المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌مقدمة الطبعة الخامسة

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌الفصل الأول: المكتبة

- ‌تمهيد

- ‌الاسلام والعلم

- ‌تدوين العلم

- ‌مدخل

- ‌الكتابة عند العرب قبل الإسلام

- ‌ الكتابة في العصر النبوي وصدر الإسلام:

- ‌ أهداف المكتبة وأثرها التربوي

- ‌ نشأة المكتبات

- ‌ أشهر المكتبات في الإسلام

- ‌أشهر المكتبات في العالم في العصر الحديث

- ‌مدخل

- ‌أشهر المكتبات في العالم العربي والإسلامي في العصر الحاضر

- ‌مدخل

- ‌ الأردن:

- ‌ تونس:

- ‌ الجزائر:

- ‌ سورية:

- ‌ السعودية المملكة العربية السعودية:

- ‌ السودان:

- ‌ العراق:

- ‌ فلسطين:

- ‌ الكويت:

- ‌ لبنان:

- ‌ ليبيا:

- ‌ مصر:

- ‌ المغرب المملكة المغربية:

- ‌ اليمن:

- ‌ إيران:

- ‌ تركية

- ‌ الهند:

- ‌أشهر المكتبات التي تضم مخطوطات عربية في أوربا وأمريكا

- ‌مدخل

- ‌ انكلتره:

- ‌ فرنسا:

- ‌ إيطاليا:

- ‌ إسبانيا "الأندلس

- ‌ ألمانيا:

- ‌ روسيا:

- ‌ هولندا:

- ‌ النمسا:

- ‌ السويد:

- ‌ الدانمرك:

- ‌ الولايات المتحدة الأمريكية:

- ‌ المخطوطات العربية ومعهد أحياء المخطوطات

- ‌ مراكز حديثة لحفظ التراث وإحيائه ونشره

- ‌أولاً: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

- ‌ثانياً: جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة

- ‌ثالثاً: جامعة الرياض

- ‌‌‌المكتبة ونظامهاوفهارسها

- ‌المكتبة ونظامها

- ‌فهارس المكتبة

- ‌مدخل

- ‌ فهرس البطاقات:

- ‌ الفهارس المطبوعة:

- ‌ سجلات الكتب أو الفهارس المخطوطة:

- ‌ التصنيف العشري:

- ‌الفصل الثاني: البحث وأصوله

- ‌أهمية البحث

- ‌ الغاية من البحث:

- ‌ تعريف البحث:

- ‌ شروط الباحث ومقوماته:

- ‌مراحل البحث

- ‌مدخل

- ‌ اختيار الموضوع:

- ‌ مخطط البحث الأَوَّلي:

- ‌ مصادر البحث ومراجعه:

- ‌ جمع المادة العلمية "التقميش

- ‌ مخطط البحث التفصيلي:

- ‌ دراسة مادة البحث ومناقشتها وتصنيفها:

- ‌ كتابة البحث وإخراجه:

- ‌ بين المقدمة والخاتمة:

- ‌ فهارس البحث:

- ‌ طباعة الموضوع:

- ‌ تجليد الموضوع:

- ‌الفصل الثالث: أهم المصادر والمراجع في العلوم الإسلامية

- ‌المبحث الأول: القرآن الكريم وعلومه

- ‌مدخل

- ‌أولاً: القرآن الكريم "المصاحف

- ‌ثانياً: الكتب المفهرسة لألفاظ القرآن الكريم

- ‌ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم:

- ‌ المرشد إلى آيات القرآن الكريم وكلماته:

- ‌ الجامع لمواضيع آيات القرآن الكريم:

- ‌ تفصيل آيات القرآن الكريم

- ‌ تفسير غريب القرآن:

- ‌ المفردات في غريب القرآن:

- ‌ إملاء ما مَنَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن:

- ‌ثالثاً: التفسير

- ‌أهم مصادر التفسير بالمأثور

- ‌ أهم مصادر التفسير بالرأي "بالمعقول

- ‌ أهم مصادر تفسير آيات الأحكام "التفسير الفقهي

- ‌رابعاً: بعض المصادر والمراجع في علوم القرآن

- ‌ البرهان في علوم القرآن:

- ‌ الإتقان في علوم القرآن:

- ‌التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الاتفان

- ‌ مناهل العرفان في علوم القرآن:

- ‌ المدخل لدراسة القرآن الكريم:

- ‌ مباحث في علوم القرآن:

- ‌ أسباب النزول:

- ‌ لباب النقول في أسباب النزول:

- ‌ حرز الأماني في القراءات السبع:

- ‌ النَّشْر في القراءات العَشْر:

- ‌ التِّبْيَان في آداب حَمَلَة القرآن:

- ‌خامساً: بعض المصادر في الدراسات القرآنية

- ‌المبحث الثاني: الحديث وعلومه

- ‌مدخل

- ‌ أشهر كتب الحديث وشروحها:

- ‌ صحيح البخاري:

- ‌ صحيح مسلم:

- ‌ سنن أبي داود:

- ‌ سنن النَّسَائي:

- ‌ سنن الترمذي أو الجامع الصحيح:

- ‌ سنن ابن ماجه:

- ‌ الإمام مالك

- ‌ عبد الرزاق بن همام ومصنفه:

- ‌ الإمام أحمد بن حنبل

- ‌ أشهر الكتب التي جمعت أمهات كتب الحديث أو مختارات منها أو زيادات عليها:

- ‌ شرح السنة:

- ‌ جامع الأصول من أحاديث:

- ‌ الترغيب والترهيب:

- ‌ رياض الصالحين:

- ‌ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:

- ‌ جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد:

- ‌ التاج الجامع للأصول:

- ‌أشهر المصادر والمراجع في أحاديث الأحكام

- ‌مدخل

- ‌ العمدة في الأحكام:

- ‌ إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام:

- ‌ المنتقى من أخبار المصطفى:

- ‌ بلوغ المرام من أدلة الأحكام:

- ‌ سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام:

- ‌نيل الأوطان وشرح منتقى الأخبار من أحاديث

- ‌ الموجز في أحاديث الأحكام:

- ‌ أشهر ما صنف في معاجم الحديث والكتب المرشدة إلى مواضعه:

- ‌ الجامع الصغير من حديث البشير النذير:

- ‌ ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث:

- ‌ مفتاح كنوز السنة:

- ‌ المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي:

- ‌ أهم ما صنف في الأحاديث المشتهرة:

- ‌ أهم ما صنف في الأحاديث الموضوعة والوضاعين:

- ‌ أهم ما صنف في مختلف الحديث ومشكله:

- ‌ أهم ما صنف في ناسخ الحديث ومنسوخه:

- ‌ أهم ما صنف في أسباب ورود الحديث:

- ‌ أهم ما صنف في غريب الحديث وإعرابه:

- ‌ أهم ما صنف في علل الحديث:

- ‌أهم ما صنف في تراجم الرواة وكناهم والقابهم

- ‌مدخل

- ‌ أهم ما صنف في الصحابة خاصة:

- ‌ أهم ما صنف في الرواة عامة:

- ‌ أهم ما صنف في الكنى والألقاب والأنساب والمشتبه من أسماء الرواة:

- ‌ أهم المصادر في الجرح والتعديل

- ‌ أشهر المصادر والمراجع في تخريج الأحاديث:

- ‌ أهم المصادر والمراجع التي صنفت في التمسك بالسنة وبيان مكانتها وتفنيد بعض الشبهات حولها:

- ‌ أهم المصادر في أصول الحديث

- ‌المبحث الثالث: السيرة النبوية

- ‌مدخل

- ‌ مغازي رسول الله:

- ‌ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ الشمائل النبوية والخصائل المصطفوية:

- ‌ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه:

- ‌ دلائل النبوة:

- ‌ كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى:

- ‌ جوامع السيرة:

- ‌ الروض الأنف شرح السيرة النبوية لابن هشام:

- ‌زاد المعابد في هدي خير العباد

- ‌ السيرة النبوية:

- ‌ السيرة الحلبية:

- ‌ نور اليقين في سيرة سيد المرسلين:

- ‌ محمد رسول الله وخاتم النبيين:

- ‌ ومن أحدث ما صنف في فقه السيرة:

- ‌ سيرة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الرابع: العقيدة والفرق

- ‌المبحث الخامس: الفقه

- ‌مدخل

- ‌ الفقه الحنفي:

- ‌ المبسوط:

- ‌ تحفة الفقهاء:

- ‌ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع:

- ‌ الهداية شرح بداية المبتدي:

- ‌ رد المحتار على الدر المختار على متن تنوير الأبصار:

- ‌ الفقه المالكي:

- ‌ المدونة الكبرى:

- ‌ بداية المجتهد ونهاية المقتصد:

- ‌ القوانين الفقهية:

- ‌ مواهب الجليل لشرح مختصر خليل:

- ‌الشرح الكبير على مختصر خليل منح القدير

- ‌ الفقه الشافعي:

- ‌ الأم:

- ‌ المهذب:

- ‌ المجموع شرح المهذب:

- ‌ الأشباه والنظائر:

- ‌ الفقه الحنبلي:

- ‌ المغني:

- ‌ الشرح الكبير على متن المقنع:

- ‌ الفتاوى الكبرى:

- ‌ الفروع:

- ‌ كشاف القناع على متن الإقناع:

- ‌ الدرر السنية في الأجوبة النجدية:

- ‌فقه الشيعة

- ‌الشيعة الامامية

- ‌ الشيعة الزيدية:

- ‌ فقه الظاهرية:

- ‌ فقه الإباضية:

- ‌شرح النيل وشفاء العليل:

- ‌مصنفات لبعض المحدثين في الفقه المقارن:

- ‌المبحث السادس: أصول الفقه وتاريخ التشريع

- ‌مدخل

- ‌بعض مصنفات في أبحاث أصولية مختلفة:

- ‌المبحث السابع: التاريخ الإسلامي والتراجم

- ‌مصادر التاريخ

- ‌أهم المصادر في التراجم والانساب

- ‌مدخل

- ‌أشهر كتب الأنساب:

- ‌المبحث الثامن: حضارة الإسلام

- ‌المبحث التاسع:‌‌ حاضر العالم الإسلامي:

- ‌ حاضر العالم الإسلامي:

- ‌ الغارة على العالم الإسلامي:

- ‌ نظرة جامعة إلى تاريخ الإسلام في الصين وأحوال المسلمين فيها:

- ‌ الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء:

- ‌ مشاكل العالم العربي:

- ‌كتاب القضية الفلسطينية

- ‌ كتاب "حول الحركة العربية الحديثة

- ‌ التبشير والاستعمار في البلاد العربية:

- ‌ الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي:

- ‌ كفاح المسلمين في تحرير الهند:

- ‌ البيانات:

- ‌ مواطن الشعوب الإسلامية في أفريقيا:

- ‌ مواطن الشعوب الإسلامية في آسيا:

- ‌المبحث العاشر: اللغة والأدب

- ‌مدخل

- ‌ المعاجم:

- ‌ أهم كتب فقه اللغة:

- ‌ قواعد العربية "النحو والصرف والإملاء

- ‌ البلاغة:

- ‌ الموسوعات الأدبية:

- ‌ المختارات الشعرية:

- ‌ الأمثال:

- ‌ كتب في تراجم اللغويين والأدباء:

- ‌ كتب في دراسة بعض المصادر اللغوية والأدبية:

- ‌ في تاريخ آداب اللغة العربية:

- ‌المبحث الحادي عشر:‌‌ كتب جامعةوكتب في دراسات إسلامية

- ‌ كتب جامعة

- ‌كتب في دراسات إسلامية

- ‌مدخل

- ‌في نظام الدولة وحسن سياستها

- ‌في الاقتصاد والسياسة المالية:

- ‌في التربية والتعليم مصنفات كثيرة منها:

- ‌ دراسات إسلامية مختلفة:

- ‌المبحث الثاني عشر: معاجم البلدان:

- ‌ معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع:

