الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3046 - [الكمال بن طلحة]
(1)
الكمال محمد بن طلحة النّصيبيني المفتي الشافعي.
كان رئيسا محتشما، بارعا في الفقه والخلاف، ولي الوزارة، ثم زهد وجمع نفسه.
وتوفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز السبعين سنة اثنتين وخمسين وست مائة، وله «دائرة الحروف» .
قال الشيخ اليافعي: (وابن طلحة المذكور لعله الذي روى عن السيد الجليل المقدار، الشيخ المشكور عبد الغفار، صاحب الزاوية في مدينة قوص.
قال: وأخبرني الرضي بن الأصمع قال: طلعت جبل لبنان، فوجدت فقيرا فقال لي:
رأيت البارحة في المنام قائلا يقول: [من الكامل]
لله درّك يا بن طلحة ماجدا
…
ترك الوزارة عامدا فتسلطنا
لا تعجبوا من زاهد في زهده
…
في درهم لما أصاب المعدنا
قال: فلما أصبحت .. ذهبت إلى الشيخ ابن طلحة، فوجدت السلطان الملك الأشرف على بابه وهو يطلب الإذن عليه، فقعدت حتى خرج السلطان، فدخلت عليه، فعرّفته بما قال الفقير، فقال: إن صدقت رؤياه .. فأنا أموت إلى أحد عشر يوما، فكان كذلك.
قال اليافعي: وكأنه أخذ هذا التعبير من حروف بعض كلمات النظم المذكور، وأظنها والله أعلم قوله:«أصاب المعدنا» ؛ فإنها أحد عشر حرفا، وذلك مناسب من جهة المعاني؛ فإن المعدن الذي هو الغنى المطلق والملك المحقق ما يلقونه من السعادة الكبرى والنعمة العظمى بعد الموت) (2).
3047 - [الفقيه المقدم محمد بن علي]
(3)
الفقيه الإمام العالم الجليل، ذو المجد الأثيل، والمنح الجزيل، والمناصب العالية،
(1)«سير أعلام النبلاء» (23/ 293)، و «تاريخ الإسلام» (48/ 134)، و «العبر» (5/ 213)، و «الوافي بالوفيات» (3/ 176)، و «مرآة الجنان» (4/ 128)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 63)، و «المقفى الكبير» (5/ 753)، و «شذرات الذهب» (7/ 447).
(2)
«مرآة الجنان» (4/ 128).
(3)
«الجوهر الشفاف» (1/ 77)، و «البرقة المشيقة» (ص 49) و (ص 95)، و «غرر البهاء الضوي» (ص 200)، و «المشرع الروي» (2/ 2).
والأنوار المتلالية، والأحوال الصادقة، والكرامات الخارقة، والمقامات السامية، والبركات النامية، قدوة العارفين، ومرشد السالكين، الشريف الحسيب النسيب، محمد بن علي بن محمد بن علي بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيد الله-ويقال له:
عبد الله أيضا-ابن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
اشتغل في شبيبته بالعلم، فقرأ في بلده تريم على الإمام علي بن أحمد بن سالم أبي مروان، ولازمه حتى فاق في العلم أهل زمانه، وتقدم على أقرانه، وقرأ بتريم أيضا على الإمام عبد الله بن عبد الرحمن بن عبيد وغيرهما.
ثم حصلت له إشارة ربانية، وجذبة رحمانية، فاشتغل بالله في السر والعلانية، وأقبل على العبادة القلبية والبدنية حتى ظهرت عليه أمارات السعادات، وبدت منه أحوال أهل الإرادات، فكان يلقب بمفتي الفريقين، وقدوة أهل الطريقين، وكان أهل بلدة تريم إذ ذاك أهل علم وورع وزهد، وتمسك بالعلم الشرعي والعمل به، ولم يكن لهم في ذلك الزمان من يعرف طريق الصوفية، ولا من يكشف عن أحوالهم، فالفقيه محمد بن علي المذكور أول من تصوف، وأول من استعمل السماع من أهل باعلوي، بل من أهل بلدة تريم.
قال الخطيب: (ذكر أن رجلا من أهل الصلاح يقال له: الفضل وصل من دمشق إلى حضرموت، فقال للفقيه محمد بن علي: إنه لا يفك قفل قلبك إلا الشيخ عبد الرحمن المقعد، وكان الشيخ المقعد إذ ذاك بمكة، فسار الفقيه محمد بن علي قاصدا نحوه، فبلغه خبر وفاته في أثناء الطريق، فرجع إلى تريم.
وكان الشيخ عبد الرحمن المذكور من كبار تلامذة الشيخ أبي مدين، وكان شيخه أبو مدين قد أمره بالسفر إلى حضرموت وقال له: إن لنا فيها أصحابا، فسر إليهم، وخذ عليهم عقد التحكيم ولبس الخرقة-أو كما قال له-وإنك لا تصل إليهم، بل تموت في أثناء الطريق، وترسل إليهم من يأخذ عليهم، فسافر الشيخ عبد الرحمن طالبا حضرموت، فمات في أثناء الطريق، فلما حضرته الوفاة .. أمر تلميذه الشيخ الصالح عبد الله المغربي بالمسير إلى حضرموت وقال له ما قال شيخه أبو مدين، وفي رواية أنه قال له أيضا: اذهب إلى حضرموت تجد فيها الفقيه محمد بن علي باعلوي عند الفقيه علي بن أحمد أبي مروان يستقي منه طارحا سلاحه عند رجليه، فاغمزه من عند الفقيه وحكمه، واذهب إلى قيدون تجد فيها سعيد بن عيسى فحكمه.
