المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في صفة جهنم - كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح - جـ ٥

[الصدر المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق]

- ‌باب النفخ في الصور

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحشر

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحوض والشفاعة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب صفة الجنة وأهلها

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب رؤية الله تعالى

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب صفة النار وأهلها

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب خلق الجنة والنار

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم السلام

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌[كتاب الفضائل والشمائل

- ‌باب فضائل سيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب المبعث وبدء الوحي

- ‌من الصحاح

- ‌باب علامات النبوة

- ‌من الصحاح

- ‌فصل في المعراج

- ‌من الصحاح

- ‌فصل في المعجزات

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الكرامات

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الهجرة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب

- ‌من الصحاح

- ‌كتاب المناقب

- ‌باب في مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب العشرة رضي الله عنهم أجمعين

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب جامع المناقب

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب ثواب هذه الأمة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني عن أحاديث المصابيح

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في صفة جهنم

قلت: رواه أبو داود في السنة والترمذي في صفة جهنم والنسائي في الإيمان والنذور كلهم من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح.

وحفها بالمكاره: أي أحدقها بها. (1)

‌باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم السلام

‌من الصحاح

4571 -

قال إني كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال:"اقبلوا البُشرى يا بني تميم"، قالوا: بشّرتناه فأعطنا، ندخل أناس من أهل اليمن، فقال:"اقبلوا البُشرى يا أهل اليمن! إذ لم يقبلها بنو تميم"، قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر: ما كان؟ قال: "كان الله ولم يكن شيءٌ قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء". ثم أتاني رجل، فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، وايم الله، لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم.

قلت: رواه البخاري في مواضع منها المغازي والتوحيد بألفاظ متقاربة الترمذي في المناقب والنسائي في التفسير كلهم عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين يرفعه (2) ومعنى الحديث: "إن الله تعالى هو الأول قبل كل شيء ولا شيء قبله وإن أول ما أبدعة من الأجسام: العرش، والماء وسائر الأجسام متأخرة عنها في الحدث والوجود".

(1) أخرجه أبو داود (4744)، والترمذي (2560) والنسائي (7/ 3) وإسناده حسن، وصححه كذلك الحاكم (1/ 26). ووافقه الذهبي.

(2)

أخرجه البخاري (3190)(3191)(7418)، والترمذي (3951)، والنسائي في الكبرى (11240).

ص: 92

4572 -

قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه.

قلت: رواه البخاري في بدء الوحي من حديث طارق بن شهاب عن عمر. (1)

4573 -

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: أن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش".

قلت: رواه البخاري في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في النعوت من حديث أبي هريرة (2) واللفظ للبخاري.

قال العلماء: غضب الله ورضاه يرجعان إلى معنى الإرادة، فإرادته الإثابة للمطيع، ومنفعة العبد تسمى رضا الله وإرادته، عقاب العاصي، وخذلانه يسمى غضبًا، وأراد به تعالى صفة له قديمة يريد بها جميع المرادات (3)، قالوا: والمراد بالسبق هنا كثرة الرحمة وشمولها، كما يقال: غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثر منه (4).

(1) أخرجه البخاري (3192).

(2)

أخرجه البخاري (7554)، ومسلم (2751)، والنسائي في الكبرى (7750).

(3)

هذه تأويلات باطلة، لا موجب لها من عقل أو نقل، والواجب هو إثبات صفة الغضب والرضا لله عز وجل على ظاهرهما كما تليق بجلاله سبحانه، ولا يلزم من إثباتها شيء مما يلزم في حق المخلوقين، أي من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وأثبت الله لنفسه صفة الغضب في قوله {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] وفي قوله {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93]، وقال:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8] وقال أبو معمر القطيعي: "من زعم أن الله لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يغضب، ولا يرضى، فهو كافر بالله، إن رأيتموه على بئر واقفًا فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل لأنهم كفار". أخرجه العكبري في المختار من الإبانة (3/ ت 101)، بإسناد صحيح. والمزي في تهذيب الكمال (2/ 22). وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6/ 123 - 124).

