المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا انقضت مدتها - كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح - جـ ٥

[الصدر المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب أحوال القيامة وبدء الخلق]

- ‌باب النفخ في الصور

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحشر

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحساب والقصاص والميزان

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الحوض والشفاعة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب صفة الجنة وأهلها

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب رؤية الله تعالى

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب صفة النار وأهلها

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب خلق الجنة والنار

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب بدء الخلق وذكر الأنبياء عليهم السلام

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌[كتاب الفضائل والشمائل

- ‌باب فضائل سيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب في أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب المبعث وبدء الوحي

- ‌من الصحاح

- ‌باب علامات النبوة

- ‌من الصحاح

- ‌فصل في المعراج

- ‌من الصحاح

- ‌فصل في المعجزات

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الكرامات

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب الهجرة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب

- ‌من الصحاح

- ‌كتاب المناقب

- ‌باب في مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أبي بكر رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب العشرة رضي الله عنهم أجمعين

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب جامع المناقب

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب ذكر اليمن والشام وذكر أويس القرني رضي الله عنه

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌باب ثواب هذه الأمة

- ‌من الصحاح

- ‌من الحسان

- ‌أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني عن أحاديث المصابيح

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا انقضت مدتها

هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا انقضت مدتها وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء، انقطع العمل، الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء، قال الله تعالى:{دعواهم فيها سبحانك اللهم} .

الوجه الثالث: أن يكون هذه رؤية منام في غير ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء.

الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم رأى حالهم، وما كانوا عليه في حال حياتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: وكأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى عيسى.

الوجه الخامس: أن يكون أخبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤية عين، انتهى كلامه.

‌فصل في المعجزات

‌من الصحاح

4731 -

أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدمه أبصرنا، فقال:"يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ".

قلت: رواه البخاري في فضل أبي بكر وفي الهجرة وفي التفسير ومسلم في الفضائل والترمذي في التفسير من حديث أنس. (1)

ومعنى: الله ثالثهما: بالنصرة والمعونة والحفظ والسديدة وهو داخل في قول الله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} .

(1) أخرجه البخاري (3653)(3922)(4663)، ومسلم (2381)، والترمذي (3096).

ص: 187

4732 -

قال لأبي بكر: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أسرينا ليلتنا ومن الغد، حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق لا يمر فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لم تأت عليه الشمس، فنزلنا عنده، وسويت للنبي صلى الله عليه وسلم مكانًا بيدي، فنام عليه، وشمطت عليه فروة، وقلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض ما حولك، فنام، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل، فقلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم، قلت: أفتحلب؟ قال: نعم، فأخذ شاة، فحلب في قعب كثبة من لبن، ومعي إدواة، حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم يرتوي فيها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أوقظه، فوافقته حتى استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت: اشرب يا رسول الله فشرب، حتى رضيت، ثم قال:"ألم يأن للرحيل؟ " قلت: بلى، قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله، فقال:"لا تحزن، إن الله معنا"، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها في جَلَد من الأرض، فقال: إني أراكما دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا، فجعل لا يلقى أحدًا إلا قال: كفيتم ما هنا، فلا يلقى أحدًا إلا رده.

قلت: رواه البخاري (1) في علامات النبوة بطوله، وفي فضائل أبي بكر وفي الهجرة وفي الاستئذان قطعة منه، ومسلم في آخر الكتاب بطوله كلاهما عن البراء عن أبي بكر الصديق.

ويسمى هذا الحديث حديث الرحل لأن أوله قال البراء: جاء أبو بكر رضي الله عنه فاشترى من أبي رحلًا، وقال: ابعث ابنك يحمله معي، قال: فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما حين سرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم أسرينا ليلتنا ومن الغد

وساق الحديث، وفي نسخ المصابيح: قال البراء ابن

(1) أخرجه البخاري (3615)، ومسلم (2009 بعد حديث 3014).

ص: 188

عازب لأبي بكر، والذي في الصحيحين أن والد البراء وهو عازب هو الذي سأل أبا بكر والبراء هو راوي الحديث لا أنه هو السائل، وكذا رواه المصنف في شرح السنة (1).

وأنفض ما حولك: أي أحرسك وأطوف هل أرى طلبًا، يقال: أنفضت المكان واستنفضته إذا نظرت جميع ما فيه (2).

قوله: أفي غنمك لبن؟ هو بفتح اللام والباء يعني اللبن المعروف، هذه الرواية المعروفة، قال النووي (3): وروي بضم اللام وإسكان الباء أي شياه ذات ألبان.

والقعب: قدح من خشب، والكثبة: بضم الكاف وإسكان المثلثة، وهي قدر الحلبة وقيل: هي القليل منه. والإداوة: كالركوة. وارتوى: استقى.

وبرد: بفتح الراء على المشهور، وقال الجوهري (4): بضمها.

قوله: فوافقته حتى استيقظ، قال بعضهم: اختلف رواة كتاب البخاري في هذين اللفظين فمنهم من يرويه "فوافقته حتى" بتقديم الفاء على القاف، وحين التي هي للطواف، والمعنى: فوافق إتياني إياه حين استيقظ، ومما يشهد لذلك ما جاء في بعض طرق مسلم فوافقته، وقد استيقظ، ومنهم من يرويه على ما ذكرنا من تقديم القاف.

ومع حتى، أي فوافقته فيما اختاره من النوم، ومنهم: من يرويه بتقديم القاف على الفاء، من الوقوف، والمعنى: صبرت عليه، وتوقفت في المجيء إليه حتى استيقظ.

فارتطمت به فرسه: أي ساخت قوائمها كما يسوخ في الوحل وهو بالراء المهملة وبالتاء المثناة من فوق وبالطاء المهملة وبالميم المفتوحتين.

والجلد: بفتح الجيم واللام، الأرض الصلبة (5).

(1) انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 368).

(2)

انظر: أعلام الحديث (3/ 1607).

(3)

انظر: المنهاج للنووي (18/ 198).

(4)

انظر: الصحاح للجوهري (2/ 445).

(5)

انظر: شرح السنة (13/ 370).

ص: 189

4733 -

قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث، لا يعلمهن إلا نبي: فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه، أو إلى أمه؟ قال:"أخبرني بهن جبريل آنفًا: أما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكه أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة، نزعت"، قال: أشهد أن لا إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي من قبل أن تسألهم، يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال:"أي رجل عبد الله فيكم؟ "قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال:"أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ " قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، فانتقصوه، قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.

قلت: رواه البخاري في التفسير من حديث أنس. (1)

ويخترف: بالخاء المعجمة أي يجتني الثمار.

4734 -

قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغنا إقبال أبي سفيان، فقام سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا مصرع فلان"، ويضع يده على الأرض ههنا، وها هنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث أنس ولم يخرجه البخاري. (2)

"وبرك الغماد": أكثر الرواة على فتح الباء الموحدة وإسكان الراء هذا هو المشهور المعروف في روايات المحدثين، وقال بعض أهل اللغة: صوابه كسر الراء، وكذا قيده

(1) أخرجه البخاري (4480).

(2)

أخرجه مسلم (1779).

ص: 190

بعض رواة البخاري، واتفق الجمهور على أن الراء ساكنة، وجوز بعضهم فيها الفتح، وهو ضعيف.

