الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (يمتحن من هاجر) يعني في تلك المدة.
قوله: (وقال هشام بن عمار: ثنا الوليد بن مسلم ثنا عمر بن محمد العمري) إلخ، والعمري هنا هو الذي يروى عن أحمد في "المغني" ما حاصله، لم يذهب أحد من الأمة إلى أن من لم يقرأ الفاتحة خلف الإمام في الجهرية، فصلاته باطلة.
قوله: (قدم سهل بن حنيف)، أي من جانب عليّ، استخبره الناس عن الأمر، فقال لهم: اتهموا الرأي، فلعل صلح عليّ يبنى على مصلحة، كما كان صلح الحديبية هزيمة في الظاهر، وفتحًا في الآخر.
باب قصة عكل، وعرينة
قوله: (أهل ضرع)، أي أهل المواشي.
قوله: (أهل ريف)، أي أهل الزرع.
قوله: (أبو رجاء) الهمزة فيه إن كانت أصلية، فهو منصرف، وإلا فغير منصرف، وزنه فعال.
باب غزوة ذات القرد
وذات قرد اسم ماء قريب من خيبر، وقد مر ذكرها في ذات الرقاع، وإن كان السفران متغايرين.
باب
(1)
غزوة خيبر
وكان يسكنها يهود من ذرية يوسف عليه السلام، وفيها وقعت قصة رد الشمس لعليّ، صحح حديثه الطحاوي في "مشكله"، ثم صنف فيها الحافظ ناصر الدين رسالة سماها "كشف اللبس عن حديث رد الشمس".
قوله (قال يرحمه الله)، وكان الصحابة عرفوا من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستغفر لأحدهم في الحرب إلا أن يكون شهيدًا، فلما استمعوها في حقه عرفوا أنهم غير متمتعين منه بعده، ثم
(2)
إن عامر بن الأكوع هذا ليس منسوبًا إلى أبيه، بل إلى جده. فعامر عم سلمة. ومن ههنا ظهر أن سلمة أيضًا ليس ابنًا للأكوع.
(1)
حكى الواقدي: أن أهل خيبر سمعوا بقصده لهم، فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين، فلا يرون أحدًا، حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون، ناموا، فلم تتحرك لهم دابة، ولم يصح لهم ديك، وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم، فوجدوا المسلمين، اهـ. فتح الباري، وإنما نقلت تلك الرواية لأمر لم أره في عامة الروايات، وفيه فائدة أيضًا.
(2)
هكذا وجدت في المذكرة على ما فيه من المحو والإثبات.
قوله: (فأصاب عين ركبته) المصاب بسيفه شهيد عندنا في الآخرة لا في الدنيا، بخلافه عند الشافعية.
قوله: (أو ذاك، أي تغسلوها بعد الإراقة). وفيه دليل على أنه لا يلزم أن يكون كل أمر النبي صلى الله عليه وسلم واجبًا، وخلافه حرامًا. ألا ترى أنه أمرهم أولًا بكسر القدور، فلما سألوه أن يهريقوها ويغسلوها مكان الكسر أجازهم به أيضًا.
قوله: (فإنها رجس) فيه دليل على أن النهي كان لنجساته، ومع هذا ذهب بعضهم إلى أن النهي عنه كان لعدم القسمة.
قوله: (جاءه جاء، فقال: أكلت الحمر؟ فسكت)؛ قلت: لا دليل في سكوته برهة على أنه كان جائزًا عنده أولًا، ثم نسخ، وحرم، فإن ضاق به صدرك، فقل: إنه كان أباح لهم أولًا، لما رأى بهم من الفاقة، والمخمصة، ثم نهاهم، فلا دليل فيه على إباحته مطلقًا.
فائدة: وقد سمعتم أن المسائل لا ينبغي أن تؤخذ من ترتيب العبارة، ولو من القرآن، كما فعلوه في قوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} الخ، فإن اختلاف الشافعية، والحنفية فيه يبنى على الترتيب فقط، وكذلك في قوله:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} وذلك لأن استخراج الأحكام من ترتيب الآيات من المحتملات عندي. ومن هذا الباب ما نحن فيه من الحديث
(1)
.
قوله: (فجعل عتقها صداقها
(2)
) والعتق لا يصلح مهرًا عندنا لأنه تفويت للمالية،
وليس بمال، ولئن سلمناه فهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فإن النكاح بدون المهر كان جائزًا له، وقد يستدل له من قوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} والصواب
(3)
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمهرها، وأعتقها، ولكنها
(1)
ولم أحصل الكلام من هذا المقام، وكانت المذكرة غير واضحة.