(4)

انظر: المنهاج للنووي (17/ 107).

ص: 93

4574 -

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم".

قلت: رواه مسلم في أواخر الكتاب ولم يخرجه البخاري (1) ولما خلقت الملائكة من نور كانوا خيرًا محضًا، والجان لما خلقوا من مارج من نار أي من شواظ ذي لهب وإيقاد ودخان كانوا شرًّا محضًا، والخير فيهم قليل، ومعنى قول صلى الله عليه وسلم "مما وصف لكم" مما ذكره في كتابه سبحانه وتعالى أي من تراب صير طينًا كما أخبرنا به تعالى في غير موضع من كتابه، وفي الخبر أن الله تعالى لما أراد خلق آدم أمر من قبض قبضة من جميع أجزاء الأرض فأخذ من حزنها وسهلها وأحمرها وأسودها فجاء ولده كذلك.

4575 -

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما صوّر الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف، عرف أنه خلق خلقًا لا يتمالك".

قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث ثابت عن أنس بن مالك (2).

ويطيف به قال أهل اللغة: طاف بالشيء يطوف طوفًا وأطاف يطيف إذا استدار حوله، والأجوف: صاحب الجوف قوله صلى الله عليه وسلم: لا يتمالك "أراد جنس بني آدم"، لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل غير ذلك، وآدم صلوات الله عليه معصوم، وإنما المراد ذريته إذ هم مخلوقون كهو.

4576 -

قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير البرية، فقال:"ذاك إبراهيم".

قلت: رواه مسلم في المناقب وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير وكذلك النسائي في التفسير ولم يخرجه البخاري. (3)

(1) أخرجه مسلم (2996).

(2)

أخرجه مسلم (2611).

(3)

أخرجه مسلم (2369)، وأبو داود (4672)، والترمذي (3352)، والنسائي في الكبرى (11692).

ص: 94

والبرية: الخلق، قال العلماء: إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعًا واحترامًا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم لخلته وأبوته، وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل، وقيل غير ذلك من التأويلات وهذا التأويل أحسن.

4577 -

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم".

قلت: رواه الشيخان كلاهما في أحاديث الأنبياء من حديث المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. (1)

والقدوم: اتفقت رواة مسلم على تخفيفه، ووقع في روايات البخاري الخلاف في تشديده وتخفيفه، قالوا: وآلة النجار يقال لها: قدوم بالتخفيف، وأما القدوم مكان بالشام ففيه التخفيف والتشديد فمن رواه بالتشديد أراد القرية، ورواية التخفيف تحتمل القرية والآلة، والأكثرون على التخفيف وإرادة الآلة، ورواية وهو ابن ثمانين سنة "هي الصحيحة، ووقع في الموطأ وهو ابن مائة وعشرين سنة" موقوفًا على أبي هريرة، قال النووي (2): وهو متأول أو مردود.

4578 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في ذات الله، قوله:{إني سقيم} وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} وقال: بينما هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ههنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة، فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي فإنك أختي في الإسلام، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأرسل إليها، فأتى بها، وقام إبراهيم يصلي، فلما دخلت عليه، ذهب يتناولها بيده، فأخذ -ويُروى فغُظّ- حتى ركض برجله، فقال: أدعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، ثم تناولها الثانية، فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك،

(1) أخرجه البخاري (3356)(6298)، ومسلم (2370).

(2)

انظر: المنهاج (15/ 178).

ص: 95

فدعت الله فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيما؟ فقالت: ردّ الله كيد الكافر في نحره، وأخدم هاجر". قال أبو هريرة:"وتلك أمكم يا بني ماء السماء".