والغماد: بغين معجمة مكسورة ومضمومة لغتان وهو موضع بأقصى هجر (1).

قوله "فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس" أي دعاهم. قوله "فما ماط" هو بالطاء المهملة أي ما تباعد (2).

4735 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهو في قبة آدم يوم بدر: "اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك، فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول:{سيهزم الجمع ويولون الدبر} .

قلت: رواه البخاري في الجهاد وفي المغازي وفي التفسير والنسائي في التفسير من حديث ابن عباس ولم يخرجه مسلم. (3)

4736 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب".

قلت: رواه البخاري في المغازي ولم يخرجه مسلم. (4)

وأداة الحرب: آلته وأداة كل شيء آلته.

4737 -

قال: بينما رجل من المسلمين -يومئذٍ- يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزرم، إذ نظر إلى المشرك أمامه خَرّ مستلقيًا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة

(1) انظر: المنهاج للنووي (12/ 175).

(2)

انظر: المصدر السابق (12/ 176).

(3)

أخرجه البخاري (4875)، والنسائي في الكبرى (11557).

(4)

أخرجه البخاري (3995).

ص: 191

السوط، فأخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة".

قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. (1)

قوله: "أقدم حيزوم" قال الجوهري (2): يقال: أقدم بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الدال وهو زجر للفرس كأنه يؤمر بالإقدام، قال: وفي حديث المغازي: "إقْدِم حَيْزوم". بكسر الهمزة والصواب فتحها.

قوله "حيزوم" بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء المعجمة وآخره ميم كذا رواه الكافة ورواه بعض رواة مسلم بالنون.

قال ابن الأثير (3): وقد جاء في التفسير أنه اسم فرس جبريل عليه السلام أراد "يا حيزوم" فحذف حرف النداء.

4738 -

قال: رأيت عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني: جبريل وميكائيل.

قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سعد بن أبي وقاص (4).

4739 -

قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطًا إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله ابن عتيك بيته ليلًا وهو نائم، فقتله، فقال عبد الله بن عتيك: فوضعت السيف في بطنه، حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب، حتى انتهيت إلى درجة، فوضعت رجلي فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، فانطلقت

(1) أخرجه مسلم (1763).

(2)

انظر: الصحاح للجوهري (5/ 2007).

(3)

انظر: النهاية (1/ 467).

(4)

أخرجه البخاري (4054)، ومسلم (2306).

ص: 192

إلى أصحابي، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال:"ابسط رجلك". فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنما لم أشتكها قط.

قلت: رواه البخاري (1) في المغازي من حديث البراء بن عازب، ولم يذكر مسلم قصة رافع وكان اسمه: عبد الله بن أبي الحقيق وكان ذلك بعد قتل كعب بن الأشرف.

4740 -

قال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت لي كدية شديدة، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال:"أنا نازل" ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب، فعاد كثيبًا أهيل، فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شديدًا؟، فأخرجت جرابًا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، فذبحتها، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعًا من شعير، فتعال أنت ونفر معك، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم:"يا أهل الخندق إن جابرًا صنع سورًا، فحيّ هلا بكم" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء"، وجاء فأخرجت له عجيننا، فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى بُرْمتنا، فبصق وبارك، ثم قال:"ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم، ولا تنزلوها". وهم ألف، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإنّ بُرمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو.

قلت: رواه البخاري في المغازي من حديث جابر (2).

والكدية: بضم الكاف قطعة غليظة صلبة من حجر أو غيره، لا يعمل فيها المعول ولا الفأس شيئًا.

(1) أخرجه البخاري (4038)(4039)(4040).

(2)

أخرجه البخاري (4101)(4102)، ومسلم (2039).

ص: 193

"وكثيبًا أهيل" قال البخاري: "أهيل أراهم بالسيل، والكثيب: الرمل المستطيل المحدود ب، ومعنى أهيل: رملًا سائلًا ومنه "كثيبًا مهيلًا" أي مصبوبًا سائلًا فكل شيء أرسلته من دقيق أو رملي أو غيره فقد هلته وأهلت لغة في هلت فهو مهال ومهيل.

ومعنى أهيم: كمعنى أهيل والهيام بالفتح الرمل الذي لا يتماسك أن يسيل من اليد اللينة.

قوله فانكفأت إلى امرأتي: أي رجعت إلى امرأتي.

وخمصًا: بفتح الخاء المعجمة والميم وبالصاد المهملة أي ضمورًا في بطنه من الجوع، والخمصة: الجوعة، والمخمصة شدة المجاعة. والبهيمة: بضم الموحدة وفتح الهاء تصغير بهمة وهي الصغيرة من أولاد المعز.

والداجن: هي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.

والسور: الطعام الذى يدعى إليه الناس، واللفظة فارسية كذا قاله ابن الأثير (1).

وحي هلا بكم: أي هلموا إلى ذلك وأقبلوا مسرعين، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة، والبرمة: القدر مطلقًا وجمعها برام.

واقدحي: أي اغرفي، والمقدحة: المغرفة.

قوله: وإن برمتنا لتغط هو بالغين المعجمة والطاء المهملة أي لتغلى وتسمع غطيطها.

4741 -

قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين يحفر الخندق: فجعل يمسح رأسه، ويقول:"بؤس ابن سُمَيّة، تقتلك الفئة الباغية".

قلت: رواه مسلم في الفتن من حديث أبي قتادة. (2)

قال ابن الأثير (3): بأس يبأس بؤسًا وبأسًا: افتقر واشتدت حاجته، والاسم منه بائس، كأنه صلى الله عليه وسلم ترحّم له في الشدة التي يقع فيها، فقال: بؤس ابن سمية أي يا بؤس.

(1) انظر: النهاية (2/ 420).

(2)

أخرجه مسلم (2915).

(3)

انظر: النهاية (1/ 89).

ص: 194

وسمية اسم أم عمار، وهي أول شهيدة استشهدت في الإسلام قتلها أبو جهل قبل الهجرة.

4742 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حين أجلي الأحزاب عنه: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم".

قلت: رواه البخاري في المغازي من حديث سليمان بن صرد، وليس لسليمان في الصحيحين إلا حديثان هذا أحدهما. (1)

4743 -

قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق، وضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح؟، والله ما وضعته، اخرج إليهم! قال النبي صلى الله عليه وسلم:"فأين؟ "، فأشار إلى بني قريظة.

قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم في الصلاة كلاهما من حديث عائشة. (2)

4744 -

قال أنس: كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زقاق بني غَنْم موكب جبريل عليه السلام حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة.

قلت: رواه البخاري في بدء الخلق وفي المغازي من حديث حميد بن هلال عن أنس. (3)

وبني غنم: بفتح الغين المعجمة وسكون النون. و "موكب جبريل" أي قومه الذي هو فيهم. والموكب: هو الجماعة الذي يسيرون برفق.

4745 -

قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ونشرب، إلا ما في ركوتك، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا. قيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة.

(1) أخرجه البخاري (4109)(4110).

(2)

أخرجه البخاري (4117)، ومسلم (1769).

(3)

أخرجه البخاري (4118).

