الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة الثالثة والخمسون
فيها: توفي إسماعيل بن حامد، عرف بالشهاب القوصي، والإمام المفتي المعمر ضياء الدين الكلبي الشافعي، كذا في «تاريخ اليافعي» ولم يسمه (1)، والنّظام البلخي محمد بن محمد الحنفي نزيل حلب، كان فقيها مفتيا بصيرا بالمذهب، وأبو الحجاج يوسف بن محمد الأنصاري أحد فضلاء الأندلس، وعلي بن معالي الرصافي.
وفيها: وقعت الفتنة بين عمر بن مسعود وأحمد بن لبيد، وأقبل أحمد ببني حنش (2)، واجتمعوا للقتال بين بور وقارة جشيب (3)، وهزم عمر ومن معه، وقتل خلق من البدو والقرار (4)، كذا في «تاريخ ابن حسان» (5).
***
السنة الرابعة والخمسون
في جمادى الآخرة منها: ظهرت نار بظاهر المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بواد يقال له: وادي أحيليين-بالحاء المهملة، وتكرير المثناة من تحت ثلاث مرات -في الحرة الشرقية تدب دبيب النمل إلى جهة الشمال، وتأكل ما أتت عليه من أحجار وجبال، ولا تأكل الشجر، وعلى عظمها وشدة ضوئها لم يكن لها حر، ومكثت أياما، وظن أهل المدينة أنها القيامة، وضجوا إلى الله تعالى، وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها بالليل على أسطحة البيوت، وهي التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى من أقصى الشام، فلما هابها أهل المدينة .. أرسل واليها الشريف منيف بن شيحة شخصين من أصحابه ليختبرا النار؛ هل أحد يقوى على القرب منها، فذهبا إليها، وقربا منها، فلم يجدا لها حرا، فأدخل أحدهما سهما له فيها، فأكلت النصل دون العود، ثم قلبه وأدخله فيها من جهة
(1) انظر «مرآة الجنان» (4/ 129)، واسمه: صقر بن يحيى بن سالم الحلبي. «شذرات الذهب» (7/ 450).
(2)
كذا في «تاريخ حضرموت» للحامد (2/ 663)، وفي «تاريخ حضرموت» للكندي (1/ 88):(حنيش)، وفي «جواهر تاريخ الأحقاف» (2/ 130):(حميش)، وفي «تاريخ شنبل»:(ص 95): (وقتل أحمد بن حبيش).
(3)
كذا في «تاريخ حضرموت» للحامد (2/ 663)، وفي «تاريخ شنبل» (ص 95):(جشير)، وفي «تاريخ حضرموت» للكندي (1/ 88) و «جواهر تاريخ الأحقاف» (2/ 131):(مسيب).
(4)
القرار: سكان المدن والقرى عكس البدو (لهجة حضرمية).
(5)
«تاريخ شنبل» (ص 95)، و «تاريخ حضرموت» للكندي (1/ 88)، و «تاريخ حضرموت» للحامد (2/ 663)، و «جواهر تاريخ الأحقاف» (2/ 130).
الريش، فأكلت الريش فحسب، وذكر بعضهم أن علة عدم أكلها للشجر كونه صلى الله عليه وسلم حرّم شجر المدينة.
قال الشيخ اليافعي: (وهذا الذي ذكره إنما يصح لو كان السهم المذكور متخذا من شجر حرم المدينة، ولم يعهد أن السهام تتخذ من الحرم المذكور، قال: والذي يظهر-والله أعلم -أن هذه النار لما كانت من آيات الله العظام .. جاءت خارقة للعادة، مخالفة في تأثيرها للنار المعتادة؛ فإن النار تأكل الخشب دون الحجر، فجاءت هذه على عكس تلك من أكل الحجر دون الخشب، وهذا أبلغ في العبر، وأقوى في الأثر) اه (1)
وكانت تذيب كل ما مرت عليه من الأحجار والجبال حتى يصير سدّا لا مسلك فيه لإنسان ولا دابة، حتى إنها سدت وادي الشطاه (2) بسد عظيم بالحجر المسبوك بالنار، حتى قال بعض المؤرخين في معرض التعظيم له: ولا كسد ذي القرنين طولا وعرضا وارتفاعا، وانقطع بسبب ذلك سيل وادي الشطاه، وانحبس دون السد المذكور، وكان يجتمع الماء خلفه حتى يصير بحرا مد البصر عرضا وطولا، كأنه نيل مصر في زيادته، ثم انخرق هذا السد من تحته في سنة تسعين وست مائة؛ لتكاثر الماء خلفه، فجرى في الوادي المذكور سنة كاملة ملأ ما بين جنبتي الوادي، ثم انخرق مرة أخرى في العشر الأول بعد السبع مائة، فجرى سنة كاملة وأزيد، ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبع مائة، وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة بالحجاز في تلك السنة، وكثر الماء وعلا من جانبي السد ومن دونه مما يلي الجبل وغيره، فجاء سيل طام لا يوصف، ومجراه ملاصق لقبة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قبلي جبل عنين بفتح العين المهملة، ومثناة من تحت بين نونين الأولى مكسورة.