قلت: رواه الشيخان: البخاري في أحاديث الأنبياء وفي باب شراء المملوك من الحربي وعتقه وهبته ومسلم في المناقب ولفظ المصابيح (1) إلى البخاري في أحاديث الأنبياء أقرب، والذي نعتقده ويجب اعتقاده أن الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر لا يجوز عليهم الكذب فيما يتعلق بالتبليغ ولا في غيره، وإبراهيم صلوات الله عليه ورّى بما قاله، وسمي كذبًا باعتبار الظاهر الذي يسمعه ولا يفهم التورية، والكذب أيضًا قد يكون واجبًا بل قد يكون الكذب تركه كفر، كما إذا دلّ من يريد قتل نبي أو إتلاف مصحف على موضعهما.

والغط: بالغين المعجمة والطاء المهملة هو العصر الشديد والكبس.

"ومهيما" رواية البخاري ورواية مسلم مهيم بفتح الميم والياء وإسكان الهاء بينهما أي ما شأنك؟ وما خبرك؟.

وهاجر: يقال فيها: آجر بمد الألف، والخادم: يقع على الذكر والأنثى.

وبنو ماء السماء: قيل: هم العرب كلهم لخلوص نسبهم وصفائه، وقيل: لأن أكثرهم أصحاب مواش وعيشهم مما أنبتت من السماء وقيل: المراد الأنصار لأن في أجدادهم من يعرف بماء السماء (2).

4579 -

قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: "أكرمهم عند الله أتقاهم"، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال:"فأكرم الناس: يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله"، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: "فعن معادن العرب

(1) أخرجه البخاري (3358)، ومسلم (2371).

(2)

انظر: المنهاج للنووي (15/ 182).

ص: 96

تسألونني؟ ". قالوا: نعم، قال: "فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا".

قلت: رواه الشيخان والبخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب (1) وقد تقدم هذا الحديث في المفاخرة والعصبية.

"وفقهوا" بضم القاف على المشهور وحكي كسرها أي صاروا فقهاء علماء عالمين بالأحكام الشرعية الفقهية.

4580 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".

قلت: رواه البخاري في سورة يوسف من حديث ابن عمر. (2)

4581 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى} ويرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الداعي".

قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب من حديث أبي هريرة (3) وقد اختلف العلماء في معنى قوله: نحن أحق بالشك من إبراهيم وأصحها: ما قاله أبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي، وجماعات من العلماء: أن الشك مستحيل في حق إبراهيم: فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقًا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم لم يشك، وإنما خص إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأن الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك وإنما رجح إبراهيم عليه السلام على نفسه صلى الله عليه وسلم تواضعًا وأدبًا، أو قيل: إنه يعلم أنه صلى الله عليه وسلم خير ولد آدم.

(1) أخرجه البخاري (3353)(4689)، ومسلم (2378).

(2)

أخرجه البخاري (3382).

(3)

أخرجه البخاري (3372)، ومسلم (2370) وبرقم (151).

ص: 97

وأما سؤال إبراهيم: فذكر العلماء في سببه [أوجها:] أظهرها: على ما اختاره النووي وجماعة أنه أراد الطمأنينة بعلم كيفية الإحياء مشاهدة بعد العلم بها استدلالًا، والثاني: أنه أراد اختيار منزلته عند ربه في إجابة دعائه وعلى هذا معنى قوله: {أو لم تؤمن} أي تصدق بعظم منزلتك عندي، واصطفائك وخلتك.

والثالث: سؤال زيادة اليقين وإن لم يكن الأول شكًّا، فسأل الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين.

قوله: يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، الركن الشديد: هو الله تعالى فإنه أشد الأركان وأقواها ومعنى الحديث: أن لوطًا لما خاف على أضيافه، ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين، ضاق ذَرْعُه واشتد حزنه فقال في ذلك الحال: لو أن لي [بكم] قوة في الدفع بنفسي، أو آوي إلى عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط صلى الله عليه وسلم إظهار العذر عند أضيافه، ولم يكن ذلك إعراضًا منه صلى الله عليه وسلم عن الاعتماد على الله تعالى.