(2)
قال الخطابي: قد ذهب غير واحد من العلماء إلى ظاهر هذا الحديث، ورأوا أن من أعتق أمة كان له أن يتزوجها، بأن يجعل عتقها عوضًا عن بضعها، وممن قال ذلك سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والزهري، وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ ويحكي ذلك أيضًا، عن الأوزاعي، وكره ذلك مالك بن أنس، وقال: هذا لا يصلح، وكذلك قال أصحاب الرأي، وقال الشافعي: إذا قالت الأمة: أعتقني على أن أنكحك، وصداقي عتقي، فأعتقها على ذلك، فلها الخيار في أن تنكح، أو تدع، ويرجع عليها بقيمتها، فإن نكحته ورضيت بالقيمة التي له عليها، فلا بأس، اهـ.
(3)
ويقربه ما ذكره الخطابي عن بعضهم، قال وقال بعضهم معناه: إنه لم يجعل لها صداقًا، وإنما كانت في معنى الموهوبة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا بها، إلا أنها لما استبيح نكاحها بالعتق صار العتق كالصداق لها، وهذا قول الشاعر:
وأمهرن أرماحا من الحظ ذبلا
أي استبحن بالرماح، فصرن كالمهيرات، وكقول الفرزدق:
وذات حليل أنكحتنا رماحنا
…
حلالا لمن يبنى بها لم تطلق
قلت: ونظيره ما أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه عن وائل بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذى لاعنت عنه، اهـ. =
لما عفت عن مهرها رعاية لإعتاقه إياها. فكأن العتق حل محل المهر، وهو الذي عبر عنه الراوي بقوله: جعل عتقها صداقها. وإنما حسن هذا التعبير، لأن المهر إذا لم يتعلق به إعطاء، ولا أخذ في الحس، وحل محله الإعتاق منه صلى الله عليه وسلم، فكأنه كان هو المهر في الحس، ولا بحث للراوي عن النظر الفقهي، وإنما ينقل ما شاهدته عيناه، ولم يشاهد، إلا أن النكاح كان بدل الإعتاق في الحس. وأما ما دار في البين من الاعتبارات، فلكونها نظرًا معنويًا، لم يلتفت إليه، وإليه يشير لفظ: جعل. فإنه للانصراف عن الأصل. فكأن العتق لم يكن مهرًا، ولكنه جعل مهرًا بنحو من الانصراف، كما في قوله تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19] وقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} وقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} ، {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لم يجعل شفاعكم فيما حرم عليكم" وقوله: "ومن جعل الله همومه همًا واحدًا" ففي كلها معنى الانصراف مراعى، ثم إنه كان أعتقها. ثم تزوجها تحصيلًا للأجرين، كما مر في "كتاب العلم". وفي الحديث لفظان: الأول: أعتقها وتزوجها؛ والثاني: جعل عتقها صداقها، والأول أقرب إلى نظر الحنفية، لأنه يدل على التزوج، بالطريق المعهود،. ومالنا أن نحمل التزوج على غير المعروف، والمعروف هو النكاح بالمهر. وأما قوله: جعل عتقها صداقها، فظاهره مؤيد للشافعية، وحاصل ما ذكرت أن وزانه وزان قوله:
وخيل قد دلفت لهم بخيل
…
تحية بينهم ضرب وجيع
مر عليه عبد القاهر. وقرر أنه ليس من باب التشبيه، ولا من الاستعارة، بل هو من باب وضع شيء مكان شيء، وسماه بعضهم ادعاء، وليس بمرضي عندي، وقد مر تفصيله، فالإعتاق في الحديث وضح موضع المهر -كالضرب الوجيع- موضح التحية في القول المذكور، فاعلمه، ولا تعجل في إنكار ما لم تدركه.
ثم ما يقول
(1)
الشافعية فيما رواه النسائي ص 86 - ج 2، عن أنس قال: تزوج أبو طلحة
= واتفقوا على أن الملتقط لا يرث من اللقيط إلا ما يروى عن إسحاق بن راهويه، فحملوه على أن ميراثه يكون لبيت المال، ثم يكون هذا الرجل أولى بأن يصرف إليه ذلك من جانبه، إلا أن ماله لما عاد إليها -ولو بعد هذه الاعتبارات- عبر عنه الراوي بكونه ميراثًا لها، فإنه صار ملكًا لها آخرًا، كالميراث، لم تغيره هذه الاعتبارات -فالراوي لا يراعي التحويلات التي وقعت في البين، لأنها ربما تكون اعتبارات، ولكن يأخذ بالحاصل، وهو صنيعه في استقراض الحيوان بالحيوان، كما مر تقريره في "البيوع" وهذا الذي أراده من كون العتق والإسلام مهرًا.