قال في الشيخ عبد الله المغربي المذكور: وكان من أولاد ملوك أرض الغرب، فآثر سلوك هذه الطريقة، ففتح له حتى كان من كبار المشايخ.
قال الشيخ عبد الله: فلما وصلت تريم .. وجدت الشيخ محمد بن علي كما قال الشيخ عبد الرحمن، فغمزته وحكمته، وما شاور شيخه أبا مروان، فلما رجع إليه وفي رأسه الخرقة .. اغتاظ عليه وقال له: رجوناك إماما مثل ابن فورك، فتركت صحبتنا، ورجعت إلى زي الصوفية-أو كما قال أبو مروان-وهاجره شيخه أبو مروان إلى أن توفي.
ويقال: إن الشيخ عبد الله المغربي قال للشيخ محمد بن علي باعلوي: أي لؤلؤة عجماء لو ثقبت؟ ! فقال الشيخ محمد: وما الثقب؟ قال: التحكيم، فانخلع الشيخ محمد عما هو عليه من زي الفقهاء، وترك صحبتهم، وتحكم للشيخ عبد الله، ولبس منه الخرقة، وأقبل على الله بكليته، في سره وعلانيته.
ولما قصد الشيخ سفيان اليمني حضرموت لزيارة النبي هود عليه الصلاة والسلام .. دخل تريم، واجتمع به الشيخ محمد بن علي، وأخذ عنه، فحصل للشيخ محمد مع الشيخ سفيان زيادة تأديب وتهذيب وتقريب، ثم رجع الشيخ سفيان إلى عدن، وكان الشيخ محمد يكاتبه ويراجعه فيما يرد عليه من العلوم اللدنية، والفتوحات الإلهية، فكتب إليه الشيخ سفيان مرة في بعض أجوبته: هذا شيء لم تبلغه أحوالنا فنصفه لك.
وحكي عن الشيخ إبراهيم بن يحيى بن أبي فضل قال: اشتهر بحضرموت ثلاثة رجال بالصلاح: الشيخ الكبير الفقيه محمد بن علي المذكور، والشيخ عبد الله بن إبراهيم بن أبي قشير، ورجل غريب يظهر أشياء تعرف وتنكر، فدخلت على الشيخ أبي الغيث بن جميل ببيت عطاء لأسأله عن أحوال هؤلاء الثلاثة، فبدأني بالكلام قبل أن أسأله وقال: جئت تسأل عن الشيخ محمد بن علي والشيخ عبد الله ابن أبي قشير ورجل غريب؟ قلت: نعم، قال: أما الشيخ محمد بن علي .. فما وصلنا درجته حتى نصفها لك، وأما أبو قشير .. فمن الصالحين، وأما الغريب .. فهو على صفة غير محمودة، نسأل الله العفو والعافية) (1).
وللفقيه محمد بن علي المذكور كرامات كثيرة شهيرة في حياته وبعد مماته، فمن أراد ذلك .. فعليه بكتاب الخطيب (2).
(1)«الجوهر الشفاف» (79 - 85).
(2)
انظر «الجوهر الشفاف» (77 - 109).
وأخذ عنه وانتفع به وقرأ على يده جمع كثير، وجم غفير، منهم المشايخ الأجلاء الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن با عبّاد، والشيخ سعيد بن عمر بالحاف، والشيخ عبد الله بن إبراهيم بن أبي قشير، وقد أشار إلى ذلك الفقيه ابن حسان بقوله:[من الطويل]
بصحبته سر السراية قد سرى
…
لعبّادهم بحر المكارم زاخر
وقامع نفس بالرياضة حبذا
…
قشيريهم قل في لحاف فظافر
من أبيات يمدح بها الشيخ محمد بن علي المذكور.
وورد عليه حال في آخر عمره أخذه عن حسه، فمكث مائة ليلة لا يأكل ولا يشرب ولا يصلي، وكان الفقيه يخبر في تلك الغيبة بأشياء وعجائب من أخبار البلاد البعيدة والأمور المغيبة؛ أخبر بأنه يقع غرق ببغداد، وأن الخليفة يقتل، وقال: إن البحر انفجر، فحصل بحضرموت سيل عظيم-وهو الذي يسمى جاحشا-أخرب كثيرا من البلاد، وأخذ كثيرا من الناس.
فلما طالت غيبته على أهله .. طالبوه أن يأكل شيئا، فلما كان آخر يوم من عمره ..
أكرهوه على إيلاج شيء من الطعام إلى بطنه، فلما ولج الطعام بطنه .. سمعوا هاتفا يقول:
أنتم ضجرتم منه، نحن نقبله، وفي رواية أخرى: لما أحس بالطعام .. فتح عينيه وقال:
ضجرتم مني.
وتوفي رحمه الله ليلة الأحد آخر ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وست مائة.
وكان رحمه الله شديد التواضع، كثير الخمول، باذل نفسه، حتى إنه يحمل السمك في كفه من السوق إلى أهله.
وكان يستغل من نخله نحو عشرة آلاف قهاول، وينفقه كله في سبيل الله، ولا يدخر منه شيئا، وكان يجلس ضيفه على زير التمر يأكل منه حاجته، يفعل ذلك؛ لالتماس البركة من أيدي المسلمين، ولما ورد:«أن الله يستحيي أن يحاسب على سؤر الضيف» قيل: ولو كان حراما.
وكان رحمه الله إذا ورد عليه الحال .. ينشد هذه الأبيات: [من الطويل]
ودادك بحر والقلوب شفاشف
…
وشوقك موج والبحار عواصف
وأنت دليل القلب في لجج الهوى
…
ومنقذه إن قابلته المتالف
فكن لي يا مولاي عزا وناصرا
…
لعبد ذليل في هواك موالف