ص: 195

قلت: رواه الشيخان في المغازي كلاهما من حديث جابر بن عبد الله. (1)

4746 -

قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة يوم الحديبية، -والحديبية بئر-، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ ثم مضمض ودعا، ثم صبّه فيها، ثم قال:"دعوها ساعة"، فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا.

قلت: رواه البخاري في علامات النبوة قال: وكانوا ألفًا وأربع مائة أو أكثر ولم يخرج مسلم عن البراء في هذا شيئًا. (2)

والحديبية: بتخفيف الياء، وعامة الفقهاء والمحدثين يشددونها، سميت ببئر هناك عن مسجد الشجرة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل، قيل: هي من الحرم وقيل بعضها من الحل، وكانت غزوة الحديبية في ذي القعدة في السنة السادسة من الهجرة.

4747 -

قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل، فدعا فلانًا، ودعا عليًّا، فقال:"اذهبا فابتغيا الماء"، فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادنين -أو سطيحتين- من ماء، فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء، ففرّغ فيه من أفواه المزادتين، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، قال: فشربنا عطاشًا أربعين رجلًا حتى روينا، فملأنا كل قِرْبة معنا وإداوة، وايم الله، لقد أقلع عنها، وإنّه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ.

قلت: رواه البخاري في التيمم، واللفظ له ومسلم في الصلاة في باب "من نام عن صلاة أو نسيها" كلاهما من حديث عمران بن حصين في حديث طويل اختصر المصنف منه هذه القطعة. (3)

(1) أخرجه البخاري (4152)، ومسلم (1856).

(2)

أخرجه البخاري (3577).

(3)

أخرجه البخاري (344)، ومسلم (682).

ص: 196

والمزادة: التي يسميها الناس الراوية، والراوية: اسم البعير الذي يستقى عليه ثم توسع فيه، والسطيحة: نحو المزادة غير أنها أصغر من المزادة فهي من جلدين والمزادة أكبر.

4748 -

قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فلم ير شيئًا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطىء الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال:"انقادي علي بإذن الله"، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال:"انقادي علي بإذن الله". فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، قال:"التئما علي بإذن الله"، فالتأمتا، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلًا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق.

قلت: رواه مسلم في الزهد (1) في أواخر الكتاب في حديث طويل فيه أحاديث لأبي اليسر كعب بن عمرو السلمي الصحابي، وأحاديث جابر بن عبد الله من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا: فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم

وساق عن أبي اليسر قصة طويلة ثم أتى جابر بن عبد الله وساق عنه أطول من ذلك، ذكر المصنف قطعة مما هو عن جابر، ولولا خشية الإطالة لذكرته بطوله، لما اشتمل عليه من الفوائد ذكره الحميدي في مسند أبي اليسر فيما انفرد به مسلم عن البخاري (2).

قوله "واد فيح": قال في النهاية (3): كل موضع واسع يقال له: أفيح.

(1) أخرجه مسلم (3012).

(2)

انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 513 - 518) رقم (3037).

(3)

انظر: النهاية (3/ 484).

ص: 197

والمخشوش: بخاء وشينين معجمتين هو البعير الذي جعل في أنفه خشاش -بكسر الخاء- وهو عود يربط عليه حبل يدلك به لينقاد. قوله "الذي يصانع قائده" أي الذي يطاوع وينقاد لقائده.

والمنصف: بفتح الميم والصاد وهو نصف المسافة.

4749 -

قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن الأكوع فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟ قال: ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة.

قلت: رواه البخاري في المغازي، وأبو داود في الطب من حديث يزيد بن أبي عبيد عن سلمة. (1)

تنبيه: ما قلناه هو المعتمد نبه عليه المزي وغيره وعزاه ابن الأثير لأبي دواد خاصة وهو وهم والله أعلم (2).

4750 -

قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله". فلما أصبح الناس، غَدَوْا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أين علي بن أبي طالب؟ " فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينه، فأُتي به، فبصق في عينه، ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.

قلت: رواه البخاري في فضائل علي وفي الجهاد من حديث سهل بن سعد، وكانت غزوة خيبر في السنة السادسة من الهجرة. (3)

4751 -

قال: نعى رسول صلى الله عليه وسلم زيدًا، وجعفرًا، وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد، فأصيب، ثم أخذ جعفر، فأصيب، ثم أخذ ابن

(1) أخرجه البخاري (4206)، وأبو داود (3894).

(2)

انظر: تحفة الأشراف (4/ 47 رقم 4546)، وجامع الأصول (11/ 376) رقم (8924).

(3)

أخرجه البخاري (3701)(4210)، ومسلم (2406).

ص: 198

رواحة، فأصيب"، وعيناه تذرفان، "حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله -يعني: خالد بن الوليد- حتى فتح الله عليهم".

قلت: رواه البخاري في الجنائز وفي الجهاد وفي علامات النبوة وفي المغازي من حديث أنس، وهذه الغزوة غزوة مؤتة كانت في السنة الثامنة من الهجرة. (1)

4752 -

قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلما التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو على بغلته كالمتطاول عليها- إلى قتالهم فقال:"هذا حين حمي الوطيس"، ثم أخذ حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفار، ثم قال:"انهزموا ورب محمد"، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حَدّهم كليلًا وأمرهم مدبرًا.

قلت: رواه مسلم في المغازي مطولًا والنسائي في البر من حديث العباس ابن عبد المطلب ولم يخرجه البخاري. (2)

قوله صلى الله عليه وسلم: "حمي الوطيس" هو التنور، واستعاره لشدة الحرب، ويقال: هو من كلامه صلى الله عليه وسلم ابتكره لم يسبق إليه، وغزوة حنين كانت في السنة الثامنة عام فتح مكة.

4753 -

قيل للبراء: أفررتم يوم حنين؟ قال: لا، والله ما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خرج شبان أصحابه ليس عليهم كثير سلاح، فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقًا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث يقوده، فنزل واستنصر وقال:

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

ثم صفّهم.

(1) أخرجه البخاري (4262).

(2)

أخرجه مسلم (1775)، والنسائي في الكبرى (8653).

ص: 199

قلت: رواه الشيخان كلاهما في المغازي بألفاظ متقاربة من حديث أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، قال: قال رجل للبراء: أفررتم يوم حنين

الحديث. (1)

4754 -

قال: كنا والله إذا احمر البأس، نتقي به، وإن الشُّجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: رواه الشيخان وهو رواية من الحديث الذي قبله. (2)

واحمر البأس: أي اشتد الحرب من قولهم: موت أحمر إذا وصف.

بالشدة، وربما يكون احمرار الحرب كناية عن كثرة إراقة الدماء.

ونتقي به أي نجعله واقيًا لنا العدو.

4755 -

قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فولّى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما غَشُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال:"شاهت الوجوه". فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة، فولّوا مدبرين.

قلت: رواه مسلم في المغازي من حديث سلمة بن الأكوع ولم يخرجه البخاري. (3)

وشاهت الوجوه: بالشين المعجمة أي قبحت.

4756 -

قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه -يدعي الإسلام-:"هذا من أهل النار". فلما حضر القتال، قاتل الرجل أشد القتال، وكثرت به الجراح، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله أرأيت الذي تحدث أنه من أهل النار، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال، فكثرت به الجراح؟، فقال:"أما إنه من أهل النار". فكاد بعض الناس يرتاب، فبينما هم على ذلك، إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع سهمًا فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى

(1) أخرجه البخاري (4315)(4316)(4317)، ومسلم (1776).