(1)
وفي "التمهيد" قال مالك، وأبو حنيفة، وأصحابهما، والليث: لا يكون القرآن، ولا تعليمه مهرًا، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب، لأن الفروج لا تستباح بالأموال، لقوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} ولذكره تعالى في النكاح -الطول- وهو المال، والقرآن ليس بمال، ولأن تعليم القرآن من المعلم والمتعلم يختلف، ولا يكاد يضبط، فأشبه المجهول، ومعنى أنكحتكها بما معك من القرآن، أي لكونه من أهل القرآن، على جهة =
أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة، فخطبها، فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك، فأسلم، فكان صداق ما بينهما، اهـ. فهل يقول أحد بكون الإسلام صداقًا.
قوله: (وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) اسمه قزبان.
قوله: (ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان الخ)، وكان شيخنا يضحك من هذا اللفظ، ويقول: الإجزاء ههنا، كالإجزاء عند الدارقطني في قوله:"لا تجزىء صلاة من لم يقرأ بأم القرآن، وزعمه الشافعية أصرح حجة على أن -لا- في قوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ" إلخ، لنفي الأصل، لا لنفي الكمال، قلت: كيف يسوغ للحنفية أن يحملوا فيه الإجزاء أيضًا على نفي الكمال؟! كما في هذا الحديث، فإن نفي الإجزاء فيه ليس إلا على نفي الكمال.
قوله: (إن الرجل ليعمل) إلخ، جاء فيه بأنواع التأكيد كلها: إن ولام التأكيد، والمضارع للاستمرار التجددي، ففيه استغراق بليغ، وحينئذ يشكل أن كل من كان على هذه الصفة كيف يكون من أهل النار؟! فما معنى الاستغراق؟ قلت: تقديم المسند إليه قد يكون للندرة أيضًا، كما في قوله: إن الكذوب قد يصدق، وكذا في قوله: الشهر يكون تسعًا وعشرين، أي قد يكون، ومن هذا الباب قوله: إن الرجل ليعمل، إلخ، وإن الله ليؤيد دينه بالرجل الفاجر، فإذن لا إشكال في ندرته، ذكره عبد القاهر من فوائد تقديم المسند إليه، فرجعه.
قوله: (فوضع سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه) وفي رواية أنه استعجل موته بسهمه.
قوله: (أربعوا على أنفسكم، أنكم لا تدعون أصم، ولا غائبًا) ليس فيه النهي عن الجهر، بل فيه كونه لغوًا، لأن الذي تدعونه أقرب إليكم من حبل الوريد، فلا تلقوا أنفسكم في العناء، ففيه إجزاء السر، لا النهي عن الجهر، وفي -البزازية والخيرية-، أن رفع الصوت بالذكر جائز، ولعلهم رفعوا أصواتهم، لأنهم علموا من قبل أن السنة عند الصعود الرفع، وعند النزول الخفض، ولكنهم لما بالغوا فيه نهاهم عنه.
ثم اعلم أنه أشكل عليه قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} فإن المأمور به فيه آخر، هو المنهى عنه أولًا. فإن الجهر فقهًا هو أن تسمع من كان قريبًا منك، والمخافتة أن تسمع نفسك فقط، فما الابتغاء بين السبيلين، فإنه لا يكون إلا جهرًا. فحمله بعض على التوزيع، أي لا تجهر بصلاتك في السرية. ولا تخافت بها في الجهرية، والوجه عندي أن
= التعظيم للقرآن، كما روى أنس بن مالك: زوج أم سليم أبا طلحة على إسلامه، وسكت عن المهر، لأنه معلوم أنه لا بد منه، وجوز الشافعي، وأصحابه أن يكون تعليم القرآن، وسورة منه مهرًا، فإن طلق قبل الدخول يرجع بنصف أجر التعليم في رواية المزني، وقال الربيع، والبويطي: بنصف مهر مثلها لأن تعليم النصف لا يوقف على حده، فإن وقف عليه جعل امرأة تعلمها، وأكثر أهل العلم لا يجيزون ما قاله الشافعي، ودعوى التعليم على الحديث دعوى باطل لا تصح، اهـ.
قلت: ومن ألفاظه عند النسائي، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها.
الجهر في الآية هو الجهر اللغوي (بكارنا) وهو رفع الصوت دون الفقهي، فالمعنى أن لا تجهر بصلاتك جهرًا شديدًا، وكذلك لا تخافت بها، بحيث لا تسمع نفسك أيضًا على ما هو المخافتة لغة. بل اتخذ بين ذلك سبيلا، فيسمع أصحابك منك، فهذا القدر هو المأمور به في الآية، أي الأمر بين الأمرين، وهو معنى قوله تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} ، وسيجيء تقريره في التفسير بوجه أبسط من هذا.
