الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ-
اختيار الموضوع:
يعد حسن اختيار الموضوع من العوامل القوية في نجاح البحث؛ فلا بد للطالب من أن يختار البحث الذي يلاقي صدى قويًّا في نفسه، وتجاوبًا تامًّا مع ميله وفكره؛ فلا يختار موضوعًا لا يميل إليه، أو آخر يخالف عقيدته، حتى لا يتعثر في خطواته، أو يخفق في عمله، فكما أن المرء يختار صديقه اختيارًا من بين زملائه؛ لأنه ينسجم معه، ويقدر أحواله، ويشعر بشعوره، ولا يستطيع أن يصاحب إنسانًا يغايره في تفكيره وميوله؛ كذلك تعتبر كل هذه الأمور في اختيار الموضوع؛ فإن الباحث يعيش مع موضوعه ليله ونهاره يستحوذ عليه، ويستفرغ منه كل طاقته سواء أكان موضوعه بحثًا كبيرًا أو صغيرًا، خاصًّا أو عامًّا، مما سيحاضر فيه أو مما سيطبع وينشر، وتتجلى هذه الأهمية بوضوح في الدرسات العليا في إعداد رسالة "الماجستير" أو "الدكتوراه". التي تناقش أصولها وفروعها على ملأ من المتخصصين وأهل العلم وطلابه، بين يدي أكابر العلماء. من هنا كان الموضوع صورة عن صاحبه؛ لأنه يتفاعل معه تفاعلًا تامًّا، وهو ثمرة فكره وجهوده. لكل هذا يجب أن يحسن الطالب اختيار الموضوع؛ فيعرف أبعاده وغايته، وهل في مقدوره أن يوفيه حقه من البحث الدقيق والعرض المناسب؟ فيقدر خطواته ونتائجه وما يترتب عليه. كل هذه الأمور يجب أن يراعيها الطالب قبل اختيار الموضوع. ومن الضروري جدًّا أن يقدر أهمية الموضوع وجدته وطرافته؛ فلا يختار موضوعًا قد سبقه غيره إليه، فأشبعه تحليلًا وبيانًا؛ اللهم إلا إذا كان غيره قد تناول جانبًا من جوانبه؛ فلا بأس في أن يختار جانبا آخر، ولا شك أن لكل موضوع عدة جوانب؛ فالأديب حين يدرس صدر الإسلام يدرس الشعر مثلًا ويتناول غيره من الأدباء الخطابة،
وقد يتناول ثالث النثر، والمؤرخ يتناول بالدراسة أهم الأحداث التي جرت في تلك الفترة، وعالم الاجتماع قد يدرس بعض الظواهر الاجتماعية في تلك الحقبة؛ بينما يتناول الفقيه أدلة الأحكام التي تنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويهم المحدث أن يبين الصحيح منها والضعيف، ويحرص على معرفة حفظ الحديث وروايته وكبار نقلته وأئمته وحفاظه؛ فكل باحث تناول جانبًا من جوانب تلك الفترة المحددة؛ لكن أبحاثهم اختلفت وتغايرت. وقد يتعرض الباحث في موضوع بلمحة موجزة إلى ما له صلة بهذا الموضوع فمثل هذه اللمحة لا تحول دون اختيار الموضوع والكتابة فيه.
ومن أهم عوامل نجاح الموضوع أن يكون خصبًا حيويًّا له صلة قوية بميل الطالب. وكلما اتسعت دائرة الانتفاع به ازدادت أهميته؛ فالكتابة في موضوع "المصارف في الإسلام" تلقى اهتمامًا أكبر بكثير من الكتابة في "القياس" أو "الاستحسان"؛ ذلك لأن الموضوع الأول يشغل أذهان المسلمين على اختلاف طبقاتهم وأعمالهم. والكتابة في موضوع "استخراج الماء في الأراضي الصحراوية" في بيئة صحراوية تلقى ترحيبًا كبيرًا واهتمامًا عظيمًا غير الذي تلقاه فيما لو كتب في بلاد أنهارها كثيرة، وأمطارها غزيرة وأراضيها خصبة.
ومما يسهم في نجاح البحث غزارة المصادر، ووفرة المادة، ووضوح المنهج وتحديد الموضوع تحديدًا دقيقًا بحيث يسهل اختيار عنوانه؛ فيدل على مضمونه وألوانه.
وقد لا يواجه الطالب المبتدئ في السنوات الأولى في الكلية أو الجامعة مشكلة اختيار البحث؛ لأن المدرس يختار موضوعًا أو أكثر يناسب الطلاب؛ فيكتب كل طالب فيما عينه المدرس، أو يختار موضوعًا من موضوعين أو ثلاثة؛ فيحتاج إلى تقليب النظر فيها حتى