- ‌ معجم البلدان:

- ‌ بلاد العرب:

- ‌ صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار:

- ‌المبحث الثالث عشر: مراجع المراجع

- ‌فهارس الكتب:

- ‌فهرس المصادر والمراجع:

- ‌فهرس أسماء الكتب:

- ‌فهرس موضوعات الكتاب

- ‌كتب للمؤلف:

الفصل: ‌ الإمام مالك

طبعاته المحققة طبعة دار إحياء الكتب العربية بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي "سنة 1372هـ - 1952م"، وقد جعل له عدة فهارس تسهل الاستفادة منه والرجوع إليه.

وأول من ضم سنن ابن ماجه إلى الكتب الخمسة - أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي "448 - 507هـ" في كتابه أطراف الكتب الستة؛ وبهذا أصبحت كتب الحديث المعتمدة ستة، وتابعه على هذا أهل العلم من بعده.

وكان العلماء قبل ذلك، وبعضهم بعد ذلك - يعدون الأصل السادس كتاب الموطأ للإمام مالك؛ لأنه أصح من سنن ابن ماجه.

وإنما قدم العلماء سنن ابن ماجه على الموطأ -مع أنه أصح منها- لما في السنن من زوائد على الكتب الخمسة، بخلاف الموطأ؛ فجل ما فيه موجود في الكتب الخمسة إلا القليل منه؛ فلم يقدم كتاب ابن ماجه على الموطأ لأنه أصح منه؛ بل لكثرة الزيادات التي فيه.

ونرى من المناسب بعد أن وقفنا على لمع حول كتب الصحاح والسنن أن نخص كلا من موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد بلمحة تناسب هذا المقام، وبالله التوفيق ومنه العون.

ص: 175

7-

‌ الإمام مالك

"93 - 179هـ": 1

أ- التعريف به:

هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري المدني الفقيه، أحد

1 أهم مصادر ترجمته والكلام في كتابه: تهذيب التهذيب ص5 - 9 ج10 وتقدمة الجرح والتعديل ص11 - 30 والرسالة المستطرفة ص6 و7 و11 و13، مقدمة شرح الموطأ للزرقاني، هدي السارى مقدمه فتح الباري ص6 وما بعدها. المدارك، تزيين الممالك في مناقب الإمام مالك، مالك حياته وعصره - آراؤه وفقهه الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله.

ص: 175

أعلام الإسلام، وإمام دار الهجرة، ولد سنة "93هـ" في المدينة، ونشأ فيها، وطلب العلم على أكابر علمائها من التابعين؛ فروي عن الإمام محمد بن شهاب الزهري، وهشام بن عروة، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وعبد الرحمن بن القاسم، وعن كثير غيرهم، وروى عنه خلائق؛ فمن شيوخه روى عنه الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وآخرون، وروى عنه من أقرانه الإمام الليث بن سعد إمام مصر، وابن عيينة وآخرون ومن أكابر من روى عنه الإمام أبو حنيفة، وكان بينهما مناظرات علمية لطيفة أثلجت صدريهما وصدور أهل العلم، وقد أثنى كل منهما على الآخر، وروى عنه الإمام الشافعي وقرأ عليه الموطأ، والإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة، وله رواية مشهورة للموطأ، وروى عنه الإمام الحافظ عبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ البخاري ومسلم، ويحيى بن يحيى النيسابوري شيخهما أيضًا، ويحيى بن يحيى بن كثير الليثي الأندلسي، صاحب رواية الموطأ المشهورة وآخرون.

اشتهر الإمام مالك بعلمه ومروءته وكرمه وعزة نفسه، وتوقير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إن طلابه في مجلسه كانوا كأن الطير على رءوسهم، وأَبَى أن يقرأ الموطأ على هارون الرشيد وبنيه؛ فزاره الرشيد ومعه أبناؤه في بيته، وقرأوا عليه، وكان موضع احترام من العلماء والأمراء والخلفاء، وكان يقبل هدايا الصالحين منهم، وكانت له أربعمائة دينار يتجر بها؛ فمنها كان قوام عيشه كما ذكر ذلك تلميذه ابن القاسم.