قوله: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولما كانت تلك الكلمة من الكنوز، ويليق بها الإخفاء والستر. لم يذكر ثوابها في الأحاديث. بخلاف التسبيح، والتحميد، والتكبير.
قوله: (فرأى طيالسة، كأنهم الساعة يهود خيبر) والطيلسان ثوب كان العرب يلقونه على رءوسهم، وفيه دليل على أن الطيلسان كان من سيماء اليهود، فهل يكون مكروهًا؟ فحقق السيوطي في رسالة تسمى "بكف اللسان، عن ذم لبس الطيلسان" استحبابه، وادعى أن الصالحين كانوا يستعملونه، وكتب أن الشيخ ابن الهمام كان يلبسه، أما قوله: -كأنهم الساعة يهود خيبر- فبيان للواقع فقط، بدون إشعار منه بالكراهية، وكان الشيخ كمال الدين، أبو السيوطي أوصى الشيخ ابن الهمام أن ينظر في أمر ابنه، ويتعاهده بعده، فكان السيوطي في حجره، وكان الشيخ يمسح رأسه، كأنه يتأول الحديث في ذلك، فلم يلبث الشيخ أن توفي بعد برهة، فما ينقل الشيخ السيوطي عن وقائعه، إنما هي من زمن ملازمته في تلك المدة اليسيرة.
قوله: (فأعطاه، ففتح عليه) وفي "حلية الأولياء" لأبي نعيم الأصبهاني، أن الباب الذي نزعه عليٌّ يوم خيبر، ورمى به، رفعه تسعة رجال بعده، وفي روايات: أربعة رجال، وفي بعضها: اثنان، وما سوى ذلك مما اشتهرث فيه مبالغات الناس، فشطط
(1)
.
قوله: (حتى يكونوا مثلنا، أي مسلمين) فلا نكف عنهم القتال دونه، على حد قوله تعالى:{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} الآية.
قوله: (أنفذ على رسلك) لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عليًا رايته يوم خيبر، بادر إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بالسؤال عن القتال فيهم، حتى يكونوا مثله مسلمين، فهداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما كان أحسن له منه، وهو أن يمهلهم حتى يدعوهم إلى الإسلام، ثم علله بقوله: فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا، إلخ؛ وليس له كثير ربط مما قبله في الظاهر، لأنه لا ينافي ما قصده عليّ، والسر فيه أن رب شيء يكون له ارتباط في الكلام من جهة السياق، والسباق، فإذا دون في الكتب رؤى غير مرتبط،
(1)
قال: وذكر ابن إسحاق من حديث أبي رافع، قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه، فتناول علي بابًا كان عند الحصن، فتترس به عن نفسه، حتى فتح الله عليه، فلقد رأيتني، وأنا في سبعة، وأنا ثامنهم نجهد، على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه، وللحاكم من حديث جابر أن عليًا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرب بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلًا، والجمع بينهما أن السبعة عالجوا قلبه، والأربيعن عالجوا حمله، والفرق بين الأمرين ظاهر، وكان اسم الحصن الذي فتحه عليّ -القموص-، وهو من أعظم حصونهم، اهـ، وقد علمت غير مرة أن الشيخ لم يكن يتصدى إلى وجوه التوفيق بين أوهام الرواة.
لفقدان السياق، ولأن نوع الارتباط في الكلام، غير نوع الارتباط في التأليف، وبتباين النوعين يجيء الخبط.
قوله: (يحوي لها وراءه) كان من عادتهم أنهم يشدون ثوبًا على سنام البعير، ليأخذه من يجلس خلفه.