قوله: "لو لبثت في السجن" إلى آخره .. فيه بيان لفضيلة يوسف عليه السلام وقوة نفسه في الخير، وكمال صبره وحسن نظره، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه ما قاله تواضعًا وإيثارًا للإبلاغ في كمال فضيلة يوسف صلى الله عليه وسلم والله أعلم (1).

4582 -

قال: "إن موسى كان رجلًا حييًّا ستيرًا، لا يُرى من جلده شيء استحياءً، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما بَرَص أو أدرة، وإن الله أراد أن يبرئه، فخلا يومًا وحده ليغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففرّ الحجر بثوبه فجَمَحَ موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر! ثوبي يا حجر! ثوبي يا حجر! حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وقالوا: والله ما بموسى من بأس! وأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضربًا، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه: ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا".

(1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 241 - 243).

ص: 98

قلت: رواه الشيخان في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب من حديث أبي هريرة (1) وبقية الحديث فذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا} .

"والأدرة": بالضم نفخة بالخصية، يقال: رجل آدر بين الأدَر بفتح الهمزة المدودة والدال المهملة (2).

"وجمح" ذهب مسرعًا ومعنى " ثوبي حجر": دع ثوبي يا حجر، وطفق بالحجر ضربًا: أي جعل يضرب الحجر ضربًا وهو بفتح الفاء وكسرها.

والندب: بفتح النون والدال وأصله أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.

4583 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أيوب يغتسل عريانًا فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك".

قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء والنسائي (3) وعنده: بركاتك، كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه مسلم.

"وخر": قال في النهاية (4): "خر" خر يخر بالضم وبالكسر إذا سقط من علو، وخر الماء يخر بالكسر.

و"يحتثي في ثوبه" أي يصب فيه، يقال: حثا يحثو حثوًا ويحثي حثيًا.

4584 -

قال: استبّ رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين، وقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده -عند ذلك- فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما

(1) أخرجه البخاري (3404)، ومسلم (155).

(2)

انظر: النهاية (1/ 31).

(3)

أخرجه البخاري (279)، والنسائي (1/ 200).

(4)

انظر النهاية لابن الأثير (2/ 21).

ص: 99

كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم، فسأله عن ذلك؟ فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تخيّروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأصعق معهم، فأكون أول من يُفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري: كان فيمن صَعِق فأفاق قبلي، أو كان فيمن استثنى الله".

قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها في كتاب الخصومات وفي التوحيد ومسلم في المناقب (1) ولم يقل مسلم: فأصعق معهم، إنما هي في البخاري، وروى الحديث أبو داود في السنة والنسائي في التفسير كلهم من حديث أبي هريرة، "والصعق": والصعقة الهلاك والموت: يقال: صعق الإنسان بفتح الصاد وحكي ضمها وهو ضعيف.

قال القاضي (2): وهذا من أشكل الأحاديث، لأن موسى صلوات الله وسلامه عليه قد مات فكيف تدركه الصعقة، وإنما تصعق الأحياء.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ممن استثنى الله" يدل على أنه كان حيًّا، ولم يأت أن موسى رجع إلى الحياة، ولا أنه حي كما جاء في عيسى عليه السلام، قال القاضي (3): يحتمل أن تكون هذه الصعقة صعقة فزع بعد بعث حين تنشق السماء، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:"فأفيق" لأنه إنما يقال: أفاق من الغشي، وإنما الموت فيقال: بعث منه، وصعقة الطور لم تكن موتًا، وباطش بجانب "العرش" أي متعلق به بقوة، والبطش الأخذ القوي الشديد.

- وفي رواية: "فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور، أو بعث قبلي؟ ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن مَتّى".

قلت: رواها الشيخان من حديث أبي هريرة (4).

(1) أخرجه البخاري في الخصومات (2411)، في التوحيد (7472)، ومسلم (2373).

(2)

انظر: إكمال المعلم (7/ 356).

