الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت القصيدة تفعل فعلها في القبائل وربما نزلت منزلة قبيلة إلى الحضيض لأن شاعرا أقذع في هجائها. وربما ارتفعت مكانتها لأن شاعرا قد أجاد في تمجيد مآثرها. (وحادث بني أنف الناقة)(1)، وما جرى بين الحطيئة (والزّبرقان)(2) يدلنا على مدى ترك الكلمة أثرا في نفوس القوم ..
فكانت معجزة خاتم النبيين في الكلمة والقول.
والحكمة الإلهية في اختيار المعجزة من جنس ما اشتهر بين القوم هي أن الإنسان إذا أوتي من قبل ما يعتبره مفخرته ومجال إجادته واعتزازه تكون الحجة عليه أقوى والمعجز أكثر فعلا وأثرا.
ولتكون معجزة النبي الخاتم أشدّ لمعانا وأسطع برهانا فقد جعل الله معجزته كتابا متلوّا معجزا، وهو الإنسان الأمي الذي لم يخطّ بيده كتابا ولم يتلقّ من أحد من البشر معرفة.
مزايا معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم العظمى (القرآن الكريم):
لقد جعل الله سبحانه وتعالى معجزة رسوله صلى الله عليه وسلم من نوع خاص، إلى جانب تحقيق سنته في معجزات الأنبياء. جعلها القرآن الكريم لحكم جليلة.
ندرك من هذه الحكم ما يلي:
(1) كان بنو أنف الناقة يخجلون من هذه التسمية ويتهربون من الانتساب إلى هذه القبيلة، إلى أن جاء أحد الشعراء وقال قصيدة في مدحهم ورد فيها:
قوم هم الأنف والأذناب دونهم
…
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
فصار أبناء القبيلة يفتخرون بعد ذلك بنسبتهم إلى قبيلة (أنف الناقة).
(2)
هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر من أسياد بني تميم ومن جملة ما قاله فيه:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
…
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فشكاه الزبرقان إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر ما أرى أنه قد هجاك ومع ذلك فلندع شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسان بن ثابت ولنر رأيه فاستدعى حسان بن ثابت فلما قرأ البيت قال يا أمير المؤمنين إنه لم يهجه بل سلح عليه.
أ- مواءمة طبيعة الرسالة: لقد كان الرسول في السابق يرسل إلى قوم مخصوصين أو إلى قبيلة خاصة ولفترة زمنية محددة أحيانا، فكان التحديد زمانا ومكانا وقوما يحدّد مهمة الرسول. أما الرسالة الخاتمة فقد امتازت عن الرسالات السابقة بشمولها وعمومها وعالميتها زمانا ومكانا ومكلّفين يقول تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) [الأعراف:
158] « .. وكان النبي يرسل إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود» (1).
فكانت معجزات الأنبياء ملائمة لطبيعة رسالاتهم، وكانت المعجزة تنتهي بوفاة الرسول ولا يبقى إلا الحديث عنها والأخبار التي يتناقلها أتباع الدين جيلا عن جيل. ولا تنفك المعجزة عن شخص الرسول فلا تبقى بمنأى عنه في الزمان والمكان. أما الرسالة المحمدية فهي مستمرة إلى يوم القيامة، ولا بدّ من معجزة مستمرة تقيم الحجّة على الأجيال اللاحقة بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وربانية رسالته. ولا تؤدّي المعجزة المادية هذا الدور وهذه المهمة، فكان الاختيار الرباني أن تكون المعجزة وحيا. روى الشيخان من حديث الليث بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما من الأنبياء نبيّ إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (2).
ب- كون القرآن الكريم المعجزة الخالدة: فمن المعجزة تستنبط أحكام الشريعة فآية تصديق الرسالة في الرسالة نفسها، وليس في معجزات
(1) رواه البخاري في باب التيمم: 1/ 86، ومسلم في المساجد 1/ 63 بلفظ:«بعثت إلى الناس عامة» .
(2)
رواه البخاري في فضائل القرآن ج 6 ص 97، وفي الاعتصام، ومسلم في الإيمان 1/ 92.