الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرّارا، فلما طاب الريح .. سافروا بهم إلى بلد الدينور (1)، فأقاما بها شهرين وثلاثة أيام، ثم خرجا منها إلى ظفار في رمضان من السنة المذكورة، فتوفي الشيخ مدافع بظفار، ورجع الشريف أبو الجديد إلى اليمن، فلم تطب له الجبال، فنزل تهامة، ثم تقدم إلى المهجم، فأقام بقرية المرجف من أعمال سردد مدة يسيرة يدرّس فيها، ثم سار إلى مكة المشرفة، وتوفي بها في سنة عشرين وست مائة.
2844 - [عبد الله ابن جديد]
(2)
عبد الله بن محمد بن أحمد بن جديد، وتقدم بقية نسبه الشريف في ترجمة أخيه علي المذكور قبله، كان عالما صالحا.
توفي بتريم، ولم أقف على تاريخ وفاته، غير أنها كانت قبل وفاة أخيه علي مقدم الذكر، وأظنه مات في هذه العشرين، أو التي قبلها (3).
قال الشريف علي بن أبي بكر باعلوي: (كان عبد الله المذكور من الأئمة العاملين، والأوتاد الكاملين)(4).
ولما توفي المذكور .. كتب الإمام محمد بن أحمد ابن أبي الحب الحضرمي رسالة إلى أخيه الإمام علي بن محمد ابن جديد على لسانه وعلى لسان السلطان عبد الله بن راشد يعزيانه بأخيه، ويحثه في الرجوع إلى حضرموت، وهي رسالة بليغة، أحببت ذكرها هنا؛ لأنها من عالم صالح إلى عالم صالح في عالم صالح رضي الله عنهم أجمعين وهي:
سلام على حضرة سيدنا الفقيه الأجل ورحمة الله وبركاته من أخ له مقيم على عهده، مستقيم على وده، لا يألو جهدا في المناصحة، ولا يفصم عروة المصالحة، يقيم كتابه [منه] مقام المصافحة، وخطابه [له] مقام المناوحة، يلاحظ بعين أفكاره على بعد داره، ويخاطبه بلسان تذكاره على شط مزاره (5)، فهو كالمشاهد بين عينيه، وإن كان غائبا عن
(1) في المصادر اختلاف في اسم هذا البلد، وقد تقدم ذكره (5/ 74).
(2)
«البرقة المشيقة» (ص 81)، و «المشرع الروي» (2/ 195)، و «شمس الظهيرة» (1/ 63)، و «تاريخ حضرموت» للحامد (2/ 708)، و «غرر البهاء الضوي» (ص 158).
(3)
في «المشرع الروي» (2/ 195) و «تاريخ حضرموت» للحامد (2/ 708): توفي سنة (608 هـ).
(4)
«البرقة المشيقة» (ص 81).
(5)
شط مزاره: بعد مزاره.
عينيه، ويرجو بذلك نفع إخوته، ورجاء بركته، وشمول دعوته، والانتظام في سلك أهل مودته، في يوم:{الْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ} جعلها الله تعالى اخوة صالحة لمرضاته، ومودة جامعة لطاعاته، نحمد إن شاء الله عاقبتها، ونجتني ثمرتها، ونحضر في حضرة القدس إن شاء الله تعالى.
وبعد:
أيها العلم الذي يهتدى بأنواره، والعالم الذي يقتدى بآثاره، والطّبّ الذي يستضاء بآرائه (1)، والطبيب الذي يستشفى بدوائه؛ فقد علمت ما كتب الله تعالى على العباد من الفناء، وأنه لا سبيل لمخلوق إلى البقاء، وإنما البقاء لخالق الأشياء، ومدبر القضاء، فأحسن الله عزاءك على فراق الشيخ الأجل عبد الله بن محمد، وجبر مصابك، وعظّم أجرك وثوابك، وإني لمعزيك به، وإنا المعزّون على فقده، والمصابون بوجده، فلقد ساءنا بعده، وأوحشنا فقده، وعظم علينا وجده، وأفل عنا سعده، وإن فجيعتنا به أعظم من فجيعتك، ولوعتنا به أشد من لوعتك، وروعتنا لفراقه أطم من روعتك، وكيف لا يكون ذلك وهو أليفنا في مكاننا، وشريفنا في زماننا، وهو أحد عبّادنا وأوتادنا (2)؟ ! ولقد كان نعم العون عند نزول النوائب، والمذخر لمخشي العواقب:[من الطويل]
وبالكره منا فقده وفراقه
…
ولكنّ خطب الدهر بالناس يوقع
وكنّا ذخرناه لكلّ ملمة
…
وسهم الرزايا بالذخائر مولع
فليعتقد سيدنا الفقيه الأجل أن مصابنا به مثل مصابه، ونرجو أن ثوابنا على فراقه مثل ثوابه، ونسأل الله الكريم البر الرحيم أن يرحمه رحمة واسعة، ويغفر له مغفرة جامعة، ويوسع عليه في ضريحه، ويفتح أبواب الجنة لروحه، وأن يخلفه في [أهل] بيته وأهل مودته بما خلف به عباده الصالحين، وأن يرفع درجته في عليين.
وبعد:
فإنه لم يكن أحوج منا إلى لقاء الحضرة العزيزة ومشافهتها، والتمتع بالأنس بطلعتها، وقد علم الله سبحانه بما في النفوس إليه من الاشتياق، وما تضمنت الأحشاء من الإقلاق، وإنا لنستدعي أوبته في كل زمان، ونتمنى عوده في كل أوان، وإن كل مسألتنا إلى
(1) الطب-بفتح الطاء-: الرجل الماهر بعلمه، وفي «المشرع الروي» (2/ 234):(واللبيب).
(2)
في «المشروع الروي» (2/ 234): (وهو أحد علمائنا، وأوحد عبّادنا، وأجلّ أوتادنا).