(3)

انظر: المصدر السابق (7/ 357).

(4)

أخرجه البخاري (2411)(3408)، ومسلم (2373).

ص: 100

- وفي رواية: "لا تخيروا بين الأنبياء".

قلت: رواه البخاري في مواضع منها في التفسير وفي الديات ومسلم في الفضائل وأبو داود في السنة (1) كلهم من حديث يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري وكذا عزاه للصحيحين الحميدي والإمام عبد الحق وعزاه ابن الأثير في جامع الأصول (2) في كتاب الفضائل لرواية أبي داود خاصة والظاهر أنه وهم.

4585 -

وفي رواية: "لا تفضلوا بين أنبياء الله".

قلت: رواها الشيخان من حديث أبي هريرة يرفعه في حديث لطمة اليهودي (3).

4586 -

قال صلى الله عليه وسلم: "ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى".

رواه الشيخان: البخاري في التوحيد في أواخر الصحيح، من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه قال: لا ينبغي لعبد أن يقول إنه خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه ورواه مسلم في المناقب ولم يذكر فيه فيما يروي عن ربه ورواه أبو داود في السنة. (4)

4587 -

قال صلى الله عليه وسلم: "من قال: أنا خير من يونس بن متى، فقد كذب".

قلت: رواه البخاري في الصدقات من حديث أبي هريرة (5).

قال العلماء: هذه الأحاديث تحتمل وجهين أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك: قبل أن يعلم أنه أفضل ولد آدم، والثاني: أنه قال هذا زجرًا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حط مرتبة يونس عليه السلام، والضمير في قوله صلى الله عليه وسلم "أنا خير من يونس" راجع إلى

(1) أخرجه البخاري (4638)، (2412)، (6916)، ومسلم (2374)، وأبو داود (4668).

(2)

انظر: جامع الأصول (8/ 524).

(3)

أخرجه البخاري (3414)، ومسلم (2373).

(4)

أخرجه البخاري (7539)، ومسلم (2377)، وأبو داود (4669).

(5)

أخرجه البخاري (4604).

ص: 101

النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: يعود إلى القائل أي لا يقول ذلك بعض الجاهلين المجتهدين في عبادة أو علم أو غير ذلك (1).

4588 -

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغلام الذي قتله الخضر، طبع كافرًا، ولو عاش، لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا".

قلت: رواه البخاري في القدر وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير وحديثهما أتم، كلهم من حديث أبي هريرة. (2)

4589 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سمي الخضر، لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء".

قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ولم يخرجه مسلم. (3)

والفروة: بالفاء والراء المهملة قال ابن الأثير (4): هي الأرض اليابسة، وقيل: الهشيم اليابس من النبات، وخضراء: على وزن فعلاء ومنهم من رواه خضرًا بالتنوين أي نباتًا أخضر ناعمًا.

4590 -

قال: جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله -تعالى- فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد الله تعالى عليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" [والله] لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر".

(1) انظر: المنهاج للنووي (15/ 193 - 194).

(2)

أخرجه مسلم (2661)، وأبو داود (4705)، والترمذي (3150).

(3)

أخرجه البخاري (3402).

(4)

انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 441).

ص: 102

قلت: رواه الشيخان: واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة، البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في (1) الفضائل، ولم يقل البخاري فقأ عينه، بل قال: فلما جاء، صكه فرجع إلى ربه

الحديث.

قوله: ثم مه، هي هاء السكت، وهو استفهام أي ماذا يكون: أحياة أم موت؟ والكثيب: الرمل المستطيل المحدودب، ومعنى أجب ربك: أي للموت، وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة، فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم، قال المازري (2): وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث وأنكر تصوره، قالوا: كيف يجوز على موسى ذلك؟ وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة منها: أنه لا يمتنع أن يكون قد أذن له في هذه اللطمة امتحانًا للملطوم، والثاني: هذا من أمر المجاز، والمراد أن موسى ناظره وحاجه فغلبه، والثالث: أنه لم يعلم أنه ملك من عند الله تعالى وظن أنه رجل قصده يريد نفسه، فدافعه عنها، فأدت المدافعة إلى ذلك، ثم جاءه ثانيًا بأمارة علمها فاستسلم.