قوله: (نهى عن متعة النساء يوم خيبر) واعلم
(1)
أن الرواية في إباحة المتعة على أنحاء، يعلم من بعضها أن إباحتها كانت في تبوك
(2)
، وفي بعضها أنها كانت في فتح مكة، وفي أخرى أنها كانت يوم خيبر، والصواب أن ذكر تبوك وهم. وإنما أحلت في فتح مكة. ثم نهي عنها، وحقق ابن القيم في "زاد المعاد" أن ذكر النهي عنها يوم خيبر لا يصح بحال، واشتبه عليه الحال، حيث كان قوله يوم خيبر متعلقًا بالنهي عن لحوم الحمر فقط، فجعله متعلقًا بالنهي عن المتعة أيضًا، كيف: وأن النساء كلهن يؤمئذ، لم يكن إلا من اليهود، والصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات، وأما من ذكرها في حجة الوداع، فقد تكلم بكلام يشبه الأغلوطات، فإن المراد منها متعة الحج، دون متعة النكاح، ثم إن المتعة هي نكاح بلفظ المتعة، بضرب مدة بلا شاهدين، بخلاف النكاح المؤقت، ويحث
(3)
هناك الشيخ ابن الهمام، وقال: إن المعاني الفقهية لا تدور
(1)
قلت: ومما ينبغي أن يعلم أن المتعة مما وقع فيه النسخ مرتين، كالقبلة، على ما حرره النووي، حيث قال: إنه حرمها يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ثم أباحها يوم الفتح للضرورة، ثم حرمها يوم الفتح أيضًا تحريمًا مؤبدًا، اهـ، وبهذا تجتمع الروايات في ذلك، قال القاضي عياض: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ويوم الفتح، ويوم أوطاس أنه جدد النهي في هذه المواطن، لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح، لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات والأثبات، لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فقال بعضهم: هذا الكلام فيه انفصال، ومعناه أنه حرم المتعة، ولم يبين زمن تحريمها، ثم قال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر الأهلية خاصة، ولم يبين وقت تحريم المتعة، ليجمع بين الروايات، قال هذا القائل: هذا هو الأشبه، قال القاضي: هذا أحسن لو ساعده سائر الروايات: عن غير سفيان، إلخ، "نووي". قال الحافظ في "الفتح" الظاهر أن قوله: زمن خيبر ظرف للأمرين، وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول: قوله: يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية، لا بالمتعة، قال البيهقي، وما قاله محتمل، يعني في روايته هذه، وأما غيره، فصرح أن الظرف يتعلق بالمتعة، اهـ. قلت: وما ذكره الحافظ عن سفيان هو الذي ذكره ابن القيم في "الهدى، في فصل المتعة" وقد بسطه من قبل في غزوة الفتح، وهو المحرر عند الشيخ.
(2)
رواه إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبدالله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي، قال النووي: وهذا غلط منه، ولم يتابعه أحد على هذا، رواه مالك في "الموطأ" وسفيان بن عيينة، والعمري، ويونس، وغيرهم عن الزهري، وفيه يوم خيبر.
(3)
قلت: قال الشيخ ابن الهمام: ولا دليل لهؤلاء على تعيين كون نكاح المتعة الذي أباحه صلى الله عليه وسلم، ثم حرمه، هو ما اجتمع فيه مادة "م - ت - ع" إلى أن قال: ولم يعرف في شيء من الآثار لفظ واحد ممن باشرها من الصحابة، بلفظ: تمتعت بك، ونحوه، اهـ. فلينظر فيه، ثم نظرت في سجود التلاوة من "فتح القدير" لأعلم ماذا إيراده في المسألة الثانية، فوجدته قد تعرض إلى المسألة، إلا أني لم أجد فيه إيرادًا عنه، فلينظر؛ فلعله يكون في تصنيف أخر له، أو وقع مني السهو، عند الأخذ عنه والله تعالى أعلم بالصواب.
على خصوص الحروف، فإذن لا فرق بين المتعة والنكاح المؤقت، لكونهما عبارتين عن معنى واحد، وقد قال نحوه في موضع آخر، وهي مسألة أداء السجدة بهيئة الركوع، وتمسك لها الحنفية بما في القرآن من قصة سجدة داود عليه الصلاة السلام، بأن القرآن عبر عن سجوده بالركوع، فدل على أن الركوع ينوب عن السجود، ونعم الاستنباط هو، لكن الشيخ لم يرض به، واعترض عليه بأن المراد من الركوع إذا كان هو السجود، فبقي لفظ -الراء، والكاف، والواو، والعين- حشوًا بمعزل عن النظر، فلا يصح التفريع المذكور؛ قلت: والصواب عندي أن الاستنباط لطيف لطيف، وبحث الشيخ ساقط، أما أولا فلأن شأن القرآن أرفع من أن لا يؤخذ بتعبيره، وأما ثانيًا، فلأنا قد رأيناهم اعتبروا بالألفاظ في باب النكاح، ولم ينظروا فيه إلى مجرد المسمى، فحكموا بانعقاد النكاح من بعض الألفاظ دون بعض، فدل على أن بعض الأحكام يدور على الألفاظ أيضًا، فسقط بحث الشيخ، ثم إن المتعة منسوخة إجماعًا، وما نسب إلى ابن عباس، فليس