(2)

أخرجه البخاري (4317)، ومسلم (1776).

(3)

أخرجه مسلم (1777).

ص: 200

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله صدّق الله حديثك، قد انتحر فلان، وقتل نفسه، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله، يا بلال قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.

قلت: رواه البخاري في غزوة خيبر وفي كتاب القدر من حديث أبي هريرة وقال فيه: "شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر

وساقه، ومسلم في كتاب الإيمان وقال فيه: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، كما رواه المصنف وبقية الحديث بلفظ البخاري إلا قوله "الله أَكْبَرُ، أشهد أني عبد الله ورسوله" فإني لم أقف عليه في البخاري في الموضعين المذكورين. (1)

قال عبد الحق: لم يقل البخاري "حنينًا" إلا في طريق منقطع.

قلت: وهو كما قال: فقد أسند البخاري الحديث، وقال: شهدنا خيبر وذكر الحديث ثم قال بعده: وقال: شبيب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني ابن المسيّب وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، انتهى.

قال عبد الحق: والصواب ذكر الحديث في غزوة خيبر.

قال النووي (2): وقع في أصول مسلم حنينًا، قال القاضي (3): وصوابه خيبر بالخاء المعجمة.

4757 -

قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء، وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: "أشعرت يا عائشة إن الله قد أفتاني فيما استفتيته؟، جاءني رجلان، جلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: في ماذا؟ قال: في مِشط ومُشاطة وجُف طَلْعة

(1) أخرجه البخاري في المغازي (4203)(4204)، وفي القدر (6606)، ومسلم (111).

(2)

انظر: المنهاج للنووي (2/ 163).

(3)

انظر: إكمال المعلم (1/ 393).

ص: 201

ذكَر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان". فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فقال: "هذه البئر التي أريتها"، وكأنّ ماؤها نُقاعة الحناء، وكان نخلها رؤوس الشياطين، فاستخرجه.

قلت: رواه الشيخان كلاهما في الطب من حديث حماد بن أسامة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة. (1)

والمطبوب: بالطاء المهملة المراد به هنا المسحور، كنوا بالطب عن السحر تفاؤلًا بالبرء كما كنوا بالسليم عن اللديغ.

قوله: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، المشاطة: بضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحه بالمشط.

وأما المشط: ففيه لغات: المشهور منها ضم الميم وإسكان الشين المعجمة.

وجب طلعة ذكر: بضم الجيم وبالباء الموحدة.

قال النووي (2): كذا هو في أكثر نسخ مسلم، وفي بعضها: جف بالجيم والفاء وهما بمعنى، وهو وعاء طلع النخل وهو الغشاء الذي يكون عليه، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده في الحديث بقوله: طلعة ذكر، وهو بإضافة طلعة إلى ذكر.

ووقع في البخاري من رواية ابن عيينة، ومشاقة: بالقاف بدل مشاطة وهي المشاطة أيضًا، وقيل: مشاقة الكتان.

قوله: في بئر ذروان، هكذا هو في معظم روايات البخاري وجميع نسخ مسلم بئر ذي أروان، قال النووي (3): وكلاهما صحيح، والثاني أجود وأصح، وادعى ابن قتيبة أنه الصواب، وهو قول الأصمعي وهي بئر بالمدينة في بستان لبني زريق.

ونقاعة الحناء: بضم نون نقاعة، والحناء ممدود أي كأنه الماء الذي نقع فيه الحناء.

(1) أخرجه البخاري (3268)(5763)(765)(5766)(6391)، ومسلم (2189).

(2)

انظر: المنهاج للنووي (254).

(3)

انظر: المنهاج للنووي (14/ 254).

ص: 202

4758 -

قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قَسْمًا، إذ أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم-، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال:"ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل"، فقال عمر: ائذن لي أضرب عنقه، فقال:"دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية: ينظر إلى نصله، إلى رصافه؛ إلى نضيّه -وهو قِدحه-؛ إلى قُذذه، فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس".

قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته.

قلت: رواه الشيخان البخاري في مواضع منها في علامات النبوة وفي الأدب ومسلم في الزكاة والنسائي في فضائل القرآن وابن ماجه في السنة. (1)

قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين: في رواية الحموي وأبي الهيثم. على حين: بالنون، وفي رواية المستملي: على خير بالخاء، والراء ذكره البخاري في كتاب الأدب وقال: على حين بالنون فهم كلهم انتهى (2).

وذو الخويصرة: بضم الخاء المعجمة مصغر.

قوله: "خبت وخسرت" روي بفتح التاء فيهما، وبضمهما، ومعنى الضم ظاهر ومعنى: خبت أنت أيها التابع إذا كنت لا أعدل لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل.

(1) أخرجه البخاري في الأدب (6163)، وفي علامات النبوة (3611)، ومسلم (1064)، وابن ماجه (169).

(2)

انظر: المنهاج للنووي (7/ 233).

ص: 203

قال النووي (1): والفتح أشهر، ومعنى: لا تجاوز تراقيهم، لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلونه منه أو لا يصعد لهم عمل.

وتراقيهم: جمع ترقوة وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق.

ويمرقون: أي يخرجون. والدين: الإسلام.

والرمية: بتشديد الياء آخر الحروف هي الصيد المرمي، فعيلة بمعنى مفعولة.

والرصاف: بكسر الراء وبالصاد المهملة وهو مدخل النصل من السهم.

والنصل: هو حديدة السهم، والنضي: بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد الياء، والقدح: عوده. والقذذ: بفتح القاف (2).

- وفي رواية: أقبل علينا رجل غائر العينين، ناتىءُ الجبهة، كثّ اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس، فقال: يا محمد اتق الله، فقال:"فمن يطيعُ الله إذا عصيته؟، فيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ ". فسأل رجل قتله، فمنعه، فلما ولّى قال:"إن من ضئضىء هذا قومًا يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، فيقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد".

قلت: رواها الشيخان أيضًا. (3)

وغائر العينين: يعني دخولهما في نقرتيهما وهو بالغين المعجمة وبعدها ألف ثم ياء آخر الحروف.

وناتيء الجبهة: بالهمز أي مرتفعها.

وكث اللحية: بفتح الكاف والثاء المثلثة وهو كثيفها.

والضئضئ: بضادين مكسورتين وآخره همزه وهو: أصل الشيء.

(1) انظر: المصدر السابق (7/ 224).

(2)

انظر: المصدر السابق (7/ 232)، وأعلام الحديث (3/ 1605 - 1606).

(3)

أخرجه البخاري (3344)، ومسلم (1064).

ص: 204

قال النووي (1): كذا هو في جميع نسخ مسلم في بلادنا، وحكاه القاضي (2) عن الجمهور، وعن بعضهم أنه ضبطه بالمعجمتين والمهملتين جميعًا، وهذا صحيح في اللغة ومعناهما واحد.

4759 -

قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال:"اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت مستبشرًا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، وسمعت أمي خَشْف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي من الفرح، فحمد الله، وقال خيرًا".

