الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تخضع للأسباب والمسببات ولا يمكن لأحد أن يصل إليها عن طريق الجهد الشخصي والكسب الذاتي وإنما هي هبة من الله سبحانه وتعالى يختار نوعها وزمانها ليبرهن بها على صدق رسول الله الذي أكرمه بالرسالة.
والسحر والأعمال الدقيقة التي يمارسها بعض أهل الرياضات البدنية أو الروحية لا يدخل تحت اسم الخارق لأن لكل من تلك الأمور أساليب ووسائل يمكن لأي إنسان أن يتعلمها ويتقنها ويمارسها، فإذا اتبع الأسباب والأساليب المؤدية إلى نتائجها أمكنه بواسطة الجهد الشخصي والمران والممارسة أن يتوصل إلى تلك النتائج.
أما الأمور الخارقة فلا تدخل تحت طاقة البشر، ليست لها أسباب تؤدّي إليها.
شروط المعجزة:
ومن خلال التعريف السابق للمعجزة نستطيع أن نتلمس شروطها:
1 -
أن تكون من الأمور الخارقة للعادة: سواء كان هذا الأمر الخارق من قبيل الأقوال: كتسبيح الحصى وحنين الجذع ومثل القرآن الكريم، أو يكون من قبيل الفعل
كانفجار الماء من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم وتكثير الطعام القليل وكفايته للجمع الكثير أو من قبيل الترك: مثل عدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعدم إغراق الماء لموسى وقومه وعدم سيلانه عليهم.
أما إذا كان الأمر من الأمور الاعتيادية للناس ومع ذلك لم يستطع الناس الإتيان بها يكون (المانع) هو الأمر الخارق وليس هذا الأمر المعتاد، فلو قال: معجزتي عدم استطاعتكم وضع أيديكم على رءوسكم فلم يستطيعوا بالفعل لكان هذا المنع في هذه اللحظة هي المعجزة، وليس عملية وضع الأيدي.
2 -
أن يكون الخارق من صنع الله وإنجازه يقول تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ
وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)[غافر: 78].
فالمعجزة هبة من الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أحد أن يعيّن زمانها ونوعها: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ [الأنعام: 109].
3 -
سلامتها من المعارضة: فلو استطاع الخصم أن يأتي بمثل ما جاء به النبي بطلت حجته ولم يسلم له ادعاؤه أن هذه الخارقة أو هذا الأمر دليل على صدقه وأمارة على بعثته من قبل الله سبحانه وتعالى.
4 -
أن تقع على مقتضى قول من يدّعيها (وقوعها على مقتضى الدعوى).
يشترط في المعجزة أن تكون موافقة لقول مدّعيها غير مخالفة له سواء كان هذا الأمر مطابقا لطلب المعاندين أو مخالفا له، لأن الرسول يبلّغ عن أمر ربه في تحديد نوع المعجزة وزمانها ولا دخل له في هذا التعيين، فإذا جاءت المعجزة على وجه غير الوجه الذي عيّنه الرسول لم تكن دليلا على صدقه، بل تثير عندئذ الشكوك حول ادعائه. ومن هذا القبيل ما وقع لبعضهم مما يطلق عليه العلماء (اسم الإهانة)؛ فإذا مسح على المريض ليشفى فمات، أو بصق في البئر لتكثير مائه فغار كما ذكرت بعض الروايات في شأن مسيلمة الكذاب، فلا تكون معجزة إنما هي إهانة له ودليل على كذبه.
5 -
التحدّي بها: وهذا شرط أساس في المعجزة لإثبات عجز الجاحدين وإقامة الحجة عليهم فإن عدم التحدّي لمعجزة لا يبرزها كدليل وبرهان، لكي لا يقول قائل فيما بعد: إنه لو تحدّي بالمعجزة القوم لتمكّنوا من الإتيان بها.
والتحدّي يكون بالقول الصريح بأن يقول الرسول: دليل صدقي وصحة ما جئت به هو عجزكم عن الإتيان بمثل هذا الأمر الذي أفعله.
وهذا هو الغالب في معجزات الرسل عليهم الصلاة والسلام، وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) [آل عمران: 49].
كما يكون التحدّي (بالقوة) حيث لا يكون هنالك تحدّ ظاهر لأن المقام لا يستدعيه ولكن لو وجد تحدّ لأفحم المتحدّى به، ومن هذا القبيل الخوارق التي وقعت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه وهم مؤمنون به، فمثلا نبع الماء بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في مضمار تحدّ لإثبات رسالة، ومثل ذلك تسبيح الحصى في يده، وحنين الجذع إليه فقد وقعت هذه الخوارق في جو إيماني وفي مجتمع إسلاميّ.
وقد فرّق بعض العلماء بين الخارقة التي يتحدّى بها الرسول القوم ويجعلها آية صدقه وبرهان صحة رسالته، وبين الخارقة التي لا تقترن بالتحدّي وتقع بين المؤمنين برسالة الرسول؛ فأطلقوا على النوع الأول اسم (المعجزات)، وأطلقوا على النوع الثاني اسم (دلائل النبوة).
يقول ابن حجر في فتح الباري في شرح (باب علامات النبوة):
العلامات جمع علامة وعبّر عنها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة، والفرق بينها أن المعجزة أخص، لأنه يشترط فيها أن يتحدّى النبي من يكذبه.
6 -
أن يستشهد بها مدّعي الرسالة على الله عز وجل: أي يجعلها الرسول دليل صدق رسالته لإثباتها وينسب هذا الأمر إلى الله عز وجل فيقول مثلا: آيتي أن يقلب الله سبحانه وتعالى هذه العصا ثعبانا، أو أن يحيي الله سبحانه وتعالى هذا الميت عند قولي له (قم).
7 -
تأخّر الأمر المعجز عن دعوى الرسالة: لأنه بمثابة الشاهد، ولا