الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه دلالة الغيب على مصدر القرآن
إن حالة محمد صلى الله عليه وسلم عند إطلاق هذه الأنباء الموغلة في القدم، أو الحاضرة الخافية في صدور أهلها، أو الوعود المستقبلة التي كانت في مجاهل الغيب، كان حاله في كل ذلك حال الواثق المتيقن من الأمر، وهو بشر لم يطلع على كتب السابقين ولا يملك من تصرف أمور المستقبل شيئا، وكان هو بذاته ينفي عن نفسه علم الغيب: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف: 188].
فلو لم يكن مستندا إلى ركن قوي ما أطلق مثل هذا، وجازف بدعوته وهو الذي عرف عنه التعقل والحكمة ولم يعهد منه تسرع في أمر، أو تقول بلا روية، حتى قبل أن يكرمه الله بالرسالة.
فلا شك أن الوحي الإلهي كان ينطقه، كما أن الصدق المطلق الذي رافق القرآن الكريم من يوم نزوله إلى يوم انقطاع الوحي بالتحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، أمر يوجب التوقف والتدبر، إن الصدق في أخبار القرآن الكريم ظاهرة لا يستطيع إنكارها أحد، حتى الذين عادوا الإسلام، كان هؤلاء يضمرون في أنفسهم احترام صدق القرآن وحقيقته بالرغم من ركام الوثنية والشرك والتكذيب الذي لاقوه به، بل كان هذا الاحترام المنتزع منهم والمفروض عليهم ملازما لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان ينطق بالقرآن.
ولقد أدرك مشركو العرب هذه الحقيقة من خلال اختلاطهم
برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، حيث صدقت الحوادث الكونية كثيرا مما أخبرهم به القرآن الكريم.
كما أدرك أهل الكتاب صدق القرآن فيما أخبرهم به من الحوادث الغابرة التي كانوا يعرفونها من بطون كتبهم، وكذلك أدركوا هذا الصدق المطلق من خلال كشف القرآن الكريم لمخططاتهم ومؤامراتهم على الإسلام وأهله.
إن هذه الأنباء الصادقة التي جاء بها القرآن الكريم لدليل ظاهر وبرهان قاهر على أنه كلام رب العالمين، الذي يستوي عنده علم السابق واللاحق، لا تخفى عليه خافية، لقد ظهر صدق القرآن الكريم لكل ذي عينين في عشرات الحوادث التي أخبر عن وقوعها في المستقبل ووقعت بالفعل كما أخبر، ولا زالت الأيام تكشف عن جوانب من هذه الأنباء، سواء في الكون أو الإنسان أو الحوادث الكونية العامة الشاملة.
إن ظاهرة الإخبار بالمغيبات في القرآن الكريم وتصديق الوقائع لها وعدم تخلف الصدق عنها ولو في جزئية بسيطة، لدليل على أنه وحي ممن خلق الأرض والسماوات العلى، أنزله على رسوله ليكون دلالة على صدقه.