(1)
بمحقق أيضًا، قلت: وما ظهر لي في هذا الباب، وإن لم يقله أحد قبلي أن المتعة بالمعنى المعروف لم تكن في الإسلام قط، ولكنها كانت نكاحًا بمهر قليل، لا بنية الاستدامة، بل بإضمار الفرقة في النفس بعد حين، والظاهر أن تحديد المهر بعشرة دراهم كان بعده. وهذا النوع من النكاح يجوز اليوم أيضًا، إلا أنه يحظر عنه ديانة، لإضمار نية الفرقة، ويؤيده ما عند الترمذي: ص 133 - ج 1 عن ابن عباس بإسناد فيه كلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، فهذا صريح في أنه كان نكاحًا، مع إضمار الفرقة، وأما التخصيص بثلاثة أيام، كما في بعض الروايات، فليس لما فهموه، بل الوجه فيه أن المهاجرين لم يكونوا رخصوا في إقامتهم بمكة بعد الحج، فوق ذلك، فجاء إجازة المتعة لثلاثة أيام لهذا، لا لأن المتعة أحلت لثلاثة أيام، فليس الفرق إلا أن النكاح مع نية عدم الاستدامة كان مرخصًا في أول الأمر، ثم عاد الأمر إلى أصله كما كان، ولم يرخص فيه أيضًا؛ فهذا هو المتعة عندي، أما إن المتعة بالمعنى الذي زعموه، فما
(1)
قلت: روى الترمذي عنه قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، حتى نزلت الآية {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال ابن عباس: فكل فرج سواهما، فهو حرام، وفي "المرقاة" يقول سعيد بن جبيرحين قال له: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء، قال ابن عباس: وما ذاك؟ قال قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه:
…
يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس؟
وهل لك في رخصة الأطراف آنسة،
…
تكون مثواك حتى مصدر الناس؟
فقال: سبحان الله! ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ولا يحل إلا للمضطر، وهكذ ذكره الخطابي في "معالم السنن" ص 193، ثم قال الخطابي: إنه سلك فيه مذهب القياس، وشبه بالمضطر إلى الطعام، وهو قياس غير صحيح، لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق، كهي -في باب الطعام- الذي به قوام الأنفس، وبعدمه يكون التلف، وإنما هذا من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة، وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة، كالآخر.
ونقل الخطابي قبيل هذا أن ابن عباس كان يتأول في إباحته للمضطر إليه بطول الغربة، وقلة اليسار، والجدة، ثم توقف عنه، وأمسك عن الفتوى به.
لا أراه أن يكون أبيح في الإسلام قط، وقال بعضهم في فسخ الحج إلى العمرة أيضًا نحوه، فأنكروه رأسًا، كما أنكرت المتعة في الإسلام، غير أني تفردت بإنكار المتعة، أما في فسخ الحج إلى العمرة، فقد سبق فيه ناس قبلي بمثله، واختار الجمهور أنه كان، ثم نسخ.
قوله: (ورخص في الخيل) وهي حرام عند مالك، مباح عند الشافعي، وأحمد. ومكروها
(1)
عند فقهائنا، إما كراهة تحريم، كما هو عند محدثينا، أو كراهة تنزيه كالضب عند مشايخنا، وللثاني دليل عند أبي داود، وإسناده ليس بساقط عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل، وفي إسناده بقية، إلا أن روايته عن الشاميين مقبولة، وهي ههنا عن الشاميين، على أن البخاري أيضًا حسن روايته في موضع، غير أن فيها تصريح بالتحديث، وههنا معنعنة، قلت: والأولى عندي أن يكون لحم الخيل، والضب، والضبع كلها بين كراهة التنزيه، والتحريم، وهذه مرتبة ذكرها صدر الإسلام أبو اليسر.
قوله: (لأنها كانت تأكل العذرة) مع أنه قد مر في متن الحديث تعليله صلى الله عليه وسلم بكونه رجمًا، وقد أخرج ابن عباس فيه احتمالًا آخر، يجيء عند البخاري بعد ثلاثة أحاديث، قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرم، في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية، اهـ. فاختلف الصحابة في تعليل النهي على ثلاثة أوجه، فذهب بعضهم إلى أن النهي كان، لأنها كانت تأكل العذرة، وقال قائل: إنه لمخافة أن تذهب حمولة الناس، وقيل: بل لكونها لم تخمس، مع أنه قد مر عن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه أنها رجس.