قلت: رواه مسلم في المناقب من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (3)

ومجاف: أي مردود، يقال: أجاف الباب إذا رده، وخشف قدمي: أي حس قدمي، والخشف: الحس والحركة، وقيل: هو الصوت.

والخضخضة: بخاءين وضادين معجمات وأصل الخضخضة بالتحريك.

4760 -

قال: إنكم تقولون: أكثر أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرءًا مسكينًا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني.

قلت: رواه البخاري في المزارعة وفي غيرها ومسلم في المناقب والنسائي في العلم. (4)

(1) انظر: المنهاج للنووي (7/ 227).

(2)

انظر: إكمال المعلم (3/ 608).

(3)

أخرجه مسلم (2491).

(4)

أخرجه البخاري (2350)، ومسلم (2492)، والنسائي في الكبرى (5866).

ص: 205

- قال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: "لن يبسط أحد منكم ثوبه، حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره، فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا"، فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها، حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت من مقالته ذلك إلى يومي هذا.

قلت: رواه الشيخان من حديث ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة واللفظ للبخاري وهو الحديث الذي قبله. (1)

4761 -

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تريحني من ذي الخلصة؟ " فقلت: بلى، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم؟، فضرب يده على صدري، حتى رأيت أثر يده في صدري، وقال:"اللهم ثبته، واجعله هاديًا مهديًا". قال: فما وقعت عن فرس بعد، فانطلق في مائة وخمسين فارسًا من أحمس، فحرّقها بالنّار وكسرها.

قلت: رواه البخاري في المغازي ومسلم في المناقب من حديث جرير بن عبد الله. (2)

وذو الخلصة: بفتح الخاء المعجمة واللام على المشهور، وحكى القاضي أيضًا ضم الخاء مع فتح اللام، وحكى أيضًا فتح الخاء وسكون اللام وهو بيت في اليمن كان فيه أصنام يعبدونها وكان يقال لها الكعبة اليمانية (3).

وأحمس: بالحاء والسين المهملتين واحد الحمس وهم قريش ومن ولَدَتْ قريش، وكنانة، وجديلة قيس، سُموا خمْسًا لأنهم تحمّسوا في دينهم: أي تشددوا (4).

(1) نفس التخريج السابق.

(2)

أخرجه البخاري (4355)(3455)(4357)، ومسلم (2476).

(3)

انظر: إكمال المعلم (7/ 512)، والمنهاج للنووي (16/ 52).

(4)

انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 440).

ص: 206

4762 -

إن رجلًا كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فارتد عن الإسلام، ولحق بالمشركين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الأرض لا تقبله"، فأخبرني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها، فوجده منبوذًا، فقال: ما شأن هذا؟ فقالوا: دفناه مرارًا فلم تقبله الأرض.

قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ومسلم في المنافقين من حديث أنس، وهذا الرجل (1) كان من بني النجار كما جاء مصرحًا به في مسلم وفي غيره. (2)

4763 -

قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس، فسمع صوتًا فقال:"يهود تعذب في قبورها".

قلت: رواه البخاري في الجنائز ومسلم في صفة أهل النار والنسائي في الجنائز كلهم من حديث أبي أيوب. (3)

4764 -

قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر، فلما كان قرب المدينة، هاجت ريح تكاد أن تَدْفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بعثت هذه الريح لموت منافق"، فقدم المدينة فإذا عظيم من المنافقين قد مات.

قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ولم يخرجه البخاري. (4)

4765 -

قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى قدمنا عُسفان، فأقام بها ليالي، فقال الناس: ما نحن ههنا في شيءٍ، كان عيالنا لخلوف ما نأمن عليهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"والذي نفسي بيده ما في المدينة شعب، ولا نقب، إلا عليه ملكان يحرسانها، حتى تقدموا إليها"، ثم قال:"ارتحلوا"، فارتحلنا وأقبلنا إلى المدينة، فوالذي يحلف به، ما

(1) هذا الرجل هو: الجد بن قيس المنافق، انظر: المنهاج (17/ 184).

(2)

أخرجه البخاري (3617)، ومسلم (2781).

(3)

أخرجه البخاري (1375)، ومسلم (2869)، والنسائي (4/ 102).

(4)

أخرجه مسلم (2782).

ص: 207

وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة، حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان، وما يهيجهم قبل ذلك شيء.

قلت: رواه مسلم والنسائي كلاهما في المناسك في حديث طويل من حديث أبي سعيد الخدري، ولم يخرجه البخاري. (1)

"وعيالنا لخلوف" هو بالخاء المعجمة يقال: حي خلوف إذا غاب الرجال وأقام النساء، ويطلق على المقيمين والظاعنين.

والشعب: بكسر الشين هو الفرجة النافذة بين الجبلين، قال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل.

والنقب: بفتح النون على المشهور وحكى القاضي عياض (2) أيضًا ضمها هو مثل الشعب، قال الأخفش: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها.

وما يهيجهم: قال النووي (3) عن أهل اللغة: يقال: هاج الشر وهاجت الحرب، وهاجها الناس أي تحركت وحركوها، وهجت زيدًا: أي حركته للأمر، كله ثلاثي، والمعنى: ولا كان لهم عدو يهيجهم، ويشتغلون به، بل سبب منعهم قبل قدومنا حراسة الملائكة، قوله: بنو عبد الله: هكذا وقع في بعض نسخ مسلم بفتح العين مكبرًا، ووقع في أكثرها بضم العين مصغرًا، والأول هو الصواب بلا خلاف (4).

4766 -

قال: أصابت الناس سَنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة، قام أعرابي، فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع يديه، وما نرى في السماء قَزَعة، فوالذي نفسي بيده، ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره، حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته،

(1) أخرجه مسلم (1374)، والنسائي في الكبرى (4276).

(2)

انظر: إكمال المعلم (4/ 494).

(3)

انظر: المنهاج للنووي (9/ 209).

(4)

انظر: إكمال المعلم (4/ 494 - 496)، والمنهاج للنووي (9/ 209 - 210).

ص: 208

فمُطرنا يومنا ذلك، ومن الغد ومن بعد الغد، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي، أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه:"اللهم حوالينا ولا علينا". فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوْبة، وسال الوادي قناة شهرًا، ولم يجىء أحد من ناحية إلا حدّث بالجود.

قلت: رواه الشيخان، والنسائي كلهم في الصلاة من حديث أنس. (1)

والسنة: المراد بها القحط. والقزعة: بفتح القاف والزاي وهي القطعة من السحاب.

والجوبة: بفتح الجيم وإسكان الواو وبالباء الموحدة وهي الفجوة.

والفجوة: المكان المرتفع، ومعنى ذلك: تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرًا حولها وهي خالية منه.

والجود: بفتح الجيم وإسكان الواو وهو المطر الكثير (2).

- وفي رواية: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر". قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس.

قلت: رواها الشيخان من حديث أنس (3).

والإكام: بكسر الهحزة جمع أكمة، ويقال: في جمعها: آكام بالمد والفتح ويقال: أكم بفتح الهمزة والكاف، وهو دون الجبل وأعلى من الرابية، وقيل: دون الرابية.

والظراب: بكسر الظاء المعجمة واحدها ظرب بفتح الظاء وكسر الراء وهي الروابي الصغار (4).

(1) أخرجه البخاري (933)(1033)، ومسلم (897)، والنسائي (3/ 166).

