الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)[البقرة: 177].
وعلى نطاق الدولة فمهمتها كفالة المجتمع الإسلامي بأسره وتوفير الحاجيات الأساسية من مطعم وملبس ومأكل، وقد جاء ذلك صريحا في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنّة خلفائه الراشدين، يقول عليه الصلاة والسلام:«أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته» وفي رواية: «من ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه» رواه مسلم من حديث أبي هريرة (1).
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ولم يبق أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق، إلا ما تملكون من رقيقكم، فإن أعش إن شاء الله لم يبق أحد من المسلمين إلا سيأتيه حقه، حتى الراعي بسر وحمير يأتيه ولم يعرق فيه جبينه)(2).
4 - الأسس التي بنيت عليها علاقات الدولة الإسلامية بغيرها:
ذكر القرآن الكريم المبادئ التي يحدد المسلمون بموجبها علاقتهم بغيرهم والنظرة القرآنية إلى هذه العلاقات متمشية مع مبادئه السامية في نظرته إلى الكون والإنسان عامة. فمن سنن الله في المجتمعات الإنسانية سنة التدافع، فالحق لا بد له من قوة تسند مسيرته، وإلا تغلب عليه الباطل وأهله وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ [البقرة: 251].
لذا كانت نظرة القرآن الكريم إلى الإنسانية أنها مأمورة بالسير في
(1) صحيح مسلم، كتاب الفرائض ج 5 ص 62.
(2)
تفسير ابن كثير ج 4 ص 340، ورواه النسائي بلفظ قريب في كتاب قسم الفيء ج 7 ص 137.
الكون على منهج خالق الكون، فإذا اضطرب أمرها واندثرت معالم الحق منها كانت مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام بيانه لها، فإن صممت على السير في متاهات الحياة على غير بصيرة اقتضت مصلحتها أن تعاد إلى الطريق السوي بالقوة.
فالنظرة الإسلامية إلى الإنسان نظرة شفقة وعطف ورحمة، والمسلمون حين يدعون الناس إلى الإسلام إنما يريدون لهم الخير والفلاح، فإن أصر الناس على معاندة الحق وتنكب طريق الفلاح كانت النظرة الإسلامية العلاجية لمثل هذه الحالات إعلان الجهاد في سبيل إحقاق الحق وإزالة العقبات أمام الدعوة والدعاة ورفع الظلم والاضطهاد عن المستضعفين. وإلى هذه الغايات تشير الآية الكريمة: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)[الحج: 39 - 40].
والناس أمام دعوة الحق فئات، وقد أشار القرآن إلى الموقف الذي ينبغي اتخاذه تجاه كل فئة.
1 -
فمنهم الذين يقفون في وجه دعوة الحق موقف العداء، ويحاولون الاعتداء على بيضة الإسلام في أرض المسلمين، أو يمنعون الدعاة من إبلاغ الدعوة إلى الشعوب بالاعتداء عليهم وإخراجهم من أرض الله، أو يفتنون المسلمين من سكان بلادهم عن دينهم بمنعهم من إقامة شعائر دينهم، فهؤلاء المحاربون الذين حث القرآن على قتالهم بكل وسائله وطرقه بالهجوم على مآمنهم والقصد إلى مكامنهم، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)[التوبة: 5].
ويقول تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29)[التوبة: 29].
إلا أن الجهاد الإسلامي لا يتجاوز معسكر الحكام والجيوش، أما العلاقة بين المسلمين والشعوب فتبقى علاقة ود وعطف ورغبة في الهداية، يقول تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)[الممتحنة: 8 - 9].
ويرغب القرآن الكريم في إنهاء القتال إن مال الأعداء إلى السلم ما لم تظهر منهم أمارات الخديعة والمكر:* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)[الأنفال: 61 - 63].
2 -
والفئة الثانية أهل الميثاق:
وتمشيا مع شرعة القرآن في جعل الجهاد علاجا لحالات لم تنفع فيها الحكمة والموعظة الحسنة فقد سن للمسلمين حق إنشاء معاهدات ومواثيق بينهم وبين غيرهم بدأ وبعد حرب، وأمر بالوقوف عند هذه المواثيق بقطع النظر عن أي اعتبار ما داموا لا ينقضون منها شيئا ولا يظاهرون على المسلمين أحدا، يقول تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا [الإسراء:
34] ويقول: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91)[النحل: 91].
إلا أن مراعاة المواثيق والعهود لا تجعلنا في غفلة عن حال العدو، فنحن ملتزمون بمضمون المعاهدة إذا حافظ عليها الطرف الآخر ولم تبد من
جانبه نية الخيانة ولم يخل بشيء من التزاماته، ولم يظاهر علينا عدوا بالمال أو السلاح أو الرأي والتدبير، فإن بدر منه ما ينقض مضمون المعاهدة كان لنا أن نعامله بالمثل، وبذلك تفقد المعاهدة حرمتها ونكون في حل من التزاماتها، ولكن القرآن أوجب عندئذ إعلام الطرف الآخر بنبذ المعاهدة ولا يسمح بالمباغتة إلا بعد وصول نبأ النبذ إليهم، يقول تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) [الأنفال:
58].
3 -
والفئة الثالثة هم فئة المسالمين (المحايدين):
وهم الذين يعتزلون قتال المسلمين ويكفون أيديهم وألسنتهم ولا يظاهرون عليهم عدوا، وهم الذين لا يريدون أن يكونوا مع المؤمنين على قومهم، ولا مع قومهم على المؤمنين، فهؤلاء لا يقاتلون ما التزموا الحياد في مكانهم بعيدين عن المحاربين. يقول تعالى في شأن هؤلاء: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ
حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا
(90)
[النساء: 90].
وهكذا تتضح لنا معالم هدايات القرآن الكريم في تنظيم شئون الحياة كلها صافية نقية توفر السعادة للفرد والأمن والاستقرار للمجتمع وتحفظ للأمة كيانها وهيبتها ومركزها بين الأمم.
وإذا كان المعيار الذي يعرف به عظمة التشريعات وصلاحها وشمولها ودقتها هو الأثر الذي تتركه في المجتمعات ومدى توفير السعادة والطمأنينة للشعوب فإن أثر تطبيق الشرائع الإسلامية ظاهرة للعيان في مختلف العصور الإسلامية وفي سائر أقطار المسلمين.
فسعادة المسلمين ورقيهم وتقدمهم مرتبطة بالتمسك بشرائع الإسلام وهم قوم أعزهم الله بالإسلام فمهما ابتغوا العزة في غيره أذلهم الله.