قوله: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، للفرس سهمين، وللراجل سهمًا) وظاهره موافق للجمهور، وإمامنا متفرد فيه، وأطنب الكلام الزيلعي في -تخريج الهداية-؛ قلت: والذي يتنقح بعد المراجعة إلى الألفاظ أنه أعطى للفرس سهمين، وللفارس ثالثها، وإن كان ظاهر تقابل
(1)
قال الطحاوي: ففي حديث خالد النهي عن لحوم الخيل، فأما أكثر الآثار المروية في لحوم الخيل، والصحيح منها، فما روي في إباحة أكل لحومها، ثم نقل بالإسناد عن أبي حنيفة، قال: أكره لحوم الفرس، وجعل ذلك مقتضى القياس، حيث أن الأنعام المأكولة ذوات خفاف وأظلاف، والحمر الأهلية والبغال ذوات حوافر، وقد نهينا عن أكل لحومها، وكان الخيل المختلف في أكل لحومها ذوات حوافر، فكان أشبه بالحمر، والبغال، ثم نقل عن مالك أنه قال: أحسن ما سمعت فيها أنها لا تؤكل، لأنه تعالى قال:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وقال تعالى في الأنعام: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وقال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} قال مالك: فذكر الله عز وجل الخيل، والبغال، والحمير للركوب والزينة، وذكر الأنعام للركوب والأكل منها، وقال مالك: وذلك الأمر عندنا، وأما أبو يوسف، ومحمد فذهبا إلى إباحة أكل لحومها، قال الطحاوي: وفيما احتج به مالك نظر، لأن كونها مخلوقة للركوب والزينة، لا ينافي كونها مخلوقة للأكل، كما قال تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} فلم يكن ذلك مانعًا أن يكون خلقهم لغير ذلك، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وفي حديث أبي هريرة أنه بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة، فقالت: إني لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث، اهـ. ولم يمنع ذلك كونها مخلوقة للأكل أيضًا كذلك، فليقس عليه أمر الخيل اهـ.
الفرس بالراجل يقتضى أن يكون المراد منه الفارس بفرسه، وقد أجاب الناس عنه بأنحاء، والأقرب
(1)
عندي أن يحمل على التنفيل، وهذا الباب غير منضبط، يتخير فيه الإمام أن ينفل بما شاء إلا إذا رجع إلى دار الإسلام، فإنه ليس له أن ينفل إلا في الخمس، لتعلق حق الغانمين في أربعة. أخماس، ولنا ما عند أبي داود في حديث مجمع بن جارية، أن خيبر قسمت على أهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهمًا، اهـ. ولا يستقيم
(2)
الحساب المذكور إلا على مذهب أبي حنيفة، لأن سهام الفرسان على تقرير الجمهور تكون تسعة، وسهام الرجالة اثنا عشر. فالمجموع يكون واحدًا وعشرين، مع أنه كان قسمه على ثمانية عشر سهمًا. فلا يكون للفارس إلا ستة أسهم، لكل مائة سهمان: فإن قلت: وما في البخاري من التقسيم يخالفه، قلت: وقد تكلمنا عليه مرة ونقول الآن: إن ماعند أبي داود، ففيه قصة مفصلة، فتدل على أن الراوي قد حفظها ألبتة، فينبغي أن تراعى أيضًا، أما المحدثون فلا بحث لهم عن هذه الأمور، وإنما همهم في النظر إلى حال الأسانيد فقط، ولا ريب أن الأسانيد أيضًا مهمة، إلا أن قصر الأنظار عليها، وقطع النظر عن القرائن، ليس من الطريق الصواب، بل قد عاد مضرة، فإذن نقول: إن ما يذكره الراوي في أبي داود، هو حال قسمة أراضي خيبر، ولما كان العقار أعز الأموال، روعي في قسمتها الأصل، ولم يسامح فيها، وأما قسمة العروض والمنقولات. فكما في البخاري: أعطي منها للفارس ثلاثة ثلاثة، لكونها مما يجري فيه التسامح، فإنها غادية ورائحة.
قوله: (إنما بنو هاشم، وبنو المطلب شيء واحد) كان بنو هاشم، وبنو المطلب، ونوفل،
(1)
قلت: وهذا الجواب اختاره الرازي في "أحكام القرآن" وقال: إن السهم الزائد كان على وجه النفل، كما روى سلمة بن الأكوع، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه في غزوة ذي قرد سهمين: سهم الفارس، والراجل، وهو كان راجلًا يومئذ، وكما روي أنه أعطى الزبير يومئذ أربعة أسهم، وهذه الزيادة كانت على وجه النفل تحريضًا لهم على إيجاف الخيل، ثم إن رواية مجمع بن جارية يعارضها ما روي عن ابن عباس، قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم، إلخ، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون قسم لبعض الفرسان سهمين، وهو المستحق، وقسم لبعضهم ثلاثة أسهم، وكان السهم الزائد على وجه النفل، وأما ما روي عن ابن عمر مرفوعًا: للفارس ثلاثة أسهم، فقط روي عنه خلافه أيضًا، ويمكن الجمع أن يكون أعطى سهمين، وهو المستحق، ثم أعطاه في غنيمة أخرى، ثلاثة أسهم، وكان الزائد على وجه النفل، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع المستحق، وجائز أن يتبرع بما ليس بمستحق على وجه النفل، اهـ. ملخصًا، ومختصرًا؛ قلت: واحتج العيني بروايات فيها الواقدي، مع نقل توثيقه من علماء هذا الشأن: ص 606 - ج 6 "عمدة القاري"، وقد تكلمنا عليه في الجهاد - في باب سهام الفرس وذكرنا فيه ملخص كلام المارديني، فراجعه، فإنه أيضًا مهم.