(2)

انظر: المنهاج للنووي (6/ 275).

(3)

انظر تخريج الحديث السابق.

(4)

انظر: المنهاج للنووي (6/ 274 - 275).

ص: 209

4767 -

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سوارى المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه، صاحت النخلة التي كان يخطب عندها، حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يُسَكّت، حتى استقرت، قال:"بكت على ما كانت تسمع من الذكر".

قلت: رواه البخاري في الصلاة وفي علامات النبوة من حديث جابر ومقتضى ما قاله ابن الأثير أن أول الحديث من رواية النسائي وباقيه من رواية البخاري. (1)

4768 -

قال: إن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال:"كل بيمينك"، فقال: لا أستطيع، قال:"لا استطعت". ما منعه ذلك إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه.

قلت: رواه مسلم في الأشربة والأطعمة من حديث سلمة بن الأكوع ولم يخرجه البخاري (2).

وهذا الرجل هو: بسر بضم الباء وبالسين المهملة ابن راعي العير بفتح العين، وبالمثناة من تحت، الأشجعي، كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني وابن ماكولا وغيرهم، وهو صحابي مشهور عده هؤلاء وغيرهم من الصحابة، وأما قول القاضي عياض (3): ما منعه إلا الكبر: يدل على أنه كان منافقًا فليس بصحيح، فإن مجرد الكبر والمخالفة لا يقتضي النفاق والكفر.

وفيه جواز الدعاء على من خالف الأمر الشرعي بلا عذر. (4)

(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة (3584، 3585)، وفي الصلاة (918)، والنسائي (3/ 102).

وانظر: جامع الأصول (11/ 333).

(2)

أخرجه مسلم (2021).

(3)

انظر: إكمال المعلم (6/ 487).

(4)

انظر: المنهاج (13/ 278 - 279).

ص: 210

4769 -

قال: أن أهل المدينة فزعوا مرة، فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة بطيئًا، وكان يقطف، فلما رجع قال:"وجدنا فرسكم هذا بحرًا"، فكان بعد ذلك لا يجارى.

قلت: رواه البخاري في الجهاد في باب الفرس القطوف، ولم يقل فيه بطيئًا من حديث سعيد عن قتادة عن أنس بهذا اللفظ، ورواه مسلم (1) بغير هذا اللفظ في المناقب، وقال فيه: وكان يُبَطّأُ قوله: "وكان يقطف" يقال: قطفت الدابة قطفًا والقطوف من الدواب البطيء السير.

قوله: كان وجدناه لبحرًا أي كثير العدو واسع الجري (2).

- وفي رواية: فما سُبق بعد ذلك اليوم.

قلت: رواها البخاري من حديث أنس (3).

واسم هذا الفرس: مندوب كذا جاء في الصحيح (4).

4770 -

قال: توفي أبي وعليه دين، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه، فأبوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد علمت أن والدي أستشهد يوم أحد، وترك دينًا كثيرًا، وإني أحب أن يراك الغرماء، فقال لي:"اذهب فبيدر كل تمر على ناحية". ففعلت، ثم دعوته، فلما نظروا إليه، كأنهم أُغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون، طاف حول أعظمها بيدرًا ثلاث مرات، ثم جلس عليه، ثم قال:"ادع لي أصحابك". فما زال يكيل لهم، حتى أدى الله عن والدي أمانته، وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي، ولا أرجع إلى إخواني بتمرة، فسلم الله البيادر كلها، وحتى أني أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم كأنها لم تنقص تمرة واحدة.

(1) أخرجه البخاري (2867)(2969)، ومسلم (2307).

(2)

انظر: المنهاج للنووي (15/ 98).

(3)

أخرجها البخاري (2969).

(4)

انظر: المنهاج للنووي (15/ 98).

ص: 211

قلت: روى البخاري هذا الحديث بألفاظ متقاربة في البيوع وفي الاستقراض وفي الوصايا وفي المغازي وفي علامات النبوة من حديث جابر ولم يخرجه مسلم.

وقد ذكره الحميدي فيما انفرد به البخاري، ورواه النسائي في الوصايا كلاهما من حديث عامر الشعبي عن جابر بن عبد الله. (1)

وبيدر كل نوع: أي اجعل كل نوع صبرة.

4771 -

قال: إن أم مالك كانت تهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في عُكة لها سَمنًا، فيأتيها بنوها، فيسألون الأُدْم وليس عندهم شيء، فتعمِد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سَمْنًا، فما زال يقيم لها أُدْم بيتها حتى عَصَرته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"عصرتيها؟ " قالت: نعم، قال:"لو تركتيها ما زال قائمًا".

قلت: رواه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معقل بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر. (2)

والعكة: وعاء من جلد مستدير، ويختص بالسمن والعسل وهو بالسمن أخص.

4772 -

قال: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصًا من شعير، ثم أخرجت خمارًا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسّته تحت يدي ولَاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعه الناس، فقمت، فسلمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرسلك أبو طلحة؟ " قلت: نعم، قال:"بطعام؟ "، قلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه:"قوموا". فانطلق، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة، فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم

(1) أخرجه البخاري في البيوع (2396)، وفي الوصايا (2781)، والاستقراض (2395)، وفي المغازي (4053)، وفي علامات النبوة (3580)، والنسائي (6/ 244). وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (2/ 364) رقم (1596).

(2)

أخرجه مسلم (2280).

ص: 212

سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلمي يا أم سليم ما عندك"، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتّ، وعصرت أم سليم عكة، فأدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال:"ائذن لعشرة" فأذن لهم، فأكلوا، حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال:"ائذن لعشرة، ثم لعشرة"، فأكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلًا.

قلت: رواه الشيخان البخاري في علامات النبوة بهذا اللفظ. ومسلم في الأطعمة والترمذي في المناقب والنسائي في الوليمة. (1)

ودسته: بالدال والسين المهملتين قال ابن الأثير (2): يقال دسه يدسه دسًا إذا أدخله في الشيء بقهر وقوة، ولاثتني ببعضه بتائين الأولى مثلثة والثانية تاء المتكلم أي لفتني، وأدمته: هو بالمد والقصر لغتان يقال: أدمته وآدمته أي جعلت فيه إدامًا، وإنما أذن لعشرة عشرة ليكون أرفق بهم فإن القصعة التي فت فيها، لا يتحلق عليها أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعدها عنهم (3).

- ويروى أنه قال: "ائذن لعشرة"، فدخلوا فقال:"كلوا وسَمُّوا الله"، فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلًا، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البيت، وترك سؤرا.

قلت: رواه مسلم في الأطعمة أيضًا (4).

والسؤر: بالسين والهمز هو البقية.

- ويروى: فجعلت أنظر هل نقص منها شيء؟.

(1) أخرجه البخاري (3578)، ومسلم (2040)، والترمذي (3630)، والنسائي في الكبرى (6617).

(2)

انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 117).

(3)

انظر: إكمال المعلم (6/ 515 - 517)، والمنهاج للنووي (13/ 314 - 316).

(4)

انظر: المنهاج للنووي (13/ 318).

ص: 213

قلت: رواه البخاري (1).

4773 -

ويروى: ثم أخذ ما بقي، فجمعه، ثم دعا فيه بالبركة، فعاد كما كان، فقال:"دونكم هذا".

