الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9-
الإمام أحمد بن حنبل
"164 - 241هـ": 1
أ- التعريف به:
هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي البغدادي، خرجت به أمه من مرو وهي حامل فولدته ببغداد في ربيع الأول من سنة "164هـ"، وفيها نشأ وطلب العلم، توفى والده وهو صغير، وفي بغداد لقي أكابر أهل العلم؛ إذ كانت بغداد آنذاك حاضرة الدولة العباسية، ومَحَطَّ أنظار العلماء وطلاب العلم، ولم يكتف بلقاء علماء بلده؛ بل تطلع إلى لقاء علماء الأقاليم الأخرى، فرحل في طلب الحديث إلى الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام والجزيرة، وفارس، وخراسان، وغيرها. وقد حج خمس مرات؛ منها ثلاث راجلًا، وقد أتاح له ارتحاله في طلب الحديث السماع من شيوخ كثيرين، من أشهرهم بشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان وأبو داود الطيالسي، والإمام الشافعي وآخرون، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود.. والشافعي، ويزيد بن هارون، ويحيى بن معين، وعَلِيٌّ بن المديني، وابناه صالح وعبد الرحمن، وأبو بكر الأثرم، وبقي بن مخلد، وآخرون.
كان نشيطًا ذكيًا محبًا للعلم، قال يحيى القطان: ما قدم علي مثل
1 أهم مصادر ترجمته والكلام في مسنده: "تاريخ بغداد" ص412 ج4، و"تهذيب التهذيب" ص72 - 76 ج1، وكتاب "ابن حنبل حياته وعصره - آراؤه وفقهه" للشيخ محمد أبو زهرة، و"خصائص المسند" للحافظ أبي موسى المديني، و"المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد" للحافظ شمس الدين الجزري. مسند الإمام الأحمد الجزء الأول.. وتقدمة الجرح والتعديل ص292 - 309.
أحمد. وقال مرة: حبر من أحبار هذه الأمة. وقال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم من أحمد بن حنبل، وقال قتيبة: أحمد إمام الدنيا. وكان صاحب سنة وخير. وقال محمد بن هارون الفلاس: اشتهر الإمام أحمد بتقواه وورعه وحفظه، وكان يحفظ ألف ألف حديث. قال ابن حبان: كان حافظًا متقنًا فقيهًا ملازمًا للورع الخفي مواظبًا على العبادة الدائمة.
اشتهر أمر الإمام أحمد وصار محط أنظار العلماء وطلاب العلم يرتحلون إليه من الآفاق؛ حتى إن الإمام أبا جعفر محمد بن جرير الطبري قصد بغداد للسماع منه وقبل أن يدخلها بلغته وفاته؛ فعرج عنها إلى غيرها.
كان عزيز النفس زاهدًا، متواضعًا متسامحًا، عرض عليه القضاء فأبى، وكان لا يقبل جوائز ولاة الأمور. قوالًا بالحق، ولا يحابي فيه أحدًا، وقد تعرض رحمه الله للمحنة والابتلاء، بسبب ثباته على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، مخالفًا ما ذهب إليه الخليفة المأمون من القول بخلق القرآن، وثبت الإمام أحمد على قوله فاقتدى به خلق كثير، وقد قاسى من الضرب والسجن وصبر ولم يرجع عن قوله، وكان لموقفه أثر عميق في الأمة، قدره أهل العلم؛ حتى قال الإمام علي بن المديني:"إن الله أعز الدين بأبي بكر يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة".
إلى أن كشف الله تعالى الغمة عن الأمة في عهد المتوكل؛ فعرف الخليفة قدره وأدناه منه
توفي الإمام أحمد سنة "241هـ" ببغداد فشيعه نحو ألف ألف. رحمه الله.
ب- المسند:
للإمام مؤلفات كثيرة أشهرها كتابه المسند. وهذا الكتاب من أعظم ما دُوِّنَ في الإسلام، ومن أجمع كتب الحديث التي كُتِبَ لها البقاء
-من مؤلفات مطلع القرن الثالث الهجري- والوصول إلينا، سلك فيه مسلكًا مغايرًا مسالك المصنفين في الحديث على الأبواب؛ فرتب كتابه على أسماء الصحابة -كما هو الشأن في جميع المسانيد- وذكر لكل صحابي أحاديثه مسندة، وقد اختار مسنده من نحو سبعمائة وخمسين ألف حديث1، وبلغ عدد ما جمعه في مسنده نحو ثلاثين ألف حديث أو يزيد2، أخرجها عن قرابة ثمانمائة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. ومما تجدر الإشارة إليه أنه لم يذكر فيه شيئًا من فقه الصحابة والتابعين ومن فقهه كما فعل الإمام مالك في موطئه.
