الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقيق الشخصية «البصمات»
يقول تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة: 1 - 4].
لقد أثارت الإشارة في الآيات الكريمة انتباه المفسرين ودهشتهم، حيث أقسم الله سبحانه وتعالى بيوم القيامة وبالنفس الباقية على فطرتها التي تلوم صاحبها على كل معصية أو تقصير في طاعة، أقسم بهما على شيء عظيم يعتبر الركن الثاني من أركان العقيدة، ألا وهو بعث الإنسان بعد موته وجمع عظامه للحساب والجزاء. فبعد القسم على ذلك بين الله سبحانه وتعالى أن ذلك غير مستحيل، لأن من كان قادرا على تسوية بنان الإنسان يقدر على جمع عظامه وإعادة الحياة إليها.
والشيء المستغرب لأول وهلة في هذا الاستدلال، هو أن القدرة على تسوية البنان، والبنان جزء صغير من تكوين الإنسان، لا يدل بالضرورة على القدرة على إحياء العظام وهي رميم، لأن القدرة على خلق الجزء لا يستلزم بالضرورة القدرة على بناء الجسم كله.
وعلى الرغم من محاولات المفسرين إلقاء ضوء على البنان وإبراز جوانب الحكمة والإبداع في تكوين رءوس الأصابع من عظام دقيقة وتركيب الأظافر فيها ووجود الأعصاب الحساسة وغير ذلك، إلا أن الإشارة الدقيقة أدركت فيما بعد في القرن التاسع عشر الميلادي، عند ما اكتشف علماء الطب أن الخطوط الدقيقة الصغيرة الموجودة على البشرة في رءوس الأصابع تختلف من شخص لآخر وأن هذه الخطوط تكون على ثلاثة أنواع
«أقواس، أو عراو، أو دومات- بمعنى دوائر متحدة المركز» وهناك نوع رابع يختلف عن الأنواع المذكورة ويطلق عليه اسم (المركبات) لأنها مركبة من أشكال متعددة.
وهذه الخطوط تظهر في جلد الجنين وهو في بطن أمه عند ما يكون عمره بين 100 - 120 يوما، وتتكامل تماما عند مولده، ولا تتغير مدى الحياة ومهما عرض له من إصابات وحروق وأمراض، كما أنه لا تتطابق تمام التطابق من شخص إلى آخر بل لا بد من فوارق تميز أحدهما عن الآخر.
لقد قلب الأطباء هذا الاكتشاف العجيب على وجوه، وأجريت الدراسات العميقة حولها وعلى أعداد كبيرة من الناس من مختلف الجنسيات والأعمار، ثم وقفوا أمام الحقيقة عارية ليحنوا الرءوس للقادر على أن يسوي البنان، وفي سنة 1884 م استعملت البصمات في إنجلترا رسميا كوسيلة للتعرف على شخصية الشخص المراد، ولا تزال البصمات أمضى سلاح يشهر في وجه الجريمة إلى يومنا هذا.
وتبرز عظمة الخالق سبحانه وتعالى في تشكيل هذه الخطوط على مسافة ضيقة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات مربعة، فلا تشابه بين بنان اثنين من ألوف الملايين من البشر.
ولو أعطي إنسان مساحة بمقدار قعر الكف مثلا وطلب منه أن يرسم لوحات كثيرة لا تتشابه في خطوطها وتقسيماتها، إن هذا الإنسان مهما كان واسع العقل، ومهما بلغت حيلته في هذا الشأن يمكن أن يرسم ألف أو عدة آلاف من النسخ، تتباين أشكالها وتقسيماتها، ومن ثم تنتهي إمكانياته، وتأتي الأشكال بعد ذلك متماثلة مع بعض ما سبق رسمه، أما خلق الله وإبداعه فلا يعجزه شيء في ذلك.
هذا ما توصل إليه العلماء إلى وقتنا الحاضر، ولا نقصر دلالة الآية القرآنية على هذا الجانب حصرا بل قد يأتي اليوم الذي تكتشف فيه أسرار
ربانية أخرى في تسوية البنان، وتبقى الحقيقة الخالدة بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ معلما بارزا على مر الأجيال والعصور تشير إلى مصدر القرآن الكريم.
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الفرقان: 6].
وشيء قريب من سر الخالق في البنان، قضية اختلاف ألوان الناس وأصواتهم فلا نجد شخصين متطابقين في تقاسيم الوجه والبشرة واللون، وكذلك نبرات الصوت وطريقة الكلام، إنها قدرة الخالق العظيم الذي لا تنتهي بدائع صنعه، ولا تنقضي عجائب مخلوقاته، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22)[الروم: 22].