قلت: رواه مسلم في الأطعمة أيضًا (2).

4774 -

قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم وإناء وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم.

قال قتادة: قلت: لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة.

قلت: رواه البخاري في علامات النبوة ومسلم في المناقب من حديث أنس. (3)

وفي الحديث: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزوراء، قال: والزوراء بالمدينة عند المسجد والسوق، بالزاي المعجمة المشددة وسكون الواو وبالراء المهملة وبالمد.

وزهاء ثلاثمائة: بضم الزاي وبالمد أي: قدر ثلاثمائة.

4775 -

قال: كنا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفًا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقلّ الماء، فقال:"اطلبوا فضلة من ماء"، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء، ثم قال:"حي على الطهور المبارك، والبركة من الله"، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.

قلت: رواه البخاري في علامات النبوة، والترمذي في حديث ابن مسعود (4) ولم يخرج مسلم عن ابن مسعود في هذا الباب شيئًا.

4776 -

قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله تعالى غدًا"، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال أبو قتادة:

(1) أخرجه البخاري في الأطعمة (5450).

(2)

أخرجه مسلم (2040)، انظر: المنهاج (13/ 317).

(3)

أخرجه البخاري (3572)، ومسلم (2279).

(4)

أخرجه البخاري (3579)، والترمذي (3633).

ص: 214

فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابْهار الليل، فمال عن الطريق، فوضع رأسه ثم قال:"احفظوا علينا صلاتنا"، فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره، ثم قال:"اركبوا"، فركبنا فسرنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معي، وفيها شيء من ماء، فتوضأ منها وضوءًا دون وضوء، قال: وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال:"احفظ علينا ميضأتك، فسيكون لها نبأ"، ثم أذن بلال بالصلاة، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة، وركب وركبنا معه، فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء، وهم يقولون: يا رسول الله! هلكنا وعطشنا، فقال:"لا هلْك عليكم". ودعا بالميضأة، فجعل يصب، وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة، تكابوا عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحسنوا الملأ، كلكم سيروي". قال: ففعلوا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم، حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب، فقال لي:"اشرب". فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله، فقال:"إن ساقي القوم آخرهم شُرْبًا". قال: فشربت وشرب، قال: فأتى الناس الماء جامين رواء.

قلت: رواه مسلم في الصلاة مطولًا، اختصره المصنف وقد خرج البخاري هذا الحديث في الصلاة وفي غيرها مختصرًا، ولم يذكر فيه: إلا نومهم عن الصلاة وفعلها بعد ارتفاع الشمس، وأبو داود والنسائي في الصلاة أيضًا كلهم من حديث أبي قتادة. (1)

ولا يلوي: أي لا يلتفت ولا يعطف، وابْهار الليل: هو بالموحدة وتشديد الراء أي انتصف، والميضأة: بكسر الميم وبالياء المثناة من تحت وبهمزة بعد الضاد المعجمة وهي الإناء الذي يتوضأ به كالركوة.

قوله: "فتوضأ منها وضوءًا دون وضوء": معناه وضوءًا خفيفًا مع أنه أسبغ الأعضاء.

ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أن معناه (2): توضأ ولم يستنج بماء، بل استجمر بالأحجار، وفي هذا نظر.

(1) أخرجه مسلم (681) وهو للبخاري (595) باختصار. والنسائي (1/ 294)، وأبو داود (441).

(2)

انظر: إكمال المعلم (2/ 672).

ص: 215

قوله: "فلم يعد أن رأى الناس ما في الميضأة" قال النووي (1): ضبطناه ما بالمد والقصر وكلاهما صحيح.

وتكابوا: بالتاء المثناة من فوق والكاف وبعد الألف باء موحدة أي ازدحموا هكذا ذكره ابن الأثير (2) في الكاف مع الباء الموحدة ثم ذكره في الكاف مع التاء ثالثة الحروف، وقال: التَّزَاحُم مع صَوْت وهو من الكَتِيت: وهو الهَدير والغَطيط، هكذا رواه الزمخشري وشَرحه والمحفوظ تَكَابَّ بالباء الموحدة وقد تقدم انتهى كلام ابن الأثير.

قوله صلى الله عليه وسلم: أحسنوا الملأ: هو بفتح الميم واللام وآخره همزة وهو منصوب مفعول أحسنوا، والملأ الخلق والعشرة، يقال: ما أحسن ملأ فلان، أي خلقه وعشرته، وجامين: هو بالجيم وتشديد الميم جمع جام وهو المستريح.

ورواء: بكسر الراء.

4777 -

قال: لما كان يوم غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقال عمر: يا رسول الله! ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، فقال:"نعم"، فدعا بنِطَع فبُسط، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع شيء يسير، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال:"خذوا في أوعيتكم". فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك، فيحجب عن الجنة".

قلت: رواه مسلم في الإيمان من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد شك الأعمش ولم يخرجه البخاري من حديث أبي سعيد ولا أبي هريرة

(1) انظر: المنهاج للنووي (6/ 264).

(2)

انظر: النهاية (4/ 138) و (4/ 149).

ص: 216

وخرج من حديث سلمة بن الأكوع قريبًا من معناه، في باب حمل الزاد في الغزو من كتاب الجهاد، وفي الشركة في باب الطعام ولم يخرج مسلم عن سلمة في هذا شيئًا. (1)

والنطع: فيه أربع لغات مشهورة، أشهرها: بكسر النون مع فتح الطاء، والثانية: بفتحهما، والثالثة: بفتح النون مع إسكان الطاء، والرابعة: بكسر النون مع إسكان الطاء، قاله النووي (2). قوله "وفضلت فضلة" يقال: فضِل وفضَل بكسر الضاد وفتحها لغتان مشهورتان.

4778 -

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عروسًا بزينب، فعمدت أمي -أم سليم- إلى تمر وسمن وأقط، فصنعت حَيْسًا، فجعلته في تَوْر، فقالت: يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت هذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله! فذهبت فقلت، فقال:"ضعه"، ثم قال:"اذهب فادع لنا فلانًا وفلانًا وفلانًا"، رجالًا سماهم، "وادع لي من لقيت"، فدعوت من سمّى ومن لقيت، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله، قيل لأنس: كم كان عددكم؟ قال: زهاء ثلاثمائة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه، ويقول لهم:"اذكروا اسم الله، وليأكل كل رجل مما يليه". قال: فأكلو حتى شبعوا، فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، قال:"يا أنس ارفع". فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت؟.

قلت: رواه البخاري في الهدية، وذكره في سورة الأحزاب وذكر فيه سبب نزول الحجاب ومسلم في الوليمة واللفظ له والترمذي في التفسير. (3)

والحيس: طعام يتخذ مما وصف في الخبر وربما جعلت فيه خميرة وهو بفتح الحاء المهملة وبالياء آخر الحروف، وبالسين المهملة.

(1) أخرجه مسلم (27)، وفي البخاري (2982) عن سلمة نحوه.

(2)

انظر: المنهاج للنووي (1/ 310).

(3)

أخرجه البخاري (5163)، ومسلم (1428)، والترمذي (3630).

ص: 217

والتور: بالتاء المثناة هو مثل القدح من الحجارة (1).

