الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإنسان
لقد حظي الإنسان بالجانب الأكبر من اهتمام القرآن الكريم، كيف لا، وهو سيد المخلوقات الذي سخر له كل ما في السموات والأرض، وخص بملكة العقل والبيان، فكان أهلا لحمل الأمانة التي عجزت عنها السماوات والأرض والجبال وأشفقت منها وحملها الإنسان.
لقد بيّن القرآن مبدأ خلق النوع البشري، ثم سنة الله في تطوره وتكاثره من الزوجين الذكر والأنثى، وبيّن أطوار خلقه في الظلمات الثلاث داخل القرار المكين إلى أن يخرج خلقا آخر مكتمل الخلقة سويها، كما تحدث القرآن الكريم عن خصائص هذا الإنسان الذي أكرمه ربه من بين سائر المخلوقات، إلا أن الإنسان كثيرا ما يتنكر لهذه النعم ويسيء الأدب مع خالقه المتفضل عليه بالنعم الوافرة، كما يتحدث القرآن الكريم عن مصير الإنسان باعتباره كائنا حيا فمصيره الموت، ثم بالبعث والنشور للحساب.
إن دراسة الإنسان من خلال آي الذكر الحكيم لن يصل إلى دقائق أسرارها جيل من الأجيال مهما بذلت الجهود من المختصين ومهما رصدت الأموال للأبحاث في مخلوق يكتنف الغموض جوانب كينونته وتلتف الأسرار حقيقة ماهيته.
وفي عصرنا الحاضر وعلى الرغم من تقدم العلوم الهائل في مجالات الحياة المختلفة فلا يزال الإنسان ذاك اللغز المحير، ولا تزال جوانب كثيرة مجهولة تماما في الإنسان لم يستطع العلماء أن يفهموا حتى ظواهرها
البسيطة: كيف يفكر الإنسان؟ كيف يحلل الأمور؟ كيف ينام؟ كيف يضحك؟ كيف يحب؟ كيف يغضب؟ كيف .. ؟ كيف .. ؟.
قائمة من التساؤلات التي قد تبدو بسيطة لأول وهلة للإنسان العادي، ولكنها تحير الدراسين المتعمقين في دراسة الإنسان.
إن الدراسات لا تزال تقف على عتبة الظواهر التشريحية لمعرفة وظائف الأعضاء ولم تصل إلا إلى بعض وظائفها، إلا أنها عاجزة تمام العجز عن إدراك كيفية عملها، فإن خلف ذلك سر الروح والحياة:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)[الإسراء: 85].
يقول ألكسيس كاريل: (لقد بذل الجنس البشري مجهودا جبارا لكي يعرف نفسه ولكن بالرغم من أننا نملك كنزا من الملاحظات التي كدسها العلماء والفلاسفة والشعراء وكبار العلماء والروحانيين في جميع الأزمان، فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقط من أنفسنا، إننا لا نفهم الإنسان ككل، إننا نعرفه على أنه مكون من أجزاء مختلفة،
وحتى هذه الأجزاء ابتدعتها وسائلنا، فكل واحد منا مكون من موكب من الأشباح، تسير في وسطها حقيقة مجهولة.
وواقع الأمر أن جهلنا مطبق، فأغلب الأسئلة التي يلقيها على أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بلا جواب لأن هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنية ما زالت غير معروفة (1).
الإنسان:
قال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7)[الطارق: 5 - 7].
(1)«الإنسان ذلك المجهول» ص 17.
يقول ابن القيم: (فارجع الآن إلى النطفة وتأمل حالها أولا وما صارت إليه ثانيا، وأنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يخلقوا لها سمعا أو بصرا أو عقلا أو قدرة أو علما أو روحا بل عظما واحدا من أصغر عظامها بل عرقا من أدق عروقها بل شعرة واحدة لعجزوا عن ذلك، بل ذلك كله آثار صنع الله الذي أتقن كل شيء في قطرة من ماء مهين، فمن هذا صنعه في قطرة ماء فكيف صنعه في ملكوت السماوات وعلوها وسعتها واستدارتها وعظم خلقها وحسن بنائها وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها ومقاديرها وأشكالها)(1).
يقول تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172)[الأعراف: 172].
ويقول جل ثناؤه: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7)[الطارق: 5 - 7].
تشير الآية الأولى أن الله سبحانه وتعالى أخذ من ظهور بني آدم ذريتهم، وذلك في عالم الذر، وأشهدهم على أنفسهم الإقرار بربوبية الله سبحانه وتعالى وعبوديتهم لخالقهم. وموطن الشاهد في الآية أن مكمن الذرية هي الظهور، وتشير الآيات في سورة الطارق إلى أن الماء الدافق مصدره من بين الصلب والترائب، يقول خبراء علم الأجنة: إن الجنين عند تكوينه في الرحم تنبت الخصيتان في ظهره عند أسفل الكليتين تماما وتبقيان كذلك في ظهره حتى أشهره الأخيرة في بطن أمه ثم تنحدران إلى الأسفل، وعند الولادة تكونان في المركز المعتاد.
وكذلك مركز المبيض في الأنثى فإنه في الظهر تماما تحت الكلية ذكرا كان أم أنثى، ومعلوم أن الخصيتين والمبيض هما مستقرا النطفة التي
(1)«مفتاح دار السعادة» 1/ 196.
هي مبدأ خلق الإنسان وهما في الظهر، ويقولون: إن الخصية والمبيض يعتمدان على شريان يمدهما بالدم، وأصل هذا الشريان من الشريان الأورطي في مكان يقابل مستوى الكلية الذي يقع بين الصلب والترائب، ويقولون: إن الخصية والمبيض يعتمدان على الأعصاب التي تتصل بالضفيرة اللاورطية ثم بالعصب الصدري العاشر الذي يخرج من النخاع بين الضلع العاشر والحادي عشر، وهذا أيضا بين الصلب والترائب (1).
(1)«القرآن والعلوم» ص 12 - 14.