4591 -

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره".

قلت: رواه البخاري في المناقب والنسائي في الصلاة كلاهما من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (3)

4592 -

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عُرض عليّ الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال، كأنه من رجال أزد شُنوءة، ورأيت عيسى بن مريم، فإذا أقرب من رأيت به شبهًا: عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم، فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم -يعني: نفسه- ورأيت جبريل، فإذا أقرب، من رأيت به شبهًا دحية بن خليفة".

(1) أخرجه البخاري (1339)، ومسلم (2372).

(2)

انظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 132 - 133)، والمنهاج للنووي (15/ 186 - 187).

(3)

أخرجه مسلم (2375)، والنسائي (3/ 215).

ص: 103

قلت: رواه مسلم في الإيمان والترمذي في المناقب كلاهما من حديث أبي الزبير عن جابر (1) ولم يخرجه البخاري وقال الترمذي: حسن صحيح.

وضرب من الرجال: هو بإسكان الراء قال ابن الأثير (2): هو الخفيف اللحم المستدق.

وشنوءة قبيلة من اليمن يقال لهم: أزد شنوءة بشين معجمة مفتوحة ثم نون ثم واو ثم همزة سموا لذلك لتباعدهم عن الأدناس لعلهم لقبوا بذلك لطهارة نسبهم وحسن مشربهم وأفعالهم (3).

ودحية بن خليفة هو أحد الصحابة وكان جميلًا حسن الصورة.

4593 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أسري بي موسى: رجلًا آدم طوالًا جعدًا، كأنه من رجال شنؤة، ورأيت عيسى: رجلًا مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكًا خازن النار، والدجال، في آيات أراهن الله إياه، {فلا تكن في مرية من لقائه} ".

قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في الإيمان واللفظ للبخاري (4) كلاهما من حديث أبي العالية عن ابن عباس.

وآدم: قال ابن الأثير (5): الآدم من الناس الأسمر الشديد السمرة، وبه سمي آدم عليه السلام، والطوال: بضم الطاء وتخفيف الواو والطويل ومربوع الخلق أي بين الطول والقصر، وسبط الرأس: قال الجوهري (6): يقال: شعر سبط بكسر الباء وسكونها أي مترسل غير جعد، قوله: ورأيت مالكًا، هذه رواية البخاري في بعض

(1) أخرجه مسلم (167)، والترمذي (3649).

(2)

انظر: النهاية (3/ 78).

(3)

انظر: المنهاج للنووي (2/ 294).

(4)

أخرجه مسلم (165).

(5)

انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 32).

(6)

انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1129).

ص: 104

النسخ، قال النووي (1): ووقع في أكثر الأصول "مالك" بالرفع، قال: وجوابه أنه منصوب ولكن أسقطت الألف في الكتابة وهذا يفعله المحدثون كثيرًا فيكتبون "سمعت أنس" بغير ألف ويقرؤونه بالنصب وكذا مالك ورواية مسلم فأري بضم الهمزة وكسر الراء ومالكًا بالنصب.

4594 -

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليلة أسري بي، لقيت موسى فنعته، فإذا رجل مضطرب رجل الشعر، كأنه من رجال شنوءة، ولقيت عيسى: ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس، يعني: الحمام، ورأيت إبراهيم، وأنا أشبه ولده به، قال: وأتيت بإناءين، أحدهما فيه لبن، والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت للفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر، غوت أمتك".

قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في الإيمان بهذا اللفظ. (2)

"ومضطرب": أي طول غير الشديد، و"رجل الشعر": بكسر الجيم أي لم تكن جعودته شديدة ولا سبوطة بل بينهما، وديماس: بكسر الدال وإسكان الياء آخر الحروف والسين في آخره مهملة منكر (3).