وغاص: بالغين المعجمة وبالصاد المهملة، قال الجوهري (2): يقال المنزل غاص بالقوم أي ممتليء بهم، وزهاء ثلاثمائة: قال في المشارق (3): بضم الزاي ممدود أي قدر ذلك ويقال لهاء باللام أيضًا.

4779 -

قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على ناضح قد أعيا، فلا يكاد يسير، فتلاحق بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما لبعيرك؟ "، قلت: قد عَييَ، فتخلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجوه فدعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي:"كيف ترى بعيرك؟ " قلت: بخير، قد أصابته بركتك، قال:"أفتبيعنيه بوقية؟ "، فبعته على أنّ لي فقار ظهره إلى المدينة، قال: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، غدوت عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، ورده علي.

قلت: رواه الشيخان: البخاري في الشروط وفي غيره ومسلم والنسائي كلاهما في البيوع من حديث جابر بن عبد الله. (4)

والناضح: البعير الذي يسقى عليه، وفقار: بالفاء قبل القاف، قال ابن الأثير (5): خرزاته، الواحدة: فقارة.

4780 -

قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة، فقال رسول صلى الله عليه وسلم:"اخرصوها". فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق، وقاله:"أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله"، وانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد، فمن كان له

(1) انظر: المنهاج للنووي (9/ 327).

(2)

انظر: الصحاح للجوهري (3/ 1047).

(3)

انظر: مشارق الأنوار (1/ 313).

(4)

أخرجه البخاري (2967)(2097)(2718)، ومسلم (715)، والنسائي (7/ 299).

(5)

انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 462).

ص: 218

بعير فليشد عقاله"، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح فألقته بجبلي طيء، ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها: "كم بلغ تمرها؟ " فقالت: عشرة أوسق.

قلت: رواه الشيخان مطولًا من حديث أبي حميد الساعدي: البخاري في الحج وفي المغازي مطولًا وفي فضائل الأنصار لأن فيه التخيير بين دور الأنصار، وفي الزكاة. (1)

وترجم عليه باب: خرص التمر ومسلم في فضل النبي صلى الله عليه وسلم.

"وجبلَيْ طيئ". بالطاء المهملة على وزن سيد قيل هما: بنجد، وطيئ: أبو قبيلة من اليمن.

4781 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا -أو قال: ذمةً وصهرًا- فإذا رأيتم رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها".

قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة، فخرجت منها.

قلت: رواه مسلم في الفضائل من حديث أبي ذر، ورواه أبو حاتم أيضًا وقال فيه: وقال حرمله (2): يعني بالقيراط أن قبط مصر يسمون أعيادهم وكل مجتمع لهم: بالقيراط، ويقولون:"نشهد القيراط"، وترجم عليه: ذكر الأخبار عن فتح الله على المسلمين أرض بربر (3)، وذكر الحافظ أبو موسى الحديث، وقال: القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشرة في أكثر البلاد.

(1) أخرجه البخاري في الزكاة (1481)، وفي الجزية (3161)، ومناقب الأنصار (3791)، وفي المغازي (4422)، ومسلم (1392).

(2)

أخرجه مسلم (2543)، وابن حبان (6676).

(3)

انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (15/ 67).

ص: 219

وأراد بالأرض المستفتحة: مصر، وخصها بالذكر، وإن كان القيراط يذكر في كل بلد لأنه كان يغلب على أهلها أن يقولوا: أعطيت فلانًا قراريط إذا أسمعته ما يكرهه، قال ولا يوجد ذلك في كلام غيرهم، انتهى.

وترجمة أبي حاتم تدل على أن بربر أهل مصر فإنها المشار إليها بالفتح.

وبربر: جيل من الناس قاله الجوهري (1)، قال وهم البرابرة، والهاء للعجمة والنسب كان شئت حذفتها، وقال في أهل مصر إنهم القبط، قال: وهم سكانها يعني: أصلها، قال الطبري في الأحكام: فلعل القبط وبربر اسمان مترادفان لأهل مصر، قال: والمشهور "تغاير الجنسين" وتغاير بلدهما انتهى.

قوله "فإن لهم ذمة ورحمًا" وذلك أن هاجر أم إسماعيل كانت قبطية من أهل مصر.

قال ابن الأثير: قال الطبري: ويحتمل أن يريد بالرحم هاجر وبالذمة مارية أم إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

4782 -

عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في أصحابي: وفي رواية: في أمتي اثنا عشر منافقًا، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها، حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة -سراج من نار تظهر في أكتافهم حتى تنجم في صدورهم-.

قلت: رواه مسلم في قول النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين (3) عن قيس بن عباد قال: قلنا لعمار أرأيت قتالكم، أرأيًا، رأيتموه؟ فإن الرأي يخطيء ويصيب، أو عهدًا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يعهده إلى الناس كافة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في أمتي"، وفي رواية "في أصحابي" .... وساقه به، ولم يخرجه البخاري.

وأصحابي: المراد بهم الذين ينسبون إلى صحبتي.

(1) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 588).

(2)

انظر: إكمال المعلم (7/ 585).

(3)

أخرجه مسلم (2779).

ص: 220

وسم الخياط: بفتح السين وضمها وكسرها، والفتح أشهر، وهو ثقب الإبرة ومعناه: لا يدخلون الجنة أبدًا.

والدبيلة: بدال مهملة مضمومة ثم باء موحدة مفتوحة وقد فسرها في الحديث: سراج من نار، وتنجم: تظهر وتعلو وهو بضم الجيم.

وتكفيهم: وقد روي أيضًا بزيادة كاف يكفيكهم، وروي تكفتهم بتاء مثناة بعد الكاف من الكفت وهو الجمع والستر أي يجمعهم في قبورهم ويسترهم، وينجم في صدورهم أي يتقد، ويخرج من صدورهم، يقال: نجم النبت ينجم بالضم إذا طلع (1).

4783 -

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يصعد الثنية -ثنية المرار- فإنه يحط عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل"، فكان أول من صعدها خيلنا -خيل بني الخزرج-، ثم تتام الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وكلكم مغفور له، إلا صاحب الجمل الأحمر". فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لأن أجد ضالّتي، أحبُ إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، وكان رجلًا ينشد ضالةً له.

قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث عياض بن عبد الله الفهري عن أبي الزبير عن جابر. (2)

قوله صلى الله عليه وسلم "من يصعد الثنية ثنية المرار": هكذا هو في الرواية الأولى في مسلم، المرار: بضم الميم وتخفيف الراء، وفي رواية له أيضًا: المِرارا أو المُرار بضم الميم أو فتحها على الشك، وفي بعض النسخ بضمها أو كسرها. والمرار: شجر.

وأصل الثنية: الطريق بين الجبلين، وهذه الثنية عند الحديبية، قال: ابن إسحاق: هي مهبط الحديبية، وينشد: بفتح الياء وضم الشين أي يسأل عنها، قيل: اسم هذا الرجل الجد بن قيس المنافق، وإنما حثهم صلى الله عليه وسلم على صعود الثنية لأنها عقبة شاقة، وصلوا إليها ليلًا عام الحديبية فرغبهم صلى الله عليه وسلم في صعودها، والذي حط عن بني إسرائيل: هو ذنوبهم

(1) انظر: المنهاج للنووي (17/ 182 - 184).

(2)

أخرجه مسلم (2780).

ص: 221