الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المظفر، واجتهد عليه، وببركة تعليمه كان المؤيد من أعيان الرجال عقلا ونبلا، وكان له جاه عريض.
وتوفي سنة إحدى وثمانين وست مائة.
3281 - [الأمير شمس الدين العنسي]
(1)
الأمير شمس الدين أبو الحسن علي بن يحيى العنسي-بنون ساكنة بين عين وسين مهملتين، نسبة إلى عنس، قبيلة كبيرة من مذحج-أصل بلده المكنّة-بفتح الميم والكاف، والنون المشددة، ثم هاء-قرية من بلد صهبان.
وكان جوادا مقصودا، قلّما قصده قاصد فخيبه، يحب الفقهاء والفضلاء والصالحين، ويتواجد بهم، ويتأدب معهم، ويقبل شفاعتهم، وإذا تكلم أحد على فقيه في مجلس السلطان بسوء .. كذبه، ورد عليه، وقد قدمنا في العشرين قبل هذه قصته مع الفقيه عثمان بن يحيى بن فضل (2).
ولما ابتنى المنصور مدرسته بالجند .. استدعى الفقيه أبا بكر بن ناصر من الذّنبتين، فأمره أن يدرس بها فاعتذر، وقال له: أتبيعنا كتبك؟ قال: لا، قال: فتخرج من بلادنا؟ قال: نعم، ثم ولى خارجا عازما على ذلك، وكان ذلك بحضرة الأمير علي بن يحيى، فقال الأمير علي بن يحيى: يا مولانا؛ رجل علامة عصره، مثله يطلب من أقاصي البلاد وأنت تخرجه من بلادك! قال: فما وجد لنا جوابا غير لا، قال: يا مولانا؛ إن أشق ما على الفقيه بيع كتبه، فرأى أنك قد سألته أمرا عظيما، فأجاب بأشق جواب، فأمر المنصور برد الفقيه وقال له: قف في بيتك، فما لأحد عليك تعرض، وادع لنا.
وكان بناحية بلد بني حبيش عبد الله القرين، وكان من الفقهاء الصالحين، يصحب الأمير، ويذكره بالخير، ويدعو له، فعوتب على ذلك وقيل له: هذا رجل يرتكب المحرمات؟ ! فقال: إن دخل علي بن يحيى النار .. فإنها صحبة حمار ابن حمار، والله لا مات إلا طاهرا مطهرا، فقيل له: وما تطهيره؟ فقال: القيد والحبس، فلما تم على الأمير ما سيأتي ذكره .. علم صدق الفقيه.
(1)«السمط الغالي الثمن» (ص 276)، و «السلوك» (1/ 402)، و «العقود اللؤلؤية» (1/ 224)، و «طراز أعلام الزمن» (2/ 370)، و «تحفة الزمن» (1/ 327)، و «المدارس الإسلامية» (ص 142).
(2)
انظر (5/ 301).
وكان للأمير علي بن يحيى عند المنصور مكانة؛ لكون المنصور ابن عمته، وقيل: ابن خالته، فلما توفي المنصور، وولي ابنه المظفر، ولزم ابن عمه فخر الدين أبا بكر بن الحسن بن علي بن رسول .. شق ذلك على الأمير علي بن يحيى، وكان يميل إلى أولاد عم المظفر أسد الدين وفخر الدين المذكور، فكتب الأمير علي بن يحيى إلى أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول يحثه على القيام على المظفر واستنقاذ أخيه فخر الدين من الأسر أبياتا يقول فيها:[من الكامل]
لو كنت تعلم يا محمد ما جرى
…
لشننتها شعث النواصي ضمّرا
ترمي بها دربي تعزّ على الوجى
…
لتنال مجدا أو تشيد مفخرا
جردا تراها في الأعنة شزّبا
…
تفري السّباسب واليباب المقفرا
قدها عرابا من يريم ومرخة
…
ودثينة حقّا ودع عنك المرا
واجنح إلى الملك المفضل لذ به
…
شاوره فيه وقل له ماذا ترى
أضحى ابن أمك في القيود مكبلا
…
حاشا لمثلك أن تنام ويسهرا
لا بد أن تنجي أخاك حقيقة
…
منها وإما أن تموت فتعذرا
إن ابن برطاس تمكن فرصة
…
آه على موت يباع فيشترى
صح يا لحمزة يأت واخصص أحمدا
…
لتخصّ من بين النجوم الأزهرا (1)
واتصل علم ذلك بالمظفر، وأضمرها في نفسه، وتغافل عنه، وأبقاه على ما يعتاده في أيام المنصور من الإعزاز والإكرام، ولم يزل ينقل عنه إلى المظفر ما لا يحسن نقله من صحيح وغيره، فلما كان سنة ثمان وخمسين، وحصل الخلاف من أسد الدين على ابن عمه المظفر بصنعاء .. أمر المظفر الأمير علي بن يحيى أن يطلع إلى صنعاء، ويسعى في الصلح بينه وبين ابن عمه أسد الدين؛ لما يعلم بينهما من الود، وأرسل معه الشيخ عبد الله بن عباس، فنزل أسد الدين صحبة الأمير علي بن يحيى والشيخ عبد الله بن عباس إلى زبيد والمظفر يومئذ بها، فأنزل أسد الدين في دار أبيه، فوقف بها بعض يوم، ثم استدعى به وبالأمير علي بن يحيى وقيدهما، وبعث بهما إلى حصن تعز في سنة ثمان وخمسين كما
(1) في هامش (ت): (يريد-والله أعلم-الأمير أحمد بن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة، وآل حمزة كل من ينسب إلى جده حمزة المذكور).