علا شأن الإمام مالك في المدينة، واشتهر أمره، وطارت سمعته

ص: 176

إلى الآفاق الإسلامية؛ فصار محط أنظار أهل العلم، وكان قوي الشخصية قَوَّالًا بالحق، ينصح أولي الأمر، لم يشارك في الفتن أو الثورات التي ظهرت في عصره؛ بل رغب عنها، ومع هذا لم يسلم من أذى بعض الناس؛ فقد استغل بعض المغرضين روايته لحديث "ليس على مستكره طلاق" وفتواه بعدم وقوع طلاق المكره، ونقل هذا إلى والي المدينة، وبأن مالكًا لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء. وقد ذاع هذا وشاع في وقت خروج محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية بالمدينة، وقد "لزم مالك بيته"؛ فاستدعاه والي المدينة جعفر بن سليمان، وضرب بالسياط. وكان ذلك بعد مقتل محمد بن عبد الله نحو سنة "146هـ" فاستاء أهل المدينة لذلك، وسخطوا على بني العباس وولاتهم، وبخاصة أن الإمام مالكًا لم يحرض على الفتنة؛ فلم يكن لأبي جعفر المنصور بد من أن يعتذر إليه حين قدم إلى الحجاز حاجًا؛ فأرسل إلى الإمام مالك وتبرأ من كل ما جرى له، وأثنى عليه، وتوعد أمير المدينة بالعقوبة الشديدة وكان في جملة ما قاله للإمام مالك:"....وأمرت بضيق محبسه والاستبلاغ في امتهانه: أي والي المدينة، ولا بد من أن أنزل به العقوبة أضعاف ما نالك منه"؛ فقال له الإمام مالك رحمه الله "عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابتك منك"؛ فقال أبو جعفر: "فعفى الله عنك ووصلك". هذا يدل على مكانة الإمام مالك وسمو نفسه ورفيع تسامحه رحمه الله. توفى رحمه الله سنة "179هـ" في المدينة ودفن بالبقيع.

وقد أثنى العلماء عليه في علمه ودينه واستقامته؛ فقد كان عالمًا بالحديث ورجاله، عالمًا بالجرح والتعديل، وبفقه الصحابة والتابعين.. رحمه الله.

ص: 177

ب- الموطأ:

ألف الإمام مالك كتابه الذي اشتهر بين أهل العلم بالموطأ على الأبواب. وقد توخى فيه القوي من أحاديث أهل الحجاز، ولم يقتصر فيه على الحديث النبوي المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل ذكر فيه أقوال الصحابة والتابعين، وقد بناه على نحو عشرة آلاف حديث، من مائة ألف حديث كان يحفظها؛ فكان ينظر فيه وينقحه حتى أصبح على ما هو عليه الآن، وقد استغرق في تصنيفه وتنقيحه وتحريره زمنًا طويلًا؛ فقد عرض عمر بن عبد الواحد -صاحب الأوزاعي- الموطأ على مالك في أربعين يومًا؛ فقال: كتاب ألفته في أربعين سنة، أخذتموه في أربعين يومًا!؟ ما أقل ما تفقهون1.

وقد ذكر الإمام مالك أنه عرض كتابه الموطأ على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة فكلهم واطأه عليه. قال فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ.

سبق لنا أن ذكرنا أن الإمام مالكًا كان من أول المصنفين في المدينة المنورة؛ إذ ظهرت طلائع المصنفات في مختلف عواصم البلاد الإسلامية في أوقات متقاربة، ويروي العلماء أن سبب تصنيف مالك لكتابه طلب أبي جعفر المنصور -نحو سنة 148هـ- من مالك أن يضع للناس كتابًا يحملهم عليه، قال أبو جعفر:"اجعل العلم يا أبا عبد الله علمًا واحدًا؛ فقال له مالك: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في البلاد؛ فأفتى كل في عصره بما رأى..". وقال

1 هذا يدل على حسن تحري الإمام مالك، ولا يعني أنه استغرق هذه السنوات في التصنيف؛ فقد ذكر الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله أن تدوين الموطأ كان نحو سنة 159هـ وطلب أبي جعفر من مالك تدوينه كان نحو سنة 148هـ؛ فيكون قد استغرق في جمعه وتمحيصه نحو إحدى عشرة سنة. انظر مالك ص212-213.