4595 -

قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فمررنا بواد، فقال:"أي واد هذا؟ " فقالوا: وادي الأزرق، قال:"كأني أنظر إلى موسى -فذكر من لونه وشعره شيئًا- واضعًا أصبعيه في أذنيه، له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية، مارًّا بهذا الوادي"، قال: ثم سرنا حتى أتينا إلى ثنية، فقال:"أي ثنية هذه؟ "، قالوا: هَرْشى أو لِفْت، فقال:"كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء، عليه جبة صوف، خطام ناقته خُلْبة، مارًّا بهذا الوادي ملبيًّا".

(1) انظر: المنهاج للنووي (2/ 295 - 296).

(2)

أخرجه البخاري (3394)(3437)، ومسلم (168).

(3)

انظر: المنهاج (2/ 301).

ص: 105

قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث ابن عباس (1) ولم يخرجه البخاري عن ابن عباس بهذا اللفظ ولا ذكر فيه يونس.

و"والجؤار": بضم الجيم وبالهمزة وهو رفع الصوت.

وهرشا: بفتح الهاء وإسكان الراء والشين المعجمة مقصورة الألف وهو جبل على طريق الشام والمدينة، قريب من الجحفة.

قوله: "أو لفت" بكسر اللام وإسكان الفاء وبعدها مثناة من فوق ويجوز فتح اللام مع إسكان الفاء وفتحها جميعًا وهي ثنية بين مكة والمدينة (2).

و"الخلبة" بضم الخاء المعجمة وضم الباء الوحدة، بينهما لام فيها الضم والإسكان وهو الليف، والخطام: بكسر الخاء المعجمة وهو الحبل الذي يقاد به البعير، يجعل في خطمه.

4596 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتُسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده".

قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3) والمراد "بالقرآن" هذا: الزبور.

4597 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى".

قلت: رواه البخاري في الفرائض وفي أحاديث الأنبياء ومسلم نحوه والنسائي في الفضائل مثله، ونحوه كلهم من حديث أبي هريرة. (4)

(1) أخرجه مسلم (166).

(2)

انظر: النهاية (4/ 259).

(3)

أخرجه البخاري (3417).

(4)

أخرجه البخاري (3427)(6769)، ومسلم (1720)، والنسائي في الأقضية (8/ 234).

ص: 106

4598 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، -وفي رواية: بمائة امرأة- كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل ونسي، فطاف عليهن، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون".

قلت: رواه الشيخان: البخاري في كتاب النكاح عند آخره وهو أيضًا ومسلم في الأيمان والنذور من حديث أبي هريرة (1) ورواية: مائة امرأة، للبخاري وكذا فقال له الملك ولهما جميعًا فقال له صاحبه، وأخرجه النسائي في الأيمان والنذور.

قوله: كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، هذا قاله على سبيل التمني للخير وقصد به الآخرة، والجهاد في سبيل الله.

قوله: "ونسي" ضبطه بعض الأئمة بضم النون وتشديد السين وهو ظاهر حسن، قوله: شق رجل، قيل هو الجسد الذي ذكر الله تعالى أنه ألقى على كرسيه، قوله صلى الله عليه وسلم وايم الذي نفسي بيده، فيه جواز اليمين بهذا اللفظ، وهو وأيم الله، واختلف العلماء في ذلك، فقال مالك وأبو حفيفة: هو يمين، وقال أصحابنا: إن نوى به اليمين فهو يمين وإلا فلا، قوله صلى الله عليه وسلم لو قال: إن شاء الله لجاهدوا، فيه إن الاستثناء يكون بالقول ولا يكفي فيه النية، وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد والعلماء كافة إلا ما حكي عن بعض المالكية أن قياس قول مالك صحة الاستثناء بالنية من غير لفظ، وفي هذا الحديث جواز قول "لو" وقد جاء: ولولا في القرآن والسنة، وترجم البخاري على هذا باب ما يجوز من "لو" وأدخل فيه قول لوط عليه السلام لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد.

