الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النجوم
يقول تعالى:* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)[الواقعة: 75].
هذه الآية من الآيات التي تظهر إعجاز القرآن الكريم في تقرير حقائق الكون، فلم يكن يدور بخلد أحد عند نزول القرآن أن مواقع النجوم شيء جدير بأن يقسم به الخالق ويقرر عظمته.
والحديث عن مواقع النجوم يتناول جانبين: بعدها، منازلها:
يقرر العلم الحديث أن أقرب نجم (1) إلينا داخل مجرتنا ممثلا في مجموعة النجم (قنطورس) مثلا يبعد عنا بمسافة تقدر بعدد من السنين الضوئية وشمسنا في طرف مجرتنا تبعد آلاف السنين الضوئية عن المركز، حيث تتكدس الشموس والنجوم.
وعند ما نخرج إلى خضم الفضاء الفسيح نجد أن أقرب المجرات تبعد عنا بعدة مئات آلاف السنين الضوئية، ويتزايد بعد المجرات الأخرى عنا حتى تصل حدود الكون المرئي على مسافة نحو خمسة آلاف مليون سنة ضوئية. وهكذا نرى أننا نعيش على كوكب يقع شمسه في طرف ذراع مجرة من بين بلايين المجرات التي تقبل إلينا أضواؤها خافتة لشدة بعدها عنا إنها مواقع النجوم التي أقسم الخالق جل شأنه بها وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76).
(1) اصطلح الفلكيون على التفريق بين النجم والكوكب، فالنجوم والشموس: أجرام سماوية مستعرة ومضيئة بذاتها، أما الكواكب: فهي التي بردت سطوحها كالأرض.
ويقرب أحد الفلكيين أحجام الكواكب والنجوم إلينا بمثال حسي مصغر فيقول:
لو أننا أردنا وضع نموذج صغير جدا للكون نجعل فيه الأرض بحجم حبة الخردل فإن القمر سيكون ذرة بحجم ربع حبة الخردل، وعلى مسافة بوصة واحدة ستكون الشمس بحجم التفاحة وبقية الكواكب السيارة ستتباعد وتقترب من حجم الذرة إلى أكبر من ذلك. ومسافاتها عن الشمس تختلف بين عشرة أقدام إلى ربع ميل، هذه المجموعة الشمسية على نموذج نصف ميل، وبعدها لا بد أن تقطع فضاء على هذه النسبة نفسها- مساحته أعرض من قارة أمريكا حتى تستطيع أن ترى جرما سماويا، وهكذا تبتعد النجوم بعضها عن بعض بحيث إن نموذجا مساحته مساحة الكرة الأرضية لا يتسع لأكثر من ثلاثة نجوم على فرض أن حجم الكرة الأرضية فيه بحجم حبة الخردل. فما بالنا بالمساحة التي عليها أن تكفي وتحتوي على مائة مليون نجم مثلا؟! (1).
وهذا العدد الهائل من النجوم ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه، وكلها تسبح في الفلك الغامض ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر أو يصطدم بكوكب آخر إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة، وهو احتمال بعيد وبعيد جدا، إن لم يكن مستحيلا (2).
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)[لقمان: 11].
(1)«وجوه من الإعجاز القرآني» لمصطفى الدباغ ص 89.
(2)
«الله والعلم الحديث» لعبد الرزاق نوفل، نقلا عن «لفتات علمية من القرآن» ص 19.
وجانب آخر من مواقع النجوم هو تلك المنازل والمدارات التي لا تتبدل ولا تتغير بنسبة بعضها إلى بعض على مر العصور، وقد أمكن الوصول إلى معرفة نسب مقدرة تقديرا دقيقا في المجموعة الشمسية.
يقول علماء الفلك في ذلك:
إن أبعاد السيارات في المجموعة الشمسية جارية على نسب مقدرة ومطردة تسير وفق (9) منازل، أولها الصفر ثم تليه ثمانية أعداد تبدأ بالعدد (3) ثم تتدرج مضاعفة هكذا:
(0، 3، 6، 12، 24، 48، 96، 192، 384).
فإذا أضيف إلى كل واحد من هذه الأعداد العدد (4) ثم ضرب حاصل الجمع بتسعة ملايين ميل ظهر مقدار بعد الكوكب عن الشمس.
ومن المعلوم المقرر أن ترتيب هذه الكواكب حسب بعدها عن الشمس كالتالي:
(عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري، زحل، أورانوس، نبتون).
0 3 6 12 24 48 96 192 384 فإذا أردنا معرفة بعد كوكب (الزهرة) مثلا، وهو في المنزلة الثانية من الترتيب إذ ليس أمامه غير عطارد ومنزلته الصفر، فمنزلة الزهرة رقم (3) وإذا أضفنا إلى رقم منزلة الكوكب العدد (4) كما أفادت القاعدة ثم ضربنا الناتج في (9) ملايين يكون الناتج (63) مليون ميل وهو بعده عن الشمس.
وإذا أخذنا المريخ ومنزلته الرابعة بعد (عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ) لأمكننا بكل سهولة حساب بعده عن الشمس بتطبيق القاعدة المتقدمة: (12+ 4) 9 مليون 144 مليون ميلا تقريبا وهكذا سائر الكواكب.
ولقد لفت نظر الفلكيين في بداية الأمر إشكال لم يلبس أن وضح حله وزال من أذهانهم، فقد لاحظوا أن المنازل التي تقدرها حساباتهم هي
تسعة منازل في حين أن الكواكب المعروفة لديهم في المجموعة الشمسية ثمانية، فمنزلة العدد (24) ليس فيها كوكب بل يأتي بعد المريخ- صاحب العدد (12) - كوكب المشتري وهو صاحب العدد (48)، فأثيرت الشبهة في إطراد هذه النسبة بين المجموعة الشمسية، ثم وجدوا بعد الرصد الدقيق والبحث المتواصل، وجدوا في هذا الفراغ الذي قدروا أنه لا بد من وجود كوكب فيه وجدوا كويكبات صغيرة كثيرة تدور كلها في الفراغ المذكور بين المريخ والمشتري، أي في المنزلة رقم (24).
ومما يقرره علماء الفلك بهذا الصدد أن المجموعة الشمسية وغيرها من المجموعات التي تسير في مواقعها وتسبح في أفلاكها لو حادت قيد شعره عن مسارها المخصص لاختلف نظام الكون كله باختلال نظام الجاذبية بين الكواكب، فسبحان الذي عظم من هذه الحقائق بقوله:* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76).
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)[يونس: 5 - 6].