(2)
قال ابن الملك: وهذا مستقيم على قول من يقول: لكل فارس سهمان، لأن الرجالة على هذه الرواية تكون ألفًا، ومائتين، ولهم اثنا عشر سهمًا، لكل مائة سهم، وللفرسان ستة أسهم، لكل مائة سهمان، فالمجموع ثمانية عشر سهمًا، وأما على قول من قال: للفارس ثلاثة أسهم، فمشكل، لأن سهام الفرسان تسعة، وسهام الرجالة اثنا عشر، فالمجموع أحد وعشرون سهمًا.
وعبد شمس أربعة إخوة، وكان الأولان منهم حلفاء فيما بينهم، من زمن الجاهلية إلى الإسلام، وكذلك بنو نوفل، وعبد شمس كان أحدهما ردءًا للآخر، ولما لم يكن عثمان هاشميًا، ولا مطلبيًا، لم يقسم له النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إني قسمت للمطلبي، لأن المطلبي، والهاشمي موالي بعضهم لبعض، بخلاف النوفلي، والعبدي.
قوله: (ومنهم حكيم) إلخ، أي رجل حكيم (مرددانا)، فذكر من حزمه أنه كان إذا لقي العدو، ورّى بما في الحديث، واستنقذ نفسه منهم.
قوله: (شراك، أو شراكين من نار) واعلم أن الشيء قد يكون موصوفًا بالنارية، ثم لا يكون صاحبه هالكًا، وذلك لخطأ في اجتهاده، أو لعارض غير ذلك، ألا ترى أن هذا الرجل قد جاء بالشراك، أو الشراكين، فقد تاب توبة نصوحًا، فكيف يكون من أصحاب النار، فهذا في الحقيقة وصف تحقق في جنسه، وإن تخلف عن خصوص هذا الموضع لعارض، ونظيره ما في -مستدرك الحاكم- أن رجلًا جاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأله مرة بعد أخرى، فأعطاه كل مرة فلما أدبر الرجل، قال: السؤال جمرة من النار، فمن شاء فليستقل، ومن شاء فليستكثر (بالمعنى)، فلا ريب أن شأن السؤال كان كما أخبره، أما هذا الرجل خاصة، فيمكن أن يكون عفى عنه لأمر خاص به، ونظيره مسألة قضاء القاضي بشهادة الزور، ويجيء تقريرها في محلها، فقد ورد فيه أن بعضكم ألحن من بعض في حجته، فمن أقطع له من أخيه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من النار، فهذا أيضًا وصف باعتبار الجنس، ويمكن أن تتخلف عنه النارية، لأجل خصوص حكم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه يوصف بالنارية في الحالة الراهنة أيضًا، لا بمعنى تحقق هذا الوصف في خصوص هذا المقام. بل بمعنى تحققه في الجنس، والشيء قد يتصف باعتبار حاله في الجنس أيضًا، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، وصف للفاتحة باعتبار تحققها في جنس صلاة المصلي، لا باعتبار المقتدى خاصة، كما قررنا سابقًا فتذكره. أما مسألة قضاء القاضي، فيجيء بيانها في آخر الكتاب.
قوله: (بيانًا)(بي جائداد) وكذلك الخيار في الأراضي المفتوحة، إلى الإمام عندنا إن شاء قسمها بين الغانمين أيضًا، كالمنقولات. وإن شاء أمسكها.
قوله: (كما قسم خيبر) وفي أراضي خيبر تدافع بين كلامي صاحب "الهداية"، فكتب في السير أن خيبر كان قسم بين الغانمين، وفي المزارعة أنه كان فيه خراج المقاسمة، قلت: والأرض في خراج المقاسمة تكون لمن زرعها، فدل على أن أرضه لم تكن قسمت بينهم، بل كانت باقية على أملاك أهل خيبر، وأجاب عنه شيخ الهند أن أراضيه، وإن كانت لبيت المال، ولكنه عومل معهم كما يعامل مع المالكين، فحدثت صورة خراج المقاسمة، وحاصله أن خراج المقاسمة، لم يكن حقيقة بل صورة، وراجع التفصيل من "المبسوط".
قوله: (هذا قاتل ابن قوقل) وابن قوقل صحابي، وكان أبان قتله في الجاهلية.
قوله: (وبر) حيوان له صوف.
قوله: (قدوم الضأن) اسم جبل كان أبو هريرة يسكن عنده.