ص: 178

الرشيد لمالك: "عزمت أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن؛ فقال: أَمَّا حَمْل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل؛ لأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تفرقوا بعده في الأمصار فَحَدَّثُوا؛ فعند كل أهل مصر حديث علمه". وفي رواية "إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان وكل مصيب؛ فقال الرشيد وفقك الله يا أبا عبد الله..". إن إباءه عن حمل المسلمين على كتابه في الأمصار الإسلامية يدل على تقواه وورعه.

وطريقة الإمام في كتابه: يذكر عنوان الباب ثم يذكر بعض الأحاديث مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يذكر ما بلغه1 عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة والتابعين، وكثيرًا ما يذكر فقهه في الموضوع بعد ذلك. كما ذكر هذا في "كتاب الطهارة""في المستحاضة"2 وفي "كتاب الجمعة""باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب"3 وهذا بين واضح في أكثر كتابه، حتى إن السيد محمد بن جعفر الكتاني قال:"في موطأ مالك ثلاثة آلاف مسألة وسبعمائة حديث"4.

قال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني: "كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه نظره بالاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما، لا على الشرط الذي تقدم التعريف به. والفرق بين ما فيه من المنقطع وبين ما في البخاري أن الذي في الموطأ هو كذلك مسموع

1 انظر الموطأ ص71 و 139 و 150 و 174 و 178، و 192 ج1 وغيرها.

2 الموطأ ص62-63 ج1.

3 انظر الموطأ ص102-104 ج1.

4 انظر الرسالة المستطرفة ص13.

ص: 179

لمالك غالبًا، وهو حجة عنده، والذي في البخاري قد حذف إسناده عمدًا لقصد التخفيف إن كان ذكره في موضع آخر موصولًا، أو ليقصد التنويع إن كان على غير شرطه، ليخرجه عن موضوع كتابه"1.

ففي الموطأ: المسند المتصل المرفوع، والمرسل المنقطع والبلاغات، ومع هذا فقد صنف حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر "368 - 463هـ" كتابًا في وصل ما في "الموطأ من المرسل والمنقطع وغيرهما".

وقد اختلف العلماء في منزلة الموطأ؛ فبعضهم قَدَّمَهُ على الصحيحين، ومنهم من جعله في مرتبتهما، ومنهم من قال المرفوع المتصل صحيح كأحاديث الصحيحين، وما سوى المرفوع المتصل يعتبر فيه ما يعتبر بغيره من الحديث. ورأى آخرون أن الموطأ يأتي في منزلة بعد صحيح مسلم. وقد يكون هذا القول هو الأرجح والأصوب.

ومع كل هذا فإن الموطأ من أقدم ما وصلنا من مؤلفات الحديث في النصف الأول من القرن الثاني، بعد أن وقفنا على مجموع الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي يؤكد قدم التصنيف في الحديث النبوي وأنه يعود إلى أواخر القرن الهجري الأول ومطلع القرن الثاني.

والموطأ من أجمع الكتب في عصره حتى قال الإمام الشافعي: "ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك". وقد روى الموطأ عن الإمام مالك عدد كبير من أهل العلم من مختلف البلاد من أهل المدينة ومكة ومصر والعراق والمغرب والأندلس والقيروان وتونس وبلاد الشام وغيرها، وانتشر في الآفاق. واهتم به طلاب العلم والعلماء، ووضعوا له عدة شروح ومختصرات كثيرة.

وطبع كتاب الموطأ مرارًا ومن أحسن طبعاته الطبعة التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي وهي في مجلدين كبيرين، طبع سنة 1370هـ - 1951م بدار إحياء الكتب العربية في القاهرة..

1 تدريب الراوي ص41.

ص: 180