أَبَحْت لك، لجاز. وذكر بعضُ أصحابنا: لمالك أن النِّكاح بِلَفْظ الهِبة لا يجوز، وليس الأَمْر كما زعم، إنما قال: عند مالك لا تكونُ الهِبةُ لأَحدٍ بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، يعني الموهوبة، لقوله:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] أما إنه قد روى عن المغيرةَ، ومحمد بن دينار مِثْل مَذهب الشافعي. وتحقيقُ القول فيه: إنه إذا قال له: وَهَبتك، إن أراد نكحتك، وقابله الآخر، كذلك جاز. وإنْ قصد الآخَرُ صَداقًا، فكأنه شَرَط حَطَّ الصَّداق، وذلك بمنزلته لو صرح، فقال: بلا صَداق، وفيه قولان: أحدهما: يَفسخ بكلِّ حال؛ الثاني. أنه يفسخ قَبل الدُّخول خاصَّة. وقال عامْةُ العلماء: الشَّرْط لا يَضُرُّ بالعَقْد، والنكاح صحيح. وقد بَيناه في مسائل الخلاف.
الثالث: أنَّ فيه خِطبة المرأةِ لنفسها، إذا كان المخطوبُ مِمن يرْغب في صلاحه، وقد قالت بِنْتُ أنس لأنس، حين سمعته يُحدْث بهذا الحديث:"واسوأتاه". قال: هي خيرٌ منك، رَغِبت في النبي صلى الله عليه وسلم، فَعَرَضت نَفْسُها عليه.
الرابع: حديث يَعْقُوب بن عبدِ الرحمن عن أبي حازم هذا، أنها قالت: جئت لأهب نفسي لك، فصعد النظر فيها وصَوبه. ويحتمل أنها كَلَّمته قَبْل الحجاب مُتلففةً، وأن ذلك كان جائزًا، فإنه يدخلُ في باب نظر الرجل إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها. فإِنك إنْ لم ترد نِكاح المرأةِ، لم يَجُز لك النَّظر إليها بارزةَ الوَجْه، ولا متلففة، فترى منها القامة، والهبة خاصّة.
الخامس: "التمس ولو خاتمًا من حديد"، الخاتم من الحديد الذي يتزين به، قيمتُه أكبرُ من وزنه، وقد قَرَّرْنا في تلخيص الملخص فوائد أربعة في تقرير مالك له، وقلنا: إنَّ الأعيان المالية، والمنافع المبتذلةَ يجوزُ استيفاؤها بغير عِوض، فجاز أن يُستباح بكل عِوض، والبُضْع لا يُباح إلَّا بِعِوض بيانًا لخطره، فيقدر بيانًا لخطره. وذكرنا مَأخَذًا ثانيًا، وهو أن الصَّداق حَقُّ الله، فوجب تقديرُه. وهذه الأصولُ لا تَرد بألفاظٍ من الأحاديث محتملة، يعارضها مِثلُها من القرآن، كما بيناه، والله أعلم.
السادس: قوله: "إن أعطيتها إزارَك، جلست لا إزار لك"، دليلٌ على مِلك المرأة الصَّداق بنفس العقد، ولا خلاف فيه لاتفاق الأُمة على جواز التصرّف فيه، وترتب على هذا فروعٌ من مسائل الفقه، سيأتي بيانها.
السابع: أنَّ ما لا يمكن تسلِيمُه لا يكون صَداقًا، لأنه لو سَلَّمه لم كشِف.
الثامن: إنَّ فيه وجوبَ تعجيل المَهْر، أو شيء منه، لأنه لو لم يوجب ذلك، لازمه إياه، وأرجاه عليه.
التاسع: ذِكره لخاتم الحديد كان قَبل النهي عنه، وقوله:"إنّه حِلية أَهْل النار"، فنسخ النهي جوازه له، والأحاديث في ذلك صحاح وإن لم تكن في الصحيح، ويعضده إجماعُ الأُمة على تركه عملًا.
العاشر: إنَّ هذا يحتمل أن يكون زمانَ جوازِ الاستمتاع بالنساء، كما قال جابر: كُنا نستمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبضة من الطعام، ثم نَسخ اللهُ المتعة، وصَداقها.
الحادي عشر: أنَّ مِن العلماء من قال: إنما جوازُها بِفَضل حِفْظ القرآن، أو سُورٍ منه، كما رُوي عن أُم سُلَيم: أنه خَطَبها أبو طلحة، فقالت: والله يا أبا طلحةَ ما مِثْلك يُردّ، ولكنك رجلٌ كافر، وأنا امرأةٌ مُسْلمة، ولا يَحِل لي أن أتزوَّجك فإِن تُسلم فذلك مَهري، ولا أسألك غيرَه، فأسلم، فكان ذلك مَهْرَها. قال ثابت: فما سَمِعنا بامرأةٍ قَطّ كانت أكرمَ مهرًا من أُمِّ سُليَم، فدخل بها، فولدت له.
الثاني عشر: ومن العلماء مَن قال: إنما زَوّجها على أن يُعلّمها سورًا من القرآن. وفي حديث أبي داود: "فقم فعلِّمها عشرين آيةً"، فكأنها كانت إجازة، وكرهه مالك، ولم يجزه أبو حنيفة، ومنعه ابنُ القاسم، وقال: يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده. ودار كلامُ أصبغ على أنه إنْ نزل مَضى. قاله مالك، وأَشْهب، وابن المواز. ولو كان جُعْلًا، =