وأحاديث المسند تدور بين الصحيح والحسن والضعيف؛ ففيه أحاديث صحيحة مما أخرجه أصحاب الكتب الستة، ومما لم يخرجوه وفيه الحسن والضعيف المحتج به، حتى إن الإمام السيوطي قال:"وكل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول؛ فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن"3.
والمهم أن الإمام أحمد اجتهد في جمع أحاديث مسنده؛ فلم
1 ليس المقصود بهذه الألوف عددها من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وإنما هي طرق متعددة؛ إذ قد يروى الحديث الواحد من عدة طرق -أي بأسانيد مختلفة- قد تتجاوز ثلاثين طريقا؛ فتعد هذه الطرق أحاديث؛ فيختار منها المصنف أصحها وأقواها حسب ما ينتهي إليه تمحيصه واجتهاده. وانظر أيضًا مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ص20 ج1 وما بعدها.
2 قال الشيخ أحمد محمد شاكر:"هو على اليقين أكثر من ثلاثين ألفًا وقد لا يبلغ الأربعين ألفًا، وسيتبين عدده الصحيح عند تمامه إن شاء الله" المسند هامش ص23 ج1.
3 اختلف بعض العلماء في وجود بعض الموضوع في المسند ولو بندرة وفي عدم وجوده، وخلاصة القول: إن المختلف فيه لا يعدو أصابع اليد، قال ابن حجر في كتابه تعجيل المنفعة برجال الأربعة -أي الموطأ، ومسند أبي حنيفة ومسند الشافعي ومسند أحمد رحمهم الله ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة. وقد اعتذر عنه أن هذه الأحاديث مما أمر الإمام أحمد بالضرب عليه فَتُرِكَ سهوًا. ومع هذا فإن بعض الحفاظ حاول نفي وجود الموضوع فيه.
يخرجها إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته، ودقق في متون كتابه، كما محص في رجاله1. ومن ثم حق له أن يقول لابنه عبد الله:"احتفظ بهذا المسند؛ فإنه سيكون للناس إمامًا".
طبع هذا السفر الضخم في ست مجلدات وطبع على هامشه كنز العمال بمصر سنة "1313هـ"، كما طبع في الهند، وكان من الضروري أن يحقق الكتاب وتخرج أحاديثه؛ فنهض لهذا العمل الفذ الشيخ أحمد محمد شاكر أحد علماء الحديث في مصر في هذا العصر؛ فخرج أحاديث الكتاب ورقمها، وجعل له فهارس للموضوعات، وخدم المسند خدمة علمية جليلة بتعليقاته القيمة، وردوده لبعض الشبهات في بعض المواطن منه، وقد طبع من هذا الكتاب خمسة عشر جزءا وسطا تقارب ثلث الأصل؛ غير أن المنية اخترمته قبل أن يتمه رحمه الله2.
وحري بنا هنا أن نذكر كتاب "الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد على أبواب البخاري" لعلي بن حسن بن عروة الحنبلي "758 - 837هـ" وهو كتاب قيم كبير، يعد من نوادر الكنوز العلمية التي تركها لنا السلف.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ما قام به فضيلة الشيخ أحمد بن
1 انظر مسند أحمد بتحقيق الشيخ شاكر ص24 - 25 ج1.
2 والمطالع للمسند يرى الشيخ أحمد رحمه الله قد أنجز من المسند تحقيقًا وتخريجًا وضبطًا أكثر مما طبع؛ فكثيرًا ما يذكر أن الحديث "سيرد في رقم كذا وكذا" بعد مئات أو آلاف الأحاديث مما لم يطبع، وعدة الأحاديث المطبوعة من الكتاب المحقق "8099" وهي أقل من ثلث الكتاب. قارن صفحة 245 ج 15 من الكتاب المحقق بالصفحة 312 ج2 من المسند طبعة المطبعة الميمنية بمصر.