قال الشيخ اليافعي: (ولعله الجبل الذي أمر صلى الله عليه وسلم الرماة أن يقفوا عليه، وحفر السيل المذكور واديا آخر قبلي الجبل المذكور، وبقيت القبة والجبل المذكوران في وسط السيل، وتمادت مدة جريه قريبا من سنة)(3).
وفي أول ليلة من شهر رمضان من السنة المذكورة: احترق المسجد الشريف النبوي بعد
(1)«مرآة الجنان» (4/ 132)، .
(2)
في «تاريخ الإسلام» (48/ 20): (الشظاه).
(3)
«مرآة الجنان» (4/ 133)، وانظر الحادثة في «ذيل مرآة الزمان» (1/ 5)، و «تاريخ الإسلام» (48/ 18)، و «مرآة الجنان» (4/ 131)، و «البداية والنهاية» (13/ 221)، و «شذرات الذهب» (7/ 454).
صلاة التراويح على يد فرّاش في الحرم يعرف بأبي بكر المراغي؛ لسقوط ذبالة من يده في المساق من غير اختيار منه، حتى احترق هو أيضا، واحترق جميع سقف المسجد الشريف، حتى لم يبق إلا السواري قائمة، وحيطان المسجد الشريفة، والحائط الذي بناه عمر بن عبد العزيز حول الحجرة الشريفة المجعول على خمسة أركان؛ لئلا يصلّى إلى الضريح الطاهر الشريف، ووقع ما ذكر من الحريق بعد أن عجز عن إطفائه كل فريق، فسقف في أيام المستعصم في سنة خمس وخمسين من تلك الحجرة الشريفة وما حولها من الحائط القبلي وإلى الحائط الشرقي إلى باب جبريل المعروف قديما بباب عثمان، ومن جهة المغرب إلى المنبر الشريف، ثم قتل الخليفة المستعصم في أول سنة ست وخمسين، فوصلت الآلات من مصر من صاحبها يومئذ الملك المنصور علي بن المعز الصالحي، ووصل أيضا من صاحب اليمن يومئذ الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول آلات وأخشاب، فعملوا إلى باب السلام المعروف قديما بباب مروان، ثم عزل صاحب مصر، وتولى مكانه مملوك أبيه سيف الدين قطز سنة ثمان وخمسين، فكان العمل في تلك السنة من باب السلام إلى باب الرحمة المعروف قديما بباب عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية، كانت لها دار مقابل الباب، فنسب إليها، ومن باب جبريل إلى باب النساء المعروف قديما بباب ريطة بنت أبي العباس السفاح، وتولى مصر آخر تلك السنة الملك الظاهر ركن الدين الصالحي، فعمل باقي أيامه في المسجد الشريف، وأرسل الملك المظفر صاحب اليمن في سنة ست وخمسين بمنبر عمله من الصندل، فوضع موضع منبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزل يخطب عليه إلى سنة ست وستين وست مائة، فأرسل الملك الظاهر ركن الدين الصالحي منبرا، فقلع منبر صاحب اليمن، وحمل إلى حاصل الحرم.
قال الشيخ اليافعي: (وهو باق إلى اليوم، ونصب منبر الظاهر مكانه) اه (1)
وقد احترق المنبران جميعا، الظاهري والمظفري في الحريق الكائن في سنة ست وثمانين وثمان مائة، كما سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء الله تعالى (2).
وفي السنة المذكورة-أعني سنة أربع وخمسين وست مائة-: زاد دجلة زيادة عظيمة
(1)«مرآة الجنان» (4/ 135).
(2)
انظر (6/ 497)، وانظر الحادثة في «ذيل مرآة الزمان» (1/ 10)، و «تاريخ الإسلام» (48/ 24)، و «مرآة الجنان» (4/ 134)، و «البداية والنهاية» (13/ 227)، و «وفاء الوفا» (2/ 598)، و «شذرات الذهب» (7/ 455).