وقوله صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجمًا بغير بينة لرجمت هذه، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، وأمثال هذا، قال بعض العلماء: والذي يفهم من ترجمة البخاري، وما ذكره

(1) أخرجه البخاري (6639)، ومسلم (1654).

ص: 107

في الباب من القرآن والسنة، أنه يجوز استعمال لو، ولولا، فيما يكون للاستقبال، مما امتنع من فعله لامتناع غيره، وهو من باب الممتنع من فعله لوجود غيره، وهو من باب لولا، لأنه لم يدخل في الباب إلا ما هو للاستقبال، أو ما هو حق صحيح متيقين، كحديث:"لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، دون الماضي والمنقضي، أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق، "وقد ثبت في صحيح مسلم" قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، وهذا إذا قاله على جهة الحتم والقطع بالغيب"، أنه لو كان كذا لكان كذا من غير ذكر مشيئة الله تعالى، والنظر إلى سابق قدره، وخفي علمه علينا، فأما من قاله على التسليم ورد الأمر إلى المشيئة فلا كراهة فيه.

وأشار بعضهم إلى أن لولا تخالف، والظاهر أنهما سواء، إذا استعملنا فيما لم يحط به الإنسان علمًا، ولا هو داخل تحت مقدوره مما هو تحكم واعتراض على الغيب والقدر كقول المنافقين:{لو أطاعونا ما قتلوا} {ولو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} .

{ولَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} فمثل هذا هو المنهي عنه، وأما هذا الحديث الذي نحن فيه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يقين بوحي، أن سليمان لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا، إذ ليس هذا مما يدرك بالظن والاجتهاد، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم" فلا تعارض بين هذا وبين حديث النهي عن لو، ولولا، قال الله تعالى:{لولا كتاب من الله سبق} فكلما يكون من لو ولولا، مما يخبر به الإنسان عن علة امتناعه من فعله مما يكون فعله في قدرته، فلا كراهة فيه، لأنه إخبار حقيقة عن امتناع شيء لسبب شيء، أو حصول شيء لامتناع شيء (1).

4599 -

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان زكريا نجارًا".

(1) انظر: المنهاج للنووي (11/ 171 - 176).

ص: 108

قلت: رواه مسلم في المناقب وابن ماجه في التجارات من حديث أبي هريرة (1) ولم يخرجه البخاري، وفيه جواز الصناعة وأن النجارة لا تسقط المروءة، وأنها صنعة فاضلة، وفي زكريا خمس لغات: المد والقصر وزكرى بالتشديد والتخفيف وزكر كعلم.

4600 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة: الأنبياء إخوة من علّات، وأمهاتهم شتّى، ودينهم واحد، وليس بيننا نبيّ".

قلت: رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناقب وأبو داود في السنة (2).

"وإخوة من علات": هو بفتح العين المهملة وتشديد اللام: أي أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد، أراد أن دينهم واحد وشرائعهم مختلفة، وأما الإخوة للأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان، ومعنى أولى الناس بعيسى: أخص به لما ذكره.

4601 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب".

قلت: رواه البخاري بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة وفي مسلم معناه في المناقب. (3)

4602 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء، إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام".

قلت: رواه البخاري في مواضع منها أحاديث الأنبياء ومسلم والنسائي في المناقب والترمذي وابن ماجه في الأطعمة كلهم من حديث أبي موسى. (4)

(1) أخرجه مسلم (2379)، وابن ماجه (2150).

(2)

أخرجه البخاري (3443)، ومسلم (2365).

(3)

أخرجه البخاري (3286)، ومسلم (2431).

(4)

أخرجه البخاري (3411)، ومسلم (2431)، والنسائي في الكبرى (8356)(8381)، وفي المجتبى (7/ 68)، والترمذي (1834)، وابن ماجه (3280).

ص: 109